عالم الأدب

في حب نجيب محفوظ

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

سلوى اللوباني من القاهرة: بمناسبة عيد ميلاد الاديب العالمي نجيب محفوظ ال 94، صدرت العديد من الكتب التي تناولت سيرته، أعماله، حواراته، وأحدثها كتاب بعنوان "في حب نجيب محفوظ" للاستاذ رجاء النقاش عن دار الشروق لعام 2006، في طبعته الثانية التي أضاف اليها ستة فصول تتناول قضايا مختلفة لم تكن هناك اشارة اليها في الطبعة لاولى، واعتبرها النقاش رحلة مع محفوظ وأعماله وشخصيته، لا يربط بين خطواتها الا الحب للسعي والفهم والتحليل، وعلق النقاش قائلافي مقدمة الطبعة الثانية "قد يرى البعض أن الحب عاطفة، وأن النقد تفكير وعقل، وانهما لذلك يتناقضان، ولكن الامر عندي يختلف فالحب هو المفتاح الاول للفهم والمعرفة"، لذلك أشار في مقدمته "إن كنت تحب نجيب محفوظ مثلي فاقرأ هذا الكتاب، والا فانك لن ترى فيه ما يرضيك".

الرافض الوحيد لنوبل:
كتب النقاش فصول كتابه بين سنة 61 -94، قسم الكتاب في طبعته الجديدة الى أربعة أقسام، خص كل قسم بموضوع رئيسي، القسم الاول بعنوان "من الجمالية الى نوبل"، ويتناول ما يتصل بحصول محفوظ على جائزة نوبل العالمية عام 88، التي اعتبرها النقاش أهم حدث ثقافي عربي في القرن العشرين، وتضمن هذا الجزء شرح عن الخصوم والانصار لنوبل محفوظ، ووضح أن الرافض الوحيد لفوز محفوظ بنوبل هو الاديب "يوسف ادريس"، وكان ذلك في تصريح ادريس لصحيفة الاهرام ومجلة الوطن العربي عام 88،.." انني رشحت للجائزة قبل محفوظ خمس مرات، وكانوا يستبعدونني في آخر لحظة لمواقفي السياسية، أما محفوظ فقد حصل عليها بفضل مهادنته لليهود وعدم انتقادهم، أما حكاية أن نجيب محفوظ قد فتح الباب أمام الأدباء العرب فالعكس هو الصحيح، لانهم لن يمنحوها لأديب عربي قبل 30 عاما على الاقل، وأؤكد أن نجيب محفوظ قد حصل على الجائزة قبل ترجمة أعماله، خصوصاً أن "زقاق المدق" هي الرواية الوحيدة المترجمة له الى السويدية"، كما احتوى القسم الاول من الكتاب على اتهام غير صحيح من الناقد الكبير "لويس عوض" في حديث صحفي بعد مرور الذكرى الاولى لحصول محفوظ على جائزة نوبل، حيث قال "أن الغربيين يقرأون نجيب محفوظ كما يقرءون كتاب وصف مصر"، وشرح أ. رجاء الفرق بين كتابات محفوظ وكتاب وصف مصر، وذكر أن هناك أسباب كثيرة لموقف "لويس عوض" منها اصرار محفوظ على كتابة الحوار في أعماله باللغة العربية الفصحى، وهو ما يخالف رأي عوض وحماسته للغة العامية المصرية، ودعوته القديمة في مقدمة ديوانه الوحيد "بلوتولاند" الى الكتابة بالعامية بدلاً من الفصحى التي هي في نظره غريبة على مصر.

أدب تراجيدي:
وجاء القسم الثاني بعنوان "الفن والانسان في أدب نجيب محفوظ"، تناول فيه عدداً من روايات محفوظ، محللاً أدب محفوظ وموقفه الفكري وأبطاله والرموز الأساسية في أعماله، وهو برأيي من أهم أقسام الكتاب، فهي قراءة من نوع جديد لأدب محفوظ، مزج من خلالها شخصية محفوظ بأعماله والمتغيرات الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية التي رافقت كتابة كل عمل، بداية يرى أ. رجاء أن أدب محفوظ هو أدب تراجيدي أو أدب يعبر عن مأساة عنيفة كبرى، هذه المأساة مرتبطة بالطبقة الوسطى التي كان محفوظ يعتبرها الحجر الاساس للمجتمع المصري، لانها الاكثر تأثيرا وتأثراً بكل ما يحدث من تقلبات اجتماعية وسياسية واقتصادية، فخلال مشروعه الادبي لم يكتب الا عن الطبقة المتوسطة وظروفها القاسية، فكانت اهتمامات محفوظ وكتاباته موجهة الى البسطاء، جسد هموم الناس واحلامهم، نقل من خلال أعماله حياة الطبقة المتوسطة وصور حياة الاسرة المصرية البسيطة، كما عبر عن هموم ومشاكل الانسان المصري البسيط، ووضح أن مصر الحديثة لا يمكن فهمها فهماً صحيحاً بدون قراءة نجيب محفوظ، "لذلك سيظل محفوظ مصدراً من المصادر الاساسية لدراسة مصر، وفهمها وتذوقها خلال هذه المرحلة بكل مشاكلها الاجتماعية والنفسية والروحية، تماما كما كان "بلزاك" مصدراً أساسياً لفهم فرنسا في القرن التاسع عشر"، وحلل جذور المأساة عند محفوظ بتقسيمها الى 3 صور، الاولى صورة هؤلاء الذين يحاولون الصعود الى اعلى، كماجاء في رواية "بداية ونهاية"، و"القاهرة الجديدة"، والصورة الثانية مأساة الضعف الاقتصادي، كما جاء في رواية "زقاق المدق"، فالضعيف اقتصادياً يكون قابلاً لان يتشكل حسب ارادة من هو أقوى منه اقتصادياً، والصورة الثالثة مأساة المثقفين الذين صورهم محفوظ يعيشون في تناقض عنيف، "فهم يتمتعون بوعي يرفعهم عن الواقع، فيرفضون كثيراً من القيم المعروفة التي يهتدي بها الناس، ويندفعون في هذا الرفض حتى ينتهي بهم الامر الى الانفصال عن الواقع، ومن ناحية أخرى فهم لا يستطيعون تغيير الواقع بحيث يتلائم مع أفكارهم، والنتيجة الوحيدة هي أنهم ينعزلون ويذبلون بعيداً عن الحياة التقليدية التي تمضي في طريقها دون أن تستجيب لهم، أو تهتم بمطالبهم، لذلك فهم غالباً ما يعيشون في جدب عاطفي، فكثيرون منهم لا يتزوجون ولا يرتبطون ارتباطاً عميقاً بالحياة الواقعية، ويكتفون بالحياة في داخل مشاعرهم وأفكارهم الخاصة، وبذلك تقع المأساة الجفاف.. الغربة... والوحدة في حياتهم"، وقدم مثال على مثقف محفوظ شخصية "كمال عبد الجواد" في ثلاثيته "بين القصرين"، فكمال المثقف تكونت لديه نظرة مثالية عميقة وهي "اما كل شئ أو لا شئ ولا وسط بين الاثنين"، وأشار الى أن ملامح كمال عبد الجواد فيها كثيراً من ملامح نجيب محفوظ نفسه، وقدم مثالا آخر على مثقف محفوظ من رواية "خان الخليلي".

المادية والوجودية:
قسم انتاج محفوظ الأدبي الى مرحلتين، الأولى "المرحلة الفنية" وهي انتاجه حتى الثلاثية، فكان محفوظ في هذه المرحلة يجمع في شخصيته بين المؤرخ والفنان في نظرته الى الواقع الذي يصوره، كما تميزت هذه المرحلة بالنزعة الطبيعية والاهتمام بالتفاصيل، والمرحلة الثانية الجديدة في أدب محفوظ بدأت مع رواية "السمان والخريف" التي اعتبرها أ. رجاء نقلة في أدب محفوظ من النزعة الطبيعية والاهتمام بالتفاصيل، الى الاهتمام بالمشاكل الكلية العامة، فانتقل محفوظ من الاغراق في المحلية الى العالمية، فاصبح محفوظ كالشاعر في نظرته الى الواقع يعبر عنه تعبيراً وجدانياً، كما قسم البطل عند محفوظ في اعماله بناء على هاتين المرحلتين، فبطل المرحلة الاولى كان لا يعرف القلق غير العادي وكان يعيش في سلام مع نفسه ومع الناس، "حتى تأتيه الضربة من الخارج فتدير رأسه، ويهوى تحت وقع الضربة وينهار"، أما بطل المرحلة الجديدة "خرج من حظيرة الواقع ولم يعد مجرد رد فعل لهذا الواقع، واصبح كائناً مؤثراً فيه يعارض ويحاول أن يضيف شيئاًًً"، وحلل مشكلة الروح والجسد في أعمال محفوظ، ومأساة الاب الضائع والى ماذا ترمز في رواياته، تطرق الى رواية الشحاذ، والحرافيش محللاً رموزها الاساسية، واصفاً اياها بالعمل الشعري "أغنية تتحدث عن مشكلة الانسان وبحثه الدائم عن العدل والسعادة والخلاص من الظلم"، وخلص في نهاية المطاف الى موقف فلسفي عام يميز أدب محفوظ الجديد وهو "المادية والوجودية"، وقصد بكلمة الوجودية هنا معناها العام وليس الخاص عند اي فيلسوف من فلاسفة الوجوديين المعروفين، "فهو ذلك الميل الى الاهتمام بالجانب الذاتي الروحي الوجداني في الانسان.. هذا الجانب الذي يتأثر بالعالم الخارجي، ولكنه يقف احياناً بعيداً ومستقلاً عن كل عامل خارجي يؤثر به"، كما أفرد فصلاً خاصاً بالقسم الثاني من الكتاب بعنوان "لماذا لا نحاكم نجيب محفوظ" تناول فيه رواية أولاد حارتنا، ظروف كتابتها، محللاً رموزها، وظروف منعها، موضحاً سوء التقدير لمعنى الرواية من قبل الكثيرين، وبالطبع لم يتطرق الى تصريح نجيب محفوظ الاخير والضجة التي أثيرت حول اعادة نشر الرواية في مصر لان الكتاب كان قد صدر قبل هذا التصريح.

قضايا ومواقف محفوظ:
في القسم الثالث من الكتاب تناول موقف النقد العربي من نجيب محفوظ، وبعض القضايا العامة التي تدور حول محفوظ، وقضايا أخرى كان محفوظ طرفاً مؤثراً فيها، مثل محفوظ والدفاع عن اللغة العربية، محفوظ والنقاد من الاهمال الى الاهتمام المحدود، فن القصة في قفص الاتهام العقاد يهاجم ومحفوظ يدافع، كما طرح تساؤلات منها من أين جاء الهجوم على نجيب محفوظ؟ وهل أصبح محفوظ عقبة في طريق الرواية العربية؟ بالاضافة الى محفوظ والاقباط، ومحفوظ بين عبد الناصر وعثمان جلالي، وتضمن القسم الثالث ايضاً النصائح التي لم يستمع اليها محفوظ، منها نصيحة الاديب الكبير "عبد القادر المازني" بعد أن قرأ روايته زقاق المدق، نصحه بالابتعاد عن الادب الواقعي لانه يسبب لصاحبه الكثير من المشاكل، وانتهى القسم الثالث من الكتاب بعنوان "لحظات حرجة في حياة نجيب محفوظ" وهي لحظات تواجه أي فنان، لحظات يقف فيها أمام أمور دقيقة عليه أن يختار موقفاً منها ويستبعد المواقف الاخرى.

متفرقات:
القسم الاخير من الكتاب هو القسم الرابع بعنوان "متفرقات"، عبارة عن فصول متنوعة، كتب رجاء لنقاش جزءاً منها قبل محاولة اغتيال محفوظ والآخر بعد اغتياله، والجدير بالذكر أن الكتاب تضمن ملحقين، الاول احتوى على مقالات في أعمال محفوظ الادبية، والثاني احتوى على لقطات مصورة من حياة محفوظ، صور نادرة لم تنشر سابقاً، وانتهى الكتاب بانتهاء الصفحة 335، وسواء كنت تحب نجيب محفوظ مثل حب أ. رجاء النقاش أو تحبه بمقدار آخر، أو لا تحبه، أنصحك بقراءة هذا الكتاب حتى لو رأيت فيه ما لا يرضيك.

salwalubani@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف