عادل زعيتر شيخ المترجمين العرب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بشار دراغمه من رام الله: المنتدى التنويري الثقافي الفلسطيني "تنوير" يحي ندوة ثقافية بعنوان، "عادل زعيتر في الثقافة العربية". بحضور كريمته د نائلة زعيتر، المحاضرة في جامعة النجاح، وحضور جمع غفير من المبدعين والمفكرين، حيث أدارها المحامي فضل عسقلان، وتحدث فيها مسؤل الإعلام والعلاقات العامة في المنتدى، الأستاذ بلال حموضة، الذي استهل حديثه بالربط بين زعيتر والترجمة التي وهب نفسه وحياته لها، وعاش لها بين الحبر والورق ولفظ أنفاسه الأخيرة بينهما وهو يمسك بين يديه قلما ويكتب، فلم يمض عليه عام واحد دون ترجمة مجلد أو مجلدين تنطق بحسن الذوق والتنوع... إن عادل زعيتر ما نقل كتابا إلا بعد أناة وتدبر وتساؤل طويل عن فائدته وقيمته وعن مدى انتفاعنا به وما يمكن أن يضيفه إلى ثقافتنا من رفد ومدد، حتى إذا رجح الكتاب في كفة البحث والتمحيص والتحقيق والتدقيق والنظر السديد في قيمته وفائدته أكب على ترجمته، وقد تفرغ لهذه الترجمة وانقطع لها وباعد ما بينه وبين الناس وعمل على عمله عكوف العابد في صومعته، فكأنه لا يعيش إلا في جو الكتاب الذي ينقله، وكأن أفكار الكتاب ومعانيه تنبض من الدم الذي يسري في عروقه فيجئ النقل على هذا النسق الرفيع من الإحكام والدقة والأمانة والمعجزة، وأن من يكابد مشاق الترجمة والنقل على النحو الذي التزمه "عادل زعيتر" وأخذ نفسه به لا يستطيع أن يدرك الجهد العظيم الذي يبذله المترجم من ذات نفسه وعافيته جميعا... وهذا الكلام لمحمود سيف الدين الإيراني من مقالة تحت عنوان " كان أمة وحده ".
واستطرد المتحدث حموضة، أن موضوع الترجمة هو شائق وشائك، لاعتباره علم ومهارة وفن، وتحدث عن السياق التاريخي للترجمة وما نقلته امتنا عن الأمم الأخرى كالفرس والهند واليونان، وما تلاها من حركة إنتاج علمي خصيب تميز بالأصالة والابتكار... ثم تطرق لأنواع الترجمة وأساليبها، ومسؤوليتها الأخلاقية والإنسانية. وقارن بين الأمس واليوم من أحد التقارير التي رصدت أن مجموع ما تستهلكه الدول العربية مجتمعة من ورق ومستلزمات طباعة في السنة أقل من دار نشر فرنسية واحدة!! وأن متوسط القراءة في العالم العربي لا يتجاوز ستة دقائق في السنة للفرد الواحد!!! مقارنة بألمانيا التي تنفق 12 مليار دولار سنويا والتي ترفع شعاري " لنخلق أمة من القارئين " و " خلقت لأقرأ "
واعتبر المتحدث، بعد أن تطرق إلى سيرة الكاتب الذاتية أن زعيتر لم يترجم من أجل الكسب المادي، بل كان صاحب رسالة، وطنية وقومية، وإنسانية. فلم يكن يترجم أي كلام أو مادة أو كتاب إذا لم يرجى منه النفع العام والفائدة للأمة ولقضاياها الكبرى والتي كان يعتبرها شهادات تقدير وإعجاب من الغير الذين ينصفون تاريخ امتنا ويقدرون حضارتها ويعظمون عظمائها، ولم لا، وهو الذي كان يرى في كارثة الأندلس محوا لحضارة الأمة وفي نكبة فلسطين تهديدا لكيان الأمة بأكملها. لذلك كان يهيئ نفسه للقيام بدور مؤرخ العرب ابن خلدون، العالم المؤرخ الذي أسس علم الاجتماع، ليسد الفراغ التاريخي الذي تركه ذاك الفيلسوف العظيم، فحفظ مقدمته عن ظهر قلب وكان شديد الإعجاب به ويود كأنه. وكان زعيتر متوجسا من اللجوء إلى التأليف لئلا تكون مؤلفاته أقل روعة وبراعة عن مقدمة ابن خلدون.... إلا أنه كان يرجو أن يختم حياته بتأليف تاريخ عام للعرب بأسلوب علمي وعلى ضوء النظريات الاجتماعية والفلسفية التي يعتنقها، فيما لو منح حيوات أخرى!.... وأضاف المتحدث أن زعيتر هو الذي رد للترجمة العربية اعتبارها بشهادة بنت الشاطئ "عائشة عبد الرحمن"، وهو الذي حدث محدثيه بأنه لم ينل لقب "شيخ المترجمين العرب" إلا بعد أن أمضى 2500 ساعة فقط في ترجمة كتاب " حضارة العرب" ومثلها في ترجمة كتاب " نابليون" و3000 ساعة في نقل كتاب " حضارات الهند " وستمائة ساعة في نقل كتاب "آلهة عطاش".
...... "إن قدماء اليهود لم يجاوزوا أطوار الحضارة السفلى التي لا تكاد تميز من طور الوحشية، وعندما خرج البدويون الذين لا أثر للثقافة فيهم من باديتهم ليستقروا بفلسطين وجدوا أنفسهم أمام أمم قوية متمدنة منذ زمن طويل فكان أمرهم كأمر جميع العروق الدنيا التي تكون في أحوال مماثلة، فلم يقتبسوا من تلك الأمم العليا سوى أخس ما في حضارتهم، أي لم يقتبسوا غير غيوبها وعاداتها الضارية ودعارتها وخرافتها"... " إن تأثير اليهود في تاريخ الحضارة صفر، وان اليهود لم يستحقوا بأي وجه أن يعدوا من الأمم المتمدنة. إن فلسطين أو أرض الميعاد لم تكن غير بيئة مختلقة لليهود فالبادية كانت وطنهم الحقيقي. ".... هذا الكلام مقتبس من كتاب" اليهود في تاريخ الحضارات" الذي ترجمه عادل زعيتر، لأستاذه غستاف لوبون عقب النكبة الفلسطينية الكبرى، بعد أن عد هذا واجبا وطنيا لأنه كتاب يصور اليهود على حقيقتهم ويبرهن أن فلسطين ليست بلادهم وإنما كانت بيئة مختلفة لهم، ولكنه فوجئ بمنع الرقيب المصري بعدم طبع الكتاب في عهد النقراشي لأنه يحمل باليهود علما بأن حكومته كانت في حالة حرب مع إسرائيل، من هنا تفجع عادل، ورأى في ذلك سر الهزيمة... والكلام لشقيقه أكرم زعيتر.
وأضاف المتحدث حموضة، لقد أغنى المبدع زعيتر المكتبة العربية بعشرات الكتب التي نقلها للعربية وبما ينيف عن الخمسون كتابا من روائع الكتب العالمية منها التربوي والسياسي والفلسفي والقانوني و الفكري والتي تحمل جدلا حتى يومنا، ومن أشهرها كتاب " روح الشرائع " الذي كان يعتز به جفرسون رئيس الولايات المتحدة، والذي جئ فيه: "حياة الدول كحياة الأفراد، فكما يحق للناس أن يقتلوا في حال الدفاع الطبيعي يحق للدول أن تحارب لنفسها. ويحق لي أن أقتل عن دفاع طبيعي، لأن حياتي لي كما أن حياة الذي يهجم هي له، والدولة، كذلك لأن بقائها حق ككل بقاء أخر.... ومن حق المجتمعات الصغيرة في الغالب أن تحارب المجتمعات الكبيرة، وذلك لأنها تكون غالبا، في حال تخشى معه أن تباد ". أما كتاب " روح الجماعات " الذي يعتبر أهم مرجعا لساسة أوروبا ومنهم موسوليني. وكتاب " السنن النفيسة لتطور الأمم " الذي كان لا يتخلى عنه روزفلت في أسفاره. وكتاب " روح التربية" لغستاف لوبون وهو الكتاب العالمي الذي اتخذت منه دول أوروبا دستورا لفن التربية منذ أواخر القرن قبل الماضي حتى ألان...... وأضاف المتحدث أن زعيتر كان محاميا بارعا، حيث هب إبان ثورة 36 للدفاع عن المتهمين العرب بلا مقابل، وكثيرا ما يطلق سراحهم بعد أن تكون أحكامهم مؤبدة. كما عهد إليه المجلس الإسلامي الأعلى المرافعة في قضايا الأراضي التي كان الصهاينة يحاولون انتزاعها من الوقف الإسلامي. ووقف زعيتر مدافعا عن الحق العربي في فلسطين في المؤتمرات التي كان يحضرها، وذكر المتحدث منها، المؤتمر السوري الذي أعلن استقلال سوريا وترسيم حدودها الطبيعية، وتحديد دستورها الأول، وكان زعيتر الأصغر سنا بين مندوبي فلسطين الأربعة وقتذاك..... وذكر المحاضر، أنه في اليوم الذي أعلن فيه نبأ وفاة زعيتر نعته صحف فلسطين" الجهاد وفلسطين والقدس " حيث أجمعوا على أنه لأول مرة في تاريخ العروبة يجتمع رجال الفكر والأدب والعلم والقانون من مختلف بلدان العالم العربي وفي أكبر مهرجان تشهده نابلس لإحياء ذكرى العلامة عادل زعيتر فقيد العلم والحق الذي نقل بقلمه الرصين أروع نفائس الفكر الأوروبي إلى لغة الضاد. بعد أن شكلت لجنة تأبين، وتقاطرت الوفود من كل الدول العربية لنيل شرف قول كلمة بحق شهيدنا، فمنهم من قال فيه شعرا، ومنهم تحدث تحت العناوين التالية؛ "كان جامعة ومجمع " و" كان نادرة دهره " و" هذا التراث الضخم " أو " موسوعة الأدب والقانون " و " لم يبلغ شأوه أحد ".... الخ
بعض الحضور تفاعل مع المعلومات التي رويت عن شيخ المترجمين العرب، وأسف لأننا لا نعرف عنه غير المدرسة التي تحمل اسمه ليس إلا، واقترح بتقديم توصية لبلدية نابلس من المنتدى تنوير لتسمية أحد الشوارع المميزة باسمه والتحضير لحفل تكريمي بمناسبة خمسون عاما على رحيله الذي نحن على أبوابه. وقال البعض أن عادل كان رمزا لجيل كامل من المثقفين والمفكرين من المدينة والذين تركوا بصماتهم في الثقافة والفكر العربي ولكنهم حرموا من تخليدهم ولملمة تراثهم وتعريف الناشئة بإبداعاتهم، كالشاعر إبراهيم طوقان أيضا، الذي يعد من نفس الجيل، والذي لقب بشاعر الوطن وشاعر فلسطين والذي كتب كلمات النشيد الوطني الفلسطيني. واقترح البعض من تشجيع الشباب على القراءة لأن تصبح المطالعة جزء من علامة الطالب... بعض قراء زعيتر أشاد بنقاء اللغة عنده وأقترح بأن تحفظ كل مدرسة تراث المفكر والمبدع التي تحمل اسمه، فمدرسة عادل زعيتر، مثلا، تحتفظ بذخائره وتراثه وتصدر نشرات عنه وحفلات فنية ومسابقات أدبية تخليدا لذكراه، ومدرسة ابن حزم وابن الهيثم كذلك، وهكذا دواليك.