جوزيف لوزي صورة الفنان الكوني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أنتظر الكاتب الفرنسي ميشيل سيمان أكثر من سنتين، درس خلالها، سجلات جوزيف لوزي الشخصية، وشاهد أفلامه وقرأ ما كتب عنها، حتى تمكن من محاورته والسؤال عن حياته، وعن نظرته الى العالم. الحوار الأول وما تلاه من حوارات ولقاءات شخصية وبحث في النصوص التي كتبها لوزي حول تجربته الفنية، كمخرج سينمائي، عمل ما يقارب
بريخت.. المعلم
منذ لقائهما الأول، وجوزيف لوزي ماأنفك التعبير عن أعجابه بأراء بريخت، الذي عاش فترة من الزمن منفيا في الولايات الأمريكية المتحدة، هربا من الفاشية التي حكمت بلاده. وفيها يقول: "خلال قرابة الخمسة والعشرين عاما، تأثرت حياتي وأعمالي ببيرتولت بريخت.. أن عمله وتأثيره ليسا موسومين علي فقط، إنما كانا دائما إذا صح القول، الهواء الذي أتنفسه، كنا ملموسين وفي تطور دائم". وعن عملهما سوية ".. ان الكتابة عن بريخت تعني بالنسبة لي الاختيار بين مجموعة من الذكريات، وقد أثر في هذا خصوصا وان الظروف قربتنا مرارا وتكرارا، فتارة جمعتنا المصادفات وطورا التقينا بطريقة متواصلة الى ان عملنا معا دون أنقطاع خلال ذلك العام الأخير 1946 ـ 1947". وأعتبر مشهد تنصيب باربيريني للبابوية في مسرحية "حياة غاليليه"، "مثالا رائعا عن الأسلوب الذي يتبعه بريخت بالجمع بين المسرح والسينما".
مرحى للمضمون الاجتماعي!
أعتبر لوزي، الاهتمام بالمضمون الأجتماعي جزءا من الموقف الأخلاقي للمخرج السينمائي، وهو التزام بذات الوقت. ومن هنا وجد في التقرب من الجمهور خطوة سديدة في أفشال مشاريع رجال أعمال الصناعة السينمائية. تجسد موقفه هذا في فيلم "تحقيق المفتش مورغان" الذي ركز لوزي أهتمامه على مضمونه أكثر من موضوعه، كما صرح بنفسه. هذة "الأفكار الخطرة" سيتهم بها لوزي أثناء التحقيقات التي كانت تجرى في هوليود أبان فترة وجود لجنة النشاطات المناهضة للولايات المتحدة. لم يجد في هذة التحقيقات غاية سوى تصنيف الناس" كل ما يهمهم تصنيف الناس، أنت شيوعي، أو لست شيوعيا، تنتمي الى اليسار أو لست من حزب اليسار، أنت أمريكي أو ليس أمريكيا ولكن لاتوجد قط عبارة ماهو تفكيرك أو صدقا بم تفكر؟ إن كنت شيوعيا فما المقصود بذلك؟" ويعري الغايات من وراء الصاق هذة التهم بالفنانين.. "ان عشنا في حالة خوف، فلن نتمكن من الإبداع".
مواطن عالمي
دفع لوزي ثمن مواقفه الشجاعة من كل أشكال اللاعدل والأضطهاد الفكري، بهجره موطنه الأصلي، أمريكا، مكرها ليعيش في أوربا سنوات طوال، أنجر فيها أكثر أعماله السينمائية قيمة وذاع صيته هناك. عاش لوزي في فرنسا وايطاليا وانكلترا وقد وصفه أحد كتاب مجلة "دفاتر السينما" عندما تناول حياته: أولا انكليزي في أمريكا وأمريكي في إنكلترا. لقد أثمرت تجربته الأوربية عن فهم أفضل للسينما ".. أعيش حاليا في أوربا بشكل دائم تقريبا بعد ان قضيت في انكلترا اثني عشر عاما متتاليا تمكنت خلالها من اخراج ضعفي الأفلام التي أخرجتها خلال السنين الخمس التي عشتها سابقا في هوليود". عاش لوزي قرابة ثمانية أعوام في فرنسا وكان ممتنا لها وأعتبرها مكتشفته التي حقق فيها بعضا من أعظم نجاحاته. لكن نظرته القلقة عنها لم تختف، وفيلم "السيد كين" تعبير عن قلق رجل معذب كان يصور فرنسا شبحية ومؤسلبة. وفي ايطاليا أحب فيسانس حيث صور "دون جوفياني" والبندقية مكان تصوير "أيفا". ورغم انه أحب انكلترا وتنمى الموت فيها إلا أن التفكير بأمريكا لم يتوقف. وتجسد في فيلمه "لاتستطيع العودة الى بلدك" لتوماس وولف. ظل الصراع الجواني بين حنينه وأوطانه الجديدة متأججا ".. كنت أشعر أثناء ستة وعشرين عاما قضيتها في الغربة بأنني أمريكي تقنيا، وبقيت أشعر بذلك على الرغم من أنني لم أجن من هذا الوفاء أي فائدة، انما على العكس لم أحظ سوى بالمتاعب. إذ قدمت لي انكلترا وفرنسا والعالم الغربي بأجمعه، بأستثناء أمريكا الشمالية أكثر من وطني" ومن هنا جاء أنحيازه الى كونيته ".. أنا لا أنتمي الى بلد معين ولا أشعر بالغربة في أي مكان في العالم. أن ازالة الحواجز الوطنية وتهجين العالم لابد ان يكونا أحدى الوظائف الأساسية للأفلام".
أفلام ومراسلات
أشتهر لوزان بنشاطه وحيويته بالرغم من الاحباطات الكثيرة التي واجهته في عمله. والمراسلات التي جمعها المؤلف توضح الحيوية التي تمتع بها حتى أواخر عمره. وكتاب "نظرة المعلم" في حقيقته كتاب ملاحظات وأراء لوزي أكثر منها سيرة حياة فنان. " كان يراقب بنظرات "يقظة" نظرات المعلم، جميع المراحل التي يمر بها اخراج الفيلم السينمائي فيدخل تعديلات على عمل مساعديه ويقترح أفكارا جديدة وينقح الأخطاء والتفاصيل الصغيرة التي من الممكن ان تتخلل السيناريو أو التصوير أو ادراة الممثلين أو المونتاج، إذ كان يساوره قلق دائم ان تشوب الفيلم أخطاء صغيرة أثناء العرض". من الأشياء المثيرة في تاريخه الفني أن فيلمه "الصبي ذو الشعر الأخضر" يعد أول فيلم طويل بالألوان أحتظنته هوليود. ومنه أنطلقت نبوءة لوزي بقدوم عصر الفيلم الملون، وصيحته عام 1948 "أنظري يا أمي لقد أنتهى عصر الأبيض والأسود!" أكدت توقعه. وعن الانتاج الخاص يقول ".. في فيلم "الخادم" إذ تمكنت للمرة الأولى في حياتي من القيام بدور منتج لهذا الفيلم بالمشاركة مع نورمان بريجين وقد سار هذا العمل بشكل أفضل من جميع الأعمال التي عرفتها سابقا". ونكتشف عمق ملاحظاته على سيناريو هارولد بينتر لفيلم "الوسيط" الى جانب رسالته الى رومي شنيدر ومشاركتها في فيلمه الشهير "اغتيال تروتسكي". وتعليقاته على فيلم" دون جوفياني" المقتبس من أوبرا كتبت عام 1787 تعطي فكرة عن حماسته في نشر الموسيقى ".. أحد الأهداف الأساسية لعملنا هو توصيل هذة الموسيقى بسهولة لأكبر جمهور ممكن، لكل أولئك الذين يحبون الأوبرا ولا يستطيعون ان يروها أو يسمعوها على المسرح الا نادرا". ويستغرب المرء من انتباه لوزي لأدق التفاصيل وحتى لخصوصيات العاملين معه. فعندما أقترح أسم ريتشارد بورتون للعب دور القنصل في فيلم "تحت البركان" أراد التأكد بنفسه من حالته العقلية والجسدية قبل ان يتعهد بمسؤليته عن هذا الاختيار. وبقدر ما حقق من مشاريع فأن أخرى ظلت أحلاما ولم تر النور، منها مشروع فيلم عن ابن سعود.
عاش جوزيف لوزي ( 1909 ـ 1984 ) حياة زاخرة بالتنوع، بالنجاحات والأخفاقات، لكنها بحق حياة مخرج سينمائي، ترك بعد وفاته عشرات الأفلام وجمع في شخصيته كما في أفلامه بين اللطف الجسدي والجمالي، جمع بين السينما الأمريكية والأوربية، فمن شاهد فيلمه "حادث" لن يصدق ان مخرجه أمريكيا وليس انكليزيا.