عالم الأدب

رحيل شيخ المترجمين الايرانيين به آذين

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

فقدت الساحة الثقافية في ايران، يوم أمس الأول، واحدا من أبرز مترجميها وأكثرهم عطاء، محمود اعتماد زاده الملقب ب (م.الف.به آذين). ولد اعتماد زادة في مدينة رشت شماليايران عام 1904، وانتقل في عشرينات القرن الماضي مع عائلته الى مدينة مشهد ثم الى طهران حيث واصل فيها دراسته الأكاديمية، سافر الى فرنسا عام1931 ضمن بعثة دراسية حكومية، وأقام هناك ست سنوات، درس فيها الهندسة والرياضيات، و حصل على شهادة تخرج من كلية الهندسة البحرية Berest
نقل به آذين الى الفارسية العشرات من روائع الأدب العالمي في فن الرواية والمسرح، ربما كان أهمها رواية"جان كريستوف" لرومان رولانو، "الدون الهادئ"لشوليخوف و"عطيل" لشكسبير وروايتي "الأب غوريو" و"جلد الحبب" لبلزاك و"الإستثناء والمسرح" لبريخت. ويتفق النقاد الايرانيون على إسهامه الكبير ، في تطوير النثر الفارسي، والتأسيس للمحطة الاولى للرواية الايرانية، من خلال الترجمة والتأليف.
وقـّع محمود اعتماد زاده على مؤلفاته الأدبية باسم مستعار، نظرا لرتبته كضابط في القوة البحرية الايرانية والقيود التي تفرضها المؤسسة العسكرية على المنتسبين إليها بما في ذلك منع الخوض في عالمي السياسة والأدب، وهما المجالان اللذان حاول به آذين طوال حياته أن يكوّن لنفسه إسما لامعا ومؤثرا فيهما، شخصية سياسية يسارية آمنت بالفكر الماركسي حتى آخر لحظة من لحظات حياتها، ومترجم بارع وروائي كبير.
وبه آذين هو أخر جريح حربي ايراني من جرحى الحرب العالمية الثانية، فقد ذراعه اليسرى في قصف الحلفاء لميناء أنزلي.ونقله أصدقاؤه سرا الى العاصمة طهران تحسبا لاحتمال وقوعه في قبضة قوات الجيش الأحمر كأسير حربي، ولكنه وقع طوال حياته أسيرا وعاشقا في آن لايديولوجيا الجيش الأحمر، غير آبه ولا معترف بالانتكاسات التي تعرضت لها الحركات الشيوعية سواء في ايران أو العالم، ، ولم تتزعزع قناعاته الأديولوجية، واخلاصه للحزب الشيوعي "توده" منذ لقائه بالمؤسس نور الدين
كيانوري ببرلين في نهايات النصف الأول من القرن الماضي، وقد دفع ثمن تمسكه الاديولوجي غاليا، حينما نفق سنوات عديدة من حياته سجينا خلف القضبان سواء في سجون الشاه أو معتقلات الثورة (قضى عقده السابع من العمر والنصف الأول من عقده الثامن سجينا في سجون الثورة الايرانية على خلفية محاكمة حزب تودة واعتقال وإعدام بعض قياداته).
وعلى مدار العديد من نشاطاته الثقافية كمحرر لمجلة "كتاب الاسبوع"الشهيرة وتأسيس رابطة الكتاب الايرانيين(1967 بالشتراك مع الروائي والقاص الايراني الشهير جلال آل أحمد)، وتنظيم تظاهرة حوار الشعر الألماني الايراني "أكبر تظاهرة ثقافية شهدتها ايران في عام 1976 "، شدد به آذين على وفائه بالعهد مع الفكر الماركسي، مما أثارسجالا حادا في أوساط النخب الثقافية الايرانية، وقد اعتبرته حجارة عثار كبيرة تحول دون تدشين مرحلة غير أديولوجية في الثقافة الايرانية.

وقد حاول به آذين في سنواته الأخيرة الحصول على مجوز لنشر الجزء الثالث من سيرة حياته السياسية المعنونة "من كل باب..."، لكنه اصطدم على الدوام بأبواب مغلقة، ولم يعر أدنى إهتمام لمنتقديه الذين طالبوه بالكشف عن جوانب من سيرته الثقافية، وربما كان ينطلق في عدم رده على منتقديه من قناعته التامة بأولوية مراجعة تقييم مرحلة سياسية شهدت أعلى درجات التوتر والصدام بين تيارات سياسية وفكرية مختلفة.
أما إهتمامه الكبير بالعرفان المعنوي، كوسيلة وملاذ للتطهر من العنف الثوري الذي طبع الحياة السياسية والثقافية الايرانية في القرن العشرين، فقد اقتصر على نطاق شخصي. وفي ذلك يشترك م.به آذين مع مفكرين عالميين غيره، ساهموا في ترسيخ العنف الثوري، لكنهم لجأوا في السنوات الأخيرة من حياتهم الى ضروب شتى من الفكر والممارسة الصوفية دون أن يقدموا أي إعتذار لخصومهم، خشية علامة سؤال تطرأ على مجمل مشروعهم الفكري، أو تجنبا "لسوء فهم " يرى في أعتذارهم دليلا على ضرورة مراجعة منجزهم الثقافي من منظور غير مؤدلج.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف