الثقافة المصرية تواجه غٌولَين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سلوى اللوباني من القاهرة: يقول الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي بأن الثقافة المصرية تواجه غٌولَين" وهما ردة رجعية شاملة ترفع راية الدين من ناحية، وطبقة سوقية من ناحية أخرى"، في كتابه الجديد "الثقافة ليست بخير" صادر عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان، لذلك يلح ويؤكد على أهمية مراجعة التاريخ القريب ومراجعة أنفسنا،
حركة أدبية مفقودة
ابتعد حجازي عن التعميم والاطلاق، فحين يقول أن الثقافة المصرية تتراجع لا يعني أن كل شئ انتهى أو توقف، لأن الحياة الثقافية لم تخل في العقود الخمسة الاخيرة من مواهب حقيقية وأعمال جدية، ولكنه لا يعتبر ظهور شاعر أو روائي الان دليلاً على وجود حركة شعرية أو روائية، ووضح أن الحركة الادبية تفترض وجود أطراف متعددة، "تتنظم في كيان مشترك وتتحرك في وسط معين، ولا بد من وجود منطق وعقل تعمل به هذه الحركة، وغاية تتجه اليها، وأدوات تستعين بها على مواصلة العمل والتقدم الى الامام، والتغلب على العقبات حتى تحقق ما تريد"، وانطلاقاً من أساسيات الحركة الادبية يرى أن النشاط الثقافي يسير دون تخطيط، واصفاً حال الثقافة الان بأنها ثقافة مهرجانات ومؤتمرات وندوات وبرامج، ورغم كثرتها لكنها لا تضيف شئياً قيماً، بالاضافة الى غياب دور الناقد فوصفه بالمعطل والصامت صمت أبو الهول أو صمت القبور، فمعظم ما ينشر في الصحف عن هذه النشاطات يكون إما مجاملة أو دعاية، ونادراً ما يكون تقريراً موضوعياً أو تحليلاً أو تقويماً، والنقد معظمه مجاملات أو ترجمات أو محاضرات، فلا يوجد متابعة جادة، وتفسيرات وتقويمات، وبالرغم من إشادته بدور المؤسسات الثقافية ونشاطاتها، الا أنه يرى أن المحصلة توضح أن اليابس أكثر من الاخضر، مما أدى الى ظهور طبقة سوقية من أشباه المثقفين يتصدرون النشاط الثقافي الهزيل.
لا دور له لا وجود له
وقدم أمثلة على الحركة الادبية التي انطلقت في الاربعينات والخمسينات والستينيات في الشعر، والمسرح المصري، والسينما، والمجلات، فكانت لها أهداف وأدوات ومنابر، كانوا يتقدمون ويتطورون، بينما خلال العشر سنوات الماضية بالرغم من الكتب التي صدرت، والمسرحيات التي عرضت، والافلام التي صورت لم يظهر إسم جديد أو عمل متميز، ولا نستطيع أن نعتبر أي مما ظهر حدثاً ثقافياً أو اضافة حقيقية مقارنة بتراثنا منذ العشرينات الى الستينيات، والادهى من ذلك أن الثقافة المصرية الحالية بالرغم من عدم تجددها وتطورها وغياب هدفها لا تحافظ على المستوى الذي بلغته على أيدي الأجيال السابقة، واعتبر ان وجود مصر محفوف بالمخاطر بسبب غياب دورها الثقافي، فنحن غير قادرين على مواجهة أنفسنا ومواجهة الغير بثقافتنا الحالية، وألقى المسئولية على عاتق المثقفين المصريين، لانهم هم الذين يصنعون الثقافة، وهم المطالبون بالتفكير في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وتتحمل وزارة الثقافة جانباً من المسئولية، لانها تسيطر على النشاط الثقافي منذ أكثر من 40 عاماً.
الثقافة والخرافة
ومقارنة بين الحركة الفكرية والعلمية التي يشهدها العالم وبين ما يصدر في مكتباتنا، يقول حجازي "تمتلئ مكتباتنا بالمؤلفات التي تتحدث عن تسخير الجن، لبست الخرافة ثوب الدين وساووا بين الفلسفة والزندقة وبين الفن والمجون"، واعتبر حجازي أن الخصم الحقيقي والمدمر لحرية التفكير والابداع في مصر ممثل في جماعات الاسلام السياسي، فهي تعمل في حركة مضادة للثقافة والابداع، من خلال إثارة الفتنة بمصادرة رواية، أو رفع دعاوي على الكتاب.
المراجعة مطلوبة
يؤكد على أهمية مراجعة ثقافتنا لانها شرط أساسي من شروط وجودنا، وعدم دفن رؤوسنا في الرمال، ويجب الاستفادة من الاخطاء، ومن الرأي المختلف معنا لانه يساعد في تصويب الاخطاء، واكتشاف الحجج الجديدة التي لا تظهر الا في المناقشة والحوار، يدعو حجازي الى مراجعة النشاط الثقافي في الاعوام الخمسين الماضية، بعد أن خضنا تجربة ثورة 52 وبددنا فيها ثرواتنا القومية، ولا تزال نتائجها ماثلة الى الان في جميع مجالات حياتنا، بالاضافة الى مواجهة أخطار العولمة، والفكر المتطرف، واعادة النظر في الاسلوب الذي تستطيع به الدولة أن ترعى الثقافة وتساعد في ازدهارها، وان تتحرر الثقافة من كل القيود حتى تؤدي دورها الايجابي، وأن تبتعد عن السلطة بالقدر الكافي لتقترب أكثر من المجتمع.
محاولات وتساؤلات
تميز كتاب "الثقافة ليست بخير" بتحديد أهمية بعض الامور التي أدت الى تراجع الثقافة المصرية، بالاضافة الى التحديات التي تواجهها، والدعوة الى النهوض بحال الثقافة الحالية، الا أن الكتاب يفرض بعض التساؤلات منها، هل المقارنة عادلة بين ما انتج في النصف الاول من القرن وما انتج في النصف الاخر؟ لان الانتاج في كل من العهدين كان تعبيراً عن واقع مختلف وكان نتيجة ظروف مختلفة في كل منهما، لذلك قد نحتاج الى فترة كافية للحكم على الانتاج الادبي الحالي، ويأتي كتاب الشاعر "أحمد عبد المعطي حجازي" كمحاولة فكرية فردية الى جانب العديد من الكتب التي صدرت مؤخراً، وهي أيضاً محاولات فردية تناولت حال الثقافة المصرية وانحطاط حالها وتراجع انتاجها، وموضحة التحديات التي تواجهها، نذكر منها "مصر رايحة على فين"، "ثقافة الهزيمة حاضر الثقافة المصرية"، و"حواريات الفكر الادبي"، فمعظم الكتابات تحلل وتقارن ولكنها تفتقر الى رؤية شاملة واضحة لكيفية النهوض بحال الثقافة المصرية، مما يدعو الى التساؤل لماذا لم يتم حتى الآن وضع رؤية مشتركة تترجم الى خطة عمل محلية لمواجهة تدهور الثقافة المصرية؟