عالم الأدب

جديد عبد الجواد: كيدالنساء

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

جنس وموت وجفاف روحي...وتراكم حالات متشابهة

من جورج جحا بيروت (رويترز): ربما خرج قارىء رواية خيري عبد الجواد "كيد النساء" بتساؤلات منها ما الذي اراده الكاتب المصري فعلا من هذه الرواية او "الكوكتيل".. والتي تشكل في صورة عامة تراكم حالات متشابهة متكررة وتبدو احيانا اقرب الى دراسة اجتماعية "قصصية" عن السحر و"الكتابة" وطقوسهما وعن الجنس الذي يفيض منها.
تتناول الرواية ايضا مجالات منها التصوف وبلوغ بعض المؤمنين به الممارسين له حدودا تجعل منهم اولياء واصحاب كرامات. ويتناول احيانا موضوع المعتقدات والاساطير المصرية القديمة ويربطها بالحاضر على غرار ما فعله مصريون كبار كتوفيق الحكيم مثلا. ولكن من الغريب ان القاريء في هذه الرحلة الطويلة من عمل هذا الكاتب الماهر دون شك ووسط كل هذه الامور التي يفترض ان تكون مشبعة بالروح ربما لا يستطيع ان يعثر في الرواية على ما هو "روحي" فعلا.. لا في الحديث عن الحب العاصف ولا عن التصوف ولا في الحديث في النهاية عن اوزريس في الاسطورة الشهيرة. الكاتب هنا اشبه بشخص يعرض علينا المشاعر والافكار والتعليقات والتحليلات كأنه يعرض علينا سلعا او امورا مادية حتى عند وصف اجواء الحب والممارسات الجنسية وهي كثيرة في الرواية التي تبدو كانها تقول انه ليس ثمة غير الجنس. ولا يشفع للكاتب قدرته السردية الواضحة وغنى معلوماته وعمق ثقافته بل قد يكون كل ذلك سببا لتساؤل حتى وان قيل ان العمل هو مما يسمى "النص المفتوح". ولا يبدو ان في الرواية رؤية معينة للحياة.. فكأن الكاتب اراد ان يقول لنا ان هناك مثلا اناسا تؤمن بالسحر.. فيأخذ بعرض قصص عديدة عنه في مجالات الحب والزواج وما حولهما. ورواية عبد الجواد هي من الاعمال التي تذكرنا بالقصة الشهيرة عن الذي قصد مجلس كسرى ومثل امامه واقفا على احدى يديه ثم اخذ كيسا من الابر واخذ يقذف ابرة في ثقب اخرى بمهارة غير عادية. وفي النهاية امر كسرى باعطائه مبلغا من المال تقديرا لمهارته وبجلده مئة جلدة لاضاعته موهبته في امر كهذا. وقد صدرت الرواية عن دار الاداب في بيروت وجاءت في 159 صفحة من القطع الوسط.
افاد الكاتب من تقاليد واساليب ادبية مختلفة وعكس عمله اجواء من القديم.. من "الف ليلة وليلة" ومن "كليلة ودمنة". تداخلت اساليبه فهنا مثلا راو يقول لنا الكاتب انه الكاتب نفسه موردا اسمه (خيري عبد الجواد) واحيانا ننتقل الى راو ثان وثالث. وحينا نقرأ قصة اقرب الى السيرة لنجدها بعد قليل تتداخل مع سيرة الكاتب الذاتية ليتداخل كل ذلك بعضه ببعض في الرواية التي تصبح حكايات اجيال لا جيل واحد. ويتناوب اشخاص واسماء على تقديم قصص حياتهم او بعضا منها. ونجد انفسنا احيانا في اجواء "حديثة" تضعنا في انحاء من عالم نجيب محفوظ. ويشيع السحر والقدرة على تغيير مصائر الناس بل مسخهم الى حيوانات مثلا ويكون هو القوة الاساسية التي تحركها المطامع والمشاعر البشرية فيكتب هو مصائر البشر .. خاصة في موضوع الزواج والحب.
لكن كل ذلك او غالبه يجري في اجواء قاتمة اجمالا. ويبدو لنا احيانا ان بعض صوره قد تكون مشابهة لقصص من التراث اكثر من مشابهتها لناس من الواقع الحي اذ يظهر بعض شخصياته كاشباح باهتة احيانا اي ان هذه الشخصيات تصور من زاوية واحدة فحسب ولا تتحول الى شخصيات متكاملة لاننا غالبا لا نرى الا صفحات منها فحسب.
يصور لنا "حفني" مثلا وقد اغرم بفتاة لان جسدها مثير ويصوره لنا في صورة اقرب الى صورة العذريين فيقول "وكان حبه لصفاء قد زاده نحولا من كثرة السهر والتفكير فيها.. وحبه لها هو حب من طرف واحد. لم يكن يفكر في احساسها نحوه وهل تبادله حبا بحب واشتهاء ورغبة. لم يكن يعنيه كل ذلك. فقط ان يمتلكها. ان تصبح ملكا له وحده." وقد يتساءل القارىء كيف يمكن لهذا الحب الاناني "المسطح" ان يسبب نحولا وسقما. وتتداخل الحكايات بعضها ببعض على طريقة "الف ليلة وليلة" وبشبه واضح بما في "كليلة ودمنة" اي على طريقة "قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف.." في "حكاية العجوز والقرد" مثلا نقرأ "قال الاسطه حمامة ابو محمود.. قالت زوجتي ام محمود للصبية ان حكايتك عجيبة. فقالت الصبية.. ليست حكايتي باعجب من حكاية العجوز مع القرد. قالت وكيف كان ذلك؟"
ويستعمل في الحديث عن السحر والكتابة بعض المصطلحات الحديثة ليصف بها امورا قديمة ومن ذلك مثلا اننا في فصل "حرب السحرة" نقرأ ان ام وجدي اكتشفت "حجابا مدسوسا في خرم الجدار ولما فتحته وجدته مكتوبا بالسريالية وبالدارد الاحمر" وقد تكررت كلمة "السريالية" في الرواية بهذا المعنى.
وينتقل من هذه القصص الى قصص الموت والجثث التي لم تتحلل فكأن اصحابها اولياء وندخل في عالم يهم الكاتب هو عالم التصوف فيتحدث عن اهتمامه الكبير بالموروث الشعبي "الى حد الهوس" وعن دراسته "ظاهرة الاولياء في مصر" او كما اسماهم البعض "دولة الدراويش" ويورد سلسة من الاسماء الشهيرة لكتاب وكتب واولياء في هذا المجال. ويصل الى بلدته "بولاق الدكرور" التي اقيم فيها لاسباب سياسية وعلى مستوى رسمي وديني رفيع ضريح "ولي الله الشيخ نور الدين" الذي لم تتحلل جثته والذي يعرفه الراوي في صورة تخالف تماما صورة الولي كما تعرفه بديعة زوجته نفسها. ويقول "كيف حدث ذلك؟ لا احد يعلم. فقط بديعة كانت تعلم ما حدث وما سوف يحدث. ابتسمت واشارت بيدها معلقة .. بلطجي في حياته وفي مماته ويعملها."
ومن الخلاصات التي توصل اليها الكاتب ما يذكّرنا وان كان بقدر من الاختلاف باراء توفيق الحكيم في "عودة الروح" عن حضور التاريخ الحضارة المصرية في قلوب المصريين المعاصرين. يقول "قرات لاحد الباحثين ان اولياء الله الصالحين في مصر ما هم الا آلهة مصر القديمة وان المصريين احفاد الفراعنة ما زالوا يمارسون طقوسهم الفرعونية تجاه الالهة القديمة المتمثلة في اضرحة الاولياء ومقاماتهم. وقال آخر ان الكثرة الهائلة من اضرحة الاولياء (التي تنتشر) في كل شبر من ارض مصر هي اشارة الى جسد اوزيريس الذي تمزق اشلاء في كل الربوع. وايا كان هذا الكلام صحيحا ام خطأ فان للمصريين طريقتهم الخاصة في الحياة واستيعابهم للوافد والجديد والتعامل معه وهو ما جعلهم يستمرون كأقدم شعوب الارض تاريخا وحضارة."

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف