عالم الأدب

مشاغل في غرفة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إلى عبد القادر الجنابي

1
"مواطن ينتمي للعالم ككل": هذا ما أحلمُ: أفكّر فيه بعظامي: يسكنني كألم ضرس.

2
"حضور الجمال" تنتمي للبصر الغُفل. ذينك الكلمتان، هُرْطقتا إذ تجاورتا. لو مرت العبارة على نور البصيرة، لكان يتوجّب القول: إن الجمال الحقيقي، السامي رغم عرضيّته، لا يكون، لا يسكن، لا ينمو ويبده ويعصف، إلا في "الغياب".

3
الحياةُ مرضاً
عرَضاً. ومع ذلك، ما أكثر ما تؤسطرها الأديان. جذر كل هذا، مبتداه ومنتهاه هو كلمة واحدة: نرجسية مَن كتبوها: نرجسية مُستهلكيها.

4
ريلكه، بينهم كلّهم: الأسمى. بيسوا غير شكل: الأعمق والأخصب.

5
وراء كل فرْج، ما وراء كل حياة مُكثّفاً: الخذلان.

6
"جوهر الفن: الشِعر، وجوهر الشعر: إقامة الحقيقة". داروين أميراً للشعراء؟ لمَ لا لمَ لا حقاً؟

7
التحديق في عين الشمس: عمى جزئي، ماذا عن التحديق في عين الزمن؟

8
أتأسّى، كواقعي له بعض الحكمة، بتعداد خساراتي. كحالم؟ بانتصاراتي ما بعد الموت.

9
له المجد في عُلاه، كم أخطأ في تنفيذ تصوّراته عن الفرج الأنثوي. كلها شعر ما عدا تلك المنطقة. أليذكّرنا بأصل الخليقة، جاءَ به على هذا القبيل؟ - دكتور نساء وتوليد، يهدم مدرسة أدبية: يطيح بقرون من إرث الرومنطيق.

10
قنطرة. ليعبر المرئيُّ إلى المرئيّ. كل القناطر الموضوعة لكي تأخذ المرئيّ إلى غير المرئيّ، أطاحها التاريخ.

11
درويش والشعر. لسانٌ في مهبل.


12
التفاصيل؟ لا ريب: زبّد الذاكرة.

13
ما توضأ له أحدٌ إلا ألّبني الماءُ عليهما. لمَ رهابُ النظافة الفيزيقي هذا؟ وماذا عن دخيلة الروح؟

14
انحراف في كمال الشفتيْن، وأحياناً مكياج قروية في باريس. الضحك.

15
ما من أورغازم، إلا وأجراسه تقرع في دمي: تحت ضرسي الأخير. حتى لو حدثت الواقعةُ على جسر معلّق في شنغهاي، وسطَ حقولٍ في بوليفيا أو جوفَ سجنٍ في ستراسبرغ.

16
ألحّت عليّ "الفكرة" إلحاحَ سرقةٍ. أعرفُ: عرَضية مهما تكن.

17
إبحث عن هذه الخصيصة. كل فنان هو طفل أبدي. الذين غادروا طفولتهم، اشطبهم من رأسك. أشباه فنانين.

18
فنتازيا الموت في سبيل وطن.

19
حياء الملحد، أمام كل حقيقة.

20
جامعات وطلبة. طلبة وجامعات. أَمن قليلٍ تشغى بلادهم بجامعي القمامة وجامعي الصدقات؟

21
صباحٌ لا مكان فيه لصديقيْن: أنا والمساء.

22
حين فدحتهُ بصدرها النموذجي، نهدان بأنَفة فرَس، تمنى هذه الرغبة: لو يموت اختناقاً بينهما. فما أشيعَ الهواء في الدنيا، ولكَم شبعَ من كرمه الرخيص.

23
بعضهنّ، الغبيّات، لم يهجسنَ، ولو ليلةً قرب النافذة، كم منحتهن الطبيعةُ من ثروات، فقط لكي يتعذّب بها ذكورُ الشعراء. تلك "الثروة" المعلّقة فوق جذع فتاة، رأيتها أمس خطفاً، في قسم الأجبان بسوبر ماركت، لم تُنمني لأيام. أيُّ إبداعٍ في قالبٍ، أي جبنةٍ يا أبي!

24
وماذا لو أمضيتَ ثلاث ليالٍ بلا نوم؟ هل تخسر البشريةُ؟ دعك من ذا، ولتهنأ بوليمة يومٍ كامل استرددته من لصّ الأبدية العجوز.

25
رذيلة الأرق، إنه رأس تأنفُ القبّعات.

26
دكتور لوكيميا وشاعر، لهما الرؤية ذاتها: بغيتنا البحث في الشوارع عن وجوه المارّين المرشّحين للعطب الأبدي.

27
نظّام على منبر: صخبُ اعتباط.

28
آخر الليل: دكتور وممرضة يدبّران غرفةً. آخر الليل: شاعر لم يظفر بعتبة بيت.

29
أساكَ، كلما وضعتَ رأساً على حجر الوسادة.

30
كهرباء النبل، بأوهى الفولتات.

31
أسميناً رأيته نبيلاً بزيادة؟... تحدُث.

32
سلني ما تشاء إلا أكون على غرار.

33
خطىً مشوها، وما فكّر بهم ناقدٌ خالٍ: كم تزحلقوا.

34
يحدث أحياناً: السهر حتى مطلع الفجر، يورّث سكاكينَ في الكُليتيْن.

35
للنهار تلك الفضيلة: عمى المُفتِّحينَ تحت فيض الشمس.

36
أنوفهنّ الحمراء، كإصبع الروج، إبان كانون الأول، في انتظار باص الفجر، ليأخذهنّ إلى كتيبة "جولاني". لكَم وددتَ، إصبع الروج ذا، لو ضاجعته منفرداً، مفصولاً عن سائر الجسد، إذ تؤوب في تلك الساعة، من "الكوندتوريا" إلى مترين من إسمنت، في جادّة (الكلب الأسود) على حواف تل أبيب.

37
أيها الكلب، يا ملاكي الحارس، بعينيْن دامعتين يضيئهما الوفاءُ الحيواني، إذ يفنى ليلٌ وما من كلْمة: ما من تدبير جُملةٍ، وكأنه الينبوع اللامرئي وقد باتَ جلموداً من صوّان تحت عراء الفلورسنت الأبخس.

38
رعشة الأنامل إذ تقطف بكريْ صدرٍ، رعشتهما إذ تتبللان بغمام أوّلِ القصيدة.

39
فتاة برِجل واحدة. كيف يكون مرأى فرجْها - بيتها؟ لا بد من رِجليْن اثنتيْن، من صدر وعجز، وإلا فهو عمود الشعر ينكسر.

40
كم قتلت حناجر البشر من بشر؟ كم قتلت هذه من مأسوريها، على مدّ التاريخ؟

41
أنبيلٌ وصاخبٌ؟
مش راكبة على بعض.

42
أماسٍ وأماسٍ، كرَّ شهورٍ كرَّ سنوات. وتلك الضفدعة الرقشاء، تطرق باب الشاعر، وما مَن يقومُ ويفتح. الجيرانُ يعرفون، أصحاب الدكاكين في الحيّ، وحتى الأرامل المهجورات الآن. وحدها الضفدعة لا تعرف، وحدها لأن الموتَ، فكرةً، ضربٌ من اختصاصٍ بشري.

43
غيابُكَ، كما يغيب الماءُ عن شجرة: ينشف الجذعُ رويداً رويداً، وتتقصّف الرموشُ أعلى ذؤابة البصر.

44
المعشوقُ يمرّ. أُملودانِ في سترة جينز. ما الذي يكهربُ الهواءَ - يملأه بشذرات وَهَنٍ، على الناصية.

45
كفافَ يومي في كل شيءٍ ما خلا الموسيقى.

46
لو كنتُ على كرسي الجلالة، ما أصابتني غيرةٌ صفراءُ، حسدٌ أسودُ، إلا من جهة الموسيقيين.

47
... أندادُ الآلهة !

48
لمَ يزأرون على المنابر؟ لمَ يجأرون؟ أهي حاجةٌ بيولوجية: تسليكُ زورٍ من وخم التدخين مثلاً؟ تنشيطُ جسمٍ جِلبابيٍّ من عُجمة النوم الإجازي صباحَ كلّ الجمعة؟

49
الحورُ العين، مصنوعاتُ المخيال المكبوت، مُتاحاتُ أنظارنا، في "العالْ"، وسواها من شركات الطيران الدولي. فراشات، يتنقّلن بخفّة، فراشات إنما من فيزيقا.

50
حنانُكَ على ذاكرة كلبٍ، وهي تنفصلُ عن جسدٍ هشٍ، يتعاورهُ أشقياءُ الجيران. تُراها أين ستذهب؟

51
أكادُ من ضعفٍ أتماهى مع نملةٍ. من غضبٍ نبيلٍ أطلب آلهةً لحلبة المصارعة.

52
رجال العقل في إسرائيل، جبناءُ أغلبُهم. كل صاحب عقلٍ وعينهُ على صاحب كرسيّ. براغماتيون ! براغماتيون في أرض لا تسع.

53
خطأكَ، ولادةٌ بين خاملين. وخطيئتكَ، 18 ساعة عمل على ساقين، من أجل أن تتورّد خدّا شوشانا، ويهنأُ عاشقها الإشكنازيّ ذو الحَلَقِ، بنهديها الأترعيْن، صحبةَ وجبتيْ كوكائين في الأسبوع.

54
لا بدوياً كنتَ، بل ابن مدينةٍ وابن ثقافةِ كوزموبوليتان. تلك حقيقتُكَ، حقيقةُ دخائلكَ، ومع ذلك، بعضَ الليالي، حتى أنكَ تذهبُ إلى مقرّ عملكَ صاحياً البتة، لا شيء يسكنكَ سوى رغبة الثأر منه: منه، منه: ذاك العليّ القدير !

55
أن تتكوّن بين أعداء. تُحسبُ عليكَ أقلّ نأمة، أيةُ فلتة لسان. بل حتى سرحانُ أو ذهول. كيف لبشريٍّ احتمال ذاك عشرين سنة؟

56
تعود إلى أهلك ومخيّمكَ صباحَ الجمعة. تنام كطفل قربَ جدولِ أمك. ووحدها تلك اللحظات المسروقة كأنما من رجل أمنٍ، وحدها تضخ النضارة في أوعيتك. عمّا قليلٍ سيأتي "الأحدُ"، عما قليلٍ، ستعود إلى تل أبيب. فانهل ما غفلَ الزمانُ، وربِّ شجرتك في نطاق أموميّ.

57
الأمُّ أو اللهُ مؤنّثاً.

58
دخلني "عميخاي" على هدأة مساءٍ صيفيّ، بصوت صديقة مرّوكيّة، وبيننا موسيقى لباخ، فخجلتُ من موسيقى بحوري الستة عشر.. وخجلتُ إذ يهزمني شاعرٌ شيخٌ وأنا في مبتدأ جهادي الكبير !

59
صحبة عميخاي، فلسطين - إسرائيل، تتبدّى، طبيعةً، جبالاً وسهولاً، ألوانَ قزحٍ، نباتاتٍ، طيوراً وحيواناتٍ، مناخاتٍ، كما لو الفردوس: دوناً عن بقية البلدان، هبطَ من عليائه الميتافيزيائي، واستقرّ بين ظهرانينا. مدونة الشعر العربي، أين منها كل هذا الثراء؟

60
أثق في الله من جهة واحدة فحسب: الرجلُ متمرّسٌ في الصمت. خبيرُهُ وصانعهُ الأبرز. وأمثال هذا، لا خوف منهم: لا خوف أبداً.



تل أبيب - خان يونس
ربيع 86 - صيف 2006


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف