عالم الأدب

رشيد نيني يسرق أوجاع المغاربة وينتزع إعجابهم

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله الحامدي: في زيارتي الأخيرة للمغرب (قبل عدة أيام) اكتشفت هذا الكاتب عبر صدفة عابرة، ففي أي بلد أذهب إليه أول شيء أفعله بعد الاستخدام المباشر للحواس الخمس لمعرفة المكان وأهله، أقوم بجولة على صحفه، ففي الصحف كل شيء: الحقيقة والحقيقة المضادة، الصدق والنفاق، الحرية وهوامشها المتدرجة، وأيضاً هناك معاناة زملاء المهنة التي لا خفى على صحفي قضى ردحاً من الزمن في تفاصيلها الممتعة، والمزعجة أحياناً، مثلي .. رشيد نيني .. في الصفحة الأخيرة من جريدة الصباح .. "شوف تشوف" .. بسرعة أدركت أن إعجابي بهذا الكاتب المذهل جاء متأخراً، وسط شعبية تكتسح مكتبات الشارع والقطارات والأسواق القديمة والمطارات والمقاهي، ولا أقول المراكز الثقافية، فالكاتب رشيد نيني لا يخفي سخريته الدائمة من المثقفين ومواقفهم المثيرة للشفقة في كثير من الأحيان، إلى حد الانبطاح من أجل أدنى دعوة لمهرجان أو فعالية (سنأتي على ذلك لاحقاً) ..
لم تمض ساعات على وصولي حتى انتشلت روايته "يوميات مهاجر سري"، في طبعتها الثانية والصادرة عن دار عكاظ من إحدى الأرصفة، وكدت أقوم بسرقة الكتاب دون أن أدري، وسط الزحام المغربي، فقد استغرقتني قراءة السطور، ثم وجدت بالإمكان دس الكتاب في حقيبة اليد والمضي به بعيداً أو هكذا خيل إلي، خصوصاً وأن الكاتب نفسه يبرئ اللص من إثمه (تقريباً)، يقول نيني في الفصل السادس من الرواية: "عندما كنت أرغب في قراءة كتاب ولا أجد المال لاقتنائه أسرقه، سرقت بطاقات بريدية كثيرة وأهديتها للأصدقاء، أحياناً يخيل إلي أنني أخطأت طريق الحياة وأتيت كاتباً، كان يجب أن أدخل الحياة بخطوات لص، اللصوص كانوا دائماً أصدقائي، بحثت عنهم، في القصص المصورة، في الأفلام، في الأسواق عندما كنت طفلاً، كانوا دائماً يفتنون مخيلتي بأصابعهم الطويلة والبارعة، أشك أن لصاً حقيقياً يسكنني، لكنني أقمعه، أحياناً يقمعني هو أيضاً، أو يقنعني على الأرجح، براهينه ضعيفة، لكنني أحياناً أدعه يتغلب علي، لأنني أريده أن يسفه براهين الكاتب الغبي الذي يسكنني هو الآخر، لا أريد للكاتب أن ينتصر، لأنه كذاب، اللص يسرق ولا يكذب، هذا هو الفرق بين اللص والكاتب" .. بهذه الكتابة المتهكمة العارية الصادقة ينتقل رشيد نيني من موقع الكاتب وراء الطاولة إلى مواقع أولئك المسحوقين في الأزقة والحواري، يخاطبهم ويخاطبنا نحن القراء بلغتهم، وهو لا يتحرج حين يناقش مشكلة "الدعارة" بالمغرب من وضع النقاط على الحروف ليلمس مفاتيح الحل، سمعت عدداً من مثقفي وأدباء المغرب يقولون: هذه المساحة من الحرية والجرأة انتزعها نيني بنفسه، ولولا حب المغاربة لكتابته لاختلف الأمر، هو الأمر كذلك فعلاً، مثلما فعل الماغوط والنواب وغيرهما من الكتاب العرب، يأتي رشيد نيني إلى ساحة الأدب المعاصر، مجروحاً وحزيناً ومهاجراً سرياً بلا هوية في حقول الاغتراب الأوربي الملغومة بألف دمعة وغصة وانكسار، كاتب يروي "اليومي" لكن كلماته تقرع أجراس المستقبل لتصيغ ملحمة أدبية معاصرة بجدارة .. كتابة ممتعة صريحة بسيطة، لا تفعل شيء سوى ما يرويه المغاربة في الشارع والمقهى والحانات بطرائقهم العفوية، أو حتى المهزومة، وكل ما يفعله رشيد نيني هو أنه "يسرق" بكل خفة أوجاعهم ثم يعيدها إليهم روائع تنتزع إعجابهم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف