عالم الأدب

ردا على الناصري بشأن جريس سماوي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

ديوان "زلّة أخرى للحكمة" لا ينضوي تحت خانة بؤس الشِّعر

الشَّاعر العزيز الأستاذ نصيف النّاصري
تحيّة
قرأتُ لكَ الكثير من القصائد عبر الشبكة العنكبوتية، إستمتعتُ بما كتبته من وحي عوالم الشَّاعر الرّاحل جان دمّو، قصائد رائعة حقّاً، وأغلب ما قرأتُ لكَ كان جميلاً ومبدعاً!
تفاجأتُ الآن عندما قرأتُ هذه المساهمة في حلقات: (بؤس الشعر في مجموعات شعرية (2): جريس سماوي)، تفاجأت من الطريقة والأسلوب الذي قدَّمت مساهمتكَ عن ديوان: "زلّة أخرى للحكمة"، للشاعر الأردني جريس سماوي، كنتَ قاسياً على شخص سماوي، يا أيّها الشَّاعر الجميل، قاسياً جدّاً عندما نعت الشاعر بـ:"عتوي كبير"، أي قطٍّ كبير، هذا الوصف غير جائز في سياق تفنيد أو تحليل أو نقد أي نصّ، لأن النقد يجب أن يتركز على النص الشعري على نتاج الشاعر وليس على شخصه، وتوقّفتَ كثيراً عند منصبه كمدير مهرجان جرش، وكأنّ الشاعر عندما يكون في موقع مدير مهرجان أو وزير ثقافة تسقط عنه صفة الشاعرية والإبداع، وتأكيداً لهذا الأمر فقد كان الأديب المبدع غازي القصيبي سفير السعودية في لندن وهو من المبدعين الرَّائعين، وأنا أرى أنّه من الضروري جدّاً أن يعتلي الشاعر والقاص والروائي والفنان والمبدع مواقع الثقافة بكل تفرعاتها لأن المنبر الثقافي لا يُقاد بعمق إلا إذا قاده مبدعاً، وما يغيظني هو أنَّ أغلب منابرنا الثقافية في العالم العربي نادراً ما تجدها تركّز على المبدعين بقدر ما تركِّز على العلاقات والمحسوبيات إلى درجة أن حضراتهم لا يتوانوا دقيقة واحدة عن فصل المبدع الفلاني من عضوية اتحاد الكتاب العرب والمبدع الفلاني تُسحب الجنسية منه والخ من الممارسات التي لا يمكن أن تتم لو قاد المواقع الثقافية مبدعون حقيقيون، فلماذا يغيظكَ يا صديقي لو كان مدير مهرجان جرش شاعراً، حتى ولو كان شاعراً عادياً، إنه على الأقل أفضل من أن يسند هذا المنبر إلى أحد المتنفعين البعيدين عن عوالم الأدب والشعر والإبداع، لماذا يا صديقي لم تتوقّف عند الديوان وتدرس التجربة الشعرية كتجربة بعيداً عن منصب الشَّاعر، هل لو كان شاعراً ما ملكاً، جريمة؟ المبدع ممكن أن يكونَ خادماً، وزير دولة، سفيراً، وممكن أن يكون معارضاً لكل هذه المواقع، والوظيفة هي عبارة عن باب رزق ليس إلا، حنا مينة كان عتالاً في الميناء ومبدعاً واستلم أرقى المناصب لاحقاً، هل عندما أصبح مسؤولاً تزعزعت عوالمه الإبداعية؟! لهذا لا يجوز أن يخلط الناقد أي ناقد تحليله بموقع أو منصب أو عمل أي مبدع، وماذا تقصد عندما تقول: عدْ إلى صحرائكَ؟! هذه سخرية غير جائزة في تحليل نص أدبي، هنا يحضرني ردّ الشاعر عبد العزيز البابطين في سياق ردّه على أحد أسئلة أحمد علي الزين في برنامج روافد، عبر الفضائية العربية، عندما أشاد البابطين بالصحراء، مركِّزاً على حنينه للصحراء، لأنها تمنحه دفئاً ونقاءاً وتفتح فضاءات طيبة في خياله وعوالمه، أعجبني ردّ البابطين العفوي الجميل واعتزازه ببدويته وريفيته لأن الصحراء والبراري الفسيحة تمنح فعلاً نقاءاً وتفتح فضاءات رحبة أمام المبدع كائنا من كان، فلماذا نخجل من صحرائنا وبرارينا ونعيب مبدعينا لو أصبحوا في موقع ما، نحن إزاء نص وديوان شعر، علينا أن ندرس النص وقيمته الشعرية والفنية والإبداعية، لا أن نتهجم على الشاعر وننزع عنه صفة الشاعر مرةً ونصفه بالقط الكبير مرة أخرى، هذا لا يمت للنقد بصلة دقيقة حتى ولو كان جريس سماوي شاعراً هاوياً ومبتدئاً في كتابة الشعر، فكيف لو كان شاعراً شفافاً وجامحاً في بناء نصّه الشِّعري، صحيح أن جريس ليس من الشعراء العمالقة، لكنه شاعر له حضوره الطَّيب من خلال نصّه، ولماذا يغيظكَ ما كتبه النقّاد والشعراء؟ بإمكانكَ أن تردّ على الشّعراء والنقاد بهدوء وبموضوعية من خلال دراسة نقدية تحليليّة للنص لا من خلال ربط عوالم شعره بإدارة مهرجان جرش! هل لمجرد كونه مديراً لمهرجان جرش يخوِّلنا أن نطلقَ عليه قطّاً كبيراً؟! هذا الأسلوب غير جائز إطلاقاً، مع أنَّ الشاعر يبدو من خلال نصّه أنه يشتغل على القصيدة بأسلوب شفاف وبرومانسية طرية وعميقة وجيدة وليس مهمّاً أن يكتب نصّه بأسلوب تحبّه أنتَ أو يحبُّه سين أو صاد من القرّاء، فهناك من يحب ويستهوي هكذا نوع من القصائد، وهناك من لا يستهويه، والجميل في تجارب الشعراء أن المتلقي متنوع في استجاباته، لا أظن أن هناك شاعراً في الكون لا في الشرق ولا في الغرب، يحبُّه كل القراء، وكلما كان هناك جدلاً وإختلافاً عميقاً بين النقاد والشعراء حول شاعر ما، كان هذا الشاعر مهمّاً وإلا لما كان محطّ أنظار هذا أو ذاك!
قرأت الكثير من قصائد جريس سماوي من خلال الصحافة والشبكة الالكترونية، وقرأت الكثير مما كتب عنه في بعض الصحف والمجلات، ويستهويني فعلاً قراءة ديوانه: زلّة أخرى للحكمة، وعلى ضوء قراءتي المتأنّية ربّما أقدم إنطباعاتي ورؤاي حول مجوعته الشعرية إذا حرّضتني على الكتابة، وما يدفعني لقراءة ديوانه هو لغته الجميلة وصوره الجديدة، يبدو واضحاً أنّه يشتغل على قصيدته بهدوء عميق وإلا كيف انتظر عقدين من الزمن ثم أصدر ديوانه؟!
آمل يا صديقي، أن لا تخلط وجهات نظركَ وإنطباعاتكَ وتحليلاتكَ من خلال منصب الشاعر أو من خلال شخصه فالنقد أولاً وأخيراً يجب أن يكون متمحوراً حول النصّ وهذا ما لم ألمسه عبر الورقة التي قدَّمْتَها في مساهمتكَ في "بؤس الشعر في مجموعات شعرية" ومن الغريب بالأمر أن يدرج ديوان "زلّة أخرى للحكمة" في خانة البؤس، بؤس الشعر! فهناك عشرات، قلّ مئات الدواوين البائسة من حيث الشاعرية والشعرية الإبداعية، فلماذا سيتم إدراج نص جريس سماوي في خانة البؤس، لمجرد كونه مدير مهرجان جرش وإلا لماذا ركّزت على موقعه كمدير مهرجان أكثر مما تركّز على قصائده، والطريف بالأمر أن الشواهد التي قدَّمتها من شعره كانت جميلة، فكيف لو اِنتقيتَ الأجمل!
ختاماً، أنتَ قامة شعرية راقية يا أستاذ نصيف الناصري، وفعلاً أعجبتني تجربتكَ ونصوصكَ الرائعة عن عوالم جان دمّو وقصائد عديدة أخرى، فلا تتوقف عند قضايا شخصية، فهل من المعقول أنّه لا يوجد أية إيجابية في نص السَّماوي، إلى درجة أنّك نفيتَ عنه صفة الشَّاعر؟!
تمهَّل، كن هادئاً مثل نصوصكَ الرائعة، وأعطِ لكلِّ ذي حقٍّ حقّه، ولا تركِّز على الجوانب السلبية فقط ـ إنْ وُجِدَتْ ـ، ركّز على الإيجابي والسلبي ضمن سياق النقد التحليلي الموضوعي بحيث يستفيد المتلقي من عرض الملف الذي تقدِّمه، ولا أرى أن ديوان: "زلّة أخرى للحكمة" مناسباً لأن يُعرض في محاور : بؤس الشِّعر، بقدر ما هو مناسب أن يعرض في صفحة هادئة كي نستفيد من وجهات النظر في إطار التَّحليل والنقد الموضوعي الدَّقيق!

صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف