عالم الأدب

روايتان ومتاهة واحدة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

"عبورُ البشروش" عبْرَ فضاءاتِ "إسم الوَردة" (3 / 3)

الأعمال الأدبية الكبيرة، المعاصرة، تفرّدت على مستوى الكتابة الروائية، بترجيعاتٍ ذات خلفية تاريخية / أسطورية، تماهياً مع اللحظة الزمنية الراهنة، أو مقاربة رمزية لها. يستحضرنا في هذا المقام رواية "يوليسيس" لجيمس جويس، كمثال على ما ذهبنا إليه؛ هذه الرواية المفصحة، بدءاً بعنوانها، عن "تقمّص" بطلها مصيرَ وقدرَ بطل "إلياذة" هوميروس. كذلك إنتبه النقاد بخصوص كتابة جويس، إلى مفارقتها إسلوباً ومضاميناً الأدب المكتوب بالإنكليزية، الشائع في تقاليد بلاده الإرلندية، عبرَ إنتمائها فنياً إلى النمط الفرنسي (1). يمكننا مطابقة ما سلف، مع ما حملته رواية " إسم الوردة " للكاتب امبرتو إيكو، من جدة مدهشة في تقنيتها الفنية ومعانيها الكونية الكلية (2). فكاتبنا هنا، مع تمثله بأرض بلاده، بيئة ً وتاريخاً وقيماً ورؤىً فكرية وفلسفية ولاهوتية. إلا أنه إعتمد في إسلوب السرد ولغته، تحديداً، طرقاً غريبة عن التقاليد الأدبية الإيطالية؛ وفي الآن ذاته، لا تقترب من مثيلاتها الأوروبية. غير أنّ إيكو في روايته هذه، إختلف بشكل بيّن عن أنداده الأوروبيين، في نقطة اخرى، حاسمة؛ وهي إعتماده شكلاً مبتكراً للسرد خالطاً فيه أشكالاً مختلفة من القص بعضها ببعض؛ من تاريخية وبوليسية وفكرية.. وغيرها. فضلاً عن أنّ الماضي في " إسم الوردة " لا يُستعاد في لحظة السرد (الراهنة) على لسان الراوي، إلا لكونه ماض ٍ مستعاداً من لدن المؤلف، بدوره، تقليباً على مواجع راهنه بالذات: " كمن يتركُ للقادمين (إن لم يسبقهم المسيح الدجال)، دلالاتٍ لدلالات كي تتمرّسَ عليها عبادة ُ فك الرموز " (إسم الوردة، الصفحة 29). ولعل مأثرة إيكو، الأهم، كانت في خلقه لبنية فنية متكاملة، عبر تجميع وحدات (موتيفات) متناثرة ومتنوعة حدّ التنافر في ترتيبها الزمني والسببي. وإذا كانت فضاءات " إسم الوردة " تاريخية بحتة، تتقصى صراعات ومجادلات فكرية وفلسفية ولاهوتية؛ فإنّ إسلوب السرد فيها، المبني على حبكة التحقيق في جرائم غامضة، ينحو بها نحو الرواية البوليسية بمعناها الكلاسيكي، المعروف. الشكل الأخير، له ميزة الإثارة والمتعة والتشويق، عرفَ إيكو جيداً قيمته أدبياً ووفاه حقه في " إسم الوردة ". علاوة على أنّ قصة إيكو، ورَدَت موادها الخام لغة ً ومحاكاة وإستعارات وإحجيات..، من إرث الأدب الشعبي لبلاده العائد خصوصاً لفترة القرون الوسطى. هذا الإرث، السوقيّ والفج في تعابيره ومعانيه، كان متسقاً في رواية إيكو جنباً لجنب مع الصفحات المستلهمة من الكتب المقدسة، الوقورة؛ على غرار " سِفر الرؤيا " و " إلهام القديس يوحنا " و " الأناجيل ".. وغيرها. إنّ إيكو، في أحد حواراته، يعتقدُ بأنّ طريقته المبتكرة هذه، تأسست من كون الكتابة، بشكل عام، لا يمكن لها إلا أن تستقى من تقاليد سابقة. حدّ أنه في هذا المضمار، يستعيرُ مثالاً في الطريقة الفنية المعروفة بالـ " كولاج "، والقائمة على رفد اللوحة بأنسجة وأتربة وقصاصات فوتوغرافية.. وما إلى ذلك من خامات. (3)

من جهته، ما كان لسليم بركات، شاعراً وروائياً، إلا أن يخرج على أنساق الكتابة العربية السائدة، سواءً بإطرها المعاصرة أو بمراجعها الكلاسيكية. إن إشتغاله على اللغة، كان دوماً بهمة المنقب في أغوار منجم الذهب، المتحدي لعوائق طبيعته الصخرية، الوعرة. هكذا إشتغال، لا يحيل الباحث _ كما كان شأن " ايكو "، في خلفيته كسيميولوجي _ إلى مهنةٍ ما، متوافقة مع خياره ذاك؛ خصوصاً كروائيّ. ففي أعماله السابقة على " عبور البشروش "، كان تأثره بالأدب اللاتيني الأمريكي جلياً. دون إغفال حقيقة، أنّ " واقعيته السحرية "، دجنها ببلاغة نضرة، مميزة، وبعوالم بيئته الغرائبية، سواءً بسواء. إلا أنّ إجتناب بركات لأنساق أدبية، راسخة، ومألوفة للمتلقي العربي _ كما سلفَ القول _ كان من الطبيعي أن يخلق إشكالاً، وربما نفوراً، على صعيد القراءة. فهو في أعماله عموماً، يُخالف ما عهدناه، وما يُفترض ربما، من إنسجام وتجانس في الفن. هكذا مخالفة، ألقت بظلالها على نصه، الذي بدا كما لو أنه خال ٍ من أيّ حبكة، مشتتٌ ضمن وحداتٍ صغرى متبدية، بدورها، بلا رابطٍ يجمعها بالسرد. لقد أضفى بركات، عن عمد ربما، هذا الشكل على حقله الإبداعيّ؛ بكل مغامضه وغرائبيته وألغازه..، غير عابيء بما قد يجتنيه _ ككاتبٍ صبور كدودٍ _ من ثمرات مرة. فإذ نوهنا بالمتعة التي يسترسل فيها قاريء نص إيكو؛ فبالمقابل، لا يحقق نص بركات هذه الميزة الهامة، الحاسمة، والتي يعتبرها رولان بارت أحد شروط العمل الأدبي (4). من جهة اخرى، قد ينطلي على البعض، أنّ كاتبنا إعتمدَ في مستهل كل ٍ من رواياته " سجلاً تعريفياً " لشخصياتها، تسهيلاً على قارئه ورحمة به مما سينتظره في مجاهلها ومعمياتها. لا غروَ إذاً أنْ يقول الراوي في " عبور البشروش "، أنّ دافعه لقتل ذلك الرجل الغريب، كان: " إغراء المشاركة في إفتتاح متاهة " (الصفحة 30). بيدَ أنّ أمرَ ذلك " السجل " الموصوف، ليسَ شرحاً توضيحياً لمكامن النص، عبر التعريف المزعوم بشخصياته؛ بل لا يعدو كونه، على ضعف رأينا، لمعة ً اخرى من لوامع فانتاستياته (5). يؤكد هذا الرأي، ما عهدناهُ من شيمة بركات، المتكتمة بإصرار، خلال حواراته الصحفية؛ لجهة تجاهله الردود الواضحة، غير الملتبسة، عن تساؤلات بخصوص إشكاليات هذه الرواية أو تلك، من أعماله. ربما أنّ هذا الكتمان ضروريّ له، كمؤلفٍ لا يأبه بنصه، بعدما يفرغ منه وينتقل ليد القاريء. أو أنه سببٌ آخر، يُحيلنا إلى حوار معه، تحدّث فيه عن مسألة " الكتمان " كقدَر إنتمائه وإشكاليته: " لكل وجود مأزقه وإشكاله. الوجود الكردي يُشكل إسهاماً مضاعفاً في هذا الإشكال. قلتُ لمعلم اللغة العربية إنني كردي، فحملق فيّ هلعاً، ودمدم: " ماذا تفعل هنا ؟ إذهب إلى تركية ". عليك أن تتعلم كتمانَ أنك أنت ". (6)

في " إسم الوردة "، ليس ثمة حياة متشكلة لأبطالها. السردُ المتقمصُ لسانَ راوي المخطوطة المزعومة، (وهو الراهب، الفتى وقتئذٍ، " إدسو ")، يأخذ القاريءَ دونما إمهال في رحلة متاهية، غرائبية، إلى عالم الدير، الملغز. لقاء فتانا بالرجل المُكتهل، العارف؛ " غوليامو "، كأني به لقاءٌ بالمعرفة نفسها، الكلية المستحيلة؛ لجهة تمثلها، قبل كل شيء، كدرجات في الشك واليقين: " لم أكن أعرف آنذاك عما كان يبحث غوليامو، والحقيقة أني لا أعرف ذلك حتى الآن. وأخمن أنه كان هو الآخر لا يعرف ذلك " (ص 32). نحن هنا، إذاً، أمام شخصيتيْ العمل، الرئيستيْن؛ التلميذ والمعلم. كان هذا الأخير، رسول الإمبراطور " لودفيك " إلى رئيس دير الفرنسيسكان؛ الإمبراطور الذي نزل بجيوشه للتو في إيطالية تحدياً للبابا " الغاصب ". قول التلميذ، منذ مفتتح " مخطوطته "، بأنّ أستاذه كان " يبحث " عن شيء ما؛ نحدسُ أنه أولى إشارات الرواية، لما ينتظرُ الدير من أهوال مؤجلة. علاوة على أنّ تأكيده، بعدم " معرفة " كل منهما عما كان يبحثه؛ هو إشارة اخرى عن المعرفة الكلية، المستحيلة؛ والتي شاءَ المؤلفُ الوصول إليها خلل درب مدمى بجثث الجرائم الغامضة. بيْدَ أنه من الجائز لنا، أيضاً، مماهاة شخصية الراوي؛ الفتى إدسو، بشخصية المؤلف نفسه؛ إيكو: وإذا غضضنا الطرفَ عن إسميهما، المتماثليْ التهجية، فلا ننسى أنّ كلاهما كان في فعل الكتابة _ كراو مكتهل _ يترجع مرحلة الصِبا المرتقية درجة فدرجة، مراتبَ المعرفة. إننا نعرف حقيقة إنهماك إيكو، المحموم، المستمر، في الدراسات ذات الطابع المعرفيّ، (وخاصة اختصاصه السيميولوجي: أو علم العلامات والرموز)، ومن ثمّ قيامه على تدريسها في الجامعات والمعاهد. هذه الحقيقة، تبيح لنا إفتراض تقمّصه في " إسم الوردة " شخصيتا التلميذ والمعلم، معاً. أو على الأقل، تأثره وهو فتىً بعد، بأستاذ ما، كان له فضل كبير عليه معرفياً. قد نرى في " العلامات " التي قرأها غوليامو للمساعدة في العثور على الحصان الضائع، ما يعضدُ فرضنا ذاك؛ علاماتٌ سيجتاسها لاحقاً، في ألغاز الجرائم الغامضة، التي تهز الدير: " هكذا كان أستاذي. لم يكن يعرف قراءة كتاب الطبيعة الكبير فحسب، بل والكيفية التي كان الرهبان يقرأون بها الكتب المقدسة ويفكرون من خلالها " (ص 43). وحتى حادثة حريق الدير، المختتمة به الرواية؛ ألا يستعيرها كاتبنا إيكو من ذكريات صِباه، المُنارة بلهيب الحرب العالمية الثانية؛ بإفتراض إستعاراته لرموزها : البابا " الغاصب " / موسوليني، الديكتاتور، كوطنيّ فاشيّ، معادٍ للحرية والفكر التنويري؛ والإمبراطور الأجنبيّ " لودفيك " / كناية ً عن الحلفاء الأمريكان والإنكليز، المحررين، إثر نزول قواتهم في شبه الجزيرة الإيطالية ؟

شخصيات " عبور البشروش "، فيها إلتباسٌ مبطنٌ. هنا أيضاً، كما كان الأمر في الرواية الاخرى، القرينة، لا يمكن الحديث عن سيرة حياة متشكلة للراوي (وهوَ المنعوتُ بمهنته كـ " مهندس "). وعلى المنوال ذاته، مما إستهل به نص إيكو؛ يُدخل بركاتُ القاريءَ إلى نصه خللَ مسالك ملغزة، متاهية، تودي بالراوي إلى فعل جريمةٍ ما / إنتحار ما. الضحية؛ هو الرجلُ الموسوم بصفته كـ " غريب "، ولا يظهرُ في السرد إلا كشبح أو طيف عابر. يستعيدُ الراوي صورة ذلك الغريب، فيما بعد، متماهية بملامحه وملامح صديقه " جانو " سواء بسواء (ص 191). هذا الأخير، بعلامته تلك، كما بمهنته كمهندس معماريّ؛ نستقريءُ فيه نوعاً من " القرين " للراوي: قراءة ً تحيلنا، أيضاً، إلى بطليْ " إسم الوردة "، بفرض تماهيهما بشخص مؤلفها، بالذات. ثمة ما يدعمُ فرضنا هذا، لجهة تعابير على الخلفية نفسها من المرامي؛ كما في موضوعة البحث المستحيل عن المعرفة، السالف ذكره في رواية إيكو. إنّ الإشارة لرمز " المسيح الدجال "، في مفتتح هذه الأخيرة (ص 29)، متواترة ٌ في رواية بركات، فضلاً عن " تكرار " للمعنى نفسه بخصوص ما سبق عن المعرفة، المستحيلة: " هؤلاء رسُلُ المسيح الدجال، يا رجل ؟ ". يقول جانو، ويستطرد: " لا أعرف أنني أعرفهم " (ص 56). هذه الجملة الأخيرة، تتقاطع مع مثيل لها، شبه حرفيّ، في رواية إيكو: " ولكنك لا تعرف لماذا تعرف أنك تعرف ماذا تفعله " (ص 231). إنّ فرضيتنا عن تماهي مؤلف " إسم الوردة " مع بطليْها؛ هذه الفرضية، نسحبها على " عبور البشروش "، أيضاً: لنلاحظ أولاً " متاهة " الراوي وجانو (في تماهيهما ببعضهما البعض، على زعمنا)، حتى لحظة وصولهما للجزيرة القبرصية. كذلك ما سبق لنا، في حلقة سابقة، أن قمنا به من جردة لزمن الرواية، الكليّ، منذ وصول الراوي وحتى إنهيار المتحف؛ المكمّل تمام العقد من الأعوام: وهي الفترة، بكمالها، التي قضاها المؤلف، سليم بركات، في تلك الجزيرة، لحين إنهائه روايته هذه. وإذ يقول جانو، في مستهل القص: " أنا مهندس المتاهات " (21)، فكأنما ينقل ذلك على لسان الروائي؛ هذا القائل في حوار صحفي: " أنا عراب المتاهات " (7). لعل الجزء الأخير من ثلاثية " الفلكيون في ثلثاء الموت: كبد ميلاؤس " هو أوضح دليل، لما ذهبنا إليه عن تماهي بركات مع عمله هذا، بأجزاءه الثلاثة على السواء: فهو يسمي في تلك الرواية الأخيرة، بدون مواربة، أفراد أسرته ويعطي تفصيلات وافية عن بيته في " نيقوسيا "؛ بدءاً بلحظة عمارته والمتوافق مع كون ذلك الجزء _ والثلاثية، بشكلها العام كبناء متصل؛ كما يُفيدنا غلافها الداخلي: " ثلاث حركات قوامها الهندسة ُ مُطلقاً، والترجمة، والعمارة، هي أساس الميتات المجازية في عمل روائيّ يجمعه مكانٌ واحد ". (8)

هذا الثالوث المركونُ على العمارة، أساساً، والمُشكِل، بحسب حاشية الكاتب، آنفة الذكر، وجْهَة مصائر أبطال " عبور البشروش "؛ يُمكننا إستكناه دلالته بما كانه رمزُ " المتحف ": ها هنا بناءٌ قيد الإنشاء؛ قريبٌ من الإكتمال [ العمارة ]؛ مهندسون خصصت لهم قاعة، يعملون فيها ما يلزم من تخطيطات لهذا البناء [ الهندسة ]؛ وكتب مخطوطة؛ إحداها لإبن سينا، صنفه معاصر له محتوياً ترجمات النص ضمن المتن نفسه، باللغات اليونانية والسريانية والفارسية والعربية [ الترجمة ]. صفة " المتحف "، في رواية بركات، برأينا، تتفق مع صفة " المكتبة "، في رواية إيكو: فكلاهما مضروبٌ عليه نطاقٌ مُحكم من التكتم والسرية، ضافرَهُ ميتات غريبة / أو أمراض غامضة، طاولتْ العاملين هنا وهناك. هذه الميتات / الأمراض، نجمتْ عن رغبة إنسانية مشروعة، ولكنها ممنوعة في الآن نفسه، في " معرفة " محتويات كتبٍ معينة: " تساقط فيها الكثير من المهندسين غرقى مثلثات ودوائر لم تروضها اقلامهم " (عبور البشروش، الصفحة 176). هكذا إحالة للجريمة برغبة في المعرفة، كان قد توصلَ إليها مُحققنا، غوليامو، في " إسم الوردة ": " لو كانت الجريمة من كتاب، ذلك يعني أن القاتل يريد الإحتفاظ وحده بأسرار ذلك الكتاب " (ص 314). ثم حصلنا على مصادفة سعيدة، تعزز تأويلنا لرمز " العمارة " كدلالة مشتركة، في كلا الروايتيْن القرينتيْن. ففي حوار صحفي، يعبّرُ امبرتو إيكو عن هاجسه من أنّ التطور الإلكتروني المتسارع، في زمننا المعاصر، سيؤدي إلى تحوّل المكتبة من مكان لقراءة الكتب، إلى متحفٍ لجمعها وعرضها (9). العمارة كهندسة وفن ومعرفة، برؤية المعلم غوليامو في " إسم الوردة "، تنسخُ نسَقها من نسَق الكون (كوسموس): " لأنها بمثابة حيوان عظيم يتجلى فيه تكامل وتناسب كل أعضائه (ص 45). هذه الإستعارة، نعثر عليها في رواية بركات، بتصوير مماثل لرمز الحيوان، وأنّ صوته: " هو المعرفة الكلية مختزلة إلى عجمةٍ تؤرق الإنسانَ " (ص 68). كانت المكتبة حَرَم مقدس، في " إسم الوردة "، حتى أنها وصفتْ كـ: " متاهة كبيرة، وهي دليل على متاهة العالم " (ص 180). المكتبة، تسمو بكتبها المخطوطة؛ وهذه بدورها لا تصبحُ سامية ً، جديرة بالإقتناء، إلا وهي موشاة بالمنمنمات والنقوش والتصاوير والتخطيطات. لا غروَ، والحالة هذه، أن تصير قاعة الرسامين محط الأعين اليقظة، المُراقِبة. فالفنّ يستطيعُ، بنظر اللاهوت، أن يُحققَ سموَ المقدس؛ إلا أنه في الآن ذاته، قادرٌ على خلق الغواية. لا عجبَ، أيضاً، أن يخرجَ من هذه القاعة بالذات، أولئك " الخارجون " على الأعراف والحرمات؛ التواقون إلى " المعرفة " الممنوعة. ثمة مماهاة، في الرواية، للرغبة الجسدية بالمعرفة: من علاماتها، أنّ كلّ ضحية لجرائم " الكتاب "، الغامضة، سبقَ له أن كان عُرضة للشبهة برسم التصاوير الجنسية، على هامش عمله بالكتب المقدسة؛ كالأناجيل وغيرها. حتى ويذهب غوليامو، في تحريه لإحدى الجرائم، حدّ القول أنّ القتيل كان قد بادلَ: " خطيئة الجنس لإرضاء رغبة الفكر " (ص 160). هكذا أجواءٌ مشحونة بالسرية والألغاز، نجتاسها أيضاً في " عبور البشروش "؛ وفي قاعة المهندسين، تحديداً، التي كان يعمل فيها الراوي وقرينه، جانو. يُعرّف إسم القاعة بمهنتها، المتمثلة بمهندسين يصممون تخطيطات لعمارة المتحف. هاهنا رسومٌ ومنمنمات وألوان وخطوط، على منوال متماثل، مع ما عرضناه آنفاً بخصوص قاعة الرسامين في رواية إيكو..، وهاهنا الرغبة الجسدية تتماهى كذلك مع المعرفة؛ بصفة الأخيرة كمتاهة، يُجسدها رمزُ " المتحف " في رواية بركات: " الفرجُ متاهة "؛ في إحدى التعريفات..، وهو بحسبها أيضاً: " صورة الكون " (ص 64). هذه المعرفة؛ الموصوفة ُ كحَرم مقدس ممنوع على المتطفلين، يُحاولُ بعض المهندسين إختراق حجبه، عن طريق سرقة " الكتاب "، مما نجم عنه أوخم العواقب.

عطفاً على تأكيدنا، سالف الذكر، عن مماهاة الرغبة للمعرفة عند إيكو، ولاحقاً عند بركات؛ أنّ كل من روايتيْهما تستعيدُ، في هذا الشأن، رمز " الشيطان " إنطلاقاً من عقيدة الخير والشر، في الشرق القديم، والمنتهية لكمالها في الديانات السماوية. من النافل هنا القول، أننا نقصدُ إغواء حواء، بخصوص الشجرة المحرمة؛ مما آل بها ومن ثمّ زوجها إلى " معرفة " بـ " الخطيئة "، وبعدئذٍ الطرد من الفردوس. وكان مما له مغزاه، أنّ الجريمة الأولى على الأرض، ( مقتل هابيل)، إنما هي حاصلٌ لتلك المعرفة نفسها. رواية " عبور البشروش "، تمثلتْ رمز " الشيطان " هذا، محيلة ً إليه أقدار شخصياتها ومصائرهم. تدخلُ " جين " إلى السرد، عبر مغامض ذلك الرمز الإغوائيّ؛ بوصفها أجنبية (من أصل بريطاني)، متآلفة مع غيرها من الأجانب (كالكردييْن، الراوي وجانو). جدير بالتنويه، حقيقة أنّ أغلب حوارات أولئك " الغرباء " كانت تجري في المطعم؛ هناك، حيث إعتادوا على تأمل شجرة عظيمة من الخروب. تنهمر كلمات الراوي بغزارة، في وصف الشجرة وبأدق التفاصيل. ها هي إحدى رموز " الغواية "، تتمثل على رأينا، بشجرة الخير والشر: " وأخيراً يرى صورة " الغريب " الذي قتله، ومن حولها قرون غزالات متشعبة كظل شجرة الخروب " (ص 203). إذا نحينا جانباً صورة هذا الغريب، المتبدية هنا على شكل شيطان ذي قرنيْن؛ فإنّ تماهيهما بعضهما ببعض، يجدُ له سنداً قوياً في مكان آخر من الرواية، عندما يقول الراوي للمشرف على مساكن المهندسين: " منذ ثماني سنوات أطلقتُ طلقتين على غريب في قبو بيتي.. أانتَ الشيطان ؟ " (ص 234). لا تظهرُ تلك البريطانية في السرد، إلا بصفة الإغواء هذه؛ وسنجد أنّ حضور الأنثى في رواية إيكو، كان متوافقاً مع ما سبق. وعودة إلى " عبور البشروش "، لنجدَ أنها تعوّل على رمز الشيطان (تدعوهُ أحياناً " ابليس " )، كتجل إلهيّ مُحتفى به في عقيدة الإيزديين، الكرد. وربما أنّ إحدى طقوس العقيدة ذاتها، المعروفة بـ " الدائرة السحرية "، يتمثلها المهندس جانو بقوله: " المتاهة تبدأ من الدائرة " (ص 175). هذه العقيدة، وجدتْ لذلك الإله مكاناً في الكثافة والعتمة؛ في طيات نبات الخسّ، مثلاً، الذي تفصّل الرواية أسراره، شأنَ نباتات اخرى.

قلنا أنّ بركات في " عبور البشروش "، وجدَ في بعض رموز وطقوس قومه _ وأقوام المشرق، عموماً _ ضالته؛ محيلاً لها أقدار أبطاله ومصائرهم. بيدَ أننا نعثرُ، في هذا المضمار، أيضاً، على تقاطعات مع رواية إيكو: فالشيطانُ هنا، كرمز للغواية، حاضرٌ، خصوصاً، عبرَ دفع أولئك الرسامين _ ضحايا المجرم الغامض _ إلى الخطيئة المتمثلة بالرغبة، غير الشرعية لاهوتياً، في معرفة مضمون " الكتاب "؛ فضلاً عن شبهة التلوث بالشهوات الجسدية، المحرّمة بدورها: " لماذا تلحّ على الأعمال الإجرامية، دون التعرّض لأسبابها الشيطانية ؟ "، يسألُ مدير المكتبة المحققَ غوليامو (ص 50). وكان هذا الأخير، في تقصيه لدلالات معينة، يزداد إقتناعاً بأنّ ثمة علاقة متواشجة بين الجريمة والمعرفة. إنّ ذلك " الكتاب "، الموصوف بالإلغاز والسِحر (وهو كتاب " الضحك "، لأرسطو)، ما كان سوى واحداً من آلاف الكتب، المُحاطة بالتكتم الشديد، والمتراصفة في رفوف المكتبة. يظهرُ الكاهن " يورغ "، العجوز الأعمى، في السرد، كما لو أنه الحارس الخفيّ لأسرار مكتبة الدير؛ وفي الآن ذاته، يكون ظهوره كنذير لقدوم المسيح الدجال (= قرين الشيطان)، المفترض بإكتمال الألف عام مذ تنصّر الإمبراطور الروماني قسطنطين: " إنه آتٍ، لاتضيعوا الأيام الأخيرة في الضحك على الوحوش المفهّدة والأذناب الملتوية ! لا تهدروا الأيام السبعة الأخيرة ! " (ص 106). ثمة فيما سبق، إشارتان وردتا على لسان العجوز الأعمى: أولهما، أنّ قدوم المسيح الدجال، قد إستوفى مدته بحسب المدة الزمنية له (أحداث الرواية تجري في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي). الإشارة الثانية، أنّ إسبوعاً حسب، قد بقيَ للعالم (وهو زمن الرواية، الكليّ، بحسب تقسيم فصولها). هذه المدة المفترضة لقدوم ذلك الدجال، تتوافق أيضاً مع عِقدة الرواية (= جرائم " الكتاب "). إذ أنّ العجوز الأعمى، يعتقدُ أيضاً بأنّ ذلك " الكتاب "، السري، قد ظل: " مجهولاً لألف عام، بإرادة الربّ، حتى وصل إلينا عن طريق العرب الكافرين " (ص 139). هذا الأعمى، كما تنبئنا خاتمة الرواية، كان مسؤولاً عن تلك الجرائم كافة، وبصفة حراسته لأسرار المكتبة؛ وعلى الأخص كتاب أرسطو، السري؛ " الضحك "، من خلال تسميم صفحاته. لا غرو إذاً أن يواجهه غوليامو بهذا القول، المُحيل لسِمة عاهته: " إنك أنت الشيطان، وكالشيطان تعيش في الظلمات ". (ص 513)

لو عُدنا إلى " عبور البشروش "، فإنّ أول ما يستوقفنا في مقاربة ما مضى، هو رمز " المسيح الدجال " في رواية إيكو، كقرين للشيطان: ألا يُذكرنا هذا، بما سلف وذكرناه عن مسألة " القرين " في رواية بركات هذه، الخاصة بشخصيتيْ الراوي / " الغريب " ؟ هذا القِرانُ، المُستعادُ أيضاً بشخصية عامل القبة، (الغامضة، بوصفها ككائن غير مرئيّ إلا من الراوي) / مع شخصية " ميلان "؛ الشاعر وصديق الراوي من فترة الدراسة الروسية. علاوة على إقتران شخصيتيْ الراوي، بالذات / وجانو، صديقه المهندس. ونلاحظ ايضاً، أنّ تلك المهلة الزمنية لعودة دجال " إسم الوردة " يتطابق مع رمز مماثل، في " عبور البشروش "؛ هو يلماز ملي؛ سجين الألف عام (ص 164). كذلك نقرأ عن نفس تلك المدة الزمنية، الألفية، لحظة إنهيار المتحف: " كأنما إنفجرتْ رئة هائلة، إحتبست فيها الأرض، وأنفاس ضمائرها، ألف عام " (ص 238). بل إنّ هذه الرواية توردُ إسم " المسيح الدجال "، حرفياً، كنذير ما، للمجهول المتربص بأبطالها (ص 56). وإذا غضضنا الطرف عن حقيقة، أنّ رمز " المسيح الدجال " لاهوتيّ مسيحيّ بحت، (وهو في الوقت نفسه يمت بصلة وثقى للسياق العام لرواية إيكو تلك، ومراميها وخلفياتها)..؛ فنتساءل ما إذا كان الأجدر بسليم بركات _ كإستخدام لمدلول مشروع، صائبٍ، في روايته _ أن يوردَ رمزاً إسلامياً، خالصاً؛ هوَ " الأعورُ الدجال " (= البديل المزيف لشخصية " صاحب الزمان ").. ؟ كذلك الأمر في رمز " الكتاب "، السري، المسموم الأوراق (في رواية إيكو): فهل كان من باب المُصادفة، أن يقول الراوي (في رواية بركات) عن صديقه المقلب لرسمة جين: " كأنما أصابه سمّ الورقة " (ص 170).. ؟ شخصية " يورج "، في رواية إيكو، تتماهى بهذا الشكل أو ذاك، مع شخصية " المشرف "، في رواية بركات: فهو هنا، بلا إسم أو كنية، (غير صفة مهنته في المشروع)؛ ذو كينونته غامضة: " كأنما لم ينحدر من نسل " (ص 182)؛ إنه بحسب بعض الإشارات، مسؤول عن إنهيار مشروع المتحف وسرقة دفاتره (ص 180)؛ يتقمصُ فجأة لهجة " جانو " مُصرّاً على إصطحاب الراوي إلى " القبة " (= بديل " المتحف ")، فيشهدا معاً إنهيار هذا البناء الأخير، بدويّ يُشبه صوتَ الطلقة التي أودتْ بحياة " الغريب "، قبل بضع سنوات (ص 238). ثم كان لابد أن يتماهى أعمى " إسم الوردة "، مع مشرف " عبور البشروش "؛ كرمز على الأقل، حيث عثرنا على هذه المتوالية من العلاقات، صدفة ً !، في الصفحة 244 : أ _ المشرف ينزف من عنقه كما لو أنه " الغريب "، المصاب بالطلق الناري (الغريبُ، بوصفه قريناً للراوي) ب _ يؤكد المشرف للراوي أنّ جانو شخص متخيّل غير موجود " مخترع " (الراوي، بوصفه قريناً لجانو) ج _ يخرج الراوي من المكان، ليجد نفسه أمام المطعم، حيث يبصرُ أشخاصاً غامضين أمام دراجاتهم النارية، فيستلفته شكل أحدهم، فيدركُ أن حركاته هي حركات أعمى (المشرف، بوصفه قريناً للأعمى) د _ " وعينا الأعمى ترتدان نحو نهار أعمى (الأعمى، بوصفه رمزاً للشيطان) يتخذهما عينين في متاهات ضيائه " (المتاهة، بوصفها فخاً للمجرم الغامض، المفترض).

نقعُ أخيراً في شِباك الخاتمة، المنتهية بها كل من " إسم الوردة " وقرينتها " عبور البشروش ". هاتان الروايتان المتعاقدتان _ بقراءتنا المُقاربة، على الأقل _ على مَعقِد مُعْضِلةٍ كبرى. معضلة، تشابكت فيها، هنا وهناك، حيوات ومصائر الشخصيات مع أقدار قاسية وهازلة، في آن. هذه الأقدار، بصفتها السرانية، الملغزة، المتأبدة، المرسومة بعناية لتلك الشخصيات البشرية درءاً لها من شبهة المعرفة (= الرغبة) غير المُجدية والمودية إلى الريبة والمظنة والهلاك. تيمة المكان والزمان، علاوة على رموز الكائنات والأشياء والظواهر، تنحو دلالاتها على المنوال نفسه، عموماً، في خاتمة كل من الروايتيْن المعنيتيْن: أ _ المطبخ (كرمز للرغبة / المعرفة )؛ يتعرف الراوي إدسو، في رواية إيكو، على الرغبة الجنسية، الظافرة، من خلال " الفتاة "، التي ينتهي مصيرها لقبضة محكمة التفتيش فتدان بالموت كأدات للشيطان: والفتاة " جين "، في رواية بركات؛ التي يتعرف عليها الراوي في المطعم، ومن خلالها على الأنثى، يُصبح مصيرها مجهولاً، إثر سرقتها لدفاتر من المتحف (= كأنها أداة للمشرف / الشيطان ؟) ب _ القبة في رواية بركات (كبديل للمتحف المنهار / الرمز)؛ تتسرب إليها تخطيطات المتحف من خلال المشرف، ويتسلمها العامل الشبيه لميلان: وفي رواية إيكو، فإنّ الكتب القليلة، التي يتمكن غوليامو من تخليصها من النيران، تضحي هنا كـ " بديل " عن المكتبة المحترقة، المندثرة مع مخطوطاتها. ج _ المرآة، في " عبور البشروش "، كرمز آخر للقرين (= الشيطان)؛ فحينما يتمرأى فيها الراوي، تباغته صورة المشرف " الغريب " معكوسة فيها، فيطلق النار عليه (على نفسه ؟): ثمة مرآة مماثلة، في " إسم الوردة "؛ يرى فيها الراوي نفسه على شكل شيطان، حتى أنه يصرخ بإسمه فرقاً. د _ الحلم، في رواية بركات، متماهٍ مع تعريفات بليغة لأنواع مختلفة من النبات؛ والبراد الذي ينهمرُ في منام الراوي هذا، بكل تلك الأنواع الموصوفة، يبدو كما لو أنه إشارة إلى الواقع؛ إذ يتكشف (البراد) في الفصل الأخير من الرواية عن هوّة تفضي إلى قبو المسكن (= مجاز المتاهة)؛ حيث يلتقي الراوي مع " الغريب " (= الشيطان): وفي رواية إيكو، يتراءى للراوي في منامه وليمة عجيبة، تشارك بها طائفة من القديسين المحتفية بالمسيح والعذراء؛ وكلهم على صور لأشخاص واقعيين نعرف أسماءهم من خلال السرد؛ كـ " البابا الغاصب " (= رمز الشيطان)؛ ثم يفيق بطلنا أخيراً من حلمه على صوت معلمه الخارج من المتاهة. ه _ رمز " المكتبة "، في رواية إيكو، يتقاطع مع رمز " المتحف "، في رواية بركات، كما سبق ونوهنا أكثر من مرة؛ فكلاهما متاهة، بالمعنى الحرفي أو المجازي؛ متأسسة وفق علوم متداخلة، هندسية ومعمارية وفلكية. إنّ المتاهة في " عبور البشروش " مجازٌ أكثر منها واقعاً..، بل " متاهات "، لاتنتهي: تحيل إلى الدينيّ، (قابيل وهابيل)، في قتل الأخ لأخاه (ص 33)..، وإلى اللغويّ، (خلط الكردية بلكنات)، مُسمية عبث جانو بلغته القومية (ص 45)..، وإلى الجغرافيّ، (شمال أفريقية)، على أنها قدَرٌ سريّ ما (ص 210)..، وإلى الشعريّ، (قصيدة صديقه ميلان)، مُرجعة حروف معينة من أبياتها إلى أشكال رؤوس آدمية (ص 217)..، وربما نهتدي أيضاً إلى " المتاهة " بمعناها الحَرْفي (الواقعي)، كما نستقصيه في الطابق الثاني من المتحف، المصمم من لدن جانو (ص 184). تأكيداً لقولنا، عن " متاهات " رواية بركات؛ فها هي الرواية القرينة، " إسم الوردة "، تعيدُ التأكيد نفسه على لسان المعلم غوليامو: " كم يكون العالم جميلاً، لو كانت هناك قاعدة للتجول داخل المتاهات " (ص 200). ولا ندري هل كان إتفاقاً أنّ " قاعة أفريقية "، هنا في مكتبة " إسم الوردة " (ص 346)، لها صفة متاهية كـ " شمال أفريقية "؛ الموسومة في " عبور البشروش " ؟ أياً كان الأمر، فالمتاهة في كلا الروايتيْن هي مجازٌ لواقع المكتبة / المتحف؛ هذا الواقع، المُحيل بدوره إلى رمز للمعرفة المستحيلة. لا غرو إذاً، أنّ المعلم غوليامو يقول عن المكتبة، أنها ليست: " أداة لنشر الحقيقة، بل لتأجيل ظهورها " (ص 319). ومما له مغزاه هنا، أنّ ظفر المعلم بـ " الكتاب " (أيْ مؤلف أرسطو، المفقود)، ومن ثم بالقاتل الذي أوقع بضحاياه منعاً لـ " معرفة " ذلك الكتاب؛ هذا الظفرُ، كان له ثمن فادح، تمثل بإندثار المكتبة برمتها في الحريق. ربما قاربتْ الخاتمة في رواية " عبور البشروش " لسليم بركات، ذات الرؤية والدلالة، حينما يلتقي الراوي فيها مع قرينه " المُشرف "، فيحظى منه بنسخة من " المخطوط " (أيْ مؤلف المارديني، المُسمى " التأسيس الكبير ")؛ ويكون المتحف وقتئذٍ قد إنهار: " أكان هذا الكتاب هنا، أيضاً ؟ ". (ص 247)

هوامش ومصادر:
1 _ ادمون ولسون، قلعة اكسل: دراسة في الأدب الإبداعي _ الطبعة العربية في بيروت 1979، ص 153
2 _ امبرتو إيكو، إسم الوردة _ الطبعة العربية في تونس 1992
3 _ جمانة حداد، حوار مع امبرتو إيكو _ ملحق " النهار " الثقافي، ليوم 18 كانون الثاني 2004
4 _ رولان بارت، لذة النص _ الطبعة العربية في حلب 1992، ص 37
5 _ سليم بركات، الفلكيون في ثلثاء الموت: عبور البشروش _ بيروت 1994.. وجدير بالتنويه هنا، أنّ هذه الطريقة في التعريف بشخصيات الرواية، كانت معروفة في الأعمال الكلاسيكية عموماً؛ وربما أنّ أول من أعاد " إحيائها " من الكتاب المعاصرين، هو الكاتب الإيطالي جيزوالدو بوفالينو
6 _ ناصر مؤنس وصلاح عبد اللطيف، حوار مع سليم بركات _ مجلة " تافوكت " العدد الأول 1998: نقلناها من مجلة " حجلنامة " العدد الأول 1999، ص 35
7 _ المصدر نفسه، ص 44
8 _ سليم بركات، الفلكيون في ثلثاء الموت: كبد ميلاؤس _ بيروت 1997
9 _ حوار مع امبرتو إيكو، مصدر مذكور

Dilor7@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف