مناجيات هاملت الخمس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الأولى
لا يكاد يختلف آثنان - مهما اختلفت مشاربهما - على أنّ مناجيات Soliloquy هاملت الخمس، هي من لباب الشعر، ومن أروع ما أتتْ به ملكة شعرية في صناعة القول. تتوقّتُ المناجاة الأولى في مرحلة دقيقة من حياة هاملت، وهي بعد في مقتبلها، فهزّت صميمه، وصبغت نظرته إلى الحياة، وإلى الجنس البشري بصبغة أقرب ما تكون إلى العدميّة.
ا مراء،كلّ مناجاةٍ، مختبرٌ لتحليل الإنسان إلى عناصره الأوّلية. نعرف - كمشاهدين أو قرّاء - أن هاملت كان يعلم قبل المناجاة الأولى، علم اليقين عن طريق الشبح، أنّ عمّه هو الذي قتل الملك، واغتصب عرشه وامرأته الملكة، أي والدة هاملت. ما من إشارة في المسرحية إلى أنّ الملكة كان لها ضلع في الجريمة، إلاّ أنّ جريرتها في نظر هاملت هي سرعة زواجها إذ لم يمرّ على وفاة زوجها الأوّل إلاّ "شهر صغير". تبدأ المناجاة حينما يجد هاملت نفسَه وحيداً:
"أوه ليت هذه اللحمة الصلبة جدّاً جدّاً تنحلّ
تذوب وتحلّ نفسها إلى سائلhellip;"
قبل كلّ شئ، لماذا ابتدأتْ المناجاة بلحمة صلبة؟ ولماذا عرّفها فقال: اللحمة الصلبة أو الأفضل المتصلبة؟ ولماذا كرّر كلمة: جدّاً؟ هل كان يخجل من تسميتها؟ ربّما. ربّما. أمْ أنّه أراد التوكيد على توتّرها؟ مع ذلك، ما هي تلك اللحمة المتصلبة؟ ما من شارح فيما بين يديّ من مبسوطات نسخ هاملت، أتى على تلك اللحمة بحثاً وتنقيراً. على العكس، ظنّها بعض الشرّاح أنها Sallied بدلاً من Solid.الاختلاف لا على اللحمة وإنما على الصفة الملحقة بها. والصفات -كما نعلم - هي هوية الموصوف، ومن هنا خطورة هذا الاختلاف.
لا شكّ إنّ مسرحيّة هاملت قائمة برمّتها على جرائر الجنس. فالأخ يقتل أخاه بسببه، والأمّ تتزوّج سفاحاً لإطفاء شهوة، وبولونيوس يمنع ابنته أوفيليا من الاختلاء بهاملت خشية العواقب، حتى وإن قادها حرمانها إلى الجنون، فالموت غرقاً. يبدو أن شيكبير كان قد شخّص مشكلة الإنسان الأزلية في الشهوة الجنسية. على هذا فاللحمة المتصلبة التي تمنّى هاملت أن تنحلّ وتذوب ما هي إلاّ آلة الذكورة لدى الرجل، على ما يبدو من القرائن. إنها أصل النوازل والكوارث. أمنية هاملت في انحلال وذوبان اللحمة مستحيلة. ما المخرج؟ ما من مخرج سوى الاستغناء عن الحياة بالانتحار. ولكنّ الانتحار ببساطة محرّم. لا بدّ من العيش. كيف؟ باتت الحياة في عينيْ هاملت أشبه ما تكون بحديقة مهملة، اكتستْ بالأعشاب الضارّة. مخلوقاتها متوحشة ومغثية. عند هذه المرحلة، دشّنت المسرحية لأوّل مرّة الغثيان الذي سيأخذ من الآن فصاعداً أحجاماً قاطعة للتنفّس. ينتقل هاملت فجأة إلى استحضار أبيه الذي لم يمض على وفاته إلاّ شهران. يرتبك هاملت. لا يستطيع أن يتحمل ما جرى لوالده. من أمارات ارتباكه انفلات الزمن، فلا يدري كم مرّ بالضبط من الوقت على وفاته. يقول هاملت:
"شهران مرّا على موته - لا، ليس شهرين، ليس اثنيْن"
هل أُصيب هاملت بخبل موقت؟ تركيب العبارة يدلّ على ذلك. قال أولاً: شهران مرّا، وهي جملة سردية يقينية، ولكن حين قال بعدها مباشرة: لا، فكأنّما انفصمت شخصيّته من هول الصدمة. وحين ذكر: "ليس شهريْن، ليس اثنين": فكأنه فقد الوعي. فقد بؤرة التركيز.بعد أسطر قليلة يعود إلى الزمن فيذكر: خلال شهر، وبعد هذا بسطر يذكر: شهر، ويصفه بأنّه
شهر صغير. بكلمات أخرى أخذ الشهرا ن يتقلصان بالتدريج، فأصبحا أقلّ من شهر، وهذه طريقة بارعة لتقريب الفاجعة وكأنها وقعت البارحة. وحتى يبيّن شيكسبير تفاهة الشهر كمسافة زمنية، راح يقيسه بأغرب وأدنى مادّة:
"شهر صغير، أو قبل أن يعتق حذاؤها
الذي مشت به وراء جثمان أبي المسكين"
ذكرنا أعلاه أنّ جريرة الأم كانت في عجلة زواحها. كيف قاسها هاملت هذه المرّة؟:
"وفي خلال شهر تزوّجتْ
قبل أن تزول الدموع الملحية الزائفة
من عينيها المحمرّتيْن - آه يا أخبث عجلة -
تهرعين بمثل هذه السهولة إلى الشراشف المحرّمة"
بالإضافة إلى ذلك، نستطيع أن نرى ارتباكات هاملت النفسية أكثر فيما دار من حوار، بعد هذه المناجاة مباشرة، بين هوراشيو وهاملت وهما صديقان حميمان:
هوراشيو: مرحباً بسيّدي اللورد
هاملت: مسرور برؤيتك وأنت بصحّة جيّدة
هوراشيو أم أنني فقدت وعيي؟"
فقدان الوعي هذا سيكون منعطفاً شديد التعقيد في مسار المسرحية، بحيث يختلط الأمر علينا، فلا ندري هل كان هاملت شخصية حقيقية تمثّل دوراً مسرحيّاً أمْ انّه شخصية مسرحية تمثل دور إنسان واقعي؟ مما يزيد في حيرتنا، هو السطر الأخير الذي ختم به هاملت مناجاته:
"الصمت يكسر القلب ولكنْ عليّ أن أمسك لساني"
بهذا ينغلق هاملت حتى على نفسه، وتبات لغته ملغّمة وملغّزة تزيده ثراء وتزيدنا عيّاً. على أية حال؛ من تقنيات شيكسبير الأخرى في هذه المناجاة، هي الطريقة التي قارن فيها بين معدن أو طينة الملك القتيل وبين شقيقه القاتل. ففي حين شبّه هاملت، والده بـ "هايبيريون" إله الشمس والقمر والفجر، أي أنّه جعله مصدر النور والسموّ وهذا هو شأن الأجساد حين تتحرر من مادّتها وتصبح أثيرية محلقة. وشبّه عمّه بالكائن الأسطوري"ساتر" أي نصف إنسان ونصف معزى. كذا جعله هجيناً من مادة بهيمية وأخرى بشريّة. سل الفنان السومري ومعزاه، سل بيكاسو ومعزاه هل هناك رمز أكثر شبقاً وشهوة من المعزى؟ فإذا عرفنا أن "ساتر" هو رفيق باخوس ربّ الخمر، يكون جسد عمّه بهيميّاً ومخموراّ، فما أشدّ التصاقه بالأرض إذن. ما أشدّ تمرغه. ما أشدّ تعتعاته!
المناجاة الأولى
أوه ليتَ هذه اللحمةَ الصلبةَ (1) جدّاً جدّاً تنحلّ
تذوب وتحلّ نفسَها إلى سائل(2)
أوْ ليت الواحدَ الأزليَّ لمْ يُثَبّتْ(3)
مدفعَ شريعته ضدّ الانتحار (4)0 آه يا ربُّ! يا ربُّ
كمْ تبدو لي شؤون الحياة كلّها!
مضجرةً، هامدةً، كاسدةً ولا نفعَ فيها.
تعساً لها، آه تعساً، إنّها حديقة بأعشابها الضّارّة (5)
وقد بلغتْ التبزّر؛ ليس فيها إلاّ
مخلوقات متوحشة ومغثيةٌ تماماً. كيف انتهت إلى هذا !
شهران مرّا على موته - لا، ليس شهريْن، ليس آثنيْن -
ملكٌ فائقٌ جدّاً
هو كإله الشمس هايبريون (6)، وهذا كـ"ساتر"
كان عطوفاً جدّاً على أمّي، لا يسمح لرياح السماء
أنْ تجول في وجهها بقسوة/ يا سماء يا أرضُ
أمحتّم عليّ أن أتذكّر؟ عادتها أن تتعلّق به
كأنما شهيّتها ازدادت بما اقتاتتْ. مع ذلك فخلال شهر -
دعْني لا أفكّر في ذلك - أيّتها الهشاشة آسمك آمرأة -
شهرٌ صغيرٌ، أو قبل أن يعتق حذاؤها
الذي مشتْ به وراء جثمان أبي المسكين
مثل "نيوبي" (7) كلّها دموع. لكنّها -
آه حتّى الوحش القاصر عن العقل
يستطيع أن يطيل حداده - تزوّجتْ من عمّي
شقيق والدي، لكنّه لا يشبهه اكثر مما
أشبهُ أنا هرقل (8). وفي خلال شهرين تزوّجت
قبل أن تزول الدموع الملحيّة (9) الزائفة
من عينيْها المحمرتين -آه يا أخبث عجلة !
تهرعين بمثل هذه السهولة إلى الشراشف المحرّمة (10)
إنها لن، ولا يمكن أن تنجب شيئاً صالحاً
الصمت يكسر القلب ولكنْ عليّ أنْ أمسك لساني.
الهوامش
1- ثمّة قراءة أخرى: Sallied بدلاً من Solid يبدو أنّ Solid أفضل لأنها النقيض من: تذوب ومن الندى أو السائل في السطر التالي.
2-في النصّ Dew وفيها معنيان (1)حالة سيولة، و (2) Adew أيْ Adieu بمعنى وداعاً.
3- تكمن أهميّة هذه المناجاة في تثبيت هاملت لشخصيّته، وكشف حالته الذهنية. تركيب العبارات
هنا حادّ، وتتتابع الجمل بالإضافات والاعتراضات.علامات التعجب تتلوها توضيحات، وأسئلة وصيغ أمر.
4- من المسلّم به أن الانتحار محرّم كما في الوصيّة السادسة: "لا تقتلْ"_ "سفر الخروج: 20 -13"
5- يعترف شيكسبير أنّ الأعشاب الضارّة جزء من النموّ الطبيعي. (هارولد جنكنْز -نسخة آردن) بينما يذكر جيْ. آرْ هيبارد (طبعة أكسفورد) أنّ الحديقة المعتنى بها كانت بالنسبة إلى شيكسبير وإلى عصره على العموم، تستعمل كصورة لما يجب أن يكون عليه العالم: منظّماً، ومنتجاً وصحيّاً. كان شيكسبير قبل كتابة هاملت، قد رسم بحذق صورتيْن لا تنسيان عن الحديقة المعتنى بها: 1- في مسرحيّة ريتشارد الثاني: "3-4/ 42-47" و2- هنري الخامس "5 -2-38 -55".توضّح هذه الصفحات المفعمة بالحياة، المثل القائل: "الأعشاب تنمو في التربة الأكثر خصباً إذا لم تُحرثْ".
6- هايبريون: يشبه هاملت هنا والده بإله الشمس والقمر والفجر، بينما يشبه عمّه كلوديوس، بالكائن الأسطوري " ساتر": Satyr وهو نصف إنسان ونصف معزى، أيْ سكّير وشهواني، لأنّه رفيق باخوس.
7-Niobi: إحدى بطلات أسطورة إغريقية وهي زوجة ملك طيبة. كانت تفتخر بعدد ما أنجبت من بني ( ستة أو سبعة من كلّ جنس)، إلاّ أنّ أبولو وديانا رمياهم بالسهام فقتلوهم. فما كان من ذيوس كبير الآلهة إلاّ أنْ حوّل "نيوبي" إلى صخرة، ويعتقد أنّ النداوة التي تتكوّن عليها في الصيف ما هي إلاّ دموعها على بنيها.
8- كان بطلاً إغريفياً ذا قوّة خارقة. من بين مآثره أنه تمكن من السيطرة على الموت. عُبد بعد ذلك كإله.كان هيرقل شعار مسرح الـ: Glope الذي كان شيكسبير يمثل على خشبته، وكذلك كان شعار الممثلين.
9- يشير الملح هنا إلى تركيبة الدموع الملحية. اسْتُعْمل هنا صفة، لذا فقد تعني شهوة، كما في عطيل (الفصل الثاني - المشهد الأوّل -247 -248).
10- يعتبر هاملت زواج أمّه من عمّه غير شرعيّ، وهذا هو معتقد البروتستانت والكاثوليك. أنظرْ: لاويين: 18 / 16: "عورة امرأة أخيك لا تكشفْ. إنها عورة أخيك". وكذلك: 20/21 "وإذا أخذ رجل امرأة أخيه فذلك نجاسة. قد كشف عورة أخيه. يكونان عقيميْن ".
Ham. O that this too too solid flesh would melt,
Thaw and resolve itself into a dew,
Or that the Everlasting had not fixrsquo;d
His canon lsquo;gainst self-slaughter. O God! God!
How weary, stale, flat, and unprofitable
Seem to me all the uses of this world!
Fie onrsquo;t, ah fie, lsquo;tis an unweeded garden
That grows to seed; things rank and gross in nature
Possess it merely. That it should come to this!
But two months dead-nay, not so much, not two-
So excellent a king, that was to this
Hyperion to a satyr, so loving to my mother
That he might not beteem the winds of heaven
Visit her face too roughly. Heaven and Earth,
Must I remember? Why, she would hang on him
As if increase of appetite had grown
By what it fed on; and yet within a month-
Let me not think onrsquo;t-Frailty, thy name is woman-
A little month, or ere those shoes were old
With which she followrsquo;d my poor fatherrsquo;s body,
Like Niobe, all tears-why, she-
O God, a beast that wants discourse of reason
Would have mournrsquo;d longer-married with my uncle,
My fatherrsquo;s brother-but no more like my father
Than I to Hercules. Within a month,
Ere yet the salt of most unrighteous tears
Had left the flushing in her galled eyes,
She married-O most wicked speed! To post
With such dexterity to incestuous sheets!
It is not, nor it cannot come to good.
But break, my heart, for I must hold my tongue.