عالم الأدب

طبعة جديدة لطروحات لويس عوض فقه اللغة العربية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

القاهرة (رويترز) - منذ ربع قرن صدم كتاب (مقدمة في فقه اللغة العربية) للكاتب المصري الراحل لويس عوض المؤمنين بقداسة اللغة العربية وأزليتها والمعتقدين بنقاء لغة القران من أي لفظ غير عربي. وهز الكتاب كثيرا من هذه الثوابت قائلا ان العربية وهي لغة حديثة مقارنة بغيرها لم تكن لغة ادم ولم تكن مسطورة في اللوح المحفوظ.
أثار الكتاب موجة من الاعجاب بما اعتبره البعض أصالة في البحث التاريخي واللغوي المقارن في حين رأى اخرون أن الكتاب "أباطيل ومفتريات". ويرى بعض المتحمسين للكتاب أن عوض الذي منع كتابه انذاك لم يأت بجديد وانما أعاد قراءة اراء واجتهادات قديمة لم يكن أصحابها ضحية عنصرية لغوية ولم يجدوا حرجا في استفادة العربية بألفاظ من لغات أخرى وتطويعها. وطرحت دار رؤية للنشر والتوزيع بالقاهرة طبعة جديدة من الكتاب في 680 صفحة كبيرة القطع تتضمن مقدمة تقع في 22 صفحة بعنوان (الكتاب والقضية) لنسيم مجلي الذي وصف الكتاب بأنه موسوعة فكرية ولغوية مشيرا الى أنه كان ممنوعا في مصر منذ ربع قرن في حين يباع علنا في دول عربية. وصدر الكتاب عام 1981 عن دار نشر حكومية هي الهيئة المصرية العامة للكتاب حين كان يرأسها الشاعر المصري صلاح عبد الصبور الذي رحل في أغسطس اب من العام نفسه.
ويشير عوض (1915 - 1990) الى أن قدماء المصريين في الالف الثاني قبل الميلاد عرفوا حضارات وأمما لها حدود جغرافية وتعاملات مع غير المصريين مثل الحيثيين (1550 - 1269 قبل الميلاد) وفي الالف الاول قبل الميلاد عرفوا الاشوريين والفرس والبطالسة في حين لم يرد للعرب ذكر في التاريخ الفرعوني.
ويضيف أن أول ظهور للعرب على مسرح التاريخ في الشرق الاوسط ورد في نص شالمانصر الثالث ملك اشور (859 - 824 قبل الميلاد) في نص من مكتبة اشور بانيبال ملك الاشوريين (669 - 630 قبل الميلاد). والنص يشير الى ملكات العرب.
وكانت المرأة في المراحل المبكرة من تاريخ القبائل العربية هي رأس القبيلة وتحمل أشهر القبائل أسماء مؤنثة مثل أمية وربيعة وكندة ومرة
ويسجل الكاتب أن حركة التدوين بالعربية بدأت "لاول مرة" في القرن الثاني قبل الميلاد وهكذا يكون العرب أمة حديثة نسبيا. ونوه الى أن التأريخ للحضارات عادة يكون ببداية عصر التدوين واستعمال الابجدية.
ويشير عوض الى أن أقدم نص عربي معروف يرجع الى عام 328 ميلادية وهو شاهد قبر امرؤ القيس بن عمرو المتوفى في ذلك العام ويسمي صاحبه "ملك العرب كلهم" ويسجل أن امرؤ القيس هذا كان نائب قيصر الروم أو بيزنطة في بلاد العرب.
العرب وفقا لهذا الرصد موجة متأخرة جدا من موجات بشرية هبطت شبه الجزيرة العربية من القوقاز والمنطقة المحيطة ببحر قزوين والبحر الاسود قبيل بداية الالف الاولى قبل الميلاد. ولعل عدم اقامتهم بالعراق أو الشام يعود الى وجود أقوام مستقرة أكثر قوة وتحضرا فذهبوا الى الفراغ الكبير في شبه الجزيرة العربية حاملين لغتهم القوقازية.
ويرجح الكاتب أن العرب هبطوا شبه الجزيرة على سكان "أصليين" منهم الهكسوس المطرودين من مصر في القرن الخامس عشر قبل الميلاد حيث نقل الهكسوس الى شبه الجزيرة ما حملوه من مصر من معتقدات دينية ورواسب لغوية مضيفا أن المرحلة الهكسوسية ربما تمثل مرحلة الجاهلية الاولى.
ويضيف أن العبادات المصرية القديمة لم تكن مجهولة في شبه الجزيرة العربية في الجاهلية.
ويشير الى أن في مخالطة العرب بعد أن جاءوا بلغتهم ومعتقداتهم القوقازية للسكان الاصليين تفسيرا لوجود "كثير من الالفاظ المصرية القديمة في اللغة العربية القرشية التي تسلمناها عن العرب بعد الفتح العربي وبهذا وحده نستطيع أن نفسر الاثار الواضحة للديانات المصرية القديمة ومصطلحاتها في لغة الجاهلية القريبة وفي بعض معتقداتها الدينية."
ويعتبر المؤلف أن التفاعلات اللغوية في هذه المنطقة خاصة في لغة قريش كانت سببا في انضاج اللغة العربية ومنحها مرونة وخصوبة أهلتها أن "تكون وعاء لوحي عظيم في عصر الرسول وأداة صالحة للتعبير الفكري العميق حتى عصر ابن خلدون نحو 1400 ميلادية مما أهلها أن تقهر بعض ما جاورها من اللغات تماما كما قهرت اللاتينية عديدا من لغات أوروبا التي فتحها الرومان حتى نهاية العصور الوسطى."
ويرى عوض أن العربية لغة محدثة "وأنها لم تكن لغة ادم في الجنة الاولى ولا كانت مسطورة في اللوح المحفوظ قبل بدء الخليقة."
كما يرى أن سكان شمال افريقيا وبينهم المصريون ينتمون سلاليا الى عنصر غير عربي ورغم ذلك قبلوا اللغة العربية حين قبلوا ثقافة الاسلام "بل ان أقباط مصر الذين لم يقبلوا ثقافة الاسلام قبلوا اللغة العربية لانها غدت لغة مصر القومية وحين واجهوا مشكلة الاختيار بين الوحدة القومية في اللغة والانشقاق القومي باللغة اثروا الوحدة على الانشقاق."
ويضيف أن المصريين المسلمين لم يأخذوا اللغة العربية بحرفيتها وانما مزجوها بألفاظ قبطية تنتمي الى اللغة الديموطيقية وهي العامية في مصر القديمة.
ويشير عوض الى أن التكوين الاساسي للفكر الاسلامي بني على عمادين هما مدرسة الاسلام ومدرسة العروبة. وتعطي الاخيرة قداسة وشرفا للعربية وللعرب على غيرهم لحكم العالم الاسلامي وكان أول مظاهر الاحتجاج على الربط بين العروبة والاسلام هو الانشقاق على الخلافة متمثلا في حركتي الشيعة والخوارج حيث رأت الاخيرة أن الامارة ليست وراثية وانما لمن تختاره الجماعة ولو كان عبدا أسود.
أما الشيعة فاحتجوا "على حكم قريش والعرب للدولة الاسلامية فقد قبلوا الاسلام دينا ولكنهم رفضوا الحكم العربي دولة...قامت عقيدة الشيعة السياسية على أن الامامة وراثية في أهل بيت الرسول وهو مبدأ غريب على أصول الحكم في الاسلام وعلى أصول الحكم عند العرب أنفسهم."
ويرصد الكاتب الاختلافات بين الطرفين باعتبار الشيعة دعاة حق الهي والخوارج دعاة حق طبيعي مشيرا الى أنهما "كانا يلتقيان في شيء خطير أخطر ما يكون وهو الثورة على الحق العربي وعلى السلطة العربية اللذين قدمهما بنو أمية بنو قريش كبديل للحق الديني الهيا كان أو انسانيا ليثبوا به أن العرب أولى من غيرهم من المسلمين بحكم أمة المسلمين بدعوى أن النبي عربي قرشي وبدعوى أن القران نزل بلغة العرب وبلهجة قريش... نظرا الى حكم بني أمية على أنه فترة الاستعمار العربي باسم الدين واللغة لما فتحه المسلمون لا العرب وحدهم من أمصار غير عربية دخلت الاسلام وتكونت منها الامة الاسلامية. فهي بهذا المعنى حركات قومية تحررية أو شعوبية كما كان يقال بلغة ذلك الزمان."
ويرى الكاتب أن الصراع بين العرب والشعوب التي حكموها باسم الاسلام اتخذ أقنعة أيديولوجية متعددة فأصحاب نظرية تقديس اللغة العربية نقلوا فكرة اعجاز القران الى فكرة اعجاز اللغة نفسها وهي النظرية التي سخر منها الشاعر أبو العلاء المعري.
ويضيف أنهم حرصوا على اثبات نقاء لغة القران من كل كلمة أعجمية أما الشعوبيون فأثبوا أن بالقران ألفاظا أعجمية مثل قسطاس اليونانية الرومية وتعنى ميزان واستبرق الفارسية وتعنى الديباج الغليظ وطوبى الهندية وتعنى الجنة وأرائك الحبشية وتعنى سرر وقطنا النبطية وتعني كتابنا.
ويقول ان كتاب (المعرب من الكلام الاعجمي على حروف المعجم) الذي ألفه أبو منصور الجواليقي (1073 - 1145 ميلادية) أثبت أن العربية فيها من الالفاظ الاجنبية قرابة 1500 كلمة وأن مئات من هذه الالفاظ كانت متداولة لدى العامة كما استخدمها الشعراء في صدر الاسلام وفي الجاهلية وبذلك تكون من صلب اللغة العربية أيام الوحي.
ويسجل أن جلال الدين السيوطي الذي عاش في القرن الخامس عشر الميلادي يرى أن القران احتوى على ألفاظ من لغات أخرى "وهو بذلك يرى أن وجود الالفاظ المعربة في لغة القران ليس غضا من اعجازه وانما مزية يمتاز بها على سائر الكتب المقدسة."
ويقول عوض ان تواتر الالفاظ في أكثر من لغة ناتج عن قرابة لغوية أو تأثيرات حضارية مشيرا الى أن شرعية التجنس تجعل كلمة أجنبية جزءا من اللغة الجديدة التي انتقلت اليها فكلمة مثل شيك الانجليزية مستعارة من الفرنسية لكنها لا تعامل ككلمة أجنبية "بعد أنجلزتها وقياسا على ذلك فان نفس هذه الكلمة قد غدت كلمة عربية بعد تعريبها واتباعها قواعد الصرف العربي حرفيا أو تقريبا فنحن نشتق منها ونقول شياكة على غرار ما نفعل بالكلام العربي الاصيل...وهذه هي النظرة الراقية لنمو اللغات التي جعلت اللغات الاوروبية الحديثة كالانجليزية والفرنسية تنمو سنويا بامتصاص المئات من الالفاظ العلمية الاجنبية والحضارية المستعارة من اللغات الاخرى."
ويعتبر الكاتب أن البحث في لغة ما عن أصول بعيدة فيها للالفاظ الوافدة اليها من أشكال التزمت والعنصرية اللغوية.
ويضيف عوض أن هذا مناهض لقوانين تطور الاحياء واللغات "بل ان رفض العرب في الدولة العربية امتصاص الاعاجم أو تسويتهم بالعرب في حق المواطنة هو الذي أجج روح الشعوبية وألب أبناء الامصار على العرب ومزق دولتهم تمزيقا."
ويشير الى أن اللغات والاديان والاجناس تتعايش داخل القومية الواحدة في حالة الاستقرار أما في حالة البداوة فوحدة اللغة أو العنصرية هي علامة القومية مشيرا الى أن الصلف القومي يصور لكل أمة أنها المصطفاة فالمصريون القدماء قسموا العالم الى مصريين وأجانب كما قسم اليونانيون العالم الى اغريق وبربر وقسم العبرانيون العالم الى يهود وقبائل.
ويقول ان العرب يقسمون الناس الى عرب وعجم وهم بذلك يعترفون بالتبويب اليهودي للبشر الى يهود وأمم ولهذا وصف النبي محمد بأنه النبي الامي "ليس النبي الجاهل بالقراءة والكتابة كما في المعنى المتوارث وانما النبي الامي أي النبي الذي ليس من بني اسرائيل."
ورغم موت المؤلف يظل الكتاب كما عرض في المقدمة محاولة لفتح باب الاجتهاد اللغوي ولهذا سماه (مقدمة في فقه اللغة العربية) "عسى أن يأتي بعدي من يقيم أركان هذا العلم الخطير."

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف