عالم الأدب

صحف ومحطات.. مفروشة للايجار

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سلوى اللوباني من القاهرة: هل المبلغ الذي يُدفع للصحفي هو الذي يُحفزه على كتابة ما يريد أو ما يريده أصحاب الصحيفة؟ وهل إذا إتجه الصحفي للعمل في صحيفة خارج بلده سيؤثر على وطنيته؟ على كتابة كلمة الحق؟ على البحث عن المعلومة الصحيحة؟ وهل كل من يعمل في صحيفة خارج بلده هو هارب من واقع الحال؟ وذهب بنا الكاتب الصحفي "نصر القفاص" في كتابه "أقلام مفروشة للايجار" الى أبعد من هذا لنتساءل أيضاً هل من يتجه من الصحافيين الى العمل بالفضائيات ينتقص من قيمة كلمته المكتوبة؟ كل ذلك أثاره الكاتب من خلال مقالات رصدت حالات عديدة من واقع أزمة المناخ الصحفي في مصر خلال العقد الاخير إضافة الى قضايا الصحافة في الدول العربية، كما تناول هموم ومتاعب الصحفيين وتضحياتهم، ونذكر هنا أن الكاتب أصدر كتاباً آخر بعنوان "جنرالات الثقافة" ناقش فيه ما يسميه ظاهرة المثقفين الضباط الذين يدعون معرفتهم بكل شئ ولخص حالهم بمقولة الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين "حين يتحالف الفساد مع الجهل النشيط تقع الكارثة"، الكتابان صدرا عن الدار المصرية اللبنانية.

الفهلوة والاحتيال والتزوير:
أثار الكاتب الصحفي نصر القفاص العديد من التساؤلات حول مهنة الصحافة وأخلاقيات الصحفي في كتابه، أهمها كتابة كلمة الحق في مواجهة الخطأ، فهو يشير من خلال مقالاته للانتباه الى تلك الاخطار التي تقودنا اليها مظاهر اختلال وانحلال للمسألة الاخلاقية التي تحكم سلوكياتنا فيقول "أصبح الزيف ببريقه يخطف الابصار والكذب ببساطة ممارسته يخلب العقول"، وهذا الامر يضعنا جميعا في خندق واحد وعلينا جميعا العمل معا للخروج منه ويظل العمل وحده سيد الادلة على النجاح، ويقول الكاتب أنه حلت علينا لعنة الفهلوة...واجتاحتنا عواصف الاحتيال.... وفيضانات التزوير غطت على كل ما هو حقيقي، وذلك بعد أن أطلت علينا وجوه قبيحة تحاول أن تقنعنا أن القيم والتقاليد تتغير بفعل عوامل التعرية فكان طبيعياً أن يعترف البعض باليأس ويبقى البعض مقاوماً للاحباط وهناك من ينتظر تبدل الاحوال تبديلاً.


صحف مفروشة للايجار:
ومن الامور التي دفعته الى إعداد هذا الكتاب أن اصحاب القرار سواء كان سياسياً أو ثقافياً بل وحتى اقتصادياً كانوا حريصين على إضعاف الكلمة المكتوبة بتجاهل كتابها من أصحاب المواقف، أو بإثارة الغبار حولهم وافتعال الازمات لهم، وبالتوازي شجعوا الدخلاء على الصحافة كمهنة ورسالة فيما أسموه بالصحافة المستقلة وهو ما يطلق عليه المؤلف إسم "الصحف المفروشة" أو كما يصفها المغاربة "صحافة الارصفة"، فعدد كبير من هذه الصحف سمح المسئولون عنها لأنفسهم بأن يكونوا أبواقاً للقادر على تحرير الشيكات.. والاولوية لصاحب الرقم الاكبر.. وأما الامتياز للأسرع بالدفع، وهؤلاء الممولين حريصين على دعم هذه الاقلام التي يقدمونها مفروشة للايجار، ولا ينفي هذا أن هناك الكثير من الصحفيين الذين تمسكوا بالدفاع عن شرف الكلمة ولكنهم لا يملكون المسئولية، ولا سلطة إتخاذ القرار داخل الصحف، ولا يملكون الثروة التي يمكن أن تحررهم من هذا الحصار المضروب عليهم فكسبتهم قنوات فضائية وصحف تصدر من الخارج ليتعمق شعورهم بالخسارة لكنهم ينتظرون تحرير الصحافة بتوقف تحرير الشيكات!! ويعلق الكاتب على هذه الاوضاع بأننا في زمن ابتعد فيه من نحتاجهم لحمل القلم وتحمل مسئولية ممارسة مهنة الصحافة، واقترب أصحاب الصحف المفروشة بل أنهم أصبحوا نجوم بلاط صاحبة الجلالة، ولم يعد القلم بين أصابع أصحاب الفكر قدر ما أصبح القلم آلة تفتح أبواب الثراء السريع، ويرى أن الصحافة في مصر حتى الان لم تستوعب بعد التطور المذهل الذي طرأ على وسائل الاعلام فاختارت التجاوب مع الشكل باستخدام التكنولوجيا كما لو كانت مساحيق تجميل على حد تعبيره، دون الاتجاه لتطوير المضمون وتطوير رسالتها وهدفها، فأصبحت رغم ثقلها وأهميتها أقل تأثيراً عما يجب أن تكون، ويتأكد ذلك من خلال عدم الاكتراث بما يُكتب من نقد على صفحاتها وباستمرار الاوضاع على ما هي عليه، مما أدى الى إتجاه الصحفيين الاكثر كفاءة الى التعاون مع الفضائيات التي أصبحت أكثر جذباً للمتلقي عن الصحافة المكتوبة، ويقول هذه الملاحظة وحدها جديرة بدراسة وافية، ويلقي اللوم على المسؤولين عن الاعلام المرئي والمسموع.."التفزيون والاذاعة" لعبا دوراً خطيراً في الاساءة للصحفيين بالالحاح على المشاهد والمستمع من خلال إستضافة كل نموذج يسئ الى المهنة والعاملين فيها، وذكر موقف حدث معه عندما استضافته إحدى المذيعات لتفاجئه بضيف سيشاركه إبداء الرأي في برنامجها وتزعم بأنه صحفي رغم أنه سبق أن تعامل معه كتاجر أدوات منزلية!! ويرى في ظل كل ما تقدم ذكره أننا نعيش في زمن لبس فيه الباطل ثوب الحق وسفهاء القوم نصبوا أنفسهم نجوماً للمجتمع فتقدم الصغار الصفوف، والصحفيون الحقيقيون ستجدهم سعداء وهم يذهبون تجاه الفضائيات العربية.. ولكن هذا لا يمنع أن عدداً منهم يثري حواراتها وبرامجها.. فأشاد ببعض الاسماء من الصحفيين وبرامجهم.

هل الصحفي كاذب والقارئ منافق؟
أورد في بداية الكتاب معلومات عن مهنة المتاعب أو مهنة البحث عن الحقائق.. فأشار الى تقرير نقلته وكالات الانباء في تقرير صحفي من العاصمة البريطانية لندن أن إستطلاع أجري للرأي حول مصداقية بعض أصحاب المهن المرموقة في المجتمع فجاء أن 79% من ألفي شخص يرون أن الصحفيين يكذبون و 72% يرون أن رجال السياسة لا يمكن تصديقهم، ويعتبر الكاتب بأن الصحفيين نالهم إتهام قاسي من هذا الاستطلاع وذلك بسبب نقلهم -بحكم المهنة- لتصريحات رجال السياسة وغيرهم، فالقارئ يختلط عليه الامر عندما يقرأ الخبر الصحفي ويرفض التفريق بين من يكتب الخبر وبين المصدر الذي صرح به وأعطاه المعلومات التي يتضمنها الخبر، وينقلب ضد صاحب القلم لانه نقل معلومة أو رأياً عن مصدر قد يكون سياسياً أو فناناً أو خبيراً اقتصادياً، أما السياسي أو المثقف الذي تحاوره كصحفي أفقدوا الصحفيين مصداقيتهم وأصبحوا في عيون القراء كذابين، وهنا السؤال يطرح نفسه هل من مهمة الصحفي أن يغير أفكار وآراء من يحاوره؟؟ كما انتقد بعض القراء الذين يركضون لشراء وقراءة صحفاً معينة بالرغم من كرهم لها وفي المقابل يرفضون أقلاماً وصحفيين من أصحاب الفكر والموقف وأحيانا يركضون وراء الغث المكتوب فقط ليرجموا به هؤلاء من أصحاب الفكر والموقف.

محطات مفروشة للايجار:
وفي بعض مقالاته تناول المحطات الفضائية العربية وأشار الى أن الاعلام العربي هو إعلام أرشيفي، فهو يفخر بتقديم مذكرات كبار المسئولين بعد أن احيلوا على التقاعد وتستضيفهم الفضائيات العربية بزعم الادلاء بشهاداتهم للتاريخ ليصدروا حالة من الاكتئاب والحزن عندما يتحدثون عن الفرقة والانقسام والصراعات بين مثقفين وزعماء وقادة، وعكس ذلك تماما تجد الفضائيات الغربية تغوص في الحاضر والمستقبل فهم يستضيفون شباباً وقيادات في منتصف العمر يتحدثون عن أحلامهم وتجاربهم التي نجحت وانعكاسها على المستقبل، كما انتقد اسلوب بعض الفضائيات العربية، وأشار الى قناة فضائية عربية بأنها فهمت مزاج المتلقي العربي فصنعت نجاحها على أنقاض الحاضر والمستقبل العربيين، فيقول... هذه القناة تذكرنا بنكسة 5 يونيو.. وأيلول الاسود.. وحرب لبنان.. وذكرى اغتيال هذا الرئيس أو ذاك الزعيم وتحرض على استضافة شخصيات لا تحلم "بمصطبة" للحديث من فوقها لبضع أفراد، فاذا بهم يمكن أن يتحدثوا للملايين... ولحظتها تجدهم قادرين على تشويه الماضي باكمله مع استثناء ذواتهم، كما يشير الى مذيعي هذه الفضائية بانهم تجاوزا حدود العمل الاعلامي فانقلبوا الى ضباط بوليس يستجوبون ضيوفهم ويفرضون عليهم التزام الطاعة والادب والاجابة في حدود الاسئلة المطروحة عليهم.

ويتساءل لماذا يقبل هؤلاء الضيوف بتهافت غريب دخول غرف عمليات تصغيرهم امام صغار لم نسمع عنهم قبل ظهورهم على هذه الشاشة.. التي تلعب دوراً خطيراً في تكريس الفرقة والانقسام العربيين، فلماذا تفتح ملفات اليمن؟ لماذا يتحدثون عن كوارث الماضي في كل من الجزائر والمغرب؟ ويتساءل متى نسمع شهادة بعض الزعماء من القادة العرب بعد أن انقلب عليهم أبناؤهم؟ وهذا ملف جدير بحوار ديمقراطي وسيجذب المشاهدين "بلا حدود".

salwalubani@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف