نقد أفلام المهرجان الفرنسي العربي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مهرجان الفيلم الفرنسي العربي الثاني عشر(2/2)
عواد علي من عمّان: اختتم الأحد الثامن عشر من حزيران/ يونيو في مركز الحسين الثقافي بعمّان فعاليات الدورة الثانية عشرة لمهرجان الفيلم الفرنسي العربي بعرض الفيلم السوري "تحت السقف" للمخرج نضال الدبس (إنتاج عام 2005). وكنا قد خصصنا القسم الأول من هذا التقرير الثقافي لثلاثة من الأفلام المشاركة هي (دنيا، طنجة، ويوم آخر)، وفيما يأتي عرض لبقية الأفلام:
* باب عزيز إخراج: ناصر خمير (تونس) إنتاج:
أفلام روكان/ فرنسا، وأفلام هانيبال/ تونس (ناطق بالعربية والفارسية). تمثيل: شمينخو، مريم حميد، نسيم كحلول، ومحمد قراية.
تدور أحداث الفيلم في صحراء مترامية الأطراف، حيث تقوم فتاة صغيرة اسمها عشتار بتوجيه باب عزيز، وهو درويش عجوز أعمى، يروم الذهاب إلى اجتماع كبير لأقرانه الدراويش، ولكن عشتار تفتقد آثار الدرب التي مسحتها الرمال. ومثل من يتعقب أثر كنز ثمين فإنهما يلتقيان في رحلتهما الطويلة شخصيات عديدةً: أخوين توأم (حسن وحسين)،
* انتظار إخراج: رشيد مشراوي (فلسطين) إنتاج: سيلك رود برودكشن (فلسطين، فرنسا، والمغرب) تمثيل: عرين عمري، محمود مسعد، يوسف بارود.
كوميديا سوداء تقوم على السخرية المرّة، والتهكّم الحاد من خلال اللعب على الفكرة التجريدية للانتظار. وقد شخصن المخرج مشهراوي (من مواليد مخيم الشاطئ بقطاع غزة عام 1962) هذه الفكرة من خلال عدد من الممثلين غير المحترفين الذين أتقنوا دور المُنتظِر، وتفننوا فيه. ويبدو أنه استوحاها من موضوع لا علاقة له بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي في الداخل، هذا الصراع الذي لفت أنظار العالم كله، بل تعامل مع موضوع انتظار اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في الأردن وسورية ولبنان من وجهة نظر غريبة. ثمة مخرج اسمه أحمد يوافق على اجراء اختبارات لممثلين مرشحين لمشروع المسرح الفلسطيني الوطني الكبير الذي يموله الاتحاد الأوروبي، فيسافر، وبصحبته المصور والمذيعة، ، بحثاً عن ممثلين في المخيمات الفلسطينية الموزعة في عدد من البلدان العربية. ومن خلال بعض الأحداث يواجه المخرج مشكلات لا علاقة لها بجوهر عمله الذي جاء من أجله، لأن معظم الفلسطينيين يريدون أن يذهبوا الى فلسطين للقاء أهلهم وذويهم، أو إيصال رسائل صوتية ومرئية لهم عن طريق هذا البرنامج، وليس همهم المسرح الوطني الفلسطيني الذي يبني الآن ويحتاج الي هذا الكادر التمثيلي. ويتعاظم شعور المخرج بأن قدر هؤلاء مشابه لقدره، فيطلب من الممثلين تقديم أفضل ما لديهم من طاقة لتجسيد قد شعبهم وقدره، أي الانتظار. وفي نهاية الفيلم يتعرض المخرج والمصور والمذيعة للانتظار أيضاً مثلما انتظر اللاجئون الفلسطينيون في خارج فلسطين، وإن كان التركيز على لاجئي لبنان أكثر من اللاجئين الفلسطينيين في أماكن أخرى تجذروا واندمجوا فيها كما هو حال اللاجئين الفلسطينيين في الأردن. يقول مخرج الفيلم إنه حاول أن يتعامل مع الانتظار من وجهة نظر عبثية أيضاً، فهو نفسه اللاجئ أصبح لاجئاً بصيغة مضاعفة، لأنه لا يستطيع العودة إلي بيتيه في رام الله. كما حاول أن يصنع شيئاً جديداً لا يتناول الموضوعات المكررة، والمُعادة، والتي أشبعت معالجةً إلى الدرجة التي بات يشعر فيها بأنه لم يعد لدينا ما نرويه للعالم، ولهذا اتجه إلى السخرية المرّة، والتهكّم الحاد. ومن خلال هذه المواقف الكوميدية السوداء يعتقد أنه جسد فكرة الانتظار المجرّدة بنجاح واضح يمكن تلمسه في أعين المشاهدين، ومن ثم فإن الفيلم استطاع أن يحرك المياه الساكنة، وأن يبعث رسالةً واضحة الي الخارج تبين المشكلات الجدية التي يعاني منها الفلسطينيون في منافيهم.
* المختبئ إخراج: ميشيل هانيكيه (النمسا) إنتاج: لي فيلم ديه لوزونج/ فرنسا، النمسا، ألمانيا، وايطاليا (ناطق بالفرنسية). تمثيل: دانيال أوتويه، جولييت بينوشيه، وآني جيراردو.
يدور الفيلم حول فكرة الشعور بالذنب والنسيان التاريخي فيما يخص الحرب الجزائرية، من خلال قصة بطلها صحفي اسمه جورج يستلم وأسرته الصغيرة مجموعة من أفلام الفيديو التي تصور بشكل سري من الشارع إيقاع حياته اليومية مع أسرته (زوجته تعمل في إحدى دور النشر) ، إضافة إلى رسومات تدعو إلى القلق وكأن مرسلها، الذي ليس له أية فكرة عن هويته، يوجه تحذيراً ما لهم، الأمر الذي يوقع الزوج وأسرته في حيرة وخوف من الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه ذلك المرسل، ويأخذ الأمر منحى آخر عندما يبدأ المرسل في إرسال أصوات ورسومات أخرى مثيرة للقلق أيضا، فيصل الصحفي إلى قناعة بأنه نوع من التهديد، فيلجأ إلى الشرطة في مسعى للكشف عن هوية ذلك المرسل الغامض، ولكن الشرطة تتلكأ في إجراءات التحري معتبرةً أن التهديد لا تفسير له، فيبدأ في مراجعة ماضيه الوثيق الصلة بأحداث الحرب الجزائرية التي أدت إلى الاستقلال وما عاشته العاصمة الفرنسية من أحداث صاخبة جراء ذلك، حيث لقى المئات من المهاجرين الجزائريين مصرعهم في نهر السين عقب إحدى المظاهرات في باريس، ومن خلال ذلك تراود الصحفي كوابيس وأحلام عن علاقة غامضة مع جار له ينتمي إلى أسرة جزائرية، فيقوم بزيارته للتأكد من أنه صاحب الإرساليات والتهديدات الغامضة الذي يعد نفسه للانتقام، وهناك يكتشف حجم الهوة التي تعيشها الأسرة الجزائرية مقارنة مع الرفاهية التي تنعم بها أسرته. وينحو فيلم المختبئ منحى تلك الأفلام التي تخاطب الآخر المهاجر في المجتمع الفرنسي، وتبرز حالات من الاختلال الاجتماعي بين السكان الأصليين والمهاجرين القادمين من بلدان الجنوب، وهو لا يتوانى عن تصوير مشاهد مفزعة، وخاصة ذلك المشهد الذي يأتي فيه الجزائري لمواجهة الفرنسي، فيلفظ أنفاسه الأخيرة أمامه بعد أن يؤكد له بأن لا علاقة له بما يتعرض له من مضايقات .
* البوسطة
إخراج: فيليب عرقتنجي (لبنان)
إنتاج: فنتسكوب برود كشنر تمثيل: رودي الحداد، نادين لبقي، ندى أبو فرحات، عمر راجح، ليليان نمري، بشارة عطا الله، ومنير ملايب.
تدور أحداث هذا الفيلم الموسيقي حول الشّاب اللبناني كمال الذي يعود إلى بيروت بعد خمسة عشر عاماً من المنفى في فرنسا لهدف واحد هو إعادة إحياء فريق الدبكة الذي سبق
* تحت السقف إخراج: نضال الدبسي (سوريا) إنتاج: أوفس ناشيونال للسينما تمثيل: رامي حنا، سلافة معمار، رغداء شعراني، أمل عمران، حلا عمران، أدهم مرشد، حنان شقير، عدنان أبو الشامات، حسين أبو سعدي،، غسان سلمان، وفارس حلو.
تحت سقف غرفة نوم مروان تبدأ القصص وتنتهي منذ أربعين عاماً. مروان يحب لينا زوجة أفضل أصدقائه، وسيسمح موت زوج لينا لهما بمواجهة المستقبل بشكل مختلف. هذا هو الخط العام لحبكة الفيلم، وفي تفاصيله يروي أحوال جيل الثمانينيات في سوريا، ويعيد إنتاج الماضي بمفردات شائعة ، فبطله شخص يهوى التصوير ويمكن استخدامه لإعادة إنتاج صور وإشارات، غير تلك الصور التقليدية لعالم الثمانينيات ولا يريد الفيلم أن ينصاع لفكرة واحدة، مثل أن يبقى في رصد علاقة شاب بأرملة صديقه،بل يريد أن يحكي عن جيل بأكمله، لذلك جاءت العلاقات مرتبكة بين الشخصيات، وغير مفهومة سينمائياً، فهو يسعى إلى نقل أفكار تلك الشخصيات من دون أن يفكر بتبرير العلاقات فيما بينها، لأنه بالضبط يرى في الشخصية فكرة ورمزاً. كما أنه يريد أن يرثي لجيل بقي تحت السقف وقد تبددت أحلامه، وأحد نماذجه مروان، الذي كان الشاهد على المرحلة، وتحول من ذلك المصور الهاوي إلى عامل في مجال الإعلانات. سبق لهذا الفيلم، وهو أول أفلام المخرج الروائية، في مهرجان دمشق للفنون السينمائية العام الماضي.
* أغاني الغائبين إخراج: ليث عبد الأمير (العراق) إنتاج : زرافة فيلمز/ فرنسا (وثائقي)
في محاولة لتسليط الضوء خلف تواريخ ومشاعر وحساسيات الأطياف العراقية العديدة سافر المخرج العراقي ليث عبد الأمير من نقطة في جنوب بلاد مابين النهرين، وفي ظرف صعب، وجرد العراق سينمائياً من شماله إلى جنوبه، عبر رحلة محفوفة بالمخاطر الحقيقية. يشكل خط الرحلة بانوراما الخارطة الجيو- سياسية للعراق، وحيث تكون الطوائف والأديان ومختلف القوميات موزائيك شعب تصدعت هويته الألفية حال دخول أول مجنزرة أميركية أرض العراق. هذه الرحلة السينمائية تعبر العراق مروراً بمدن وقصبات نائية أغفلتها عدسات الصحفيين في خضم الأحداث الدامية التي يعيشها البلد من أجل أن تسجل الطقوس والتقاليد العراقية التي يمتد عمرها إلى عصور قديمة. وقد حاولت كاميرا المخرج، غير البريئة، الأمساك بواقع العراق المحتل من خلال منح نماذج من أعراقه فرصة التعبير، أو البوح عن أفكارهم وطقوسهم ومشاعرهم، بادئةً بمشهد خوذة فوق أسلاك شائكة، إشارة إلى الحرب بوصفها مرادفاً للموت الذي هو ذروة الغياب. وكان الفيلم قد واجه، حينما عرضته قناة العربية قبل عدة أشهر، مواقف متباينة، فقد رأى بعضهم أن فيه كثير من الحقائق والأفكار المغلوطة، سواء ما جاء منها في التعليق، أو على لسان الشخصيات التي قابلتها الكاميرا، وأن الرؤية توجهه رؤية استشراقية. كما اعترض آخرون على ماورد فيه من توكيد على مفهوم الأمة العراقية، كونه لا ينسجم مع حقيقة أن العراق بلد ذو تنوع ثقافي وعرقي وديني ومذهبي، وثراؤه يكمن في هذا التنوع. وعلى النقيض من ذلك رأى بعض المعلقين أن الفيلم حمل رؤية وطنية، وحرص على إظهار وحدة العراق الجغرافية والبشرية عبر التاريخ، وتنوعه وتعدديته الثقافية في إطار تلك الوحدة، ونبه إلى مخاطر التدخلات الخارجية التي تهدف إلى تفتيت نسيجه الاجتماعي وزرع بذور الفتنة والانقسام بين مكوناته وأطيافه، وكشف عن مظالم النظام السابق، ووطأة الاحتلال في الوقت نفسه، وبمعنى آخر أنه فيلم قدم رؤية موضوعية لواقع العراق من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.