الشرطة تعرفه أكثر من المكتبات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سلوى اللوباني من القاهرة: ذكر الروائي الاسباني المعاصر الكبير "خوان غويتيسولو" في كتابه "عصافير تلوث عشها، محاضرات ومقالات حول الرواية" أنه في بداية الستينات أطلق عليه ناطقاً رسمياً باسم النظام الاسباني بأنه "وغد القلم"، وأكد آخر بأن "اسمه كان معروفاً في مخافر الشرطة أكثر من المكتبات"، فقد كان الأدب منظوراً اليه كفعل إجرامي في البلدان التي تحكمها دكتاتورية عسكرية، سياسية، إجتماعية، وبالاضافة الى ذلك كانت تتسم أيدولوجية هذه الدول أن ليس للشعب حق الكلام، الروائي الاسباني "خوان" معروف في العالم العربي برواياته، وسيرته الذاتية، واستطلاعاته الصحفية، ومواقفه السياسية المتعاطفة مع الرعب، ولكن إسهاماته النقدية غير متداولة في الدول العربية، بالرغم من تميزها بالجرأة، والتحيز للحداثة، والابداع كما ذكر مقدم الكتاب د. محمد برادة، الكتاب صادر عن دار آفاق لعام 2006، ترجمة الروائي المغربي الشاب "عبد الكريم جويطي".
نقد المبدع:
أتت مقدمة د. محمد برادة بعنوان نقد المبدع، ذكر فيها أن الروائي "خوان" تميز ابداعه بالحوار المفتوح الدائم مع الابداعات القديمة والجديدة دون أن يفرض أي حدود، فاحتوى الكتاب على مقالات غنية عن مفهوم الأدب الحداثي، الذي بلوره خوان من خلال قراءاته وتجربته الابداعية في النصوص الادبية العالمية الشرقية والغربية، وذكر أن القراءة النقدية عند خوان هي استحضار لكل اغصان وأوراق وجذوع "شجرة الأدب" (كما أسماها خوان) التي تتنامى وتتشابك على مر العصور، والكاتب الصادق هو الذي يستطيع أن يسقي هذه الشجرة، فلا مفر أمام الكاتب في الاختيار بين أن يكون تابعاً أو منشقاً، فوصف التابع بالمجتر لعلف الاسلاف، اما المنشق هو الذي قد يوصف بالاجرام، فهو يستخدم لغة "توقظ الوعي، تحرك السواكن، وتخلخل البرك الآسنة"، كما وصف اسلوب خوان النقدي أنه غير متقوقع داخل أحكام سابقة جاهزة، بل يحلل النصوص مستحضرا كل الثقافات، متقبلاً "عنصر التهجين المخصب"، وأن آراء خوان مهمة في مجال التفكير في ماهية الأدب والرواية، والمقارنة بين الموضة والحداثة، في ظل قضايا القرن الواحد والعشرين التي تتسم بطغيان وسائط المعرفة الاستهلاكية، أما مقدمة المترجم وضح من خلالها حياة خوان المليئة بالفظائع والتوترات، وبجرأته التي من خلالها قال رأيه بصوت عال في من يقودون العالم الحالي نحو بربرية جديدة..."تكبر فيها الجيوش والوسائل الفتاكة، وتصغر فيها القيم والمواثيق الدولية والأعراف"، وانه لم يعتمد في كتابه على مدرسة نقدية معينة، بل اعتمد على تحليل رحلة الأدب عموماً، والرواية تحديداً، بايمان صوفي بالأدب الذي يستطيع تجديد الانسان، وعلى تجربته الطويلة في الكتابة والقراءة.
شجرة الأدب:
انطلق الروائي "خوان"
مقارنات:
ذكر خوان أن احدى دعائم الثقافة الانسانية أنها قائمة على التفاعل وتبادل التأثير، مما يؤدي الى تداخل خلفية ثقافات الشعوب، فقدم لنا مقارنة لعمل سيرفانتيس "دونكيشوت" عبر أربع محاضرات تكشف الجوانب التي جعلت من سيرفانتيس "مدشن الحداثة الروائية"، وهي "شجرة انساب دون كيخوطية وذريته"، "ثيربانتيس وبورخيس"، "فلوبير ودون كيخوطية"، والمحاضرة الرابعة "مرثية ألمانية"، فوضح خوان من خلال قراءته النقدية "أن الأعمال الأدبية تمارس على بعضها البعض تأثيراً متبادلاً يعمل في اتجاه مزدوج، يؤثر الماضي في الحاضر، ولكن الحاضر يؤثر في الماضي، وحين يصبح ماضياً بدوره سيؤثر في المستقبل ويؤثر به"، تضمن تحليله النقدي عى مدى صفحات الكتاب، العديد من أسماء الكتاب والمفكرين من الشرق والغرب، منهم فلوبير، مونتسكيو، موزار، بيكاسو، ابن عربي، ابن الفارض، خوسيه لوزاماليما وغيرهم.
الثقافة:
خلال ابعاد "خوان" عن وطنه لاسباب سياسية، اكتشف أن الحقيقة التاريخية لاسبانيا مزدحمة بصور وهمية مليئة بالمواراة والتزييف والأسطرة، فقد تعمدت اسبانيا في تفسيرها الشائع لجذور الثقافة الاسبانية عدم ذكر بعض الثقافات والأديان التي أثرت فيها وهي اليهودية، المسيحية، والاسلام، الذين كان لهم تأثير ثقافي ووجودي على ثقافة اسبانيا، يؤكد بأن كل ثقافة هي في نهاية الأمر جماع التأثيرات الخارجية التي تعرضت لها دون رغبة في انكار وجود ثقافات وطنية ولكن بشرط أن لا تكون محصورة في البحث عن هويتها الخاصة..." فلا يمكن أن تكون الثقافة حصرياً اسبانية أو فرنسية أو ألمانية ولا حتى أوروبية، بل هي مخصبة من طرف حضارات ضحية تمركزنا على الذات الممجوج"، يؤكد ان الاصالة هي العودة الى الاصول، والحداثة يتم البحث عنها في الماضي، ويرى أن التمركز الاوروبي النرجسي على الذات يحجب رؤية واقع ان أوروبا وامتدادها الامريكي الشمالي كانا نتيجة تلاقي خصب لتأثيرات خارجية، ووضح أن شجرة الادب الاسباني شجرة يانعة مرهفة باستثناء (المرحلة الماهوية) التي مرت بها ووصفها بالمرحلة العقيمة، هذه الشجرة اليانعة تلهم اي مبدع لتمديد ابداعه الخاص وتوسيعه بدون اي حدود لقواعد لعبته، فهي شجرة تعددت جذورها من الاغريقية، اللاتينية، العبرية، والعربية.
احتفاء بالفراغ:
يرى الروائي "خوان" أن الانشطة والمهرجانات التي تقام احتفاءاً بالثقافة، لن تعلي من مستوى الابداع الادبي، وقدم مثالا على ذلك ملتقى "موجة الادب الاسباني"، الذي قدم حوله ملاحظات تسببت بوصفه مسيئاً للقيم الوطنية، كما أنه يجب عدم الخلط بين المنتوج الطباعي والنص الأدبي، فهناك دعم من قبل وسائل الاعلام للمنتوج الطباعي على حساب النص الادبي، مما يؤدي الى انتشار أشباه المثقفين، ولا يؤدي ذلك الى زيادة نسبة القارئين بل الى زيادة عدد الموائد المستديرة، الملتقيات، المؤتمرات، المهرجانات، والنقاشات المتلفزة، وغيرها من الأمور التي يراد بها ابتذال الثقافة، أشار الى أن قدر المبدعين الحقيقيين على مر العصور هو "أن يشهروا حبهم القاسي في وجه أوطانهم، واقفين بوجه مستوطنات العقاب، والاساطير المؤسسة للهويات الوطنية، والتوافقات الكاذبة، والتوحيد القسري، زارعين الشك في قلب المسلمات، محطمين الحقائق الدامغة الكاذبة، فاضحين الانظمة القمعية، وحدهم من يرون العالم يمشي مختلا نحو مزيد من الفظائع، والابادات الجماعية، ومعسكرات الاعتقال، واضطهاد الاقليات والمهمشين".
"خوان غويتيسولو" من مواليد برشلونة 1931، روائي وباحث وكاتب صحفي متميز، تميزت أعماله بسبب انفتاحه على ثقافات مختلفة، لا يقيده نظام أو تيار، حاصل على العديد من الجوائز على أعماله، ونشاطاته الكثيرة في مجال حوار الثقافات، ترجمت معظم اعماله الى العديد من لغات العالم مثل الالمانية، الفرنسية، الانجليزية، الايطالية، اليابانية، الروسية، اليونانية، التركية، والعربية، اشتهر بنضاله السياسي من خلال قلمه ومواقفه دفاعاً عن الشعوب المستضعفة، وعن المهاجرين، ومواقفه ضد كل أشكال العنف، دافع عن حق الفلسطينين في استرجاع اراضيهم، فضح المجازر الجزائرية، والابادة التي تعرض لها المسلمون في البوسنة والهرسك، كل عمل من أعماله هو أهداء الى كاتب من الكتاب البارزين، فأهدى كتابه الاخير "عصافير تلوث عشها" الى "حسن نجمي"، من اعماله العاب يدوية، بطاقة هوية، دون خوليان، خوان بلا أرض، مقبرة، شجرة الأدب، غابة الكتابة، فضائل الطائر المتوحد، مشاهد ما بعد المعركة، حصار الحصارات، ورحلات الى الشرق.