عالم الأدب

الرواية الاردنية بحثا عن الذات

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الساحة العربية باتت تلتفت الى تجربة الاردن الروائية.
الرواية الاردنية في تجريب حر لا يخضع للمقاييس المتوارثة.
والرقيب الذاتي أشد من رقيب الدولة.
وثمة حضور نسوي مميز.

سلوى اللوباني من القاهرة: تحتل الرواية الأردنية مكانة مميزة في المشهد الثقافي الاردني، فهي تعتبر الاقرب الى نبض المجتمع وتحولاته، كما شهدت حركة نشر واصدارات متنوعة ونقلة نوعية منذ السبعينات من خلال روايات غالب هلسا ومؤنس الرزاز وغيرهم، ومن قبلهم تيسير السبول، بالاضافة الى حراك روائي نسوي مميز، لذلك قامت ايلاف سميحة خريس استطلاع آراء بعض الشخصيات الأدبية الأردنية للتعرف على تجربة الاردن الروائية، ومدى تطورها، بالاضافة الى مكانتها في المشهد الروائي العربي، وماهية الممنوعات التي تحكم النص الروائي، وهم الروائية سميحة خريس، القاصة بسمة النسور، استاذ الادب الحديث ابراهيم خليل، والكاتب يحيى القيسي.

ما هو واقع الرواية الاردنية؟
الروائية سميحة خريس: انحاز إلى المرحلة الحالية التي تمر بها الرواية الأردنية، ليس لمجرد أني رقم فيها، ولكن لايماني بأن أكثر المراحل سطوعاً على عالم الرواية هي تلك التي تتعلق بالبحث الحقيقي عن الذات من جهة، وقراءة الواقع والماضي قراءة مغايرة لما هو متعارف عليه من جهة أخرى، إضافة إلى أن ولادة أحلام جديدة وموت أوهام قديمة، مثلت الكثير في وجداننا، كل ما ذكرته عناصر قادرة على إحياء رواية ذات تميز وحضور، وهذا هو حال الحراك الابداعي في مجال الرواية الأردنية، تقوم بالدور الذي يقتضي منها الامساك بالزمان وإعادة تحليله وقراءته ونسف المسلمات الرائجة، كما تذهب بعيداً في تجريب حر لا يخضع للمقاييس المتوارثة، وهذا ما يمكن اعتباره تطوراً ايجابياً وإن أخاف بعض التقليدين، وعلى كل هذه الأسس تحتل مكانة متقدمة في الرواية العربية.

الاستاذ ابراهيم خليل: الرواية الأردنية كغيرها من الفنون الأدبية، ما تزال في البدايات ولا نستطيع بعد موازنتها بالرواية في مصر إبراهيم خليل و سورية ولبنان والعراق، مع ذلك شهدت في السنوات الأخيرة خاصة شيئا من التطوير اللافت للانتباه، وهذا يبدو جلياً في روايات غالب هلسا، ومؤنس الرزاز، وليلى الأطرش، وتيسير سبول، وأمين شنار، وجمال ناجي، وسالم النحاس وغيرهم، ممن أسهموا ويسهمون في إغناء هذا الفن، ولا تفوتني الإشارة إلى كون الرواية الأردنية كانت السباقة في نشر مفاهيم الحداثة في الكتابة، بدليل الرواية التي كتبها تيسير سبول "أنت منذ اليوم"، وصدرت في العام 1968 التي رأى فيها بعض النقاد مظاهر لرواية ما بعد الحداثة.

القاصة بسمة النسور: يشهد المنجز الروائي الاردني تطوراً لافتاً، وتحضر عمان المدينه بقوة كفضاء لهذه الروايات التي تعكس تطور المدينه المتسارع، وتعقد ملامحها التي اخذت تتشابه مع العواصم الكبرى في الوطن العربي، وتمكن العديد من كتاب الرواية من التعبير عن نبض عمان وتشابك علاقاتها، وتنوع مستويات تناولها.

الكاتب يحيى القيسي: الرواية الأردنية كغيرها من مثيلاتها العربية، تطورت ونمت بعد منتصف القرن العشرين، ولكن تألقها بدا خلال الثمانيات وما بعدها، فروايات غالب هلسا ومؤنس الرزاز، ومن قبلهم تيسير سبول في روايته اليتيمة "أنت منذ اليوم"، جلبت انتباه القراء والمثقفين العرب لهذه الإبداعات، ولكن من الصعب في سطور قليلة اختصار واقع الرواية الاردنية، غير أن قراءة محايدة للمشهد الروائي في الأردن اليوم، تدل على تجارب متميزة لكاتبات وكتاب نشرت أعمالهم محلياً وعربياً، وترجمت بعض رواياتهم إلى لغات عالمية، كما نالوا العديد من الجوائز عن هذه الروايات، وبالتالي يمكن القول بكل تفاؤل أن المشهد الروائي عندنا يقف بشكل ندي مع بقية المشاهد الروائية العربية، وربما يتميز عنها بتلك الجرأة في التجريب وطرق أساليب جديدة.

هل الرواية الاردنية قريبة من واقع المجتمع الاردني وقادرة على التعبير عن احتياجاته؟
سميحة خريس: لزمن غير يسير ظل الأدب الأردني كله يلعب خارج الساحة الأردنية، ربما لأننا معنيون أكثر من سوانا بالجرح الفلسطيني، ربما لأننا لم نتفق على معنى الانتماء ووجهته، ولكن الوقت الحالي حمل توجهاً قوياً وصريحاً باتجاه هز واقع المجتمع الأردني، والغوص في خفاياه والافصاح عن خصوصيته، دون أن يعني هذا بتر المنطقة والانسان عن انتماءه الأوسع والأرحب، ولكني لا أعرف كم يستطيع الروائي أن يكون مستجيباً لاحتياجات مجتمعه، لأن الأصل أن يكون الفن محلقاً ومتجاوزاً للاحتياجات، وقد يبدو لوهلة معارضاً لمجتمعه وإن كان الرافعة الخفية لتقدم المجتمع وتغيره.

ابراهيم خليل: من طبيعة الرواية أنها فنّ مديني، أي أنه يزدهر في البلدان ذات المدن الكبرى مثل القاهرة، وبغداد وبيروت، وفي الأردن مجتمع شبه مديني لأن البوادي والأرياف تظفر بنصيب الأسد من اهتمامات الناس، والمدينة الكبيرة الوحيدة هي عمان التي تعملقت حديثاً، وقبل نيف وثلاثين عاما لم تكن أكبر من بلدة، لذا نجد الرواية في الأردن غير يحيى القيسي ادرة على تصوير الحياة تصويراً تسلط فيه الأضواء على الواقع المحلي، أما الكتاب الأردنيون الذين عاشوا في الخارج مثل غالب هلسا، ومؤنس الرزاز، وليلى الأطرش وآخرين، فنجد أعمالهم تصور الحياة في البيئات العربية مثل مصر ولبنان وسورية والعراق.

يحيى القيسي: ليس المطلوب من الرواية أن تكون لسان حال للمجتمع الأردني حتى تصبح قريبة منه، ولا هي محامي الدفاع عنه، إن الرواية عموماً تطرح أسئلة نابعة بالتالي من الحياة المحيطة أو المتخيلة لأفرادها، وكلما كان الروائي قريباً من ذاته، وصادقاً في تجربته فإنه يبدو أكثر قرباً من التعبير غير المباشر والفج عن واقع مجتمعه وهواجسه.


ما مكانة الرواية الاردنية في المشهد الروائي العربي؟ وهل تحمل رؤية للعالم من حولها؟
سميحة خريس: لا أحب كثرة التباكي على تجاهل الاخرين لابداعنا، لأن الواقع يقول إن أي تقصير إنما له عدة أسباب، ولا يمكن أن نسوق اتهامات ننال فيها من ثقتنا بالرواية الأردنية، وللحق أقول أن الساحة العربية باتت تلتفت إلى التجربة الأردنية وتقيمها، وليس هذا أمر حديث، إنه يرتبط بالجودة، مثال العمل الوحيد لتيسير سبول الذي عده كبار المبدعين في مصر فاتحة الرواية الحديثة، كما أن الجسور الاعلامية حين تفتح أمامنا يمكننا أن نتكفل باقناع العالم العربي والغربي برواية أردنية متقدمة، لأن هذه الرواية أساساً لا تنغلق على نفسها وتحمل رؤيا للعالم بلا شك، بل إنها تنظر نحوه حتى وهي تعالج القضايا المحلية.

ابراهيم خليل: ليس ثمة عمل أدبي لا يحمل رؤية فنية للآخر عربياً أو غير عربي، وأودّ هنا أن أشير إلى روايات غالب هلسا، ومنها البكاء على الأطلال، وثلاثة وجوه لبغداد، والضحك والخماسين، وغيرها تتحدث عن شخصيات بغدادية ومصرية ودمشقية، فضلا عن الشخصيات الأردنية، وفي روايات مؤنس الرزاز ثمة شخصيات سورية ولبنانية وعراقية وفلسطينية، ومن الملحوظ أن الروايات الأردنية تكاد تنماز بهذه الظاهرة المشتركة وهي تقديم الآخر، فروايات ليلى الأطرش مثلاً تدور معظم حوادثها في الخليج، ولديها شخصيات عراقية مثل "سلاف" في رواية مرافىء الوهم، وبعض روايات إبراهيم نصرالله، كذلك رواية تيسير سبول يقع قسم من حوادثها في دمشق، أما روايات مؤنس ومنها "أحياء في البحر الميت"، فقد صرفت جلّ اهتمامها لرؤية الآخر العربي.

بسمة النسور: كتاب الرواية الاردنيون حققوا مكانة متميزة في المشهد الروائي العربي، نتذكر باستمرار فقيدنا الحاضر في البال مؤنس الرزاز، الذي كان الاسبق في مجال بسمة النسور لانتشار عربياً من خلال مشروعه الروائي ببعديه العربي والاردني، ونشير الى تجارب الياس فركوح، وهاشم غرابية، وجمال ناجي، وزياد قاسم، وابراهيم نصر لله، وغيرهم.

يحيى القيسي: أشرت بداية إلى اهتمام عربي غير مسبوق بالرواية الأردنية، فثمة نقاد عرب بدأوا ينتبهون لكتابات روائيينا، ويقدمونهم لقرائهم، وأعتقد أن السبب في ذلك نضج الكتابات الروائية الأردنية، وقدرتها على التفاعل مع محيطها العربي وفرض نفسها بقوة، أما رؤيتها للعالم فأعتقد أن لكل كاتب حقيقي رؤيته الخاصة به للعالم من حوله، وطرائقه الكتابية للتعبير عن ذلك، والروائيون الأردنيون هم أيضا من هذا النسيج.

هل هناك حضور نسوي روائي؟
سميحة خريس: لا ينفصل الحضور النسوي عن الابداع العام، ولكن التجارب النسوية التي تتقدم باصرار تعكس وعياً وتميزاً، بالطبع هناك هواة، كما عند الكتاب الرجال، ولكن وجود عدد من الروائيات الجيدات، يعني أن الحراك النسوي الروائي الأردني متقدم قياساً بأعداد المبدعات العربيات.

ابراهيم خليل: ثمة حضور نسوي في الرواية الأردنية، لكن هذا الحضور في القصة القصيرة أوضح منه في الرواية، فعلى سبيل المثال صدرت للكاتبة ليلى الأطرش خمس روايات هي وتشرق غربا، امرأة للفصول الخمسة، ليلتان وظل امرأة، صهيل المسافات، ومرافىء الوهم، وباستثناء صهيل المسافات نجد الروايات الأخر تندمج فيما يعرف بالخطاب النسوي، أما صهيل المسافات فهي رواية كتبتها المؤلفة متحرّرة من نون النسوة، وهي لذلك أقرب إلى نفي التفرقة بين أدب يكتبه الرجل وآخر تكتبه المرأة، وهناك محاولات أقلّ نضجاً وتكاملاً لرفقة دودين، وسميحة خريس، لكن الإعلام المقروء، للأسف يعطي القارىء صورة مشوهة، لذلك فتبدو بعض الكاتبات أكثر وقوعاً تحت الضوء من غيرهن.

بسمة النسور: أثبتت الكاتبة الاردنية حضوراً متميزاً في حقل الرواية، لا سيما تجربة الروائية الاردنية الراحلة "زهرة عمر" في روايتيها، الخروج من سوسروقة، ورواية سوسروقة خلف الضباب، والتي تعد بحق علامة فارقة في تاريخ الرواية الاردنية، بالاضافة الى سميحة خريس، ليلى الاطرش، غصون رحال، فيروز التميمي وغيرهن.

يحيى القيسي: الحضور الروائي النسوي في الأردن مفرح، وهو حضور فاعل ومتميز وناضج، وأود أن أشير إلى روايات سميحة خريس، رفقة دودين، وغصون رحال، ومن التجارب الشابة نوال العلي، لأدلل على كتابات روائية لها تميزها في الشكل والمضمون وقدرتها على التجديد.

ما هي الممنوعات التي تحكم النص الروائي الاردني؟
سميحة خريس: إنها الممنوعات العربية الشهيرة، الثالوث الخطير، السياسة والجنس والدين، ولا أظن أن النص الروائي الأردني يعاني من وطأة هذا الثالوث أكثر من سواه على الساحات العربية، فالأحوال واحدة، ولكن الأمر الأخطر حقاً هو ذلك الرقيب الذي لا نشعر بوجوده داخلنا، إنه شبكة علاقاتنا ومفاهيمنا الذاتية، إنه أنفسنا.

ابراهيم خليل: الممنوعات التي تتحكم بالرواية الأردنية هي التي تتحكم بغيرها من الفنون الأدبية في الأردن وغير الأردن، فالكاتب أو الكاتبة، ينبغي أن يتحاشى مسائل ثلاث أصبحت تعرف بالخطوط الحمْر، وهي الجنس المكشوف المباشر، فلو أن كاتباً كتب رواية مثل رواية علاء الإسواني "عمارة يعقوبيان"، لقامتْ الدنيا في وجهه ولم تقعدْ، والأمر الثاني المساس بالدين والمقدسات، وقد حظرت بسبب ذلك روايات غالب هلسا مدة ليست بالقصيرة، وأخيراً المسّ بالنظام السياسي .. وفيما عدا ذلك لا توجد ثمة ممنوعات.

بسمة النسور: ممنوعات النص الروائي الاردني لاتختلف عن ممنوعات النصوص في كل العالم العربي، التابوهات التقليدية، ذاتها الدين الجنس والسياسة.

يحيى القيسي: هي نفسها الممنوعات التي تحكم أي نص عربي آخر، ولو بدرجات متفاوتة، أقصد التابو الثلاثي السياسة والجنس والدين، ولكن لكل كاتب محدداته الخاصة به، وأنا أرى أن بعض الكتاب عندنا يضعون لنفسهم رقيباً ذاتياً صارماً، هو أشد من رقيب الدولة أو جهاز المطبوعات والنشر، وأعتقد أن على الكاتب أن يكتب أفضل ما لديه، وأكثر ما يعتقده من جرأة يتحمل التنظير لها والمسؤولية في طرحها، ولا يضع لنفسه أية ممنوعات مسبقة، فيقمع نصه ويخرج بالتالي نصاً مطمئناً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.


salwalubani@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف