تبرئة الكاتبة إبيك جاليشلار
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تصحيح سيرة حياة "لطيفة خانم"
مازن الراوي من برلين: في التاسع عشر من هذا الشهر(ديسمبر) قضت محكمة تركية بإسقاط الدعوى الموجهة ضد الكاتبة إبيك جاليشلار ( 57 عاماً) وكانت قد اتهمت بإهانة "التراث التركي". هذه التهمة التي تنص عليها المادة 301 من قانون العقوبات كسيفٌ مسلط على رؤوس الكتاب والمثقفين في تركيا. وسيق حتى الآن حوالي 70
وحينما بدأت محاكمة الكاتبة إبيك جالشلار في الخامس من أكتوبر، وفق القانون المذكور، ثمّ تأجلت حتى التاسع من ديسمبر، طالب أولي رين مفوض توسيع الاتحاد الأوربي الذي صادف محادثاته في تركيا رفع قضية جالشلار إلى المحكمة، طالب الحكومة التركية النظر مجدداً في المادة 301 وتغييره لأنه قانون يقع تحت طائله الكثير من المنتقدين الذين يعتبرهم القانون معادين للتراث القومي التركي. ولكن أوضح رئيس الوزراء رجب أردوغان بأنه لا داع لتغيير القانون، و"في معظم الحالات أسقطت التهمة أو أفرج عن المتهمين".
ولكن ما الذي دعا إلى أن تمتثل الكاتبة جاليشلار أمام المحكمة؟
اتهمت إبيك جالشلار فبل أشهر بإهانة التراث التركي في كتاب لها صدر في حزيران من هذا العام بعنوان"لطيفة خانم" تتناول فيه سيرة حياة زوجة مؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، باعتبار أنها تعرضت لشخصيته وقللت من شأن قوته وشجاعته، وبالتالي وجهت إهانة لمؤسس الدولة، وهي إهانة للشعب التركي برمته. وكان ينتظر الكاتبة حكم بالسجن لمدة أربع سنوات لهذه" الجريمة". اتهم كذلكَ مع الكاتبة نجدت تاتليجان الصحافي في جريدة" جمهوريت"، لأنه علق ونشر ملخصات عن الكتاب تتضمن مقاطع من السيرة. جاءت شكوى الاتهام كما نشرتها الصحيفة من حسين توغرول بيكين، أحد قرائها، وهو يتهم الكاتبة بإهانة مؤسس الدولة.
في كتابها" لطيفة خانم" اسم زوجة مؤسس الدولة التركية الحديثة أتاتورك، تصف الكاتبة حدثاً عابراً حصل في العام 1923 وهي السنة التي تأسست فيها الدولة التركية الحديثة. في ذلك الوقت كانت قوى الثورة المضادة قد حاصرت بيت أتاتورك فساعدت لطيفة خانم زوجها عندما نصحته بالتزيّ بزي النساء وارتداء عباءة تغطيه. وهكذا تمكن أتاتورك من التخفي بين مجموعة من النساء والأطفال ونجا بالتسلل. واعتماداً على سرد الحادثة بالشكل الذي ورد في كتاب السيرة اعتبر المشتكي حسين بيكين " التخفي بزي النساء مناقض لشجاعة أتاتورك فضلاً عن أن النقاب الكلي الذي يخفي جسم المرأة "إهانة للشعب التركي، ولأتاتورك، ولي شخصياً، وبالتالي لتراث الشعب التركي".
لم تكن الكاتبة التركية في الواقع توجه نقداً أو تقلل من شأن باني الدولة. لقد أوضحت جالشلار بأن المقطع الوارد في السيرة إنما هو كلام مأخوذ عن شقيقة لطيفة خانم، ومحاولة الاغتيال هي حقيقة تاريخية" بإمكان المؤرخين أن يبحثوا ويناقشوا في هذا الموضوع بتفاصيله، ولكنني لا اعتقد بأن الأمر من اختصاص القضاة".
لم تمتثل الكاتبة جالشلار ولا امتثل الصحافي تاتليجان يوم الثلاثاء الذي صادف الخامس من أكتوبر أمام المحكمة لاستجوابهما لذلك تأجلت المحاكمة إلى التاسع عشر من الشهر الحالي ( ديسمبر) وأوعزت المحكمة للشرطة لإحضارهما أمامها في الموعد المحدد، كما نقلت وكالة أناضول آنذاك. ولكن الحدث المفرح بالنسبة لهما ولمثقفين وكتاب تضامنوا معهما هو قرار المحكمة بإخلاء سبيلهما. وقالت الكاتبة إنها سعيدة بوقوف هذا العدد الكبير من المتضامنين معها.
لقد تناولت الكاتبة التركية إبيك جالشلار سيرة حياة لطيفة أوشاكي ( لطيفة خانم) بعد بحث وتقصي استمر أكثر من عامين على نحو جريء ومختلف عما كتب عنها لتغييب دورها وتشويه صورتها. ومعظم أولئك الذين كتبوا سيرتها كانوا رجالاً لم ينصفوها. في الحقيقة رافقت لطيفة خانم حياة أتاتورك من العام 1923 إلى 1925. كانت في الواقع لطيفة خانم بالنسبة إلى أتاتورك المرأة النموذجية التي ينبغي أن تكون عليها النساء في الجمهورية
الحديثة : لقد امتنعت عن ارتداء الحجاب، واهتمت بالسياسة فيما كانت تقف إلى جانب زوجها على قدم المساواة، تشاركه في أفكاره وتدعم مواقفه من التحديث. وعندما تمّ إقرار حق المرأة في الانتخابات للبرلمان التركي في العام 1923 أعلنت عن نيتها واستعدادها للترشح للبرلمان، لكنها لم تقدر على تحقيق آمالها بعد الانفصال عن أتاتورك.
هكذا تكتب جالشلار في سيرة لطيفة خانم وتجسد تلك الجوانب المهمة من شخصيتها، كما تكشف عن طموحها: كانت سيدة داعمة لحقوق المرأة، حاولت آن تؤثر على زوجها ليقرّ بحق الانتخاب للنساء. على أية حال لم تكن لطيفة خانم امرأة نحس عليلة كما أشيع عنها وصوروها في معظم كتابات السيرة. وعندما تختارها الكاتبة وتجسدها على هذا النحو المخالف، بعد تقصي وبحث طويل، إنما تقوم الكاتبة بمشروع مهم تعتقد بأهميته السياسية والاجتماعية، خاصة في الوقت الحاضر والمجتمع التركي، وبالأخص النساء، لم يكسر أغلال العبودية إن لم يرجع إلى المزيد من القيود. إن جالشلار هي نفسها مدافعة مخلصة لحقوق المرأة وداعية جريئة لأن تتخذ النساء مواقف متقدمة في المجتمع لا آن تكون مقيدة برضاها وتمثل ظلاً مشوهاً للرجل الذي يمارس كبت حريتها وهي ساكتة.
كتبت جالشلار منذ العام 1971 بدأب عن المرأة، وعملت قرابة 10 أعوام في الإذاعة والتلفزة الرسمية صحفية وباحثة. فضت عامين في السجن( 1972 ـ 1974 ) بتهمة " الدعاية للشيوعية"، وكانت آنذاك قد بدأت إجراءات القمع بتأثير الطغمة العسكرية في تركيا تتزايد باطراد وهي منخرطة ونشطة في الحركة النسوية التي واجهت ضربات متتالية واتهمت بالشيوعية.
ويمكن القول بأن حياة إبيك جالشلار كانت، حتى الآن، محفوفة بالصعوبات والمشاق. في العام 2003 فقط فصلت من عملها في صحيفة" جمهوريت" التي كانت ترأس فيها قسم الأخبار. وتعلق على ذلك قائلة " كنت مستقلة، غير منحازة".
ويبدو أن فكرة مواجهة حياة لطيفة خانم، والكشف عن الحقيقة المغايرة عما هو مشاع عنها رسمياً، كان آخر عمل متكامل لها، اورثها المشكلات وسيقت إلى المحاكمة بسبب تلك السيرة. وبالتأكيد تنتظر جالشلار مشكلات أخرى بصدد مشاريعها ومواقفها، لأنها تعتقد بها وتناضل من أجلها وسوف لا تتخلى عنها قط.