حياتي مع نوال السعداوي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سلوى اللوباني من القاهرة: يحكي د. "شريف حتاتة" في كتابه الجديد "النوافذ المفتوحة.. مذكرات الدكتور شريف حتاتة" الصادر عن دار ميريت عن حياته مع د. نوال السعدواي وكيف تعرف عليها في وزارة الصحة، وكيف اتخذت حياته مساراً جديداً ينقله الى الكتابة الروائية، والى المشاركة في العمل من أجل حقوق الانسان، الى جانب المعارك الاخرى التي يخوضونها معاً، النوافذ المفتوحة هي سيرة مكتوبة بقلم روائي يغوص في نفسه وفي علاقاته بالآخرين، موضحاً لحظات الضعف ولحظات القوة، سيرة مزج فيها الخاص والعام فتح من خلالها جميع نوافذ حياته للقارئ ليكشف عن تفاصيل الحياة، تفاصيل الاحداث الصغيرة والكبيرة باسلوب فيه بعض القسوة أحياناً وهو يبحث عن حقيقة الاشياء، سيرة لكاتب وطبيب لم يحاول تجميل صورته بل واجه نفسه بكل نقائصها (هذا اذا كانت تعتبر نقائص) بدءاً من الاعتراف بأصول جدته اليهودية، وعلاقته الباردة مع
نوافذ حتاتة
النوافذ المفتوحة سيرة طبيب مناضل، مليئة بالاحداث والصور والافكار، عبر من خلالها عن مشاعره وأفكاره، وسلط الضوء على مرحلة زمنية بواقعها الاجتماعي والسياسي والثقافي، بدأها منذ أن ولد في لندن من أم انجليزية فقيرة وأب مصري ينتمي الى أسرة اقطاعية، الى أن عاد الى مصر واستقر في بيت جده، تطرق الى حياته المدرسية الى أن أصبح طبيباً في المستشفى الجامعي، ومن ثم انتقل بنا الى حياته النضالية ومشاركته في الحركة الوطنية ضد الانجليز والملك فاروق، وكيف أصبح جزءاً من الحركة اليسارية منذ عام 45، وتجربته مع السجون ليهرب من سجنه ويسافر في قاع سفينة للشحن، ولاجئاً في باريس ليقع في حب إمرأة زائرة جاءت من مصر، ويحكي حتاتة أيضاً عن حياته بعد أن عاد للوطن سراً بعد ثورة يوليو، حيث استأنف نشاطه السياسي في قرى الوجه البحري الى أن يقبض عليه مرة أخرى، ويصدر عليه حكماً بالاشغال الشاقة لمدة عشر سنوات في السجن الحربي، ليمان طره، وسجن مصر، وتعيينه بوزارة الصحة بعد الافراج عنه بأدنى الدرجات، ومن هناك التقى بالكاتبة نوال السعداوي.
حياتي مع نوال السعداوي
حياته مع د.نوال السعدواي حياة غير عادية، لانها إمرأة غير عادية، وهي علاقة تتسم بتقارب الشخصيات وتشابه الافكار، فقد تعرف عليها بعد خروجه من المعتقل الذي قضى فيه 10 سنوات، ليعيش بعدها منبوذاً من الناس والمجتمع، وكانت الكاتبة نوال تعاني أيضاً نبذ المجتمع والناس بعد زواجها مرتين وطلاقها، بالاضافة "وهو الاهم" الى أفكارها الجريئة
كل شئ يبتدأ من الطفولة
وما يفسر موقفه الداعم للنساء وقضيتهم مقولة الكاتب الروسي سيرغي ميخالكوف "كل شئ يبتدأ من الطفولة"، ففي الفصل الاول من الكتاب تناول مرحلة الطفولة، وهي من
واصبحت العودة مستعصية عليها، ولم تكن مؤهلة للقيام بعمل ما خارج البيت فهي لم تعمل في حياتها ابداً ولم تتدرب على شئ سوى العمل المنزلي، فوجدت نفسها غارقة في مأساة، "كانت ترى أن المذنب الرئيسي هو الرجل الذي اغواها بالرحيل ثم تخلى عنها وهي مقصوصة الجناح"، يقول حتاتة عن والدته أنها كانت امراة عادية من عامة الناس، لكنها آمنت بان العمل المتواصل هو سر النجاح، كانت شخصية قوية تحملت ظروفها القاسية بقدر كبير من الصبر والثبات، كما حكى حتاتة عن علاقته الباردة بوالدته فقد تربى تربية انجليزية صارمة والتي تعتبر إظهار العواطف مسألة معيبة، وبالرغم من ذلك لم يخفي تأثره بها حتى الان وحبه لها، وكأن ما جاء في الكتاب من اعترافات حول علاقته بوالدته هو نوع من إظهار التقدير لها الذي لم يستطع أن يعبر عنه سابقاً.
اعترافان
اذا كانت رواية السيرة الذاتية تقوم على التعبير الملتزم بمرجعية (عادات وتقاليد) مجتمع الكاتب كما ذكر د. علي ليلة "استاذ علم الاجتماع"، فتجدر الاشارة هنا الى أن حتاتة كان مخالفاً في تعبيره، كان واضحاً وصريحاً في اعترافاته، لم يخشى مواجهة ردود فعل المجتمع باعترافه بجذور جدته اليهودية (أم أمه)، ووضح كيف كان يخفي ذلك بسبب تأثره بالبيئة التي نشأ فيها، اضافة الى اعتبار نشاطه السياسي، فكان ليس مفيداً أن تتضح هذه الحقيقة، "كانت بالنسبة للاسرة عورة يجب اخفاؤها فهي من اسرة متواضعة ومن اصل يهودي، موضحاً أن في هذا العصر من المفيد أن ينبع السياسي من صفوف الشعب"، واستنكر تباهي بعض رجال السياسة اليساريين أنهم كثيراً ما يبرزون انتمائهم للطبقات الكادحة، وكأن هذا في ذاته يضفي عليهم شرعية لا تتمتع بها الفئات الاخرى في المجتمع، بالاضافة الى اعترافه بالاعتداء الجنسي الذي تعرض له في طفولته من خادمهم، وذلك بعد مجيئه من لندن واستقراره في بيت جده في مصر، ويحكي حتاتة عن هذه التجربة أنه لم يستطع اخبار أحد بها، حتى والدته توقع أن تعنفه فوراً، كان يشعر بالاضطراب والخوف، كان بحاجة الى المواساة وفهم الاشياء أكثر من أي شئ آخر، بحاجة الى الاطئمنان أكثر من حاجته الى اللوم، كان لديه شعور في أعماقه بأن هناك مناطق في الجسم يجب أن تظل مستورة والاقتراب منها محرم، بالرغم من أن أحداً لم يتحدث معه عنها، "فكم من المرات قوبلت بالصمت المضطرب، أو النظرة التي تهرب، أو احمرار الوجه، أو الصوت الغاضب الآمر بالسكوت، عندما اقترب من أمور تتعلق بالجنس مهما كانت عادية، كأنني مسست سلكاً كهربائياً فيه شحنه"، ظلت هذه التجربة حية في عقله الباطن، تاركة أثراً لم يزول الا بعد سنوات طويلة.
تجربة السجن
أما عن تجربة السجن التي بدأت عام 53 وانتهت عام 63، على أثر مشاركته باصدار منشور "هاجم حكومة الثورة ونعتها بالخيانة الوطنية مشيراً الى النقاط الاساسية التي تدور حولها المفاوضات بين بريطانيا ومصر"، يحكي حتاتة أن الضرب لم يصل الى انواع التعذيب التي قرأ عنها أو سمع عنها، ولكن كانت يداه موثقتان بالقيود الحديدية خلف ظهره، فحركته اصبحت مقيدة، لم يعد يدري بالزمن، وظل حبيس السجن الانفرادي بلا كتب، ولا فسح، ولا فرصة للحديث مع أحد، كان يشتاق الى الاصوات الى الحديث الى الضحك، الى سماع صوت آدمي، الى الاشياء التي تجعل الانسان انساناً، عبر عن السجن الانفرادي "بأنه تحطيم لمعنويات السجين السياسي، وقدرته على المقاومة"، فقرر المقاومة بدأ بالقيام بحركات رياضية لا تحول القيود دونها، واسترجاع الكتب التي قرأها، أما في الليل فكان يطلق العنان لخياله، فاستطاع الذهاب الى السينما والمسرح ومشاهدة الافلام والمسرحيات التي شاهدها في القاهرة وباريس، وان يستمع الى الموسيقى التي كان يستمع اليها، وأثناء النهار كان يعد دفاعه في القضية، ومرت الشهور لينتهي بعدها من كتابة الدفاع في ذهنه، وتقوية العضلات في ظهره وساقيه وبطنه، "أدرك ان السجن لا ينجح في تحطيم الانسان الا اذا سجن خياله معه"، وبعد صدور الحكم عليه سنة 54 هو وعدد من المساجين السياسيين، تجاوزوا قسوة التجربة بالانشغال في أعمال مفيدة داخل السجن، فعملوا في ورشة التماثيل، وفي تعليم القراءة والكتابة للمساجين الاميين، بالاضافة الى تكوين فرقة المزرعة لاستصلاح الارض وزراعتها بانواع من الخضروات، وكونوا فرقة مسرحية للتمثيل، يقول د. حتاتة...." وجدت متعة في هذا الجهد المستمر، في هذه الحياة البدائية البسيطة، التي تجعلنا نعيد اكتشاف القدرات الطبيعية التي أهملناها، تعود بنا الى تشغيل أجهزة الجسم وعضلاته واعصابه وشرايينه".
وتبقى السيرة الذاتية أي سيرة ذاتية محصلة تجارب وذكريات خاصة وعامة، كما تعتبر شاهد على فترة زمنية معينة، ويتوقف استمتاع القارئ بها بما تحمله من صدق وأفكار ومواقف، وما يراه البعض مهماً أو ممتعاً قد يراه آخرون العكس.