مؤتمر التجنيس وبلاغة الصورة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عمّان إيلاف: نظمت جمعية النقاد الأردنيين، بالتعاون مع وزارة الثقافة وأمانة عمّان الكبرى، مؤتمراً نقدياً بعنوان "التجنيس وبلاغة الصورة"، في مركز الحسين الثفافي بعمّان، يومي الثالث والرابع من تموز الجاري، وقد اشتمل المؤتمر على 6 جلسات، وشارك فيه 16 ناقداً وباحثاً من الأردن ومصر والعراق. وكان من المقرر أن يشارك فيه أيضاً ناقدان من لبنان
افتتح المؤتمرالناقد فخري صالح، رئيس الجمعية، بكلمة أشار فيها إلى أن هذا المؤتمر هو المؤتمر الثاني التي تنظمه الجمعية، وتدعو إليه نقاداً وباحثين من بعض الدول العربية، إضافةً إلى النقاد والباحثين الأردنيين، على الرغم من شحة إمكاناتها المادية. وأكد صالح على أن المشاركين لا ينطلقون من تصور تقليدي مسبق لمفهوم الأنواع، أو الأجناس، ولا يدعون إلى استعادة تلك المباحث التي تشدد على ضرورة العزل بين أشكال الإبداع الفني، وسيبحثون في كيفية تأثير مركزية الصورة بمعانيها على خلخلة نظرية الأنواع وتكسير حدودها. وترأس الجلسة الأولى رئيس رابطة الكتاب الأردنيين الدكتور أحمد ماضي، فأشاد بجمعية النقاد التي أثبتت جداراتها في وقت قصير بعد أن تنبأ كثيرون بأنها لن تصمد وستزول. وشارك في هذه الجلسة الناقد نزيه أبو نضال بورقة عنوانها "التجنيس الإبداعي بين مختبر الذات والشرط الثقافي" خلص فيها إلى أن الذات المبدعة ليست هي التي تختار الشكل أو الأداة التي تعبر بها عن موهبتها، بل ستتحكم بها الأنواع الأدبية أو الفنية السائدة في بيئتها، وضرب مثلاً على ذلك بموتزارت، قائلاً لو أنه، افتراضاً، ولد في بادية الأردن، فإن أداته في التعبير ربما كانت المزمار بدلاً من البيانو غير المعروفة في بيئته، ومن ثم ما كان سيبدع أية سمفونية أو كونشرتو!. وذهب الدكتور محمد عبيد الله، في ورقته الموسومة بـ "أجناس السرد عند العرب" إلى أن الدراسة الأجناسية في الثقافة العربية لم تأخذ حقها حتى اليوم، لذا فالتجنيس يحتاج إلى مزيد من الاهتمام فيما يخص النظرية أو تطبيقاتها. واقترح عبيد الله تصنيف الأجناس على وفق مبدأ ثلاثي: الشعر، النثر، السرد، حيث النثر يقتصر على النثر غير القصصي كالخطبة والرسالة، في حين يكون السرد صيغة أجناسية جامعة للأنواع ذات الصفة القصصية..
وقدم في الجلسة الثانية الدكتور أحمد مجاهد، ورقةً بعنوان "الشعر والسينما"، وقف فيها على تراسل الفنون، محاولا اكتشاف علاقة بين تقنيات التصوير في القصيدة الحديثة، وتقنيات التصوير في السينما، وأكد على أن مشكلة الشاعر الحديث تكمن في استخدامه اللغة بوصفها أداةً رمزيةً وهو يصوغ الصورة، في حين أن الصورة ترتبط بعلاقة أيقونية مع المرجع، ولذا فهو يتجه إلى الفنون الأخرى للإفادة منها. وطبق الناقد مجاهد العلاقة بين الصورة الشعرية والصورة السينمائية على ثلاثة قصائد لأمل دنقل وعبد المعطي حجازي، ليتوصل إلى أنها تستخدم ثلاثة أنواع من التصوير القائمة على اللقطات السينمائية المعروفة بـ: البانوراما، والترافيلينغ، والكرينينغ. واشار إلى أن تحليله لتلك القصائد على أساس تأثرها بالسينما هو محاولة تجريبية. وقال الدكتور حسين جمعة، في ورقته "حياة الصورة الفنية"، إن معظم الدراسات العربية التراثية والمعاصرة قد تناول الصورة في معناها الضيق كفضاء بلاغي، ولم ينظر إلى دلالتها الشمولية الواسعة. ثم حدد أهم ملامح المدارس والاتجاهات الحداثوية، وأوضح أنها لا تنظر إلى الفن، أو تدرسه كظاهرة اجتماعية وانعكاس للواقع، بل تدعو إلى التنصل من المبدأ التاريخي، والقطيعة مع الماضي، وتميل إلى التجريد والإطلاق والانقطاع عن العالم الفعلي، وتمقت الأفكار الميثودولوجية. وتناول التشكيلي والناقد محمد أبو زريق، في ورقته "الصورة من المقدس إلى الدنيوي" تماهي الصورة بين المقدس والمدنس، مستعرضا تحولات وظيفة الفن عبر العصور من الوظيفة السحرية وصولا إلى فبركة الحقيقة. وحلل قضية تبادل الأدوار بين المقدس والمدنس، وكيف أدى إلى نوع من الممارسة التي يتعطل فيها الحس النقدي أمام الأيقونة وينشط أمام الصورة الدنيوية.
وفي الجلسة الثالثة رأى الناقد والتشكيلي محمد العامري، في ورقته "النص الشعري والنص البصري"، أن التبادل بين المنتج الشعري والتشكيلي يتمثل في اتجاهين: الأول يتقدم كمادة شبه حرفية من خلال التورط التام في النص الشعري على حساب المعايير الفنية. والثاني والأهم المتمثل في الإضافة الإبداعية من طرف الرسم والشعر عبر سياق التبادل العالي في إطار تحقق شروط اللوحة والقصيدة في آن، لترك المجال لتلق مفتوح يسهم في تراكم متعة ايجابية تطيل من حيوية النصين، وهذا لا يتأتى الا عبر رواقية الإبداع ذاته. وأشار الدكتور خالد الحمزة ،في ورقته "تخفي الأجناس في الفن التشكيلي المعاصر" إلى أن البذور الأولى لتداخل الأجناس الفنية ظهرت في الفن الحديث في أعمال فنانين أنتجوا أعمالا في أكثر من جنس مثل بيكاسو، ودوشامب، وهي تلك الأعمال التي عرفت بأنها سابقة التجهيز، و أحدثت تغييراً كبيراً في مفهوم العمل الفني.
وشارك في الجلسة الرابعة، التي رأسها الشاعر عزالدين المناصرة، كل من: الناقد عواد علي بورقة عنوانها "مسرح الصورة : بلاغة المشهد والطقس والجسد"، والدكتورة عالية صالح بورقة عنوانها "الصورة في ديوان كزهر اللوز أو ابعد لمحمود درويش"، والدكتور عباس عبد الحليم عباس بورقة عنوانها "الخطاب الشعري وسلطة الصورة". وقد جاءت ورقة الناقد عواد علي في سبع فقرات هي: مركزية الصورة؛ سحر الصورة؛ ألفريد جاري: هوية الأضداد؛ أنتونين آرتو: نحو لغة طقسية بصرية؛ كريم جثير: حافة الصورة؛ صلاح القصب، منهج الصورة؛ وأخيراً إشعاع الصورة. وبنى الناقد على هيمنة الصورة ومركزيتها في عالم اليوم ملاحظتين، أولهما أن الحضور المتعالي للصورة، أو نزعتها المركزية في عالم اليوم، بوصفها الأداة المتحكمة بالمعنى والثقافة والوجود الواقعي للأشياء والظواهر، أصبح يعادل، بل يفوق نزعة الصوت المركزية، أو ميتافيزيقيا الصوت، التي تهيمن على خطاب اللغة، حسب تعبير ديريدا. وثانيتهما أن للصورة في عالمنا اليوم وجهين: أحدهما سلبي، والثاني إيجابي، فهي مشروطة بنوايا منتجها ورؤيته، سواء أكانت جمالية أو براغماتية. وخصص الجزء الأكبر من الورقة لتحليل سبعة عروض مسرحية للمخرج العراقي صلاح القصب، والتي تندرج ضمن (مسرح الصورة). وقدمت الدكتورة عالية صالح مقاربةً للصورة الشعرية بوصفها أساس القصيدة، حيث لم تعد الفكرة المطابقة للمبنى هي مقياس الشعر، بل صارت الصورة التي توحي بالفكرة، وقدرتها على بناء علاقات جديدة هي الأساس، وبحثت أيضاً في توحد الإيقاع بالصورة من خلال نسق يتجه إلى البحث والتجربة عن لغة الشعر الجديدة. وحللت نماذج من الصور الشعرية في ديوان درويش. وتناول الدكتور عباس عبد الحليم الصورة بوصفها خطاباً وسلطةً في واحدة من أشهر قصائد أمل دنقل، هي "لا تصالح"، مؤكداً على أن الشاعر جعل صورة الدم هاجسا يغلف قشرة النص، فحاول تتبع حركة هذه الصورة وتحولاتها بغية الكشف عن مظاهر هيمنتها على بنية القصيدة.
وخصصت الدكتورة ريما مقطش، في الجلسة الخامسة، ورقتها للصورة الشعرية في شعر الشاعر الأردني جريس سماوي، من خلال ديوانه "زلة اخرى للحكمة"، فكشفت عن كونها تختزن مجموعة من التعابير الخارجة على المألوف لتصل بالقارئ إلى مشارف دافئة تكتنز الإحساس العارم بالصورة. وأوضحت مقطش أن الصور الشعرية في ديوان سماوي تتميز ببراعة في توظيف الرمز والتشبيهات والاستعارات المختلفة، ومع تمازج هذه الصور تتكاثف المعاني لتبهر القارئ. وقدمت ورقة الناقد والشاعر عبد الله رضوان دراسة تطبيقية في الديوان نفسه، فوقف على ثلاث صيغ رئيسة توزع عليها في مجال الصورة الفنيّة - الشعرية ، أولها: القصيدة - الصورة الشاملة، وثانيها: التناوب بين أكثر من بناء صوري حسّي ، أي تقديم بانوراما صورية داخل القصيدة تركز أساساً على رؤية الحواس والتقاطاتها، وثالثها: المزج بين صور حسيّة مباشرة، وصور عقلية تعبيرية بعيدا عن الحضور المباشر للحواس وطغيانها. ودرس الدكتور محمد عبد الله القواسمة، في ورقته "الصورة بين المجاز والحقيقة" العلاقة الخاصة التي يقيمها الفنان مع الواقع ضمن نص متكامل بعناصره وعالمه، ورأى أن ثنائية الحقيقة والمجاز تتداخل مع ثنائيات أخرى، مثل: ثنائية الصورة الجزئية والكلية، والصورة الفاعلة وغير الفاعلة، والصورة البسيطة والمركبة. وأورد القواسمة، وهو ناقد وروائي، أمثلةً تطبيقيةً انطلاقاً من فهم عبد القاهر الجرجاني للصورة بأنها لا تحيا خارج النظم، أي منعزلة عن غيرها من الصور، أو عن النص الذي تنتسب إليه وتشكل بنياته، مما يفتح الآفاق لرؤية الصورة بأنها كائن حي يتفاعل مع واقعه النصي، وواقعه في الحياة. وبحث الناقد فخري صالح، في ورقته المعنونة بـ "تحولات النقد في زمن الصورة" في توجه النقد، في السنوات الأخيرة، وبتأثير من اقتحام الميديا لكل جزء من حياتنا اليومية ، وتفوق حضور الصورة على الكلام ، إلى تحقيق نوع من الكتابة النقدية التي تصل بين النص والعالم، بين الكتابة والمشكلات الراهنة التي تعترض تقدّم البشر وتعيق تطّور الإنسانية. وأكد على أن النقد، بهذا المعنى، يحاول جاهداً التخلص، ما أمكنه ذلك، من الكتابة المعقدة ذات اللغة الاصطلاحية التقنية التي شاعت خلال العقود الأربعة الماضية بعد الثورة البنيوية، وأن نظريات ما بعد البنيوية، بتياراتها النصية وما بعد الماركسية والنسوية، لم تحد عن التوجه العام للثورة البنيوية التي أحلت النص في قلب النظرية، وهمشت منتج النص والسياق السياسي - الاجتماعي - الثقافي الذي يتخلق فيه النص، ويكون ثمرةً غير مباشرة له.
وتوقف رئيس الجلسة الأخيرة في المؤتمر، الناقد زياد أبو لبن، على حادثة منع الأعمال الكاملة للشاعر إبراهيم نصرالله ، مشيراً إلى أنّ جمعية النقّاد الأردنيين تستنكر ذلك، وتعلن عن تضامنها مع الشاعر، وستصدر بيانا يتضمن موقفها المناهض لقرار دائرة المطبوعات. وتعبيراً عن اعتزاز الناقد والتشكيلي حسين نشوان بتجربة الشاعر نصر الله وتضامنه معه، فقد خصص ورقته المعنونة بـ "عين ثالثة" لدراسة أعماله الشعرية، واشار إلى أن تنوعه الإبداعي، الذي تجلّى في انشغلاته الشعرية والسردية والنقدية والبصرية يمكّنه من وصف تجربته بـ "عابرة الأجناس"، هذه التجربة التي تؤكد وعي الكاتب لطبيعة التحولات على صعيد الأدب، وتتوازى مع حركية العصر وتطوره التقني. ونبّه نشوان إلى انّ الناقد لا يستطيع النظر إلى تجربة نصر الله الشعرية بمعزل عن أعماله الروائية، واشتغاله التشكيلي والفوتوغرافي والنقدي، أو بمعزل عن الحياة والوجود والكون في تقاطعاتها مع ذات الشاعر، وكشف عن أن الصورة في أعمال نصر الله الشعرية، تبدو ذات صبغة سينمائية، فعلى الرغم من أن القصيدة عنده ظلت تشكل العوالم الأثيرة للنص، فأن السرد وفر له الانتقال إلى قارات جديدة لم يكن ليتسنى له الذهاب إليها إلا عبر السينما التي تعرف عليها في مرحلة مبكرة من حياته، وعينه اليقظة حيال الصورة، التي عادت إلى القصيدة بألوانها وخطوطها وظلالها وموسيقاها وإيقاعها، فجعلته ينظر إلى النص بحواسه كافة. وخًُتمت الجلسة الأخيرة بورقة الناقد السينمائي أحمد طمليه "مصداقية الصورة في المشهد السينمائي"، التي رأىّ فيها أن الوعي بالصورة، والبحث عن مصداقيتها، قد حتّما على السينمائيين الارتقاء إلى مستوى هذا الوعي لإضفاء المصاقية على المشهد السينمائي، وهذا ما احتاج وعيّا استثنائياّ بفن السينما ، وبمصداقية الصورة في المشهد السينمائي. واستشهد طمليه بقول للمخرج دافيد لين، حول الإقناع، وقدم أمثلةً من الفيلم الصيني "الطريق إلى البيت"، والعربي "عودة الابن الضال"، والإيطالي "ماما روما"، والأميركي "بعيدا عن الجنة"، وغيرها من الأفلام. وأنهى ورقته مؤكداً على أن التقاط ومعايشة الأحاسيس المراد إيصالها عبر المشاهد التي أوردها، والتفاعل معها، قد جرى بناءً على مصداقيتها، وخاصةً تلك المشاهد التي تشكل ذروة الحدث، وتعبر عن الفكرة والعبرة والرسالة التي قد لا يكون الفيلم أعلن عنها صراحةً، بل وصلت إلى المشاهد عبر معايشة من نوع ما قائمة على المصداقية بالدرجة الأولى.
ومن المؤمل، كما ذكر الناقد فخري صالح، أن تطبع الأبحاث المشاركة في المؤتمر في كتاب يحمل عنوان (التجنيس وبلاغة الصورة)، وتدعم نشره وزارة الثقافة الأردنية.