الخيال العلمي في الأدب العربي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في ندوة تمهيدية لمختبر السرديات بالدار البيضاء
1- أسئلة الخيال والعلم:
في إطار مقارباته النقدية لمحاور تشغل على تجذير الوعي بقضايا أساسية في التنظير والابداع العربيين، عقد مختبر السرديات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء، بقاعة المحاضرات ندوة في موضوع (الخيال العلمي والأدب العربي). وذلك يوم الثلاثاء 25 أبريل 2006، بمشاركة عدد من الباحثين المتخصصين والمبدعين. وقد ترأس هذه الجلسة العلمية الأستاذ الدكتور إدريس قصوري (أستاذ بشعبة اللغة العربية وآدابها)، الذي تحدث عن كون الكتابة وفق منطق الخيال العلمي، تجمع بين الغرابة والمعرفة، وأن البحث في تمظهراتها في الأدب العربي، يكون أكثر صعوبة، لأنه يواجه أسئلة وقضايا مفتوحة على تنظيرات غربية متعددة، ونصوص عربية قليلة..
وأضاف أن الخيال العلمي يعرف تطورا ملحوظا ومتزايدا في العالم المتقدم وبعض الدول النامية مثل البرازيل والأرجنتين، ونقاشا متقدما يطال الخيال العلمي في الأدب والسينما والمسرح والفنون التشكيلية والهندسة المعمارية.. لدرجة أصبحت له خطوة لدى المقاولات الاقتصادية الكبرى ومراكز البحوث العلمية، بأمريكا خصوصا، حيث يتم اللجوء أحيانا إلى خدمات التخيل والإبداع لتنفيذها وتحويلها إلى واقع، كما أصبحت بعض التوجهات السياسية والعسكرية تعتمد على خيال كتاب الخيال العلمي لتحقيق خطط ومقترحات، الشيء الذي جعل الكتابة وفق منطق الخيال العلمي تصبح في أوربا وأمريكا من الأشكال التعبيرية الأكثر مقروئية وتواصلا مع المتلقي، بينما لا زالت النصوص العربية المكتوبة نادرة.
انطلاقا من هذا الإدراك، تساءل د.قصوري:
- هل نمتلك وعيا بالخيال العلمي؟ ولماذا وجوده باهت، عربيا، على المستوى الأكاديمي؟ أو النصي؟ وكيف يمكن تفسير عدم انتشاره ؟
- ما هي الرؤية التي يدافع عنها، ويرصدها في علاقاته بالتاريخ والمجتمع، وبالراهن والمستقبل ؟
- ما هي أهم خصوصيات الخيال العلمي في أدبنا العربي ؟
2 - مفاهيم وتحليلات:
- الخيال العلمي : الواقع والمستقبل:
الورقة الأولى في هذه الجلسة بعنوان (الخيال العلمي : الواقع والمستقبل) قدمها محمد أحمد مصطفي (أستاذ الأدب الفرنسي بكلية الآداب الدار البيضاء) خلال ساعة كاملة ممهدا لها بالتدخل حول راهنية الخيال العلمي في الرواية العربية ومستقبله من خلال تشييد فكرة أولى حول كتاب هذا الجنس التعبيري وفي مقدمتهم، تحدث الباحث، عن نهاد شريف ونصوص الشيء وقاهر الزمن، ومصطفى محمود في (العنكبوت ورجل تحت الصفر) وموسى صبري في (السيد من حقل السبانخ) وطيبة الإبراهيم وأميمة خفاجي، خاتما بالأديب المغربي محمد عبد السلام البقالي من خلال نصه المعروف (الطوفان الأزرق).
بعد ذلك انتقل الباحث إلى الحديث عن التيمات المشكلة والمهيمنة في هذا النوع من الروايات، فحلل تيمات السفر عبر الفضاء والذكاء الاصطناعي، والجانب السلبي من تطور العلم والتكنولوجيا، والذي قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على البشرية.
وفي نفس السياق عالج د/ محمد مصطفي شكل الكتابة وموقعها في الكتابة الروائية عموما، وسجل في النهاية بعض الملاحظات حول النقد الروائي العربي للخيال العلمي، فوصفه بالقليل غير المتابع كما سجل غياب وجوده في مقررات التدريس الجامعي.
- الخيال العلمي ومحاولة قراءة الراهن في رواية مجرد حلم لعبد الرحيم بهير:
وعرض بوشعيب الساوري (باحث في السرديات وأدب الرحلة) مداخلة تحت عنوان ( الخيال العلمي ومحاولة قراءة الراهن في رواية مجرد حلم لعبد الرحيم بهير). أشار في بدايتها إلى ندرة رواية الخيال العلمي في أدبنا العربي بصفة عامة وفي أدبنا المغربي بصفة خاصة، ثم قدم تأطيرا نظريا موجزا حول رواية هذا الشكل التعبيري راصدا بعض خصائصه التي تتمثل في كونها تتناول بالتأمل والنقد بعض القضايا الراهنة في حياة الإنسان، في تفاعل مع التطور العلمي، في قالب روائي ، عبر رحلة غالبا ما تكون نحو المستقبل، تهدف إلى إمتاع القارئ بالدرجة الأولى مع دفعه إلى التأمل في راهنه.
ثم بعد ذلك رصد د/ ساوري اشتغال الخيال العلمي في رواية مجرد حلم للكاتب المغربي عبد الحريم بهير، مبرزا أنها تنطلق من الراهن العربي وما يشهده من خيبات ومشاكل على مستوى الديمقراطية والسلطة وحقوق الإنسان، وتتخذ من الخيال العلمي إطارا لمعالجة تلك القضايا. يتم كل ذلك عبر مطية الحلم إلى المستقبل أو الخيط الناظم بين الأحلام الثلاثة فهو ثبات نظام الحكم في يد شخص واحد في كل الأزمنة الثلاثة على الرغم من التحولات التي سيعرفها كوكب الأرض، ليغدو الأمر بمثابة أسطورة.
في الختام أكد الباحث على أن رواية مجرد حلم تحقق مطلبين :
أولهما، إمتاع القارئ عبر ثلاثة أحلام تجاور بين الحاضر والماضي والمستقبل.
وثانيهما، محاولة قراءة الراهن العربي انطلاقا من مشكلة التمسك بالسلطة والديمقراطية وحقوق الإنسان، بنبرة لا تخلو من سخرية. وبهذين المطلبين تنسجم الرواية مع روح رواية الخيال العلمي التي تراهن على إمتاع القارئ وتشويقه مع اتخاذ موقف من بعض القضايا السياسية والظواهر الاجتماعية.
- بنية التنبؤ في رواية هالة النور:
تحت عنوان( بنية التنبؤ في رواية هالة النور) تدخل محمد خفيفي(أستاذ باحث في السرديات) بورقة تبحث عن عنصر التنبؤ المرتبط بالتخييل العلمي في نص الروائي محمد العشري"هالة النور:" مقدما ببعض الإشكالات الخاصة بجنس الرواية وعلاقة ذلك بالنوع، مسجلا عدم اهتمام النقد الروائي بهذا الشكل التعبيري الذي أفردت له الجامعات في العالم المتقدم أقساما دراسية على اعتبار أنه جزء من استراتيجيات المستقبل. وارتباطا بالنص المدروس فقد حدد د. خفيفي دعامتين علميتين ينهض عليهما محكي الرواية:أ - دعامة البحث عن طاقة بديلة للبترول باستعمال رمال الصحراء لتوليد طاقة كهربائية مستمرة، موضحا أن هذا المطمح يعتبر هاجسا يؤرق البشرية جمعاء وتتسع له رحاب المختبرات العلمية المتقدمة، وأن أدب الخيال العلمي يمد العلماء بخطاطات أولية للتفكير في احتمالات وممكنات قد تعبث بالجغرافيا وتعيد صيتغة العالم من جديد. ب - دعامة استكشاف الفضاء، وهي نبوءة علمية تحققت بعد ثلاث سنوات من نشر الرواية باكتشاف الكوكب العاشر الذي أطلق عليه العلماء اسم "سيدنا"، نبوءة توسلت موضوعها برحلة متخيلة في الفضاء على صهوة القنطور، ذلك الكائن الذي يستوطن الأسطورة اليونانية، الشيء الذي يجعل القارئ أمام رمزيات الصعود وأمام مجموعة من الأساطير والحكايات الشعبية الدالة على مغامرات في الفضاء أنتجها الأجداد الأسطوريون واهتم بها البحث الأنتربولوجي كتجسيد للبحث عن عالم فردوسي مفقود.
- الزمن والدلالة في رواية دائرية الزمن:
أما المداخلة ما قبل الأخيرة فكانت لعبد اللطيف محفوظ، (رئيس شعبة اللغة العربية وآدابها) تحت عنوان ( الزمن والدلالة في رواية دائرية الزمن) استند فيها الباحث إلى مفهوم العوالم الممكنة التي أوضح أنها أكثر المفاهيم ملاءمة لهذا النوع الروائي. وقد استهل الباحث مداخلته بالحديث عن أنواع الخيال العلمي المتعددة، مشيرا إلى ضرورة الاهتمام بخصوصيات تلك الأنواع، من منطلق كون كل نوع إلا وينطلق من امكانات فرضية لتحقق يجد أساسه في الواقع الحالي لسيرورة العلم. منتهيا إلى القول إن رواية دائرية الزمن تجمع بين نوعين فرعيين من الخيال العلمي وهما السفر في الزمن و ما بعد الكارثة التي تعيد البشرية إلى حياة الكهوف البدائية، مؤكدا أنها رغم ذلك تؤثث عوالمها الممكنة بأفكار غير علمية تتمثل في توظيف فكرة التناسخ التي وسعتها الكاتبة لكي تشمل كل المكونات الحياتية والحضارية، بما فيها اللغات والرموز التاريخية والثقافات.. لينتهي بعد تحليله للعوالم الممكنة الثلاثة المرتبطة بالتواريخ الثلاثة 2003 و2015 و3501، إلى تقديم مجموعة من الخلاصات من بينها أن الرواية توائم ما بين الرواية الواقعية وصنفي رواية الخيال العلمي (السفر عبر الزمن وما بعد الكارثة)، وأنها من النوع المتوجس من تطور العلم في تعديل ما هو طبيعي، وانتهى د. محفوظ إلى استنباط وتحليل عدة أدلة أيقونية خفية ذات بعد إيديولوجي ..
- متخيل الرؤية والزمان في روايات الخيال العلمي:
أما المداخلة الأخيرة فكانت لشعيب حليفي (رئيس مختبر السرديات /أستاذ بشعبة اللغة العربية) فكانت بعنوان (متخيل الرؤية والزمان في روايات الخيال العلمي) مهد، بدوره، للحديث عن تنوع القول الروائي والامكانات المتنوعة التي يتيحها التخييل الروائي، وبحث الروائي عن أشكال متعددة للتعبير عن هذا المتخيل. موضحا أن الخيال العلمي ليس إلا تجل من تجليات هذا البحث الكاشف عن نبوءة إبداعية تعبر بصفاء عن التمزق والخوف والأمل في الأزمنة الثلاثة المترابطة.
بعد ذلك انتقل د/ حليفي إلى تفكيك متخيل الرؤية التي تعتمد على صوغ فانتاستيكي تنبؤي وقاعدة من المعارف العلمية والتأملات.
إنها رؤية مشتتة في العالم العربي مع روائيين متخصصين في كتابة الخيال العلمي أو مع روائيين يجتهدون في التجريب ويكتبون نصا وحيدا يعبر عن هذه الرؤية من العالم الحاضر والمستقبل، رؤية ذات خلفيات فلسفية ومعرفية علمية.
في القسم الثاني من مداخلته قارب شعيب حليفي عددا من النصوص الروائية العربية: لعبد السلام البقالي، عبد الرحيم بهير (من المغرب) الهادي ثابت ومصطفى الكيلاني (من تونس) موسى ولدابنو (موريطانيا) وطيبة أحمد الابراهيم (الكويت) وموسى صبري ورؤوف وصفي (مصر) وأخيرا طالب عمران (سوريا) ... مع مقاربتها من خلال المشترك في متخيل رؤيتها.
توصيات :
في ختام هذا اللقاء، أجمع جميع المتدخلين والحضور على أهمية المزيد من البحث والتحسيس بوجود الخيال العلمي في أدبنا العربي، لذلك أوصت الندوة بالتهيء لندوة دولية بالمغرب حول الخيال العلمي في الأدب العربي بحضور كتاب هذا الجنس ونقاده من أجل بحث ومدارسة واقعه وخصوصياته وبالتالي مستقبله.
وسيكون مختبر السرديات منفتحا على كافة الجهات العلمية والثقافية والأكاديمية من أجل تنظيم هذه الندوة في أبريل 2008 بكلية الآداب بنمسيك. وقد عهد إلى الدكتور محمد أحمد مصطفي رئاسة اللجنة العلمية ولجنة التوثيق البيبلوغرافي لهذه الندوة.