اغاني العابر لمؤيد الشيباني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
شعر يوحي بتوزع الانتماء واحزانه العراقية غامرة
بيروت (رويترز) - قصائد مجموعة الشاعر مؤيد الشيباني الاخيرة "اغاني العابر" تضع القارىء امام تساؤل عن موضوع الانتماء عند الشاعر في اكثر من مجال ومنها الانتماء الوطني والاخر الاسلوبي. ترجمة هذا الكلام عمليا تتمثل بداية في ان القاريء يجد نفسه أمام تساؤل عن بلد الشاعر على رغم ان دار النشر لم تقصر في الاشارة الى بلده لايضاح الامر لمن لا يعرفه. و
من سمات شعر الشيباني البارزة كثرة في الصور التي تحمل مجردات وفي المجازات والرموز التي تطغى عليها صفة "ذهنية" ولا نلبث ان نشهد انتقالا إلى حالات وجدانية أو إلى صور يتجاور فيها الحسي والمجرد. من النماذج التي قد توضح ذلك قصيدته الاولى الطويلة التي حملت عنوانا هو "اعطني نخلة كي أشد الهواء". في القصيدة يبرز تخطيط حتى في الانتقال من وضع إلى آخر. تبدأ القصيدة بعنوان فرعي هو "ايقاع أول" ياتي في نحو أربعة أسطر وتطل منه نثرية واضحة وأن تكن انيقة. يقول الشاعر "في طرقات الريح افتش عن قدمي/ هل كانت هذه الخطوة لي../ لا المح شيئا غير الرمل الفائض يصعد فوق جدار العمر/ ترى أين مشيت.. وكيف اواصل سيري.. وأنا غيري "
ننتقل إلى "ايقاع ثان" وفيه فضلا عن تغير أسلوبي بروز لتصويرية تبرز في كيان بناه الشاعر من مجموعة صور مجردة بينها تشخيص الفكرة. يورد ذلك في ايقاع واختلاف اوزان يقول "في ايقاع التأمل لست وحيدا.. معي وحدتي/ تجلس القرفصاء بزاوية في الضلوع/ لا تنام ولا تأكل/ لا تمل ولا تسأل/ وحدها منذ دهر تراقبني وانا غافل/ في أعالي التأمل تخرج مني/ وتجلس فوق اريكة حكمتها.."
وهنا مباشرة ينتقل الشاعر إلى ما يكاد يكون عمودية تقليدية وان قسمت اسطره تقسيما بدا جديدا لكن تقليدتها تبرز عند قراءتها. إنها خطابية منبرية مدوية وحكم نسجت على وقع دوي خطابي يحمل إلى الذهن صورة منبر وجمهور.
يقول "كن راحلا أبدا/ لا يستقر به حال/ ولا مكثت في عينه الصور/ وكن من الصوت ما فاقت منابعه/ كل البراكين لو في الان تنفجر/ وكن سؤالا مريبا خلف حيرته/ وكن زمانا بعيدا ليس يختصر/ وكن وحيدا بلا ماض/ تجد افقا من الرحابة في عينيك تشتجر/وكن.. وكن أنت ماذا ترتجي../ زبد هذي العناوين والاسماء والاطر."
ومن ثم انتقال مباشر إلى نمط آخر من نوع قصيدة النثر. الشاعر يقول مداورة ومباشرة ان أسلوبه هو مزج اساليب متعددة. الفكرة ليست سيئة مبدئيا ولا جديدة كليا فقد اعتمدها اخرون ايضا. إلا أن فيها ما قد يجده القارىء الناقد انتقالا مفتعلا من حال إلى حال بل أنها قد تشبه من يرتدي ربطة عنق فرنسية على "شروال عربي" او جلابية.
ننتقل معه هنا إلى حالة شعرية واضحة وانيقة إذ يقول " قلت ايتها المستريحة فوق اريكة حكمتها/ هذه قدمي ام حشود من الهم../ اغنيتي ام طريق العذاب إلى الروح../ صمتي ام الذئب..." ومن هنا إلى "نقلة نوعية اخرى" وفقا للتعبير الشائع. يقول "في أعالي التأمل ابحث عني/ وانا رهن شاكلة من مكاني/ صدأ في دمي/ صدأ في يدي/ صدأ في لساني..."
وتصل القصيدة الطويلة إلى موضوع العراق فيبدو كما يحن اليه في صورة ماضية وكأنه حرم من رؤيته أو كأنه ابعد عنه إلى المنفى.. ويعيد خلقه كما يود. وفيها يقول "رأيت ضلوعي قوسا فقوسا/ تحط على النافذة/ ورأيت العراق قريبا/ كأني اقول له كن كما اشتهي/ فيكون/ عراقا اذا صار ما بيننا سوء فهم/ ورحت على زعل/ يتوسل لي ان اعود/ عراق انا ملك فيه لا اتعثر أو انحني/ لا يشيب به الرأس/ لا تجهض امرأة/ لا يريب به عابر/ لا يجف على ضفتيه السؤال/ ..."
وتنتقل القصيدة الطويلة إلى عنوان هو "هامش" وفيه صورة للمفجع. يقول في عودة إلى نثرية فنية "لقد دمرت المدينة كقطع الخزف المهشم/ هدمت أسوارها وناح ناسها/ ناحوا عند البوابات العالية حيث كانوا يتنزهون/ وفي الشوارع حيث أقاموا الاعياد..."
في قصيدة "انشغال" القصيرة انتقال الى نمط آخر. يقول "في منتصف الفكرة/ لا أعرف كيف ومن أين اتى/ كانت كفاه طوال الساعة تلهث في وجهي/ والكلمات رذاذ يتطاير/ ثمة غيم يفصلني/ وحديث اخر/ باغتني وهو يهز يدي../ ما رأيك../ قلت له.. ما رأيك انت.."
في "ثمة عراقي يركض في قبره" تكثيف للالام العراقية يحملها أصحابها إلى اصقاع الارض. يقول "تحت كل نجمة/ ثمة عراقي يركض في قبره/ حاملا جحيمه الابدي/ وعلى كتفه عباءة التعب/ مثل درويش هائم في نقطة ضالة .../ مثل بحار يائس يبحث عن سفينة..."
ويختم القصيدة بقوله "مكتوفا ينظر الى الذهاب الكبير/ ذهاب كل شيء/ البلاد والطقوس والعائلة/ المدينة والذاكرة والاسماء/ المائدة والاحلام واشياء اخرى../ ثمة عراقي يفتش في نشرات الاخبار/ عن غده."