جديد عبد الجواد: كيدالنساء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
جنس وموت وجفاف روحي...وتراكم حالات متشابهة
من جورج جحا بيروت (رويترز): ربما خرج قارىء رواية خيري عبد الجواد "كيد النساء" بتساؤلات منها ما الذي اراده الكاتب المصري فعلا من هذه الرواية او "الكوكتيل".. والتي تشكل في صورة عامة تراكم حالات متشابهة متكررة وتبدو احيانا اقرب الى دراسة اجتماعية "قصصية" عن السحر و"الكتابة" وطقوسهما وعن الجنس الذي يفيض منها.
افاد الكاتب من تقاليد واساليب ادبية مختلفة وعكس عمله اجواء من القديم.. من "الف ليلة وليلة" ومن "كليلة ودمنة". تداخلت اساليبه فهنا مثلا راو يقول لنا الكاتب انه الكاتب نفسه موردا اسمه (خيري عبد الجواد) واحيانا ننتقل الى راو ثان وثالث. وحينا نقرأ قصة اقرب الى السيرة لنجدها بعد قليل تتداخل مع سيرة الكاتب الذاتية ليتداخل كل ذلك بعضه ببعض في الرواية التي تصبح حكايات اجيال لا جيل واحد. ويتناوب اشخاص واسماء على تقديم قصص حياتهم او بعضا منها. ونجد انفسنا احيانا في اجواء "حديثة" تضعنا في انحاء من عالم نجيب محفوظ. ويشيع السحر والقدرة على تغيير مصائر الناس بل مسخهم الى حيوانات مثلا ويكون هو القوة الاساسية التي تحركها المطامع والمشاعر البشرية فيكتب هو مصائر البشر .. خاصة في موضوع الزواج والحب.
لكن كل ذلك او غالبه يجري في اجواء قاتمة اجمالا. ويبدو لنا احيانا ان بعض صوره قد تكون مشابهة لقصص من التراث اكثر من مشابهتها لناس من الواقع الحي اذ يظهر بعض شخصياته كاشباح باهتة احيانا اي ان هذه الشخصيات تصور من زاوية واحدة فحسب ولا تتحول الى شخصيات متكاملة لاننا غالبا لا نرى الا صفحات منها فحسب.
يصور لنا "حفني" مثلا وقد اغرم بفتاة لان جسدها مثير ويصوره لنا في صورة اقرب الى صورة العذريين فيقول "وكان حبه لصفاء قد زاده نحولا من كثرة السهر والتفكير فيها.. وحبه لها هو حب من طرف واحد. لم يكن يفكر في احساسها نحوه وهل تبادله حبا بحب واشتهاء ورغبة. لم يكن يعنيه كل ذلك. فقط ان يمتلكها. ان تصبح ملكا له وحده." وقد يتساءل القارىء كيف يمكن لهذا الحب الاناني "المسطح" ان يسبب نحولا وسقما. وتتداخل الحكايات بعضها ببعض على طريقة "الف ليلة وليلة" وبشبه واضح بما في "كليلة ودمنة" اي على طريقة "قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف.." في "حكاية العجوز والقرد" مثلا نقرأ "قال الاسطه حمامة ابو محمود.. قالت زوجتي ام محمود للصبية ان حكايتك عجيبة. فقالت الصبية.. ليست حكايتي باعجب من حكاية العجوز مع القرد. قالت وكيف كان ذلك؟"
ويستعمل في الحديث عن السحر والكتابة بعض المصطلحات الحديثة ليصف بها امورا قديمة ومن ذلك مثلا اننا في فصل "حرب السحرة" نقرأ ان ام وجدي اكتشفت "حجابا مدسوسا في خرم الجدار ولما فتحته وجدته مكتوبا بالسريالية وبالدارد الاحمر" وقد تكررت كلمة "السريالية" في الرواية بهذا المعنى.
وينتقل من هذه القصص الى قصص الموت والجثث التي لم تتحلل فكأن اصحابها اولياء وندخل في عالم يهم الكاتب هو عالم التصوف فيتحدث عن اهتمامه الكبير بالموروث الشعبي "الى حد الهوس" وعن دراسته "ظاهرة الاولياء في مصر" او كما اسماهم البعض "دولة الدراويش" ويورد سلسة من الاسماء الشهيرة لكتاب وكتب واولياء في هذا المجال. ويصل الى بلدته "بولاق الدكرور" التي اقيم فيها لاسباب سياسية وعلى مستوى رسمي وديني رفيع ضريح "ولي الله الشيخ نور الدين" الذي لم تتحلل جثته والذي يعرفه الراوي في صورة تخالف تماما صورة الولي كما تعرفه بديعة زوجته نفسها. ويقول "كيف حدث ذلك؟ لا احد يعلم. فقط بديعة كانت تعلم ما حدث وما سوف يحدث. ابتسمت واشارت بيدها معلقة .. بلطجي في حياته وفي مماته ويعملها."
ومن الخلاصات التي توصل اليها الكاتب ما يذكّرنا وان كان بقدر من الاختلاف باراء توفيق الحكيم في "عودة الروح" عن حضور التاريخ الحضارة المصرية في قلوب المصريين المعاصرين. يقول "قرات لاحد الباحثين ان اولياء الله الصالحين في مصر ما هم الا آلهة مصر القديمة وان المصريين احفاد الفراعنة ما زالوا يمارسون طقوسهم الفرعونية تجاه الالهة القديمة المتمثلة في اضرحة الاولياء ومقاماتهم. وقال آخر ان الكثرة الهائلة من اضرحة الاولياء (التي تنتشر) في كل شبر من ارض مصر هي اشارة الى جسد اوزيريس الذي تمزق اشلاء في كل الربوع. وايا كان هذا الكلام صحيحا ام خطأ فان للمصريين طريقتهم الخاصة في الحياة واستيعابهم للوافد والجديد والتعامل معه وهو ما جعلهم يستمرون كأقدم شعوب الارض تاريخا وحضارة."