المركزية المشرقية همشت الثقافة المغربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
القاهرة (رويترز) - قبل نحو عشر سنوات اشتعلت حرب كلامية بين مثقفين عرب حول (مقدمة) ابن خلدون حين أعلن كاتب مصري أن مؤلفها اطلع على رسائل اخوان الصفا واقتبس منها نظريته في علم الاجتماع. واعترض كثير من الباحثين العرب على ما توصل اليه أستاذ التاريخ محمود اسماعيل الذي رأى أن المغاربة غاضبون لانهم يعتبرون ابن خلدون يخصهم وحدهم. وانتهى السجال باصرار اسماعيل وهو أستاذ بارز بكلية الاداب بجامعة عين شمس على موقفه من ابن خلدون مشيرا الى أن "التشنج الانفعالي اساءة الى البحث العلمي" وأصدر كتاب (نهاية الاسطورة.. نظريات ابن خلدون مقتبسة من رسائل اخوان الصفا) ثم سجل حصاد ذلك الجدل في كتاب ثان عنوانه (هل انتهت
فلسفة ابن خلدون..). ويثير الناقد المغربي سعيد يقطين قضية المركزية في التعامل مع التراث العربي حيث يتم التركيز على جوانبه المتصلة بالشرق في مصر والشام والعراق في حين تأتي بلاد المغرب "في درجة ثانية". ويضيف في كتابه (السرد العربي.. مفاهيم وتجليات) أن التراث المتعلق بالمغرب العربي يقدم عادة على أنه محدود القيمة أو أنه تكرار أو صدى لما أنتج في الشرق وهكذا يتحكم المنظور الجغرافي في تحديد ما يمكن أن يكون "التراث أو لا يكون."
وقال يقطين الذي يعمل أستاذا بكلية الاداب والعلوم الانسانية بالرباط ان الذين ينتمون الى الاطراف أصبحوا يشعرون بالتقصير والالغاء وهذا دفعهم الى أن يبحثوا في التراث عما يميزهم أو يبين الدور الذي لعبته مناطقهم في التاريخ وفي الفكر.
وصدر الكتاب في القاهرة عن دار رؤية للنشر والتوزيع ويقع في 313 صفحة متوسطة القطع ويضم فصولا منها (كتابة تاريخ السرد العربي) و/سيرة بني هلال.. اعادة تشكيل النص السردي الشعبي/ و/تلقي الاحلام وتأويلها.. تأصيل قواعد التأويل/ اضافة الى فصل عن كتاب (الامتاع والمؤانسة) لابي حيان التوحيدي الذي عاش في القرن الحادي عشر الميلادي.
ويعد المؤلف (50 عاما) من أبرز المهتمين بقضايا السرد العربي التراثي القديم أو الروائي الحديث وصدرت له خلال العشرين عاما الماضية كتب منها (القراءة والتجربة.. حول التجريب في الخطاب الروائي الجديد في المغرب) و/انفتاح النص الروائي.. النص والسياق/ و/ذخيرة العجائب العربية.. سيف بن ذي يزن/ و/قال الراوي.. البنيات الحكائية في السيرة الشعبية/.
ويفسر يقطين ما يعتبره مركزية في التعامل مع التراث العربي بريادة مصر والشام في الاخذ بأسباب التطور قياسا الى بقية الاقطار العربية ولهذا تم التركيز على الجوانب التراثية المتصلة بالشرق مقارنة بما أنجز في مواطن أخرى خاصة في الغرب الاسلامي. ويشير الى أن هذا الموقف وضع الباحثين أمام المدرسة الشرقية والمدرسة الغربية حيث بدأ السجال بينهما فيدافع كل فريق عن خصوصياته ويعلي من شأن ما يدافع عنه على حساب غيره "وهكذا صار المتنبي عراقيا وابن خلدون تونسيا وصارت الشخصيات ذات الاصول الفارسية في التاريخ العربي-الاسلامي شخصيات ايرانية تضمها الموسوعة الايرانية." ويصف تعامل كل طرف مع التراث باعتباره ملكية خاصة بأنه مغالاة في تأكيد الخصوصية وهذا من شأنه أن يؤدي الى الغاء كلية التراث العربي الذي ساهم في تكوينه وتطويره الشعب العربي في تاريخه الممتد مشددا على أنه لا يحق لاي طرف أن يزعم أنه وريثه الشرعي الوحيد.
وبعيدا عن الثنائية والاستقطاب يحث يقطين على ضرورة فهم التراث العربي مشيرا الى أن الجزء الاساسي منه وهو السرد القصصي لم يتعامل معه الباحثون بالجدية المطلوبة.
ويضيف أن العرب في مراحل صعودهم تفاعلوا مع تراث الامم المجاورة خاصة التراث الشرقي عبر بوابة بلاد فارس كما تفاعلوا مع التراث اليوناني والهندي لكن التفاعل العربي مع التراث الانساني في المراحل الاخيرة يصب في مجرى واحد باتجاه الاستهلاك منذ عجز العرب عن ذلك في بداية الفترة الاستعمارية قبل أكثر من مئتي عام.
ويشير الى أن نظرة العرب الى تراثهم فيها كثير من الازدواجية حيث يوصف هذا التراث بالتخلف باعتباره مراة للماضي كما يوصف أيضا بأنه مصدر للفخر. وهكذا يرى البعض أن تجاوزه والابتعاد عنه شرط للتقدم في حين يرى اخرون أنه النموذج الذي يجب أن يحتذى. ويفسر ذلك بأن المنظور السياسي يلعب دورا في التحكم في الرؤية العربية للتراث وهي رؤية "موقفية" ذات طابع ثنائي حاد معه أو ضده ولم تكن ثقافية أو حضارية أو تاريخية حيث ان الزمان ليس ماضيا أو حاضرا فقط بل مستمرا كما أنه ليس كتلة واحدة وانما مجموعة من التفاعلات ربما نجد معها جانبا من التراث ممتدا في الحاضر.
ويقول يقطين ان التراث العربي منذ بدأ الاهتمام به يتعرض للتجزيء والاختزال وفقا للرؤية التي تحدد طريقة الاشتغال به والتفكير فيه حيث ظهرت ثنائية الثقافة العالمة والثقافة الشعبية. وتعد الاولى نتاج معرفة ساهم فيها مفكرون ومبدعون حققوا تفاعلا مع ثقافات انسانية أخرى أما الثانية فتعد ابداعات عفوية يجعلها دون الثقافة العالمة.
ويصف عملية الانتقاء باستبعاد بعض جوانب من التراث العربي وابقائها في الظل بأنها جزء من ممارسة أشمل تتجاهل أن التراث العربي "كل متكامل ولا يمكن فهم واستيعاب جوانب منه بدون اعتبار جوانب أخرى شديدة الصلة بها...يظل التراث انتاجا وليد حقب متواصلة من التطور. وهو في صيرورته هاته يعكس سياقات خاصة تفاعل معها الانسان العربي بأشكال متعددة ومتفاوتة." ويشير الكتاب وان لم يكن بقدر كاف الى قضية يمكن أن تكون موضوعا لمؤتمر أو ندوة علمية وهي قراءة العرب لتراثهم بأثر رجعي من خلال بوابات أو أحداث معاصرة سببت لهم صدمة وترتب عليها تحديد العلاقة بهذا التراث.
فيقول المؤلف ان لثلاثة أحداث في التاريخ العربي الحديث دورا في خلخلة الثوابت وتمثل الحدث الاول في دخول الاستعمار منذ محاولاته الاولى للاستيلاء على دول عربية في نهاية القرن الثامن عشر. أما الحدث الثاني فهو "هزيمة أو نكسة" عام 1967 وبدأ الحدث الثالث بعد هجمات 11 سبتمبر أيلول 20001 على الولايات المتحدة.
وحصلت معظم الدول العربية على استقلالها في منتصف الخمسينيات وأعيد بناء الدولة الوطنية لكن حرب 1967 جعلت مناطق عربية تحت الاحتلال حيث استولت اسرائيل في تلك الحرب على هضبة الجولان السورية وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية العربية وشبه جزيرة سيناء المصرية التي استعادتها مصر بموجب معاهدة سلام مع اسرائيل عام 1979 وانسحبت القوات الاسرائيلية من قطاع غزة في سبتمبر أيلول 2005.
ويرى يقطين أن الاستعمار وحرب 1967 خلقا ازدواجية الهوية/الاخر أو الذات/الغرب.
أما الحدث الثالث وهو هجمات 11 سبتمبر التي قال انها جعلت العرب موضع اتهام فارتبط "بتطور الاسلام السياسي ودفع الحركات الدينية الى المزيد من التطرف حيال الغطرسة الامريكية وعمق فكرة الرجوع الى السلف الصالح."