عالم الأدب

جديد دنى غالي: عندما تستيقظ الرائحة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عن دار المدى صدر للكاتبة العراقية المقيمة في الدنيمارك دنى غالي رواية جديدة بعنوان "عندما تستيقظ الرائحة". وهذه الرواية هي الرواية الثالثة لـ (دنى غالي) بعد رواية "حرب نامة" و التي صدرت في عام 1998 و "النقطة الأبعد" 2000. وهاتان الروايتان صدرتا أيضا عن دار المدى، كما صدر للكاتبة أيضا مجموعة قصص و نصوص نثرية ذات لغة شعرية مكثفة و باللغتين العربية و الدنيماركية في إصدار واحد معا و عن دار (ساملرن ) الدنماركية للنشر في عام 2004، و لها أيضا صدرت في العام 2005 ( قصص وحكايات خرافية لهانس كرستيان أندرسن ) الكاتب الدنيماركي الشهير الذي عرفه القارئ العربي جيدا من خلال العديد من القصص و خصوصا قصته الشهيرة ذات الدلالة "ملابس الإمبراطور". وتُنشر باستمرار للكاتبة دنى غالي نصوص شعرية اختطت بها طريقها الخاص.
ولدت الكاتبة في مدينة البصرة بالعراق، و تقيم منذ سنوات في العاصمة الدنيماركية كوبنهاكن، و تعكس في اغلب قصصها و رواياتها ما جرى في البصرة وما شاهدته هذه المدينة العريقة في تاريخها المتأخر و خصوصا في فترة الحرب مع إيران والقصف المستمر لها مصائر الناس الذين عاشوا والذين آلت مصائر بعضهم الى العيش في الغربة هربا من الظروف الشاقة والمأساوية التي عاشتها وتعيشها هذه المدينة التي كانت الميناء العراقي الوحيد، والتي كان أهلوها يتميزون بخصال مميزة، دائما ما يشار إليها من قبل العراقيين و غيرهم: المرح والمزاج المتفائل والكرم والتسامح.
موضوع الرواية يمتاز بفرادة و تحدٍ في وقت واحد. فمصائر أبطال الرواية، عراقيين و بصريين على الأخص، و حياتهم تنعكس و تروى من قبل محللة نفسية دنيماركية، وهذه المهنة عمل معروف على نطاق واسع في بلدان أوربا، و مهمة هذا النوع من العمل هو معالجة المشاكل الاجتماعية التي تواجهها العائلات و الأفراد الذين يتعرضون لمشاكل اجتماعية و عدم أو ضعف القدرة على التكيف و خصوصا الأجانب النازحين و اللاجئين المقيمين في هذه الدول و تسهيل اندماجهم و تطبيع سلوكهم.
و يكمن التحدي في أن الروائية دنى غالي باختيارها هذا التناول الفريد، أي سرد و تحليل حياة العديد من العراقيين المقيمين في الدنمارك من وجهة نظر امرأة هي :
أولا : دنيماركية و ليست عربية أو شرقية ما ألزم الكاتبة أن تكون مدركة، للفارق في الذهنية، بين طرق نظرتنا لأنفسنا و طريقة نظر الآخرين و خصوصا الأوربيين إلينا، أي أنه كان على الكاتبة أن تتخلى عن طريقتها في رؤية نفسها و رؤيتها لمواطنيها و أبطال روايتها و تتقمص الطريقة التي ينظر إلينا بها الأوربي مع كل الفوارق الذهنية و الاجتماعية المفترضة.
ثانيا : إن هذه السيدة هي محللة نفسية متخصصة و ذات تأهيل خاص و تحتاج إلى لغة مهنية، ما يفرض على الكاتبة تحديا ليس بالسهل يتطلب معرفة لطرق رؤية المتخصص و وسائل تعبيره و مجموعة المعلومات الاجتماعية و النفسية التي يفترض توفرها لديه، بل وحتى طرق التعبير الخاصة. و كما إن وصف الشخصيات مستل من وثائق الباحثة الاجتماعية و أشرطة التسجيل التي تستعملها من أجل التوثيق ما يلزمها، كما يفترض، الاختصار و واقعية السر و استعمال التعبير المهني و الفني الدقيق.
و ليس ضمن مهامنا أن نكتشف فيما إذا كانت الروائية قد استفادت، ربما، من قيامها بالترجمة لبعض الحالات لمعرفة الأجواء و مسار الإجراءات المتبعة و اللغة المهنية الضرورية لأن ما يهمنا هو الناتج النهائي.
يجتاز الكتاب الأوربيون مثل هذه التحديات بوجود فريق عمل يتضمن مستشاريهم الخاصين في الشؤون الفنية و القانونية و الإدارية و في كافة الاختصاصات و لا أعتقد إن مثل هذه الإمكانية كانت متاحة للكاتبة لأسباب كثيرة ليس أقلها أن الكتاب لا يحققون مردودا ماليا كبيرا من الكتابة يسمح بمثل هذا الترتيب. ولكي نسوق مثالا على وضع الكاتب الأوربي و طريقة تصديه لهذه المشكلة، نأخذ، مثالا، الكاتب البريطاني الراحل آرثر هيلي الذي رحل قبل فترة قصيرة في جزر البهاما عن عمر ناهز 84 والذي كتب روايات مشهورة عالميا، أسماها " الفندق " و أخرى " المستشفى ". و قد أدهش هيلي الناس بمعلوماته التفصيلية حتى عن صواميل المصعد و أجزائه الصغيرة حين تحدث عن حادث سقوطه في الفندق. كما تحدث في مكان آخر عن المطبخ و أنواع الزيت و قدرتها على تحمل الحرارة و التحولات الكيميائية التي يتعرض لها بلغة طباخ عالي التأهيل و عن الجوانب إضافة إلى حديثة عن الجوانب الإجرائية و القانونية للحوادث التي تواجهها إدارات الفنادق، و كان الفصل الخاص الذي تحدث فيه بالتفصيل عن قمامة الفندق و كيفية تصنيفها و استخراج المفقودات منها..الخ فيه الكثير من الحرفية و المتعة.
حققت روايات هيلي أعلى المبيعات وبلغ توزيعها حوالي 200 مليون نسخة، و المهم بالنسبة لنا إنه اعتمد في نجاحه كليا على تفاصيل تقنية مدهشة وحوادث تجعل القارئ يشعر كما لو أنه يشاهد فلما. كما أن هذا الطراز الفريد من الرواية يعطي القارئ كمية كبيرة من المعلومات الطريفة الموسوعية بأسلوب روائي مشوق.
و كانت الكاتبة قد ألزمت نفسها بالتوفيق بين لغتها و لغة أبطالها الشعرية التي تعكس طرق التعبير الشرقي و البصري العاطفي الدافئ من جهة و بين اللغة المهنية لامرأة هي أولا دينماركية و ثانيا باحثة اجتماعية ذات تأهيل علمي، و هذه لا شك مفارقة و تحد تقني مهم.
أبطال الرواية الرئيسيون : مروى البصري و هي رسامة ونهلة صباح والتي غيرت اسمها عند إقامتها في الدنيمارك الى هيلينا سابا و رضا المولاني زوج الأخيرة والذي انفصل عنها مؤخرا كانوا يعرفون بعضهم في البصرة قبل هجرتهم إلى الدنيمارك و يشتركون بتعرضهم لحوادث تعرضت لها البصرة كما تعرضوا لها بشكل مشترك أحيانا : فقدان أعزة بسبب الحرب أو الأعدام لأسباب سياسية أو تسفير بعض أصدقائهم و أعزتهم بسبب ما يدعى من أصولهم غير العراقية و قصف مدفعي اثناء الحرب العراقية الإيرانية طال أناسا أبرياء..الخ. هذه الحوادث ألقت بظلها على حياتهم الجديدة في المهجر. فرضا المولاني غير قادر على الاندماج في المجتمع الجديد و راغب في العودة الى العراق في حين كانت زوجته و طليقته لاحقا نهلة قد اندمجت بالمجتمع الجديد الى الحد الذي ترغب فيه بنسيان الماضي تماما الى الحد الذي تغيير فيه اسمها إلى هيلينا سابا، و مروى البصري التي يسرقها الماضي منتزعا ايها من وجودها في المهجر و من انغمارها بفنها الى ذكريات تلقي بظلها، بأفراحها و أتراحها، على حياتها الحالية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف