مؤتمر دولي للفكر الخلدوني والإصلاح
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إسماعيل نوري الربيعي- المنامة؛ انطلقت فعاليات مؤتمر الفكر الخلدوني والإصلاح، في مقر رئاسة الجامعة - الصخير، تحت رعاية رئيسة الجامعة الشيخة الدكتورة مريم آل خليفة، وبرئاسة الدكتور إبراهيم عبد الله غلوم المفكر والباحث وعميد كلية الآداب. وبحضور لفيف من أبرز المفكرين والباحثين العرب، حيث حضر المفكر برهان غليون من جامعة السوربون، والمفكر المغربي محمد عابد الجابري، والمفكر فهمي جدعان من جامعة الكويت والمفكر السعودي خالد الدخيل من جامعة الملك سعود، والمفكر التونسي أبو يعرب المرزوقي من جامعة تونس الأولى، بالإضافة إلى عدد واسع من أبرز المفكرين والباحثين البارزين. ويحوي برنامج المؤتمر أربع جلسات، بالإضافة إلى طاولة مستديرة، حيث تتضمن الجلسة الأولى التي يرأسها المفكر والناقد علوي الهاشمي، أوراق، أبو يعرب المرزوقي الذي يتحدث عن الإصلاح المتصل أو جدل صور العمران ومادته، وبتحدث د. عدنان زرزور عن ابن خلدون وفقه السنن، ود. رقية العلواني بورقة منهج ابن خلدون في إصلاح العملية التعليمية. الجلسة الثانية برئاسة مصطفى حجازي، وتتضمن أوراق يحيى الحداد عن ابن خلدون والرؤية الظاهرية للدورات، وعبد القادر فيدوح عن العقل العملي في فكر ابن خلدون، ومحمود جاد عن ابن خلدون وإصلاح العقل والمنهج العلمي. ، الجلسة الثالثة، برئاسة د. عبد علي حسن، وتتضمن أوراق فهمي جدعان عن أبن خلدون والخروج من أثينا، وورقة إسماعيل نوري الربيعي عن ابن خلدون وقياس درجة التحولات، وفيصل غرايبة عن إشكالية العلاقة بين المثقف العربي والواقع وعبد الفتاح جبر عن الإيحاءات الاجتماعية- الثقافية لخطاب ابن خلدون، وعبد الحميد السيد وعبد الله الحيدري عن مصفوفة المصطلحات والمفاهيم في المقدمة، الجلسة الرابع وبرئاسة عبد الكريم حسن، وتتضمن أوراق علي كاظم عن مفهوم الفلسفة النظرية وشروط التطور الإنساني بين ابن خلدون وابن رشد، ومحمد السيد عن ابن خلدون وجاريد ديموند وعبد الستار الهيتي عن الاستهلاك المفرط عند ابن خلدون، وأحمد محمد علي عن تفسير الذوق عند ابن خلدون.
من جانبه أشار الباحث الدكتور علي عبد الله كاظم إلى أن ابن خلدون لم يأتِ بفلسفته السياسية ونظريته التاريخية ومفاهيم حضارته في مقدمته لكتاب العبر من فراغ، وإنما كان
ولما كانت مقدمة ابن خلدون تحوي كثيرا من الآراء والمواضيع المتشعبة، فقد رأيتُ أن يكون بحثي منصبا على المسائل العقلية و الفلسفية بوجه خاص. فالإسهام الذي قدمته في هذا الجانب يتناول نظرة فاحصة للفكر الخلدوني، محاولاً أن يكون مقارناً، في الوقت نفسه، بآراء فيلسوف سبقه وكان له، كما أعتقد، نعم العون في إرساء كثير من تنظيراته، أعني الفيلسوف أبا الوليد بن رشد، الذي عرف ابنُ خلدون قيمتَه العلمية في شبابه ولخص له آراءه الفلسفية؛ قبل انشغاله في أمور الحكم والسياسة مع سلاطين زمانه، وظهرت هذه الأفكار والآراء في مقدمته واضحة جلية، سواء في التعبير الفلسفي عن العلوم التي تناولها بالبحث والدراسة، أو في اللغة الفلسفية التي صاغها في دراساته المختلفة، أو في مواضيع بحثه.
ذكر ابن خلدون جُلّ الفلاسفة المسلمين وأهمهم: الكندي و الفارابي وابن سينا مروراً بالغزالي، ولكن ابن رشد كانت له مكانة بارزة، عند صاحب المقدمة، وهي التي أدت إلى تشكيل لغة فلسفية مشتركة بينهما، للأسباب الآتية:
- أولا: لكون أبي الوليد آخر الفلاسفة المسلمين الكبار.
- وثانيا: أنه ابن بلاده الأندلس والمغرب.
- وثالثا: لكونه أقرب إليه من الناحية الزمنية.
وقد انصبت الدراسة على خطاب الإصلاح الخلدوني مقارنا بالخطاب الإصلاحي الرشدي، للصلات المشتركة في القضايا المبحوثة من قبلهما. وبالرغم من تباين الخطابين في المنهج والغاية نرى وجود نقاط التقاء كثيرة بين الطرفين.
كان ابن خلدون يبتغي الاصلاح في مستويات الأخلاق والبحث عن المثل الأعلى في الخلافة الإسلامية الراشدة، فأصبح بحثه واقعيا، كما كان بحثا عن المثال، فألقى الضوء على جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والحضارية في المجتمع الإسلامي عامة، والمجتمع الأندلسي والمغربي خاصة. فكشف عن علاقات بين مسائل مختلفة: اقتصادية وفكرية ودينية، ولكن بحثه عن العصبية القبلية كان محوراً لجملة من آرائه الحضارية والتاريخية. وقد صيغت هذه الآراء صياغة فلسفية محكمة تدل، إذا تأملناها بعناية، على أنها ذات مصدر رشدي.
لقد توصل ابن خلدون إلى: أن الصورة، أي الدولة، لا تنفك عن المادة، أي المجتمع والناس، وإن هناك أموراً ضرورية وحتمية تسيّر المجتمع، ولكنها لا تخرج عن هذه الحلقة التي تحيط بالدولة والمجتمع وتتكون من: النشوء والارتقاء ثم السقوط والاضمحلال. وهذه الأفكار شرحها أفلاطون في جمهوريته، و لابن رشد تلخيص لها، ضاع أصله العربي وبقت ترجمته العبرية، ثم تُرجم من العبرية إلى اللغة الانجليزية، ثم إلى العربية، و أطلق عليه الباحثون اسم (( جوامع سياسة أفلاطون))، ونشر أخيراً في اللغة العربية تحت اسم (( الضروري في السياسة )): وخلاصته، في الأصل الأفلاطوني، إن الحكومات تبدأ مَلكية دستورية وتنتهي ديمقراطية تقود إلى التسلط، ثم تعود من جديد كما كانت من قبل.
لكن ابن رشد، الذي لم يقبل كل أفكار أفلاطون، قال بالإصلاح من الصورة والمادة، والشكل والمضمون، ومن ثَمّّ كان ذلك محاولة للخروج من الدائرة المغلقة التي وضعها أفلاطون وأخذ مضمونها ابن خلدون، سواء بشكل مباشر أو عن طريق الفلاسفة المسلمين، مما أدى به إلى القول بأنها دوائر حتمية مغلقة؛ لا يمكنها أن تتغيّر أو تتطور بعوامل الزمان وحركة المجتمع.
إن ابن رشد استطاع أن يفتح الدائرة الأفلاطونية المغلقة التي تؤدي إلى التخلف والجمود في المجتمع، فرفض القول بقوالب جامدة للفكر كما عرفها فلاسفة الإغريق . فهو يعتقد
وبالرغم من التنبيه على جملة من الاختلافات بين ابن خلدون وابن رشد، فإنهما، في الجملة، يقدمان لنا فكرا ثرياً متكاملاً ؛ مليئا بكثير من أسباب الإصلاح السياسي والاجتماعي:
فيقدم لنا ابن خلدون فهماً للواقع الاجتماعي على أسس فلسفية عقلية ودراسة مبنية على الملاحظة التجربة. أما ابن رشد، فقد سبق صاحب المقدمة في الدعوة إلى فهم الواقع باعتبار أن هذا الفهم هو الذي يرشدنا إلى بناء المستقبل. إلى جانب ذلك، هناك علاقة جدلية بين فهم الماضي والحاضر، وبناء المستقبل، أي بين التاريخ و التجريب والتنظير، و العقل والنقل.
إن الدارس لفكر ابن رشد وابن خلدون يجد أن الاتجاه العقلاني عند هذين المفكرين المسلمين الكبيرين لايزال يحتاج إلى مزيد من العناية و اعادة البحث، ذلك أن أكثر الدارسين لم يتنبه إلى ضرورة المقارنة بين مفكرين جادين؛ خرجا على النمط التقليدي للتفكير؛ واجتهدا في الدعوة إلى آراء تمثل منعطفاً هاماً في العقلية العربية الإسلامية.
والمؤتمر في توجهه العام يتوجه نحو تعميق الصلة بين الفكر الخلدوني والإصلاح، من خلال محاولة توجيه السؤالوحثه في صلب الواقع العربي. فما بين الثناء الكبير والنقد المرير يتوسط ابن خلدون مكانته، والتي تجعل منه كاتبا وعالما إشكاليا بكل ما في هذه الكلمة من معنى، فهو إن فكر وحلل ودقق وفصل وشرح وفسر في موضوعه، المستند إلى العمران البشري، فإن انحيازاته تبقى موجهة نحو العمران الحضري، على الرغم من إقراره (( في أن البدو أقدم من الحضر وسايق عليه، وأن البادية أصل العمران والأمصار مدد لها))، المقدمة ص 150، وهكذا راح هذا الباحث ينخرط في لعبة طرح الأسئلة والسعي نحو الإجابة عليها. حتى تنوعت الموضوعات وتعددت إلى الحد الذي راح الدراس والشراح يصفون المقدمة بالكتاب الذي تجد فيه كل شيء.
1.توفي ابن خلدون 808 هجرية 1406 ميلادي، فهو نسبيا ابن القرن الرابع عشر الميلادي، بكل تفاصيله وأنساقه الحاكمة، لكن وعيه قاده نحو استشراف مجال العلاقة القائمة بين الإنتاج والاستهلاك وترصد ملامح القوة والضعف فيهما، والبحث العميق في الممارسة السياسية حيث السلطة بأجيالها وعصبيتها، وصولا إلى التمييز في صلب الإنتاج المعرفي والمادي ومن هذا يستنتج علي أومليل أسس العمران الثلاثة في المنظومة الخلدونية، حيث)) المعاش، والوازع والعلوم والمهن))، أومليل، الخطاب التاريخي، ص 264.
2.ماذا عن مستوى القراءة، تلك التي تبقى عالقة في التداعيات التي تفرضها مسألة البحث عن المضمون في الوقت الذي يتم فيه التغافل عن آلية المعالجة والوعي بالتجربة الخاصة للنص. فيما تتناسل الإشكاليات المباشرة والمستندة إلى الموجه السياسي والانشغال بالبديع على حساب المعاني، والعناية المبتسرة بالظروف التي أحاطت بالكاتب خلال إنشاء نصه. فيما تبرز عناصر الفرقة والانقسام حين تحضر قراءة العين الواحدة، باعتبار تقديم الانحياز وترسيم معالم الموقف المسبق من النصوص. أو الوقوع في دائرة التمجيد والإعجاب بالتراث، حتى ليكون هذا الوضع بمثابة المعيق والثقل الذي يعسر الإفلات من سطوته.
3.كيف يمكن الوقوف على قراءة موضوعية، قوام الغاية فيها السعي نحو تحليل المفاهيم والآليات الحاكمة في ربط العلاقات، و ما هي الغاية والهدف الذي عن على ابن خلدون، حتى راح يعد نصه الموسوم بالمقدمة، هل يمكن استبعاد عنصر البحث عن السلطة الثقافية الذي شغل عليه تفكيره في أعقاب انعزاله في معتكفه في قلعة ابن سلامة. بعد أن ضاعت من يديه السلطة السياسية، هل ينطوي الأمر على تعويض ما؟
4.بعيدا عن الطابع الصراعي أو الانشغال بالبحث عن المبررات والمضامين التي تتعلق بالجانب الذاتي، تبرز أهمية النص عبر الكشف عن مدى تواصله مع الواقع، وهكذا يحضر النص الخلدوني معبرا عن انتمائه للبيئة العربية الإسلامية، بتسامحها وانفتاحها على الآخر، وسعيها الحثيث نحو إعمال العقل والتفكر.
5.يكشف النص الخلدوني عن إمكانية واسعة وإغراء للتوجه نحو ممارسة الفعالية النقدية، تلك التي تستدعي استحضار موضوعة الاختلاف النائية بكل ما فيها بعيدا عن الخلاف، فيما تتضح حالة التعدد المنهجي عبر توسيع مجال الرؤية وحفز المدارك نحو الاحتمالات وأهمية الكشف عن الزوايا المختلفة التي تحتويها الظاهرة الواحدة. إنه البحث المتطلع نحو تفجير المزيد من الأسئلة بعيدا عن الوصاية والرقابة والخواف والحذر والتشكيك، إنها الدعوة الصريحة نحو المشاركة الفاعلة في صميم النص، ومن تتجلى أهمية النص الخلدوني، الذي يجد فيه القارئ هواجسه وآماله وتساؤلاته ورغباته، وعليه تبرز حالة المشاركة الفاعلة، تلك التي ينشدها خطاب الإصلاح الذي يرغب فيه راهن العرب .
6.الاحتمالية المعرفية تحضر بقوة لافتة، حيث المسعى نحو ردم الفجوة بين النص والقارئ، إنه المسعى نحو تفعيل مجال النقد بوصفه شرطا موضوعيا تستدعيه المرحلة الراهنة بكل تفاصيلها، بعيدا عن الجاهزيات والمسلمات، تلك التي بقيت تجثم على الواقع العربي، فيما سؤال اليقظة والنهضة، بقي على حاله القديم، يردد مستنكرا، لماذا تقدم الآخرون وبقي العرب على حالهم من دون حراك. إنه السؤال الساعي نحو حفز العقل والوعي والفكر والتفاصيل التي يزخر بها الواقع، من دون الخضوع لجدل الصالح والطالح، أو محاولة الوقوع في دوامة تكريس الحقيقة، تلك التي ينسبها جميع الفرقاء إلى أنفسهم.
7.تحضر العلاقة القلقة بين العقل والواقع، بين الواقعة والتمثل، حيث بروز الأنماط المعرفية التي تبرز بقوة لافتة على تحديد مجال الوعي داخل الجماعة حول ترسيم معالم
8.يدور الحديث عن سقوط الأيديولوجيا ونهاية دور التيارات التاريخي، حيث يتم تغييب الجانب العلمي القائم فيها، فيما يبقى الواقع منشدا إلى حالة الانشداد إلى علم الفكرة، تلك التي تفرضها طبيعة الرؤى، ومن هنا تبرز ملامح التناقض بين التنظير الذي تحوزه الأيديولوجية، وفرضيات الواقع العملي الذي تزخر به، ومن هذا يبرز دور العقل في تمييز الموقف من الأفكار والمفاهيم المتداولة، مع أهمية التطلع نحو الكشف عن الواقع، في قراءة قوامها الحياد والبحث عن الحقيقة. والعمل الجاد نحو الربط الصارم بين النظرية والتطبيق العملي، إذ لا قيم للنظرية من دون أن تتحول إلى واقع عملي محسوس.
9.كيف يمكن تمييز إشكالية تداول مفهوم الإصلاح في الواقع العربي، جاء جيل اليقظة والنهضة العربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، الذي تنادى بأهمية الإصلاح وتداوله بإسراف على صعيد التنظير، فيما كان يتقاطع مع الواقع باعتبار ثالوث الفقر والجل والمرض الذي كان متسيدا على المجمل من التفاصيل العربية، حتى كانت العزلة وبالتالي ضمور خطاب الإصلاح، أما جيل الثورة، فقد نظر إلى مفهوم الإصلاح بوصفه ردة وتمثيلا منقوصا لا يتناسب وطموحات المرحلة، حتى كان الوسم بالمحافظة والرجعية، من قبل الثوريين الذين ضيعوا السبيل، حتى كان الإحباط والتراجع، وهكذا بقي مفهوم الإصلاح مجرد مضمون يتم استدعاؤه من التاريخ، ومفهوم نظري غير قابل للتطبيق على صعيد الواقع، ومفردة مفرغة من المحتوى.
10.تقوم المصفوفة المنهجية الخلدونية على :
1. الحرص على نموذج المؤرخ المسلم.
2. العقل الواعي، عبر مسبار النقد والتحليل.
3. البحث في مشغلات النسب.
4. التركيز على طريقة تداول الخبر التاريخي.
11. المعالجة المعرفية الخلدونية تستند إلى:
1. التأثر، حيث فكرة الغالب والمغلوب
2. التحول، باعتبار تبدل أحوال الأجيال والأمم
3. النقدية، هي الغاية والتفضيل من خلال التنقيح والتحقيق والكشف عن الأغلاط والأوهام ورصد التقليد والتطفل.
4. الموضوع، حيث العلاقة القائمة بين التاريخ وإرادة الفعل
5. المعيق، حيث العلاقة القائمة بين التفكير الأسطوري والمكبوت والمسكوت عنه.
12. تعكس القراءة السوسيو تاريخية، في محاولة عقد المقارنة بين المعطيات الخلدونية ومحصلة الراهن العربي، على العوامل التالية:
1. السياق الخلدوني ينطلق من مرجعيات إسلامية، فيما ينهل الراهن العربي عن الغرب ومرجعياته الفلسفية.
2. الرهان الخلدوني يقوم على العصبية، فيما يقوم الراهن على الدولة.
3. الرؤية الخلدونية تقوم على العمران فيما الراهن يستند على الثقافة.
4. التحديات الخلدونية قامت على الغزو العسكري، والراهن يقوم على الغزو الثقافي.
5. المتغيرات الخلدونية قامت على المجتمع التقليدي، والراهن يقوم على الحداثة المنقوصة