عالم الأدب

أدب المرأة بين القهر والمصادرة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف تسأل5 كاتبات بمناسبة يوم المرأة
أدب المرأة بين القهر والمصادرة والوصاية

سلوى اللوباني من القاهرة: يعتبر إبداع المرأة الفكري من أهم الدلائل على ثقافة أي مجتمع، وهو مستمر وموجود في كل زمان ومكان، ولكنه يتأثر ببعضالعوامل المرتبطة بوضع المرأة، الأمر الذي يفرض عليها بعضا من القيودوبالتالي فإن انتاجيتها تقلّبالمقارنة مع الرجل. ويتأثر انتشار وتطور كتابات المرأة بعوامل عديدة لعل أبرزها يكمن في الأطر العائلية والاجتماعية والوطنية التي تدعم أو تقيّدإبداعها.وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة،توجهت إيلاف بمجموعة من الأسئلة إلى عدد من الشخصيات الأدبية النسائية، وبينهنفتحية العسال ونعمات البحيري وآمال عويضة وصفاء النجار وفاطمة ناعوت(مصر) وسعدية مفرح(الكويت) وغيداء الطباع(سوريا)، وذلكللتعرف على طبيعةالخلق لدى المرأة، وهدفها من الكتابة، ومدى تأثر نتاجهابالرجل وبالمجتمع الذي نشأت فيه.

هل النتاج الإبداعى للأديبة العربية، لا يعبر حقاً عما يجول في ذهنها من موضوعات، لأنها تخشى أحيانا التطرق اليها؟

الكاتبة فتحية العسال: هذا السؤال بالتحديد لا ينطبق علي، فأنا لدي سيرتي الذاتية باعتراف النقاد التي لم أحذف منها شيئاً، فأنا إنسان فى المقام الأول، وكأمرأة يجب ان أعبر صدق شديد عن المرأة، إذا لم أتطرق فى كتاباتي إلى جميع الموضوعات التى تجيش بداخلي، ستظل حبيسة، تعودت أن أكتب عن أدق الأشياء، تطرقت في سيرتي الذاتية إلى طلاقي من حبيب العمر، المرأة الكاتبة لا بد أن تتحرر أولاً، فالكتابة والتحرر متوازيان، والمرأة الحرة هي التي تعي الحياة، وإن كان ليس بالضرورة الكتابة عن المرأة بالذات، لأن علاقة المرأة ككاتبة بالحياة هي علاقتها مع الرجل، لذلك يجب أن تعبر عن هذه العلاقة، بالإضافة إلى أن التراث يحكمنا، والعادات والتقاليد، لذلك يجب التحرر من التراث الذي يقيدنا، كي نستطيع التعبير عنه في كتاباتنا، وهنا يكمن الصراع داخل الكاتبة، بين ما يريده مجتمعها، وبين ما تريده هي، يجب أن تعبر كتابات المرأة عن أفعال، عندما حرمني والدي من التعليم حرصاً على جسدي لم أقبل، بل رفضت وقاومت، وعلمت نفسي بنفسي، أي هناك تحدي، عندما أتحدى، أستطيع أن أصل إلى هدفي، هذا التحدي هو الذى يجعل ما أكتبه يؤثر في القارئ، وبالتالى ينتقل هذا التأثير إلى القارئ، وإذا لم أؤثرفيه، فلا داعي للكتابة، إن أهم ما يميز الكاتبة الجيدة هو أن تكون صادقة، فكتابة المرأة تعكس جزءا من حياتها، وموقفها من الوطن، ورؤيتها للمجتمع، وطبيعته، كتابة المرأة يجب أن تكون ممارسة وقول.

الكاتبة نعمات البحيري: أن تكتب يعني انك تمضي عارياً فى الطريق العام ..فما بالك والحال هكذا اذا كتبت المرأة .. فالكاتبة فى المجتمعات الشرقية مالم تكن مدعومة بشلة أو بمال أو بسلطة أو تعمل فى أي من مجالات الاعلام، أو تعمل فى مؤسسة ثقافية فهي كاتبة خارج الدعم، فمثلا الكاتبة الموظفة تواجه ضراوة شروط الواقع الوظيفي والاجتماعي والثقافي أيضا، فيتم تشويهها وادانتها أخلاقياً واجتماعياً، والتعامل مع أدبها باعتباره أدب يستوجب الوصاية، ووضعه دائماً تحت المنظار، أو أنه أدب لم ينضج بعد.. وخاصة وأغلب البلاد العربية ترزح تحت وطأة التيارات الاصولية، وبالتالى ما تكتبه المرأة هو صدام مع التابوهات..

آمال عويضة

الكاتبة الصحفية آمال عويضة: لم تستفد الكاتبة العربية لدرجة كبيرة من تفردها بمساحة شاسعة من الكتابة، وسيطرت عليها هواجس منافسة الكاتب الرجل، أو أنها لا تكتب تابة سائية"، وهي السبة التي أعتاد كتابنا العرب من الذكور باعتبارها سبة في جبين أحدهم، إن نوعية القضايا التي أفردت لها النساء الكاتبات صفحاتهن، انحصرت بشكل أساسي في الكتابة الرأسية التي تتركز على جسدها ودائرتها الصغيرة من أسرة أو حي، كما أنها تكاد تعبر عن قضايا شائكة جماعية، بل تتركز في مناقشة قضايا شخصية غارقة في هلاوس الطبقة وقصص الحب الفاسدة، التي التهمت في طريقها سنوات عمرهن، كما لدى العديدات منهن اللاتي اعتبرن أن الكتابة هي بديل عن الإصابة بالجنون، ويمكن الرجوع إلى نجوى شعبان وبهيجة حسين، هذا في الوقت التي حاولت فيه قلة منهن التأريخ لمجتمعات وفي ذهنها هاجس الكتابة الأفقية كما لدى هالة البدري "منتهى".

صفاء النجار

الكاتبة صفاء النجار: لا أعتقد أن هذا السؤال في محله، ولكن أعتقد أنها مقولة ذكورية، يقصد بها انتقاص قيمة ما تقدمه المبدعة العربية، واعتبار ما تكتبه مجرد نوع من الكتابة الذاتية أو الفضفضة، لا يرقى إلى مستوى تناول القضايا الفلسفية و الانسانية، وهذا ليس صحيحاً فالكتابات الجديدة للمبدعات الشابات لا تحطم فقط التابوهات المحرمة في مجتمعنا العربي، لكنها أصبحت تطرح رؤية تتجاوزها وتسخر منها، ليس فقط فيما يخص التابوهات المفروضة على المرأة ولكن التابوهات المفروضة على الرجل أيضا، في الكتابات الجديدة نجد نساء قويات، فاعلات، وهذه الفاعلية هي وحدها القادرة على قلب العالم، وإحلال حقائق وقيم جديدة محل ما اصطلح على أنه حقيقة.

الشاعرة والناقدة فاطمة ناعوت: ينطلق كل كاتب من مكوّنه الثقافي والفكري وهمّه الشخصي وسؤاله الوجودي لينتج إبداعه الخاص، ومنثم فكل حرف يخطّه كاتبٌ هو بالضرورة ابنُ أصيل للمعمَل الكيميائيّ الذي يعترك في ذهنه ومثاله، ولذلك لا أظن أن على الكاتبة أن تستعير عقل الآخرين أو أعرافهم أو قانونهم العام لحظة الشروع في الكتابة، هكذا أظن دومًا في فعل الفن بوجه عام، كونه انشطاراً حميماً من قبَل الروح المبدعة، بعيداً عن أعراف وتواضعات العشيرة والمجتمع، لو سلمنا بوجود كاتب يخاف أن يطرح ما يعتمل داخله، فكيف ندعوه مبدعاً؟

الشاعرة والكاتبة سعدية مفرح: لا افترض بأي كاتب حقيقي "بغض النظر عن جنسه"، أن يوفر أي فرصة متاحة للتعبير عما يجول في ذهنه من موضوعات بشكل صادق وحر وشفيف ومبدع، ولكن هذا كله بالطبع يعتمد على مدى موهبة هذا الكاتب، وطرائق الكتابة لديه، وأدواته الشخصية ليس في الكتابة وحسب، بل في إيصال هذه الكتابة إلى الآخر، سواء أكان هذا الآخر قارئاً بصفته المفردة والمستقلة، أم انه مجتمع معين، وفي هذه الحالة تبرز على السطح الكثير من العقبات والمحاذير التي يتعامل معها كل مبدع بطريقته الخاصة، ولا بد أن نشير بكل وضوح أن المرأة العربية المتعاطية بالشأن الكتابي بشكل عام، هي الأقل قدرة على التطرق لتلك المواضيع التي يشير إليها السؤال لأنها الأكثر عرضة لمحاسبة الجميع بدءاً من أفراد عائلتها وانتهاء بالمجتمع كله.

الشاعرة غيداء الطباع: الكاتبة تكتب لتعّبر، وتعبر الكلمة إلى طريق قلوب القّراء قبل عقولهم، من ماذا الخوف؟ الكتابة إبداع وفن، ولكل أسلوبها بنسج وغزل قطعتها، إن كانت خاطرة أم شعر منثور أم قصة قصيرة أم رواية، لا شك أن هناك بعضاً من الخصوصية لكل إنسان، ولكن أعتقد أن النص حين ينشر فهذا بالدرجة الأولى هو ما تريده الكاتبة، أن يصل، وأصبح القارئ هو مالك هذا النص، إن لم يخرج الكلام من القلب فلن يمسه أبداً.

هل تكتب المرأة العربية لتعبر عن مشاعرها الخاصة؟
فتحية العسال: معظم الكتابات النسائية فيها تعبير عن المشاعر، وأعتقد أنها خطوة أولى، واحترم جدا انها تعبر عن مشاعرها الخاصة، فذلك يعني أنها تبذل قصارى جهدها لتعبر عن إحساسها بالحياة، فالكتابة تعبير عن الذات، ومن ثم تعبير عن المجتمع، نحن كنساء نشأنا وتربينا على مفهوم خاطئ بأننا "حرمة"، على أننا الجزء الحرام من الحياة، نعيش حقيقة غير حقيقتنا، لأن المجتمع يريد ذلك، قضية عمري كانت طلاقي من زوجي، ولكن لماذا طلبت الطلاق؟ لأننى تأملت حياتي، وعدت إلى طفولتي حيث سنوات القهر القديم، فوجدت أنني غير مستعدة أن أقهر مع زوجي مرة أخرى ومع المجتمع، لأنني سابقى مقهورة إلى الأبد، فكيف أكتب وهناك إحساس بالقهر بداخلي ،وهذا القهرهو الشئ الوحيد المسيطر علي، يجب أن أواجه القهر أولا، هذا القهر الذي يواجه المجتمع عامة، وليس المرأة فقط، فأنا ككاتبة أواجه أفكاراً سلبية مختلفة، ولأن المجتمع متحيز للرجل، أضطر إلى مواجهة الرجل، ومن ثم تجدي كتاباتي دفاعاً عن نفسي من ظلم المجتمع، ومن ظلم الأفكار، وليس من ظلم الرجل.

نعمات البحيري: يمكن أن تعبر عن مشاعرها الخاصة، ويمكن أن تعبر عن رؤيتها للواقع الذى تعيشه بشروطه الاجتماعية والثقافية والسياسية، وربما توجه إليه أشكال الادانة لهذا الواقع والاحتجاج عليه، ويمكن أن تكتب لتصوغ حياة تتمنى لو تتحقق فى عالمنا الذى ينحاز للرجال على حساب النساء، نفس انحيازه للأقوياء والاغنياء على حساب الضعفاء والفقراء، لا يمكن أن نتجاهل أن هناك تمايز بين الطبقات وبين النساء والرجال، لذا حين تٌصر المرأة العربية على الكتابة كبديل وجودي فهى تدفع الثمن باهظا للغاية.

آمال عويضة: لهذا اشتبكت معظم الروايات الأولى للكاتبات العربيات المعاصرات مع سيرتهن الذاتية في الغالب، أو أجسادهن على وجه الخصوص، ولم تقدم كتابات أحلام مستغانمي "ذاكرة الجسد"، نورا أمين "قميص وردي فارغ"، سحر الموجي "دارية"، سمية رمضان "أوراق النرجس"، مي التلمساني "هليوبوليس" وغيرهن، سوى أوراق متفرقة من السيرة الذاتية التي لفتت الانتباه بدافع الفضول الصحفي، وليس بدافع الاستمتاع بالعمل الأدبي، بينما عمدت كاتبات أخريات مثل ميرال الطحاوي "البذنجانة الزرقاء ومن قبلها الخباء"، إلى الكتابة وعينها على الترجمة، كما هو الحال مع أبناء وبنات جيلها ممن ارتبطن بظاهرة أدباء التسعينيات، التي دشنت لجيل جديد يتمرد على الأشكال التقليدية، ويبتدع أشكاله المحتوية على أفكاره الخاصة المعنية بأنا ومن بعدي الطوفان، كما لدي جماعة الجراد وغيرهم من منتهجي الكتابة السيريالية، والكتابة عن صراصير الغرف والشوارع المظلمة المؤدية في معظمها إلى أتيليه القاهرة الذي تحول إلى مقهى الأدباء المترصدين لكتابة قصيدة عن بعضهم البعض.
صفاء النجار: المرأة العربية لا تكتب فقط لتعبر عن مشاعرها الخاصة، لكنها في كتابتها تعبر تصوراتها أفكارها، عن رؤيتها للعالم، موقعها منه وكذلك موقع الآخرين، الكتابة هي طرح لرؤية جديدة، أو كشف عن جوانب يغفلها المجتمع، وهي لا تكتب عن مشاعرها فقط لكنها تتقمص في كتابتها وخاصة الروائية شخوص عالمها، الذي قد يكون موازياً أو بديلاً للعالم الحقيقي، المشاعر الخاصة ندفة في الكتابة وليست كل الكتابة.

فاطمة ناعوت: أشك قليلا في كون الكتابة، أو الفن بوجه عام، هو فعلُ تعبيرٍ عن المشاعر، بظني أن الفن كيمياء أو مختبر تعتمل فيه عناصر عدة لتنتج في الأخير قطعة فن، فاطمة ناعوت بما ستكون المشاعر أحد تلك العناصر، لكن الحتمي أن مفرداتٍ أخرى تلزم كي تكتمل المعادلة الإبداعية، عينُ المبدع ترصد الواقع مثل كل إنسان آخر، ولأن للمبدع عالماً آخر خفياً كونّه في ما وراء وعيه الخاص، يصبح لديه عالمان بالمجمل، تلعب الثقافة والوعي والفلسفة الشخصية حول فكرة الوجود لدى الكاتب دوراً مهماً إلى جوار المشاعر حتى تتخلق القطعة الإبداعية المرجوة، ولذلك لا أظن أن القصيدة هي إناء لغوي يحمل مشاعر وأفكاراً بقدر ما هي طاقة عليا خالقة تكاد تكون إلها في ذاتها.
سعدية مفرح: يفترض إنها تفعل ذلك، ويفترض أنها من خلال التعبير عن مشاعرها الخاصة تنطلق لكي تعبر عن مشاعرها تجاه الكثير من القضايا العامة مثلا، وأعتقد أن الكتابة بشكل عام بالنسبة لأي كاتب هي ضرورة للتعبير الذاتي، ولكن الكاتبة العربية محكومة بكونها امرأة أولا، وهي تحاسب على هذا الأساس أولاً، حتى على صعيد النقد الذي يقوم به نقاد مختصون، يفترض انهم ينقدون النص وشروطه الفنية بعيداً عن جنس كاتبه إلا لاقتناص الدلالة المعنوية المفترضة من خلال ذلك.

غيداء الطباع: إن الإنسان ولد بالفطرة بأن يكون صادقاً بمشاعره مع ذاته أولاً، فما بالك مع الآخر، ومن هنا أجد أن الكتابة هي بمثابة إفراغ كل ما تحمله الكاتبة بجعبتها الروحية والذاتية والعاطفية والقلبية إلى الورقة، لتعبر عن مشاعرها وعن مشاعر بنات حواء، تماماً كما الاسفنجة إذ أنها تمتص نزف الأخريات، ثم يتساقط مطر متنوع ناتج عن غيمة الذات الشاعرية ممزوج بامطار الأخريات، فتسقي الأرض إبداع يثمر عن ورود متنوعة بالشكل ولكن الساق واحدة، الكاتبة استطاعت ان تفرغ هذه المشاعر وتكتبها كونها تمتلك ادوات الكتابة والموهبة، والفنانة التشكيلية أيضاً استطاعت أن ترسم بالصور هذه المشاعر، والعازفة على آلة موسيقية، ما استطاعت أن تعبر من خلال النوتة واللحن، ولا أدري لماذا هذا السؤال الدائم حين تقرأ رواية يتسائلون : هل احداثها تتطابق مع شخصية الكاتبة ؟ لا ليس بالضرورة، أنا مثلاً أعبر عن مشاعري من خلال مشاعر الآخرين ايضاً، وأعتبر أيضاً مشاعر الآخرين خاصة لطالما تتشابه مع مشاعري، وأجد أننا بنات حواء نحمل هماً واحداً ولكنه متنوع النكهات، لأن التعبير لا يمكن أن يتطابق كصورة من كاتبة إلى أخرى، لذلك نجد هذا الاختلاف الجميل بأسلوب الكاتبات الذي تحمل كل منهن عبقاً خاصاً بروحها يستحق التقدير.

هل يتأثر النص الابداعي للمرأة بثقافة المجتمع الذكورية التي نشأت عليها؟
فتحية العسال: بالطبع هناك تأثر بالمجتمع الذكوري، ولكن يجب التخلص من هذا التأثير وذلك من خلال الورق والكتابة، فنحن على الورق نتخلص من المجتمع الذكوري، ومن الأفكار السلبية، فعندما تقرأها الأخريات، نكون قد ساعدناها على تجنب القهر، الموروث الشعبي يرى المرأة "جسد له وظائف خاصة كالحمل والرضاعة"، ويتجاهل عقلها وفكرها، وهذا هو سر النزاع الدائم، ومن المؤسف أن هذا الفكر ايضا موجود عند المرأة نفسها.

نعمات البحيري: طبعا بالتأكيد، لأن هذا المجتمع الذى تحكمه هذه الثقافة هو المعين الأول الذى تغرف منه المرأة العربية تجاربها، وتصوغ منها فناً يٌضاف لمجمل التجربة الانسانية للنساء فى العالم كله، فضلاً عن الفضاءات التى تتحرك فيها الكاتبة العربية ستكون أقل اتساعاً ورحابة، هذا غير الأسوار والتابوهات التى تحاصرها من كل جانب، فلا تستطيع اقتحامها والكتابة عنها، لذلك نجد ابداعات النساء فى مجتمعات العالم الثالث هى ابداعات محاصرة ومخنوقة ومراقبة، ومدانة أخلاقياً واجتماعياً، لكن ما يعزي الكاتبة هي أنها حتى وهي تكتب فى تلك الاطر الضيقة، تفعل فعل ثوري وفعل تمرد عبر قيم جمالية تحقق من خلالها انسانيتها وذاتيتها احيانا.
آمال عويضة: الكتابة هي صنوان الرفض، وعلى الرغم من تمرد المرأة الكاتبة إلا أنها تظل محاطة ومسجونة نفسياً واجتماعياً بطبيعة مجتمعاتنا العربية الذكورية، التي تجعلها في الغالب مصرة على التمرد والكتابة لتقديم إما نماذج شائهة أو سوبر غير واقعية، وبين المثال والواقع تضيع حقائق كثيرة تجعل من كتابات بعضهن مسوخ ورقية، وهكذا يظل النقص قريناً بالكتابات النسائية التي تظل في بعض الأحيان كتابة دانتيلا ناعمة، في مجتمع يحفر أرواحنا بالسكين وخاصة عندما تكرر المرأة الكاتبة عن عمد أو سهو قيم ونماذج المجتمع الذي يحتويها بين فكيها، لتصبح تكرار ممل لحياة يومية ثقيلة، دون حس أدبي مغاير ومتكامل، ولكنه لا يقلل من جدوى العين الثاقبة لنساء مثل نجلاء علام "الأفيال"، أمينة زيدان "هكذا يعبثون".

صفاء النجار: النص الإبداعي هو ابن بيئته، وتأثر المبدعة العربية بالثقافة الذكورية يتبدى في تفهمها لدوافع وآليات هذه الثقافة، مجتمعنا العربي هو مجتمع ذكوري يتعامل مع المرأة كوعاء للجنس ولا يتم التعامل معها كإنسان، فالرجال يرفضون الشراكة والندية والمساواة، وهم متمترسون خلف تفسيرات فقهية واجتماعية ترى العالم بمنظور طبقي رجل-امرأة ،أبيض -أسود، وإذا كان قد تم تحرير العبيد فأنا أعتقد أن النساء هن آخر العبيد اللاتي لم يتم تحريرهن بعد، والمشكلة أن المجتمع الذكوري وعبر قرون طويلة نجح في جعل المرأة ترى نفسها كما يريدون لها أن تكون، وبالتالي فقدت هويتها الحقيقية وتحولت كل نقاط قوتها إلى مثالب ومزمات، والمبدعة العربية وسط هذا تحاول أولاً أن تصل إلى روحها وهويتها وفطرتها الحقيقية التي خلقها الله عليها، لا تلك التي يصور ويردد سدنة المعابد والكهنة، ثم ومن خلال إبداعها تهدم هذه القلاع والمتاريس ليرى الذكوريون حقيقتهم، وطفل يصيح من الميدان -الملك عار-.

فاطمة ناعوت: بوجه عام يتأثر النص الإبداعي بالمناخ الفكري والثقافي السائد في المحيط المنتِج للنص، ويؤثر أيضا فيه ولو على نحو تراكمي وئيد، سنجد القصيدة التي تنكتب في مجتمع أبوي بطريركي سوف تختلف عنها إذا ما كُتبت في مجتمع ماطريركي أمومي يُعلي من شأن المرأة، وسوف تختلف الكتابة بطبيعة الحال بين قلم المرأة وقلم الرجل، سوى أن الكاتب/الكاتبة المغامر سوف ينطلق نصُّه من مناطق كونية كوزموبوليتانية، لا تعبأ كثيراً بالجغرافيا أو بالسؤال السوسيولوجي القار، وهو بظني النص الذي سوف يحفظه التاريخ بوصفه نصاً عابراً للمكان والزمان، إذ يمكن تعاطيه في كل حقبة وكل بقعة، أحاول أحياناً في كتابتي أن أتحرر من أسر الواقع والقانون، كي أنتج نصاً أطول عمراً من عمري الفيزيقي.

سعدية مفرح: لا بد أن يتأثر، نحن كلنا نتيجة مباشرة لثقافة مجتمعاتنا ولكن باختلافات تخضع لطريقة تعاطي كل منا مع هذه الثقافة، رفضاً أو قبولاً أو تجاهلاً لها أو تحايلاً عليها، وبالتالي تختلف شخصيات كل منا، ويظهر هذا الاختلاف بوضوح اشد في حالات الكتابة والإبداع.

غيداء الطباع: أنا لا أومن بمقولة مجتمع ذكوري، المجتمع موحد الذكر والانثى يد بيد إلى طريق الحياة.

هل يلعب المنفى الاختياري للكاتبة العربية دوراً في الابداع؟
فتحية العسال: لا، لأن المرأة تسير وترحل بالمخزون في داخلها، حتى ولو انتقلت إلى مكان آخر، ستبقى مكبلة، فأنا إن هربت من واقعي، كيف أستطيع التعبيرعنه، وأنا بعيدة عنه؟

نعمات البحيري: بالتأكيد والدليل على ذلك سنجد أن الكاتبات العربيات المتحققات اعلامياً وأدبياً، هن الكاتبات اللائي يعشن فى منفى اختياري فى الغرب بهامش للحرية، أعلى بكثير من شروط الضرورة الكابحة للحريات فى المنطقة العربية، فضلاً عن أن مساحة القراءة فى الغرب أكبر بكثير، فالمجتمعات العربية تكاد تكون قد نسيت القراءة، وقراءة الأدب تحديداً، نحن فى المجتمعات العربية نكتب بسيكولوجية بائع الطرابيش المٌصر على بيع سلعة انقرضت وهجرها الجميع، فأراهن فقط على عشقي للكتابة، فليس هناك قارىء ينتظر ابداعاتي ولكنني أتوهم هذا.

آمال عويضة: يتضح هذا جلياً في كتابات انفصلت صاحباتها جغرافياً عن الوطن لسبب أو لآخر، كما عند هدى بركات، آسيا جبار، وعالية ممدوح وغيرهن، ممن حاولن الفكاك من أسر مجتمعات ذكورية فوقعن في أفخاخ مجتمعات عنصرية، فانصهرن وعدن ثانية للكتابة عن الإنسان لا المرأة في حد ذاتها، ولعل الآلام التي ساقت من قبل كاتبات واعدات للرحيل من أجل الدراسة أو العمل أو الهرب من مجتمعات مشتعلة بالقهر أوالحرب أوالفقر، هي نفسها الآلام التي صنعت من أدبهن وثيقة إدانة جديدة لمجتمعات ظالمة طاردة يعيش القابعون فيها على استغلال الباقين، لا لشيء سوى لأنهم أدمنوا لعبة الديكتاتور والسلطة.

صفاء النجار: لم أجرب مسألة المنفى فأنا لم أغادر مصر، ولكن أعتقد أن تجربة المنفى مثلها مثل أي تجربة حياتية أخرى، لابد وأن تؤثر على المبدع، ومن خلال قراءتي لعدد من الأعمال الأدبية التى كتبها كتاب عرب يقيمون في الخارج، لاحظت أنها كتابة يغلب عليها الحنين وتمتلئ بالذكريات، وربما يتيح المنفى للمبدع فرصة أن يرى حاله وحال وطنه بصورة أفضل، ويمكن من خلال مقارنته لما هو حادث بالفعل في وطنه بما هو في منفاه الجديد، وربما يحررنا البعد من الذاتية والمدارات المكرورة.
فاطمة ناعوت: ليس بوسع الواقف داخل الدائرة أن يرى حافتها على نحو كامل، سوى أن الراصد عن بعد يفعل، ولهذا يفعل المَهْجرُ في الإبداع فعل المِجْهر الراصد، أما عن حرية الكتابة فبالنسبة لي لن يختلف الأمر حسب ظني، فكما أسلفت أحاول دوماً أن أتحرر من الرقيب الداخلي الذي ينمو وئيداً داخل الكاتب العربي، في ظل الأنظمة الأحادية الفاسدة، فضلاً عن تحرري المبدئي من الرقيب الخارجي الذي لم أعبأ به يوماً.

سعدية مفرح عدية مفرح: لم أجرب المنفى بصورته التي يشير إليها السؤال، أعني أنني لم أغادر وطني، لم أغادره بتاتاً، ولعل في هذا نوع من المنفى..، ولكنني أتصور أن المرأة العربية، وليس الكاتبة وحدها، تحمل الكثير من العوائق التي تكبل حريتها معها أينما ذهبت، فالمشكلة لا تكمن في المكان بقدر ما تكمن في المعنى المتحصل مما يفرزه هذا المكان في وجدان أهله منذ الصغر، من عوائق للحرية ينجح غالباً في إضفاء الكثير في تعمية هويتها الحقيقية، وإضفاء الكثير من الصفات الشرعية عليها، ولذلك نجد أن نصوص الكثير من الكاتبات العربيات اللواتي هاجرن بعيداً عن أوطانهن قبل وبعد الهجرة لم تختلف كثيراً على الصعيد الفني، ولا على صعيد مستوى حرية هؤلاء الكاتبات فيما ينشرنه من كتابات ألا فيما ندر، وفي حالات محددة جداً غالباً ما تكون في الكتابات الصحفية السياسية بالذات.

غيداء الطباع: أعتقد ان الغربة تزيد قروح الشوق إلى الوطن الأم، فتأتي الكتابات عميقة ومعّبرة كون الكاتبة تعاني الاغتراب من الوطن بعيداً عن الأهل والأقارب، ولطالما الكتابات أدبية وملتزمة لماذا التكبيل؟ لا اعتقد هناك أي عائق بدرب من تحمل رسالة إنسانية واعية وصادقة، فالأدب أدب إن كان بالمهجر أو بالوطن الأم أو من سطح القمر، والصوت واحد والقلم واحد، ولكن هناك المتذوق للكلمة هو الذي يحدد نكهة أحرف وخاصية وتمّيز كل كاتبة على حدا، والأهم الكاتبة الواثقة من خطاها أن تستمر بخطواتها للامام دون النظر للوراء، وتأخذ من النقد ما يدفعها للأمام وتستمر بالكتابة، لأن الأدب ليس له باب وحرّاس نصبوا ذاتهم على مشارفه، الأدب أبوابه كثيرة ومفتوحة للجميع دون استثناء، لطالما الكاتبة تحمل أدوات الكتابة فلها أن ترسم ما تشاء على لوحة الحياة.

أتمنى لجميع الأديبات العربيات دوام التألق والإبداع، وكل عام المرأة والإبداع.. بخير.

salwalubani@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف