عالم الأدب

مئوية بيكيت: محطات في سيرة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

فالح الحمراني من موسكو: جرت في 13 نيسان (ابريل) في مختلف انحاء العالم الاحتفالات واقيمت ندوات ومؤتمرات بمناسبة مرور 100 عام على ميلاد صموئيل بيكيت لكاتب المسرحي والقصصي التي اسست اعماله لعصر جديد في المسرح، وروايته في فن القصة. ووضعته مسرحيته: في انتظار جودو وثلاثيته مولي... في مقدمة ادباء القرن العشرين. لقد شارك بيكيت في اعماله القصصية والمسرحية وبدراساته الادبية وبقصائده في فتح افق جديد في ادب القرن العشرين وذلك بتركيزه على الاسئلة الوجودية للانسانية، لقد اعاد للادب وللفن عموما وظيفته الرئيسية بالابتعاد عن اليومي وطرح الابدي والخالد الذي يمس الوجود البشري بعمقه اللامتناهي والسؤال الخالد عن غاية الحياة والبحث عن معنى لها والاعتناء باللغة كوسيلة للتعامل بين البشر واستعادة وظائفها الاولى. وحكم الاديب الكبير المشبع بروح فلسلفية عميقة على الوجود البشري بعبثيه وعلى الوجود اليومي بلامعقوليته. فالوجود المعطى يتعالي على تفاهة اليومي. ويمضي الانسان في المرحلة بين لحظة الولادة والموت في حركة بائسة وبحث عن السراب. من العمل؟من اجل شحن الحياة الانسانية بالمادة. ربما هذا السؤال لايعود لبيكيت وحده ولكنه طرحه عبر اعماله الادبية بحدة اكثر، ضربت الصميم واحدثت رجفة وصدمة في قلب البشرية جمعاء التي لاتخفي لحد يومنا حاجتها لبيكيت رغم ان اعماله تظل لحد يومنا هذا غير مفهومة تماما ومتلفعة بالغموض، مثل حاجتها لدستويفسكي ورامبو وهمنغواي وبروست وهومير وشكسبي، لتعميق وعي الوجود الانساني وعن كيف سيحي الانسان اذا انه يدرك يانه سيموت. ان الشكل الذي عثر عليه بيكيت والذي سيطلق فيما بعد بمدرسة اللامعقول واللغة التي استخدمها، كان بمثابة اكتشاف قارة في الشكل الادبي الذي يعمق ادراك المضمون. ان حياة بيكيت بذاتها ممارسة في البحث عن معنى الوجود الانساني ومحاولة الانسان للوقوف على ارض صلبة ومن المفيد جدا التمعن بها.

البداية
ولد صموئيل بيكيت في 13 ابريل 1906 بالقرب من عاصمة ايرلندا دبلن،وفي وقت متاخر سيقول الاديب انه اطل على العالم في الجمعة العظيمة، وصرخ في ذات الساعة، التي "صرخ يسوع ايضا بصوت عظيم واسلم الروح"(متي.27:50). ودرس بيكيت في نفس المدرسة التي درس فيها اوسكار وايلد.والتحق في عام 1923 في كولج تريتني المشهور حينها في دبلن، والذي تخرج منه ايضا وايلد واولفر غولدسميت وجونتان سفيت، الذي تعامل معه بكيبت دائما باحترام بالغ.ودرس في الجامعة اللغات الرومانية ولعب كريكيت التي اجادها كمحترف. وتوجه بكيت في عام 1928 لتدريس اللغة الانجليزية لطلاب معهد ايكول نورمال في باريس.وفي هذا العام قام الشاعر توماس مكغريفي بتعريف بيكيت بالدائرة التي كانت تساعد جيمس جويس في كتابة رواية " عزاء فينيغانزويك " حينها كانت في سيرورة العمل.وكان جويس بسبب ضعف بصره يستنجد بالادباء الشباب لتدوين اعماله. ويُحكى ان بيكيت الدقيق كان ذات مرة قد سجل تساؤل جويس "من هناك" وهو يرد على زائر له طرق عليه الباب.
ونشر بكيت عام 1930 مجموعته الشعرية الاولى ، التي ظهرت نتيجة تاثره بكتابات الفيلسوف رينيه ديكارت الذي ظل متاثرا به طيلة حتى نهاية حياته. ونشر قصائده في مجلات عدة في دبلن وباريس. وقد اهمل نشر القصائد الاولى التجريبية التي كتبها اذ نشر قصائده المكتوبة بين العامين 1928 ـ1935م وترجم العديد من الشعر الإيطالي والفرنسي وما يثير الاستغراب انه كان ربما أول مَن ترجم بعض الشعر السوريالي الفرنسي إلى الإنكليزية من خلال قصائد لـ(أندريه بروتون) وللشاعرين (بول إيلوار) و(أندريه كروفيل) ، وترجم كذلك قصائد لـ(رامبو) و(أبولينير) مثلما ترجم لبعض الإيطاليين من بينهم (أوجينيو مونتالي) . وقال بيكت عن نفسه في شيخوخته عن تلك الفترة انه كان" شابا لم يكن بوسعه ان يقول شيئا، ولكنه اراد ان يقوم بشئ ما".
وعلى خلاف ما اشيع فان بيكيت لم يكن سكرتيرا لجويس. بيد انه كان ضيفا دائما على ابن بلده العظيم، وكان معجبا به لحد العباده وقلده حتى في التقاط السيجار واحتساء المشروب ولبس نفس حذائه،مما سبب له بعض المتاعب.حينها وعلى مشارف العشرينات والثلاثينات وقعت ابنة جويس التي انت تعاني من مرض نفساني في غرام بيكيت. ونجحت نورا عقيلة الفنان العظيم المعروفة يحيوتها بتزويج ابنتها لوسيا على الاديب الشاب، بيد انه بسهولة وبالتضحية بدار جويس تخلص من هذا الزواج. واظهرت الفحوصات الطبية ان لوسيا تعاني من مرض انفصام الشخصية. وسعت العائلة لعلاجها عند العالم النفساني كارل يونج، وفي نهاية المطاف بعثت بها لاحد مصحات الامراض العقلية، وبقيت هناك حتى وفاتها عام 1982. وقام بيكيت قبل وفاته بفترة قصيرةعام 1989 بحرق رسائله المتبادلة مع لوسيا بيكيت، ولم يحتفظ في ارشيفه الا بصورة واحدة تظهر نجلة جويس الشابة وهي ترقص.
الذروة
وعاد بيكت عام 1930 الى ايرلندا ليمكث فيها فترة قصيرة، ومن ثم توجه في رحلة طويلة جاب فيها اوروبا، لكي يستقر به المطاف عام 1937 نهائيا في باريس. وكان بيكيت قد بعث برسالة الى المخرج السينمائي السوفياتي الشهير ايزنشتين لمساعدته الالتحاق في معهد السينما في موسكو، بيد ان الرسالة ولحسن الحظ انها ضاعت ولم تصل للمخرج السوفياتي.
وفي عام 1938 ظهرت رواية بيكيت " مرفي" التي يلتحق بطلها للعمل في مستشفي للامراض العقلية لكي يتجنب الزواج. ويلعب مرفي الشطرنج مع نزيل المستشفى الذي يمر في حالة خطرة، ويشعر مورفي بعبثية هذا العمل. ويصطدم بيكيت في نفس العام بعبثية الحياة اليومية ووحشيتها حين يطعنه عابر سبيل بسكين في باريس من دون سبب. وحينما سالة بيكت في وقت متاخر عن سبب فعلته اجاب " مسيو اعذرني، لااعرف". ، وسحب الاديب الدعوى التي رفعها ضد المعتدي للمحكمة. ويتعرف اثر الحادث على زوجته الثانية سوزان التي سترافقه طيلة حياته.
وظل بيكيت بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية مقيما في باريس، باعتباره مواطن دولة محايدة. وانتمى هناك لاحدى خلايا المقاومة السرية، وترجم التقارير للسلطات البريطانية عن تحرك القوات الالمانية. وبعد تدمير الخلية السرية، هرب بيكيت للجنوب الفرنسي وسكن في قرية روسليون ومن هناك ساعد وفق الامكانات المتاحة حركة لمقاومة. ورشح بعد الحرب لنيل وسام الدولة الفرنسية لشجاعته، وقال بتواضع " انه لم يؤد غير دور تلاميذ الكشافة في مساعدته للمقاومة". وكان قد بعث عام 1946 قصة قصيره لجان بول سارتر فنشرها في مجلته " العصور الحديثة" وكان على يقين انه ينشر نصا كاملا، وحينما اكتشف ان للقصة تكملة، رفضت رفيقته وناشرة المجلة سيمون دي بوفوار نشرها. وشرع بكيت في روسليون بكتابة روايته " وات" التي التي يسعى بطلها الرئيسي لوجود يتصف بالعقلانية في عالم غير عقلاني، وتاخر نشرها تى عام 1953. وعند عودته لباريس بعد الحرب كتب عمله الكبير ثلاثية "مولي" وميلون يموت" و " اللامسمى". ولم يرَ احد من هذه الاعمال النور قبل 1951، حين عثور سوزان على ناشر لها. وحظيت مولي بعد نشرها على تقدير النقاد الفرنسيين العالي, ولفت الاديب انتباهم له. بيد ان الشهرة جاءت لبكيت مع عرض مسرحيته " في انتظار جودو". واصبحت عبارة احد شخوص المسرحيةلا شيء يحدث، لا أحد يذهب، لا أحد يجيء ـ ياللفضاعة" بمثابة تاشيرة مرور بيكيت لعالم المجد والشهرة لانه طرح سؤال العصر الملح. لقد اسست جودو لمسرح جديد وطرحت السؤال عن كنه الوجود البشري. وقال احد النقاد عنها لقد غيرت " في انتظار جودو " المسرح العالمي، واشار الكاتب المسرحي الشهير جان انوي الذي حضر العرض الاول للمسرحية، الى ان في انتظار جودو كانت الاهم في غضون الاربعين سنة الاخيرة.ويرى دارسو بكيت ان " في انتظار جودو" هي خلاصة فكره: فخلف كآبة وفضاعة الوجود البشري وفي دنائته الخالصة، العبث الحتمي. وظهرت بعد بانتظار جودو الشريط الاخير والايام السعيدة ونهاية اللعبة.وكتب بيكيت خلال ذلك تمثيليات اذاعية وتلفزيونية، وعمل على نصوص اخرى.
المحصلة. واعلن في عام 1969 عن فوز بيكيت بجائزة نوبل للادب وقالت سوزان بعد ان قرات البرقية عند الناشر ياللكارثة. فكانت تخاف من ان الشهرة العالمية ستفسد على الزوجين حياة العزلةالتي ينعمان بها. وفي نهاية المطاف اعرب بيكيت عن امتنانه للاكاديمة السويدية ولكنه اعتذر عن حضور مراسيم تقليد الجائزة واختفى في زاوية نائية بعيدة عن المعجبين. وبات بيكيت في السبعينات والثمانينات يقل من الكتابة والنشر. وفي حديث لاحد المهتمين بسيرته الشخصية قال بيكيت ان جيمس جويس "مُركِب" اضفى على النص المزيد من التفاصيل اما اما "فمُحلل" اسعى دائما لشطب الكثير. وفي سنواته الاخيرة امضى معظم وقته في شقته في باريس يشاهد لعبة الريغبي، واعادة قراءة الكتب التي كان يحبها ويدخن، رغم منع الاطباء له. وانتقل بيكيت بعد موت سوزان عام 1989 الى احد دور كبار السن وتوفى في 22 ديسمبر من العام نفسه. وقد عجز، وهو الذي سعى لالتزام الصمت، في الاشهر الاخيرة من حياته عن الكلام تماما بسبب المرض. ودفن وسوزان في مقبرة مونبرناس في باريس. وبالقرب من شاهدة قبرهما المتواضعة تنمو شجرة وحيدة، مثلما في مسرحيته بانتظار جودو.
ويقول احد المهتمين بسيرته " ان بيكيت سعي لاقتناص جوهر الوعي، الذي يكمن في الانسان".لقد حلل الاديب هذا الجوهر حتى النهاية حتى التفاصيل الوجودية المرعبة وادرك العبثية التامة للوجود البشري. بيد انه قال في الوقت نفسه " من النادر ان لايصحب الشعور بالعبث الشعور بالضرورة".
استفادت المادة من مقالات بالروسية من بينها "غروب القرن" بقلم يوليا شتوتينا و"صمؤئيل بيكيت" من الموسوعة الادبية الروسية ومقال الناقد والباحث الكسندر غينس " بيكيت: شاعرية غير المحتمل"، وبالعربية موسوعة المصطلح النقدي: اللامعقول تاليف ارنولد هنجلف، ونصوص من اجل لاشئ من تقديم ونشر هنري فريد صعب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف