قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سلوى اللوباني من القاهرة: "رامتان" هو الاسم الذي اطلقه عميد الادب العربي د. طه حسين على منزله الذي تحول الى مركز ثقافي، ويعتبر من الاماكن الثقافية البارزة في مصر، أقام العديد من الندوات الثقافية الفكرية منذ افتتاحه، ويواصل موسمه الثقافي لعام 2006 بعنوان "ثقافة المستقبل"، وبقدر أهمية المركز كصرح ثقافي يستقطب الادباء والمفكرين، إلا أن أهميته تكمن بأنه منزل الأديب والمفكر د. طه حسين، بمجرد دخولك الى المنزل ينتابك الفضول للبحث عن تفاصيل حياته من خلال مقتنياته، غرفة مكتبه، مكتبته، حجرة نومه، غرفة المعيشة....فضول لمشاهدة المكان الذي شهد معارك قاهر الظلام الأدبية والفكرية.
رامة له ورامة لابنه:
"رامتان" المنزل الذي انتقل اليه طه حسين عام 55 مع زوجته سوزان في منطقة الهرم، عاش فيه 20 عاماً الى أن توفاه الله عام 73، وهو أول منزل يمتلكه، اشترى قطعة لارض من الفنان يوسف وهبي، يتكون من دورين وحديقة واسعة مليئة بالاشجار، كان يحب السير في الحديقة والانصات الى صوت طائر الكروان، وحولته وزارة الثقافة المصرية الى متحف طه حسين بعد ان اشترته من ورثته، يحتوي المتحف على أثاث ومقتنيات طه حسين الفنية، بالاضافة الى مكتبته (3 آلاف كتاب) التي كانت قد اهديت الى دار الكتب المصرية واستردها المتحف، والاوسمة والنياشين والجوائز والمتلعقات الشخصية به، شهد رامتان انتخاب طه حسين رئيساً لمجمع اللغة العربية، واجتماعاته ومناقشاته، وفيه تولى عمله في جريدة الجمهورية، وفيه منح شهادة الدكتوراة الفخرية من ثلاث جامعات مرة واحدة مدريد، باليرمو وروما، في رامتان خاض معاركه من اجل التنوير والتقدم والتعليم، كما استقبل فيه نخب الادب العربي والغربي منهم نجيب محفوظ، يوسف ادريس، يوسف السباعي، محمود أمين العالم، عبد الرحمن الشرقاوي، أنيس منصور، يوسف غراب، ثروت أباظة، بالاضافة الى أندريه جيد، ايفو أندريتش، سنجور وغيرهم، وقد أطلق الاديب طه حسين اسم رامتان على المنزل بعد ان انتقل للعيش به، رامتان كلمة عربية وهي "الرامة"، مكان بالبادية يستريح فيه المسافر، واذا ثنينا الكلمة فهي "رامتان"، فطه حسين قرر أن يتكون المنزل من مسكنين، مسكن له ومسكن لمؤنس ابنه وزوجته السيدة ليلى العلايلي حفيدة أمير الشعراء أحمد شوقي، رامة له ورامة لابنه مؤنس، وذلك بعد أن تزوجت ابنته أمينة من محمد حسن الزيات.
معاركه الأدبية:
خاض معارك ادبية كثيرة مثل العلاقة بين الاصالة والمعاصرة، بين الموروث والمستحدث، العلاقة بين الشرق والغرب، نشر التعليم والقضاء على الأمية، وقضايا التجديد فيالأدب والفكر، وما أن يفرغ من قضية حتى يفتح جبهة أخرى، كان قادراً على الرد واثارة النقاش، فلم يتوقف يوماً عن القتال بقلمه، وشبهت طريقة طه حسين في القتال بالطريقة الفابية كما ذكر أ. رجاء النقاش في كتاب "طه حسين ومعاركه الأدبية"، وهو الكتاب الثاني في سلسلة تراث الجمهورية لعام 2006 صادر عن مؤسسة دار الجمهورية للصحافة ومن اعداد الاستاذ صلاح عطية، والطريقة الفابية في القتال تنسب الى القائد الروماني "فابيوس" الذي كان اسلوبه في الحرب "اطالة القتال ومناوشة العدو بين الحين والآخر، وعدم الاشتباك مع العدو في معركة حاسمة"، كان اسلوبه مصدر الهام لعدد من المفكرين والادباء الانجليز الكبار فقاموا بتأسيس الجمعية الفابية عام 1884، ومنهم برناردشو، سيدني ويب وزوجته بياتريس ويب، وتتلخص مبادئ الجمعية في ضرورة تغيير المجتمع عن طريق الاصلاحات التدريجية وليس عن طريق العنف والانقلاب والثورة، هذا الاسلوب في الحرب الفكرية هو الاسلوب الذي استخدمه طه حسين خلال حياته كلها، والجدير بالذكر أن الكتاب يقدم بعض صفحات جاوز عمرها الخمسين عاماً نشرت في صحيفة الجمهورية منذ الأيام الاولى لصدورها، ضم اثنى عشر عملاً لطه حسين، تنوعت بين المقال الادبي، والمقال السياسي والاجتماعي، والقصة المترجمة، والكتاب الملخص، واختلف المقال ما بين مناقشة لأمور السياسة الدولية أو قضايا الحياة اليومية او القضايا الأدبية، وكلها تتناول قضايا ما زالت قضايا اليوم، بالرغم من أنها كتبت منذ أكثر من نصف قرن، وكانت أولى وكبرى معاركه الفكرية من خلال كتابه "في الشعر الجاهلي" الصادر سنة 1926، الذي استخدم به المنهج العقلي في البحث والدراسة، فبدى وكأنه يمس بالدين والقرآن الكريم، مما أدى الى وقوفه أمام النائب العام بتهمة التعدي على القرآن الكريم والدين الاسلامي، ولكنه نجا منها بحكمة النائب العام الذي اعتبر بعد التحقيق معه ان العبارات التي استخدمها طه حسين في كتابه، "انما اوردها في سبيل البحث العلمي لاعتقاده ان البحث يقتضيها"، وكانت لدى طه حسين أدوات متعددة يشن من خلالها حروبه الادبية، مثل الجامعة، المجمع اللغوي والصحافة التي كانت أداته الاولى وسلاحه الاساسي، فقد أدرك أهمية الصحافة منذ بداية حياته وقبل ان يصل الى سن 20، فطرح من خلالها أفكاره وجعلها ميدان الحرب لمحاربة من يقفون ضد التطور والحرية والتجديد، يقول طه حسين عن فكره "لا ينحاز الى طائفة ولا يتعصب لمذهب، ولا يقيد نفسه الا بحقوق الشعب والوطن، في الكرامة والعزة والحياة الصالحة التي لا يشوبها نقص أو هوان".
نصيحته للشباب:
نصيحة للشباب رددها د. طه حسين في أكثر من صحيفة وفي اكثر من لقاء..."انهم لاهون عن القراءة الجادة، تجذبهم أضواء السينما والتلفزيون، ينشغلون بها عن قراءة أمهات الكتب التي تفتح لهم آفاقاً واسعة، وتضئ أمامهم الطريق وتخلق منهم المثقف الواعي المستنير، فالشباب الذين يعرفون اللغة العربية عليهم أن يدرسوا الادب العربي القديم والحديث، والذين يعرفون اللغات الاجنبية عليهم أن يطلوا منها على العالم الرحب الفسيح للفكر والثقافة الاجنبية، وهذه الوسيلة الوحيدة لكي ينتجوا شيئا ذا بال"- مجلة آخر ساعة-.
حياة طه حسين هي تاريخ حياة مصر على مدى نصف قرن، فكره مدرسة هامة للتعلم منها، من أهم مؤلفاته "الايام" 1929 روى فيها سيرته الذاتية في سياق التطور التاريخي لمصر، وتجسد كفاح انساني وفكري لشخص فقد بصره عندما كان عمره 3 سنوات ليصبح من رواد التنوير في الفكر العربي.
salwalubani@hotmail.com