الهوية الفلسطينية يعّرفها الإسرائيليون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أسامة العيسة من القدس: يكتسب عالم الاجتماع والانثربولوجيا الإسرائيلي باروخ كملرنغ، شهرة عالمية، ولكن كثيرين من قرائه سيزداد إعجابهم به إذا عرفوا تفاصيل مهمة عن حياته، والجهد الذي بذله ويبذله ليحافظ على مستواه العلمي والأكاديمي، ولن يستطيع تقدير ذلك بدقة إلا طلبته في الجامعة العبرية بالقدس، الذين يستمعون بشغف
وينظر لكملرنغ الان كأحد ابرز (السوسيولوجيين الجدد) في إسرائيل لدراساته وأبحاثه في قضايا الصراع العربي-الإسرائيلي والمجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي وسوسيولوجيا الحروب. ويمكن أن تثير طريقة كملرنغ في العمل الفضول، وتكون مثالا على قصة نجاح استثنائية إلى حد كبير، ولكن الأهم هو ما قدمه للمكتبة العالمية في مجاله، ومن كتبه الشهيرة (الفلسطينيون: صيرورة شعب)، الذي وضعه بالاشتراك مع البروفيسور يوئيل شموئيل مغدال، رئيس كاتدرائية الدراسات الدولية في مدرسة هنري جاكسون بجامعة واشنطن في ولاية سياتل الأميركية، والمتخصص بأبحاث حول ثورات الفلاحين، ونشوء الدول وتكون المجتمعات خارج إطار الدولة في العالم الثالث بشكل عام، وفي السياسة الفلسطينية بشكل خاص.
وصدر الكتاب أولا باللغة الإنجليزية في عام 1993، بطبعتين الأولى عن دار (فري بريس) والثانية عن جامعة هارفارد، وصدر لاحقا في عام 1999 بطبعة شعبية عبرية، أضاف لها المؤلفان فصلا خاصا عن فترة ما بعد اتفاق أوسلو، وحظيت باهتمام كبير، ورغم أن نشر الكتاب باللغة العربية تأخر حتى عام 2001، فان المهتمين العرب بالموضوع اكثر حظا من القراء باللغتين العبرية والإنجليزية، لان المؤلفين أضافا للكتاب فصولا عن تجربة السلطة الفلسطينية والأشهر الأولى من انتفاضة الأقصى، وأضافا لفصلهما عن العرب مواطني إسرائيل، وكتبا مقدمة ضافية خاصة للطبعة العربية.
ويحاول الكتاب، الذي ترجمه للعربية الشاعر الفلسطيني الراحل محمد حمزة غنايم، تقديم رؤية مختلفة عن تكون الشعب الفلسطيني والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني المحتدم "كما لم تسرد من قبل"حسب تعبيرهما، وجاء الكتاب اكثر نفاذا وعمقا بما لا يقاس مما كتب ويكتب عن نفس الموضوع فلسطينيا وعربيا واستشراقيا، وساعد الاثنان في ذلك إلمامهما المدهش بالتفاصيل ووضعها ضمن سياق شمولي علمي. وحرص المؤلفان في مقدمة الطبعة العربية من الكتاب إلى إيراد ملاحظة "مهم لنا أن نشير إلى انه رغم كون الكتاب مكتوبا على يد باحثين يهود (واحد إسرائيلي واخر أميركي)، فهو ليس تاريخا يكتبه المنتصرون، أو تاريخا مجندا لصالح طرف معين، ورغم ذلك اهتمامه العميق بتاريخ الشعب (الآخر) بالنسبة لنا، فالكتاب مكتوب بأدوات عالمي اجتماع مؤمنين بقدرتهما على الكتابة بدافع من التعاطف من جهة، ومن خلال موضوعية وابتعاد مطلوبين في مجال الاشتغال المهني، من جهة آخر".
ولا يبحث المؤلفان في مسائل الحق والعادلة إطلاقا، وقالا انهما لا يزعمان القدرة على الفصل بين كل عدل وعدل، أو كل حق وحق، بل انهما لا يعتقدان أن أحكاما كهذه من اختصاصهما، أو أنها واقعة في مجال خبرتيهما.
وينطلق المؤلفان في بحثهما لتتبع بلورة هوية فلسطينية، من التمرد الفلسطيني الكبر عام 1934 ضد قوات إبراهيم باشا، ابن والي مصر الطموح محمد علي باشا، في مغامرته الكبرى في بلاد الشام والتي استمرت عشر سنوات، إلى الثورة الفلسطينية الكبرى ضد الانتداب البريطاني والعصابات الصهيونية في الأعوام 1936-1939 إلى الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت عام 1987.
ويريان أن ما يسميانه تمردا ضد عنصر خارجي، دل على وجود نواة صلبة، سوف تتشكل حولها مستقبلا هوية إقليمية اجتماعية وسياسية مشتركة ومتميزة ويضيفان "جاء هذا العنصر الخارجي على هيئة الاحتلال المصري للإقليم، وهو تمرد انتهى بالقمع الشديد".
ويفترضان بان "القوتين الخارجيتين الأساسيتين اللتين لعبنا دورا شبه حاسم في صياغة الحكاية والهوية الجماعية والقومية الفلسطينية كانت سنوات الحكم البريطاني الكولونيالي الثلاثين على البلاد، ولقاء الفلسطينيين بمجتمع المهاجرين-المستوطنين اليهود، والصهيونية، وفيما بعد الدولة اليهودية بقوتها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب ذلك، فان ذلك لا يعني بالضرورة أن الفلسطينيين كانوا ضحايا سلبية لقوى خارجية، أدت، نتيجة ذلك، إلى سلبهم أية سلطة على تطورهم ومصيرهم، كان بمقدور الفلسطينيين أن يبلوروا إلى حد كبير جزءا على الأقل من المتغيرات التي حدثت في داخلهم، وصياغة مصيرهم وفقا لردود فعلهم ومفاهيمهم المتغيرة".
وفي روايتهما للقصة الفلسطينية، يظهر لاعبون كثر، ويجد أعيان وفلاحون أنفسهم أمام أدوار وأقدار، وتبرز طبقات وتختفي أخرى، وتلعب بعض المدن ادوارا محورية، في أوقات معينة، تتضاءل في أزمان أخرى، وحال تبدل المدن والأشخاص والطبقات، الأفكار والشعارات وتعريفات الهوية.
ولا يقصران روايتهما، كما في معظم الأبحاث الفلسطينية والعربية، على قصة عائلات وحمائل الوجهاء التي تقدم باعتبارها القصة الفلسطينية الكاملة والوحيدة، وفي الوقت ذاته يعتقدان بأنهما لم يقدما الرواية الكاملة.
يقول المؤلفان عن كتابهما بأنه "يتمحور حول الوصف والتحليل البانورامي، الاجتماعي والثقافي، لعمليات تبلور الشعب الفلسطيني، وهو وصف يرد _في حدود علمنا_ لاول مرة بشكله الحالي، ليس أمام القارئ العربي، فحسب، بل لاول مرة أمام أي قارئ كان، ذلك أن إحدى الظواهر المهمة انه على رغم الكم الهائل من النصوص والمؤلفات والمقالات في المواضيع الفلسطينية، وفي قضية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لم تبذل حتى الان أية محاولة لسرد الحكاية الفلسطينية بكاملها، كوحدة متكاملة، وبصورة مدمجة ومنهجية".
ويريان انهما لم يقدما سوى أهم تفاصيل الرواية "فالهستوريوغرافيا (الجغراتاريخي) الفلسطينية الكاملة ما زالت بانتظار مؤرخيها، وأبحاثهم العميقة التي لا بد أن تكون ثمرة لجهود وسنوات متواصلة من البحث والدراسة، وهي ما زالت بانتظار المؤرخين الذين سيهبون ذات يوم لإحداث (إصلاحات) في تاريخهم، كما سيكتبونه بأنفسهم، وكما سيكتبه مؤرخون آخرون، فاصلين بين الذاكرة الجماعية والهستوريوغرافيا، وهما مجالان ما زالا متداخلين حتى يومنا هذا الى حد استحالة الفصل بينهما".
ويربط المؤلفان بين الهوية الفلسطينية وتكونها والهوية اليهودية الإسرائيلية، وكان كل واحدة بحاجة للأخرى من اجل تعريفها.
وفي ختام كتابهما يقولان "انتهت ولم تكتمل الحكاية الفلسطينية التي هي أيضا جزء من الحكاية اليهودية، التي هي جزء من حكاية العرب الكبرى".