عالم الأدب

سبتي يموت وحيدا في منفاه الهولندي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

العراقيون يرثي بعضهم بعضا

لاهاي : صلاح حسن: تقول شرطة مدينة ماسترخت الهولندية المحاذية للحدود البلجيكية انهم وجدوه جالسا وميتا منذ اربعة ايام. وصديقته البلجيكية التي انفصلت عنه منذ فترة طويلة تقول : انه اتصل بها قبل اكثر من اسبوع واخبرها انه اذا لم تحضر خلال نصف ساعة فأن الامر سيكون منتهيا. وتضيف : هذه ليست المرة الاولى التي يحدث فيها ذلك، بعد ن انقطعت علاقتنا. كان لدي ضيوف في ذلك اليوم لذلك فقد نسيت الامر واعتبرته محاولة جديدة منه للتواصل. يتصل بها اخوه رياض من امريكا ويخبرها ان كمال لم يرد على تلفوناته ولا على رسائله الالكترونية منذ اسبوعين فتترك كل شيء وتذهب الى منزله الذي يبعد خمسين كيلومترا عن منزلها وتحاول ان تدخل الى الشقة فلديها المفاتيح، ولكن الباب مغلق من الداخل. تذهب الى شرطة المدينة وتخبرهم بالامر وتطلب منهم ان يفتحوا شقته للتأكد من وجوده.. لكن الشرطة الهولندية المعروفة ببرودها والتزامها تقول : نحتاج الى موافقة من عائلته.! تتصل صديقته السابقة بأخيه رياض من اجل ذلك. لقد كان جالسا وميتا.. نزيف في المعدة، وكان جالسا حسب، هذا كل شيء. لا احد يعرف لماذا وكيف مات كمال سبتي. ولكن هل مات كمال سبتي حقا؟

قبل ثلاث سنوات يرثي كمال سبتي صديقنا الشاعر رعد عبد القادر الذي توفي اثر نوبة من الربو.. ويقول في رثائه ان العراقيين يموتون قبل ان يبلغوا سن الخمسين بسبب القهر والالم والمصائب، فهل انهى كمال سبتي حياته بعد ان بلغ الخمسين ؟ لم يكن الشاعر كمال سبتي المولود في مدينة الناصرية عام 1956 يعاني من مرض عضال خلال الاشهر القليلة الماضية، وقد كان يكتب في اماكن عدة عن مشاريعه الادبية القادمة. وقد اصدر بالفعل ديوانا جديدا عن دار الجمل عنوانه ( هكذا قالت الطبائع الاربع ) وكان بصدد نشر كتابه النثري عن رؤيته للشعر الحديث ومشاريع اخرى لم يفصح عنها. فما الذي تغير، وماذا طرأ في ذهن الشاعر القلق في هذه اللحظة الملتبسة من تاريخ العراق المذبوح ؟؟
شخصيا.. اعرف الشاعر كمال سبتي من 28 عاما، كنت انوي في ذلك التاريخ الذي يبدو لي بعيدا الان ان ادرس المسرح في معهد الفنون الجميلة. وكان كمال سبتي في السنة الثالثة في قسم السينما وقد صدرت له في ذلك الحين مجموعته الشعرية الاولى - وردة البحر - وقد احتفلنا في ذلك المساء البعيد في غرفته في القسم الداخلي في مدينة الكاظمية. ثم التقينا مرة اخرى في اكاديمية الفنون الجميلة، يواصل هو دراسة السينما وانا المسرح ويجمعنا قسم داخلي واحد في منطقة الوزيرية. ثم اذهب انا الى جبهة الحرب الرهيبة ويذهب هو الى معسكر الموصل كي يتخرج عريفا !! ونلتقي في النهاية في جريدة القادسية بعد ان تضع الحرب اوزارها كمدققين لغويين تجمعنا في المساء غرفة رخيصة في فندق الصياد في ساحة الميدان لم ندفع فاتورته الكاملة حتى الان . في السجن كنا ايضا سويا. انا اخاف من مصيري !!!
في انتخابات اتحاد الادباء ينجح كمال سبتي بالفوز بعضوية الهيئة الادارية وتتاح له الفرصة للسفر الى ليبيا اثناء مؤتمر للاتحاد العام للادباء العرب عام 1989 ومنها يهرب الى اوربا الشرقية طالبا اللجوء السياسي حيث يستقر به المقام اخيرا في اسبانيا التي يدرس بها الفلسفة. وعندما يضيق به المقام في اسبانيا التي تعرفت على حقوق الانسان حديثا يتصل بي بعد ان وصلت الى هولندا لاجئا يبحث عن ملجأ. اخيرا يصل الى هولندا ويحصل على اللجوء بأسم علي الخزاعي لان اسمه الحقيقي في بلدان طلب فيها اللجوء عدة قد تكرر دون نتيجة.
لهذا السبب لم يتمتع الشاعر كمال سبتي بأية شهرة في هولندا، وشعر بالغربة والضياع لتجاهله من قبل الثقافة الهولندية في الوقت الذي ظهرت فيه اسماء بائسة حظيت بالشهرة والتقدير في وسائل الاعلام الهولندية هي محط سخط الشاعر الذي صرح في الكثير من مقابلاته ببؤس هذه الاسماء. لم يكن كمال سبتي منتميا وان ظهرت نزعته اليسارية في الكثير من نصوصه. ولم يشعر بالهدوء طيلة حياته بسبب الاتهامات التي كانت تطال أي شاعر يحظى بالشهرة في زمن الطاغية صدام حسين. لذلك كان مشغولا طيلة حياته في العراق برد الافتراءات التي يوجهها له اعداؤه من الشعراء والمثقفين العراقيين المنخرطين في ثقافة الحزب الواحد.
اصدر الشاعر كمال سبتي اكثر من ثمانية دواوين شعرية تراوحت بين الشعر الحر وقصيدة النثر وكان اهمها ديوانه - متحف لبقايا العائلة وديوانه الاخر - آخر المدن المقدسة- الذي ترجم الى الاسبانية وحظي بشهرة طيبة قادته الى القارة الناطقة بالاسبانية حيث احتفت به مؤخرا الصحف التشيلية كشاعر عربي مهم يساوي في شعره مرتبة الشعراء العراقيين الرواد مثل البياتي و سعدي يوسف وسركون بولص وفاضل العزاوي.

وثيقة
عقوبة بالسجن

بسم الله الرحمن الرحيم
الجمهورية العراقية
سيظل الشهداء اكرم منا جميعا وزارة الدفاع
دائرة التوجيه السياسي
مديرية الصحافة العسكرية
الرقم مقر : 6 : 284
التاريخ : 12 : 2 : 1989

الى : مطبعة التوجيه السياسي
الموضوع : عقوبة

عاقبنا المراتب المدرجة اسماؤهم ادناه بالعقوبات المؤشرة ازاءهم وذلك لاهمالهم بالواجب مع تغريمهم مبلغا قدره ( 25 ) دينارا لكل واحد منهم وذلك عن قيمة الافلام المصورة لصفحتين، يرجى ايداعهم السجن واطلاق سراحهم بعد فترة عقوبتهم.

1- ج.م كمال سبتي ابراهيم : ثلاثة ايام سجن
2- ج. م صلاح حسن حمزة : ثلاثة ايام سجن
3- ع ط شاكر خالد شلش : يوم واحد سجن
4- ج م عصام محمد ذياب : يوم واحد سجن

الرائد
امير جواد الحلو
مدير الصحافة العسكرية

نسخة الى قسم التصحيح لتبليغهم بذلك
القسم الفني
الضابط الاداري.. للنشر

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف