عالم الأدب

الرواية المرفوضة في طبعتها الثامنة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

"كاتيدرائية البحر" الرواية التي تصدرت المبيعات في معرض مدريد للكتاب.
رفضت طبعها سبع دور إسبانية للنشر، وبلغت فقط خلال شهرين طبعتها الثامنة و يشبهونها برواية "ركائز الأرض " لفوليت كين.

حمد المودن من مدريد: لم يكن يتوقع المحامي الإسباني المختص في القانون المدني من أصل كطلاني 47 سنة، إيل ديفونصو فالكونيس، مؤلف رواية "كاتدرائية البحر"، أن ينافس من خلال عمله الروائي الأول هذا كبار الكتاب الروائيين الإسبان، من مثل أنطونيو غالا، وماريو بارغاس لوسا، و خبير مارياس، وإدواردو مندوثا، بخصوص مبيعات أعمالهم الروائية والأدبية في معرض مدريد للكتاب الذي انقضى الأسبوع الماضي، إذ استحوذ على القراء الزائرين الذين توافدوا على مقره بالمعرض من أجل اقتناء باكورته الروائية، وتوقيعها لهم.
ولعل المفارقة المثيرة للانتباه بخصوص هذه الراوية التي نشرتها في نهاية المطاف منذ شهرين فقط، وبالضبط في نهاية شهر مارس المنصرم، دار نشر تدعى "غريخالبو"، بدفعة أولى بلغت 80 ألف نسخة، تكمن في أن سبعة من دور النشر الإسبانية وخاصة بكطالونيا، كانت قد رفضت التكلف بنشرها، بدعوى عدم وفائها بالأسباب التي قد تضمن للرواية رواجا أوسع. وتعيش رواية "كتدرائية البحر"، طبعتها الثامنة في مدة قياسية، وقد نشر منها لحد الآن حسب إحصائيات درا النشر التي تكلفت بطبعها، و كشفت عنه في معرض الكتاب الأخير بمدريد، حوالي 450 ألف نسخة. ويتوقع أن تصل إلى المليون نسخة في الفترة القريبة المقبلة. وقد تحول النجاح في رواج رواية المحامي الكطلاني إلى "ظاهرة لافتة" تناولتها وسائل الإعلام الإسبانية بالتحليل والمعالجة.
المحامي الإسباني إيل ديفونصو فالكونيس، الذي تعد رواية "كتدرائية البحر" أول عمل أدبي له، واستغرق في كتابتها خمس سنوات، كان قال في تعليق له على مدى القبول الذي تلقته روايته ، "إني لم أكن أتوقع أن يشهد عملي الروائي كل هذا الرواج"، و"كل ما كنت أطمح إليه هو أن أرى عملي هذا وقد نشر".
وبخصوص سر إقبال كل هؤلاء القراء على روايته التي تمتد على مدى 700 صفحة، لا يرى إيل ديفونصو، من سر سوى أن تكون لدى الكاتب نية في " إمتاع قارئه". فالعديد من القراء قد أخبروه، يؤكد صاحب"كاتيدرائية البحر"، أن روايته تأسر القارئ وتشده إليها، ولاتجعله يشعر بالملل على الرغم من أن صفحات الرواية تصل إلى 700 صفحة. و السبب بساطة، حسب الكاتب دائما ، هو أن" مضونها حيوي ورشيق ويوحي كثيرا".
ويؤكد المحامي الكطلاني الذي فاقت مبيعات روايته في معرض مدريد للكتاب مبيعات رواية "تقطعات الموت" للكاتب البرتغالي الشهير خوصيه سرماغو، عن أن السلاسة والبساطة هما مطلبان جماليان يتطلع إليهما القراء في قراءاتهم. وتجعلهم يبحثون عن الأعمال الأدبية التي توفر لهم هذا الشرط . ولكنه يعود ويذكر بخصوص "سمة البساطة في السرد الروائي"، أنها مطلب "ليس يسير المنال"، فأن تكتب متوسلا بالبساطة، يضيف إيل ديفونصو، "فذلك أمر ممتنع".
ويقارن النقاد الإسبان رواية" كاتيدرائية البحر" لإيل دي فونصو فالكونيس، برواية "ركائز الأرض" للكاتب البريطاني فوليت كين، بل يعتبروه هو فوليت كين إسبانيا.
رواية "كتدرائية البحر"، تأخذ من العصر الوسيط وبالضبط من القرن الرابع عشرالميلادي ، الإطار الزمني الذي تدور في فلكه أحداث الرواية وينتسب إليه أشخاصها، بينما شكلت مدينة برشلونة الفضاء المكاني الذي يحتضن الفعل السردي والدرامي. فمدينة برشلونة حسب الزمن الروائي، في القرن الرابع عشر الميلادي، كانت تنعم بحال كبير من اليسر، وقد نمت وامتدت حتى بلغت الشاطئ. وكان بها حي متواضع يقطنه الصيادون. فقرر أهل ذلك الحي بناء كنيسة كبيرة، أو كتدرائية غير مسبوقة، بعضهم يمنح المال والآخرون ممن يعدمونه يساهمون بالجهد والعمل. وتدعى تلك الكتدرائية بسانتا ماريا ديل مار. وكان بناء هذه المبنى الكنسي يتم دراميا داخل المتن السردي بموازاة مع تطور وتبلور قصة حياة إحدى الشخصيات البطلة ويدعى أرنو. وهو ابن عبد كان يعمل لدى أحد الفيوداليين في أرضه، سرعان ما فر به والده عندما كان رضيعا بعد أن اشتد عليه استغلال الفيودالي له. فتوجه به أبوه إلى مدنية برشلونة وأصبح بها مواطنا حرا. و عمل أرنو منذ صغره متأرجحا بين عدة مهن: منها حارس الخيول و شاحن للبضائع، ثم جندي ، فصراف. وكانت حياته تلك على الرغم من الحرية التي كان ينعم بها، قاسية و متعبة. وتطورها كان يجري بموازاة مع تطورات بناء كتدرائية البحر. وبفضل استماتته و كفاحه سينتقل أرنو من عالم البؤس إلى النبالة والغنى. غير أن الحظ لن يعمر طويلا إلى جانب أرنو، إذ سرعان ما سيستيقظ الحقد والحسد لدى عدد من أقرانه، ومن بينهم الفيودالي نفسه الذي كان والده مستعبدا عنده ، فيكيدون له كيدا، وسيشون به لدى محاكم التفتيش التي ستطاله،لأنه لم يكن مسيحيا.
"كتدرائية البحر"، وهي كناية عن كتدرائية حقيقية ما تزال لحد الآن بأحد ساحات مدينة برشلونة، هي متخيل درامي تتصارع فيه قيم الوفاء والانتقام والحب، والخيانة ويشهد حربا، وتنتشر فيه أمراضا مثل مرض الطاعون. هو عالم موسوم بالتناحر الديني واللاتعايش، وخاصة بسبب محاكم التفتيش. وهذه الموضوعات التي تؤثث المتن السردي للرواية مستمدة من واقع مدينة برشلونة في الفترة الفيودالية، فترة القرن الرابع عشر الهجري.
وهكذا يكون كاتب "كاتدرائية البحر"، قد استرفد من تاريخ شبه الجزيرة الإيبيرية في الحقبة الوسطى،(برشلونة على العهد الفيودالي ) المادة الحكائية لروايته، وسلك بذلك مسلك العديد من الكتاب الإسبان المعاصرين سواء الجيل الأول أو الجيل الثاني، الذي يلجؤون للتاريخ لامتياح عوالمهم الروائية. وغدى هذا الاتجاه الروائي سنة لافتة في التجربة الروائية الإسبانية المعاصرة . وثمة العديد من الكتابات الروائية الإسبانية المعاصرة التي تنطق بهذا النفس التاريخي في تشييد عالمها الروائي. ويكفي أن نذكر من ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، رواية " كارطا بلانكا"، للروائي الإسباني لورنيثو سيلبا، ورواية "بلد الفراشات " لمواطنته الروائية نيريا رييسكو. وكذلك رواية " كلافي دي أغريبا" للروائي الإسباني خوصي دي لاروصا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف