كتب: الرجل المومياء لصبحي فحماوي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الظرف والفكرة المروية رمزا وخطابا انتقاديا
بيروت (رويترز) - قصص مجموعة الكاتب الاردني صبحي فحماوي الأخيرة "الرجل المومياء" تتسم دون شك بظرف لاذع يسلطه كاتبها على شؤون الحياة العربية اليومية وحتى على كثير من أحلام هذه الحياة ومشاغلها. الا انها على رغم ما تخلقه من متعة في نفس القارىء تبقى إجمالا أقرب الى أفكار تكتب قصصيا ويأتي بعضها مشبعا بالرمز لكن هذا الرمز يتناول الواقع اليومي ولا يتجاوزه الى المجرد والأفكار المطلقة.. كما يبدو بعضها أشبه بخطاب انتقادي حاد وساخر اجتماعيا وسياسيا وفي ما يخص شؤونا عديدة من الحياة العربية عامة. ويبقى نتاج فحماوي وليد عقل سياسي انتقادي وان عبر عن نفسه بالرمز أو باللجوء الى التراث الشعبي العربي وغير العربي وباللجوء الى التراث الديني احيانا. شخصياته في غالبها تبدو اقرب الى وسائل لنقل افكار واراء اكثر منها بشرا عاديا من حيث نسج المشاعر ورسم ما في الذهن والنفس. وهي احيانا رموز لكنها معبرة دون شك. وهو في كل حال ساخر بألم حينا وبمزاح هو ابن الألم حينا آخر.
مجموعة فحماوي التي جاءت في 142 صفحة متوسطة القطع اشتملت على 24 قصة وصدرت عن دار "الفارابي" في بيروت و"بدعم من أمانة عمان". فحماوي من حيث المهنة هو مهندس حدائق وله أربع مجموعات قصصية وثلاث روايات. وهو عضو في رابطة الكتاب الاردنيين واتحاد الكتاب العرب واتحاد الكتاب المصريين وفي نادي القصة المصري.
القصة الاولى أي "الرجل المومياء" التي أعطت اسمها للكتاب والتي هي أبرز ما جاء في المجموعة.. تقوم على الرمز وتنضح به. تبدأ القصة وأبو مشرف يروي لضيوفه ما بدا غريبا بل نوعا من التخريف عند قسم منهم. كان أشبه بحكواتي يروي لهم ما قال انه شهده خلال عمله في بلد نفطي عربي. بعضهم اعتبر الرجل مصابا بمس في عقله إثر حادث وقع له في العمل وأدى الى نهاية عمله.
ما يطرحه الكاتب في القصة ليس غريبا من حيث شكله الفني اذ عرف مثلا عند الكاتب المصري ابراهيم المويلحي في عودة احد الباشوات الى الحياة بعد موته ليشهد غرائب الازمنة الحديثة كما يذكرنا بعمل مسرحي للشاعر الكبير الراحل حديثا محمد الماغوط هو "المهرج" حيث يعود عبد الرحمن الداخل (صقر قريش) الى الحياة فيرى بؤس بني قومه الذين عاد ليحثهم على العودة الى أمجادهم الماضية لكنهم يزجون به في السجن ويسلمونه الى اسبانيا مقابل كمية كبيرة من البطاطس.
بطل فحماوي يروي كيف ان "الرافعة" اخرجت من بطن الارض رجلا بدا كأنه مومياء فرعونية. كان اسود اللون قالوا انه "مصبوغ بالنفط لطول المدة". قام العمال بغسل الرجل بخرطوم الماء فتحرك ولما سألوه عن اسمه قال انه حاتم الطائي وقد نام نومة اهل الكهف متوهما كما قال انه لم ينم سوى يوم او بعض اليوم. سألوه عن حصانه الذي ذبحه لغريب فتحدث اليهم عنه وسرعان ما تجمعت حوله وسائل الاعلام بأنواعها خاصة الفضائيات. "وبتوجيهات المخرج المصري... غسلوه وحمموه بالصابون المعطر..." وتحولت عملية تهيئته لعالم النجومية الى مشروع عربي فاشترك في اعداده خبيرة مساج (تدليك) مغربية وحلاق لبناني لتصفيف شعره وفنانة تونسية لاختيار ثيابه وفني مكياج سوري وفني إضاءة فلسطيني ومذيعة أردنية للتعليق على الحدث ومصور جزائري... الخ.
ودار جدل عما اذا كان على استعداد لذبح حصانه مرة أخرى فقال بعضهم انه لن يذبحه بل سيوفره لركوب السياح الاجانب فيأتيه دخل من ذلك وقال آخرون انه سيهديه الى المهندس رالف مدير شركة النفط واقترح اخرون ان يراهن عليه في مباريات سباق الخيل. حارس الشركة قال ان الطائي قد يستخدم الحصان "للحرب والكر والفر فهذه الايام هي أكثر الايام حاجة لرباط الخيل" لكن فني الكمبيوتر قال انه لم يعد للخيل دور هذه الايام. ولما صرخ المخرج "اكشن" لم يتحرك حاتم لذبح الحصان "او ليفعل اي شيء.. بقي واقفا يتثاءب متجهما مترددا مندهشا يغالبه النعاس... فهجم المخرج... واخذ منه لجام الحصان وخرج هو وعصابته... بينما جلس حاتم الطائي على حجر هناك يغالبه النعاس ثم نام على الارض وقالوا انه مات مرة اخرى."
في قصة "العرس الكبير" لوحة كبيرة ساخرة متعددة المشاهد والمناظر تتناول النفاق والجهل الاجتماعيين ومسائل الجنس والعلاقات المختلفة.
في قصة "خرافية الغول" مزيج من التراث الشعبي الفلسطيني باللهجة الفلسطينية.. ومن الخرافات والف ليلة وليلة ومن الغول ذي العين الواحدة عند يوليس وصحبه في ما تركه لنا هوميروس.
في "بطاقة دعوة" طرح لفكرة ان تقوم الفتاة بخطبة الشاب بعد تحررها والمساواة. ولمن يقولون ان في هذا عيبا يسأل الكاتب عن فنون الاغراء الشائعة والمقبولة وعما اذا لم تكن عيبا. في قصة "قابيل وهابيل" خيط من التراث الديني يطبق على عالم اليوم.
لعل أكثر "القصص" وقعا انسانيا وشاعرية مؤثرة هي حكاية بل صورة عنوانها "حمودة يلعب" حيث يقول ان ثلة من المجندين المدججين بأسلحة رشاشة دهمت "الطفل الفلسطيني حمودة فالقوا القبض عليه متلبسا بجريمة قذف الحجارة في اتجاهات مختلفة. كان الطفل حمودة في تلك الامسية يلعب بالحجارة محتفلا بعيد ميلاده الثاني حيث لم يكن مع اهله المحاصرين منذ خمسين عاما اية نقود لشراء لعبة له في تلك المناسبة فاضطر الطفل للاحتفال بقذف الحجارة. وعندما تحلق المجندون حوله تدلت فوهات و"سونكات" بنادقهم الى الاسفل محيطة به ففرح حمودة وتفتحت ابتسامة على وجهه مثل تفتح وردة جورية ومد يديه الصغيرتين الى أعلى فأمسك بهما فوهة بندقية وراح يلعب بالسونكي."