عالم الأدب

يحيى السماوي في «قليلكِ ... لا كثيرهنَّ»

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يشقُّ علينا العبور الى غيرِ مجرّته

أن ينذرَ يحيى السماوي أصغريهِ للشعر، أن يسبلَ أجنحةَ النخيل للهوى، وأن يُفردَ الاثيرُ لنورسِه موائدَ أسحاره، فهذا من غَيضِ ما يستحقّهُ شاعرٌ أوصدَ ملامحَ العشقِ والصلاة ند حدود عراقه.

ينثر السماوي حبّاتِ عقدِه ليسَ للعابرين، بل للواقفين عند ذاك المحرابِ يتأملون، يحدّقون ويذرفون من طَلِّ قرائحِه نميرَ الشعر ومن دَفقِ ضفافه دمَ الاشتياق. لمَ يطرقُ الأبوابَ المفتاحُ في يديه؟ لماذا يغنّي العذابَ وهو قيسُ البحارِ السبعة، لماذا يتوجّسُ جفافَ النهر في يديه، وهو سلسبيلُ أقباس؟ ينازلُ الرمْضاءَ عذوبةً والغدائر َعطاءً والوجدَ رقّة.
يجوب مفارزَ الشعرِ وهو عمودُه، يسيّجُ القبابَ بالآسِ وهو ضَوعُه، ليطلَّ على الجنونِ وهيولاهُ مضرّجةٌ بالفتون، ومساكبُه تولمُ للينابيع. تصيرُ أضلع ُالسماوي أفناناً ومقلتاهُ أعشاشاً، ويبقى لخيمةِ وطنه رُواقاً يزيّنهُ عشب ُعاطفتهِ وزهرُ غدهِ النديّ.
"قليلكِ ... لا كثيرهنَّ" ديوان ُ يحيى السماوي الجديد، موقدةٌ تزامل جمرَ الحنين، وسراجٌ ينيرُ جحورَ المنافي وقبطان ٌ يلعق ُمن الزبَد أكسيرَ العودة، واحداقٌ تعلن العصيانَ على الضوء .. حتى تفتحَ نوافذُ العراق!.
يحيى السماوي، قصيدةٌ شهيدة، تسامرُ أمواجَ الباسيفيك، تذرّ العشقَ في فلاةٍ بعيدة، وهجيرُ الروحِ جوازُ سفرهِ العتيد الى دياره. في خاصرةِ السطور شوكةٌ غريبة، وفي شفةِ الدواةِ مدادٌ تائه، وفي البال مئذنةٌ حاصرَها الغزاة وترتيلةٌ تنتظر ُ الصلاة، بينها وبين النخيلِ تستيقظُ شرفةُ العويل، وبينهما جسرٌ أثقله الطغاة.
وبعد، كيف ترحلُ النجومُ وتغفو القناديل، ما دام يحيى السماوي نجماً يزفُّ إلى سماءِ الرافدين ثريّاتِ المواعيد ومناهلَ الرجاء؟ كيف لا يكون الجذرُ في "بغداد" وحليبُ الشاعر من ضرعِها، وعينُه من شمسها وخيالهُ من فيضِها وشراعُه مُلكُ سندبادها؟!
لا، لن يدخلَ السماوي كهفَ الصمت كما يقول، بل سيبقى صرخةَ الشهداءِ والابرياء والمنسيين، سيصلُ الى سحابةِ الغرورِ يقطعُ أوصالها ويُكملُ انتصارَه، وستركعُ اشجارُ "الخشّابين" أمام ظلالِ غابهِ النرجسي، ليختم َ التشرّدَ بالاقامةِ مضرّجاً بلظى اشتياقه.
يحيى السماوي، "قليلكَ.. لا كثيرهم" وتفرحُ السماوةُ، يشقُّ عليها العبورُ الى غيرِ مجرّتكَ، ترنو الى ميدانكَ السيوفُ طالعةً من صدأ الوهمِ الى سؤدَدِ الأشراف.

"قليلكَ أنتَ .. لا كثيرهم"، ويعبّ الشرقُ من غدائرِك بلاسمَ جراحه، ويدخل التاريخُ أسفاراً جديدةً يزيّنها الشعرُ ويوقّعُ السماوي مسكَ خواتيمها.

انطوان القزي رئيس تحرير "التلغراف" الأسترالية
tkazzi@eltelegraph.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف