عالم الأدب

كسبان حتة حر لدرجة الجوع

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سلوى اللوباني من القاهرة: "كسبان حتة" عنوان رواية فؤاد قنديل الجديدة "الدار المصرية اللبنانية"، يقدم من خلالها صورة عن القرية المصرية والانسان المصري البسيط، مجسداً ب "كسبان حتة"، والذي وصفه بالقطعة البشرية الخشنة، فسلوكه يثير حقول الدهشة، فهو رجل فطري يعيش على السجية، ولا مطمع له في الدنيا لا جبار ولا ظالم، ليس بيده مصائر الناس، ولا يحمل شراً لمخلوق، وينسى بسرعة كل ما حدث حتى لو كان ضده، طبيعي لدرجة الشذوذ، وحر لدرجة الجوع، وكريم جداً لدرجة قراءته للحزن في ملامح نملة يتيمة، فأصبح كسبان علامة مهمة من علامات القرية ومن أهم ملامحها، وغيابه يثير الخوف والظنون، وتميز قنديل بقدرته على ايصال القارئ لهدفه من الرواية سواء قرأ فصولها ال 17 بتسلسل أو بدون ترتيب، فكل فصل يحتوي على ملخص الرواية دون أن تشعر بملل أو تكرار، بدأها بعنوان "غواية الحكايات" في اشارة الى شخص كسبان حتة الذي كان اسطورة القرية بأعماله الحسنة، وأنهى الرواية بعنوان "العمدة" وهو المنصب الذي تقلده كسبان في النهاية.

ماذا جنى كسبان؟
معظم روايات الكاتب "فؤاد قنديل" تعبر عن موقفه السياسي، رواياته التي خطها خلال 40 عاماً من التفرغ للكتابة محاولاً فهم ما حدث لمصر، وهو المهموم دوماً بقضايا الوطن، وأتت روايته الجديدة لتضيف الى رصيده الأدبي، وتقدم طرحاً حول مواصفات الحاكم ممثلاً بالعمدة في روايته، مثيراً تساؤلات مبطنة مثل هل يمكن أن يصبح إبن القرية..الفلاح.. البسيط... رئيساً للجمهورية؟ صاغ قنديل روايته بذكاء شديد يٌحسب له، فهي تدور حول الفلاح البسيط "كسبان حتة" الذي كان منذ ولادته الشغل الشاغل للقرية، وإحدى حكاياتها ليصبح فيما بعد العمدة، كسبان إبن القرية الذي لازم قريته ولم يتركها، وقام بمساعدة أهلها وتنميتها وتطويرها فمن بناء مصنع، الى زراعة الارض، وتأسيس مركز ثقافي ورياضي، وإنشاء مكتبة سينما ومسرح، وتدريب الاطفال والشباب على الفنون، ومن هنا طرح الكاتب تساؤلاً آخر وهو ماذا جنى المتعلم؟ وما هي المساعدات التي قدمها لقريته؟ هل جنى ربع ما جنى كسبان؟ هل قدم لقريته ربع ما قدم كسبان؟ وتساءل عن العلاقة بين إبن القرية والمتعلم، هل هما متوازيان؟ أم متقاطعان؟ أم متقابلان؟ أو متعارضان؟ أم هي علاقة تماس؟ أو تداخل أو دائرتان متعانقتان أم غريبان تماماً؟

مواصفات كسبان:
رواية واقعية بدأها الكاتب بوصف المكان وهو القرية، القرية الساكنة بحركتها المحدودة من البشر والحيوانات، وافتقادها من أي صورة من صور الاثارة، وامتلائها بالحكايات والاساطير والحكايات غير المرئية، فأي حركة أو اشارة في القرية كفيلة بخلق حكاية أو كيان قصصي وسلسلة من الاحتمالات، وتنطلق أشرعة الخيال لتبالغ في رسم صورة لما يحدث أو حدث، واصفاً فلاحين القرية.. بالمجرحة قلوبهم بالحرمان، والمجهدة أبدنهم بالعمل اليدوي الشاق، والمهددة نفوسهم بالفقر، ومع ذلك فهو يدعوهم الى الصبر والانتظار لنيل حقوقهم ومطالبهم من خلال شخصية كسبان الذي احتفظ بمسافة بينه وبين اغراءات الدنيا، وكان ولازال منتبهاً لقشر الموز الذي تلقيه الحياة في طريقه فلم ينخدع أو يسقط أو يٌستدرج، كسبان شخص خارج الزمان والمكان غير عادي، خارج سياق القيم السائدة التي أرغمت البشر على ضياع الاصول والحقوق فيما بينهم، ولم يعد أحد يتذكر اصحاب الفضل أو الدم أو القرابة أو يرنو لفقير أو مسكين أو ذي حاجة.

توجهات ورسائل:
بقدر ما تحمل الرواية من توجهات ومواقف اجتماعية، الا أنها لا تبتعد ابداً عن التوجهات والمواقف السياسية وإن كانت غير مباشرة وواضحة، فالكاتب يتحدث عن مواصفات إبن القرية الطيب الذي اصبح فيما بعد عمدة القرية واستمر في طيبته وأعماله الجيدة تجاه قريته وأهلها، وكأنه يقول للقارئ هذه مواصفات الحاكم سواء كان عمدة أو رئيس جمهورية، فهو يدعو الى إمكانية أن يكون الحاكم شخص عادي بسيط بعيد عن المناصب السياسية، فهو الاقدر على فهم احتياجات الناس وتلبية مطالبهم، رواية تحتوي العديد من الرسائل موجهة الى الانسان المصري البسيط، يدعو الى عدم الهجرة، عدم الاستسلام، والصبر لنيل الحقوق، أو لترسيخ العدالة، كما دعا الى التحلي بروح الشباب والامل، والاحتشاد بالوهج والمغامرة وحب البشر والحياة، والى مقاومة الاخطار والصعاب ومقاومة الظلم والتمسك بالبلد والانتماء لها.
"لا يبقى للناس في بلدنا أمل الا في السماء، لانه لا يوجد أمل في أي شئ في الارض، ومازالوا ينتظرون منذ الاف السنين، لعل الله يحقق لهم واحداً على الالف مما يتمنون ومما تحقق للناس في كل الدنيا".

فؤاد قنديل:
صدرت أول مجموعة قصصية له عام 78 بعنوان عقدة النساء، وكلام الليل 79، ثم العجز، عسل الشمس، الغندورة، زهرة البستان، ورواياته اشجان، السقف، النائب الازرق، ومواسم العنف الجميل، بدأ موظفاً في استديو مصر ومن ثم شغل مناصب ثقافية عديدة، وله دور مؤثر في الثقافة المصرية من خلال الوظائف التي تقلدها، نال العديد من الاوسمة والجوائز أحدثها جائزة الدولة للتفوق في الاداب من المجلس الاعلى للثقافة عام 2005، ومن مصادره الابداعية الادبية الرحلات، وجمع أشكال المعرفة من الجلوس مع الفلاحين والبسطاء والعمال وزيارة المصانع.

salwalubani@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف