عالم الأدب

ثورة يوليو.. والسينما المصرية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

سلوى اللوباني من القاهرة: لعبت السينما المصرية دوراً مهماً في تأريخ ثورة 23 يوليو 1952 والتي يصادف ذكراها هذه الايام، ومنذ اندلاعها وتولي الضباط الاحرار الحكم ونفي آخر ملوك مصر الملك فاروق شهدت مصر خاصة والعالم العربي عامة أوضاعاً سياسية أفرزت الكثير من الاحداث والمواقف التي تناولتها الافلام المصرية ما بين منتقد ومؤيد، إما لفترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أو الرئيس الراحل أنور السادات، فعبرت هذه الافلام عن حقبة تاريخية مهمة لابراز ايجابياتها أو سلبياتها أو حتى لتوضيح أهمية إندلاعها، فكثرت وتنوعت الانتقادات لهذه الافلام فهناك من يعتبر أن بعض الأفلام كانت تنال قصداً من شخصية عبد الناصر بعكس الأفلام التي انتقدت فترة حكم السادات، ولكن جميع هذه الافلام اشتركت بإبراز انعكاسات الثورة على المجتمع المصري...وتركزت موضوعات الافلام التي انتقدت فترة حكم عبد الناصر على مراكز القوى والاعتقالات والتعذيب في السجون، وفي المقابل كانت موضوعات الافلام التي انتقدت فترة حكم السادات هي انهيار قيم المجتمع المصري وآثار سياسة الانفتاح عليه إضافة الى أحداث يناير عام 1977 أو إغتياله بحادث المنصة، وبالطبع هناك الكثير من الافلام الاجتماعية أو الغنائية التي رصدت أحوال الشعب المصري في ظل حكم كل منهما وأثر سياسة الثورة على الاحوال الاجتماعية والاقتصادية إلا أنها لم تخل من الحس السياسي، ونعرض هنا بعض الافلام التي تناولت ثورة يوليو بسلبياتها أو إيجابياتها، ونذكر هنا أن أغلب الافلام التي انتقدت الثورة ظلت ممنوعة في كثير من وسائل الاعلام.

أفلام لعصر ما قبل الثورة:
المخرج الكبير "صلاح أبو سيف" يعد من الجيل الذي واكب الثورة وكان لها دوراً كبيراً في توجهاته الفكرية كغيره من المخرجين منهم مشهد من "الزوجة الثانية" عز الدين ذو الفقار"، "حسن الامام"، "عاطف سالم"، "كمال الشيخ"، وصلاح أبو سيف من أكثر المخرجين إيماناً بأهمية قيامها وجسد ذلك من خلال أفلامه الرائعة مثل فيلم بداية ونهاية عام 1960 عن رواية الاديب نجيب محفوظ التي تم نشرها عام 1949، رصد من خلال الفيلم تفاعلات العلاقات الاجتماعية في ذلك الوقت اي ما قبل الثورة وعلاقة الانسان الفقير بمجتمعه ودوره المهمش كسائر الطبقة الفقيرة في العهد الملكي، فيلم القاهرة 30 وشخصية محجوب عبد الدايم الانتهازي الذي يلتحق بالعمل بمكتب وكيل الوزارة وزواجه من فتاة فقيرة يقدمها للباشا ليحصل بالمقابل على منصب أعلى، وفيلم بين السماء والارض، والزوجة الثانية، هذه الافلام رصد من خلالها عصر ما قبل الثورة، ومن المفارقات أن إبنه المخرج "محمد أبو سيف" هو الذي أخرج مسلسل "بنت افندينا" مؤخراً والذي انتقد الثورة بشكل قاسي جداً وأثار موجة من الجدل حوله لدرجة إتهام أبطال المسلسل بانقلابهم على ثورة يوليو، وأيضاً المخرج "عز الدين ذو الفقار" أخرج العديد من الافلام الوطنية التي رصدت عصر ما قبل الثورة لتؤكد على أهمية قيامها مثل فيلم "رد قلبي" الذي احتل المرتبة الثالثة عشر في قائمة أفضل 100 فيلم وكان من إنتاج عام 1957 رصد الحياة السياسية قبل الثورة والاوضاع الاجتماعية والاقتصادية، كما تجدر الاشارة الى فيلم "في بيتنا رجل" عن رواية الكاتب إحسان عبد القدوس، وفيلم "غروب وشروق" للمخرج كمال الشيخ.

أفلام انتقدت الحكم الناصري:
برحيل الرئيس عبد الناصر بدأت السينما المصرية في فترة السبعينيات تتخذ اتجاهاً مغايراً لما كان سائداً في عهده من حيث النوع أو الكم كما انطلقت موجة من الافلام تتنقد فترة مشهد من فيلم الكرنك كمه وتبرز سلبياتها.. وكان من أهمها وأقساها "فيلم الكرنك" الذي انتج عام 75 وأثار جدلاً واسعاً وانتقادات من عدة أطراف، من بطولة الراحلة سعاد حسني ونور الشريف ومحمد صبحي وكمال الشناوي، عن رواية الأديب نجيب محفوظ سيناريو ممدوح الليثي ومن إخراج علي بدرخان، وأثار الفيلم ضجة كبيرة عند عرضه واعتبر أنه من ضمن الحملة الموجهة والمنظمة ضد عبد الناصر بعد وفاته، وأنه تجريح شخصي لذات عبد الناصر وانقلاب على الثورة وأهميتها، إضافة الى أنه تناول جانب واحد من هذه الفترة وهي "مراكز القوى" مجسدة برئيس المخابرات "كمال صفوان" الذي أدى دوره الفنان كمال الشناوي ورجاله المخصصين لتعذيب مجموعة من الطلبة تم إعتقالهم وإتهامهم بالانتماء الى تنظيم شيوعي، فيتعرضون للتعذيب الشديد للاعتراف على أنفسهم بما يريده رئيس المخابرات.. فيموت أحدهم بسب التعذيب.. وينهار آخر تحت وطأة التعذيب ليعترف على نفسه وغيره بما هو ليس حقيقة بينما تتعرض حبيبته للاغتصاب أمام عينيه، واعتبر مشهد الاغتصاب من أكثر المشاهد التي لا تنسى في تاريخ الافلام المصرية.

والفيلم الآخر الذي أثار جدلاً كبيراً بتناوله موضوع مراكز القوى هو فيلم "إحنا بتوع الاتوبيس" إنتاج عام 1979 قصة جلال الحمامصي ومن إخراج حسين كمال، الذي يتناول فايز ومرزوق اللذين يستقلان الباص وتحصل مشاجرة بينهما مع المحصل فيذهبون جميعاً الى السجن، ويتم الافراج عن المحصل بينما يتم حجزهما بتهمة التآمر ضد نظام الحكم ويتعرضان للتعذيب الشديد، وتقوم حرب 1967 ويتمرد المعتقلون في السجن لينتهي الفيلم بقتل مرزوق، وكانت الجملة التي ترددت على لسانهما أثناء التعذيب هي "إحنا بتوع الاوتوبيس" محاولان أن يوضحا بأن لا علاقة لهم بأي تنظيم ضد الحكم، ونذكر هنا أن هذا الفيلم وفيلم الكرنك أيضاً يندرجان تحت الافلام التي تناولت قضية حقوق الانسان في أكثر من ندوة رصدت انتهاكات حقوق الانسان في عهد عبد الناصر.

بينما هناك أفلام تناولت موضوع مراكز القوى ولكن في إطار عاطفي اجتماعي مثل فيلم "حافية على جسر من الذهب" إنتاج عام 1977 قصة إبراهيم الورداني، سيناريو وحوار عبد الحي أديب ومن إخراج عاطف سالم، ويعد الفيلم من كلاسيكيات السينما المصرية وقد أبدع الفنان الراحل "عادل أدهم" في دور عزيز صاحب النفوذ الذي بيده أن يتحكم بمصير العديد من الاشخاص تحقيقاً لرغباته المريضة، وكذلك فيلم "كشف المستور" إنتاج عام 1994 تأليف وحيد حامد ومن إخراج عاطف الطيب، وتناول الفيلم جهاز الامن القومي الذي كان يجند العديد من النساء في عمليات التجسس من خلال بطلة الفيلم "نبيلة عبيد" التي تعتزل العمل بعد زواجها لتتفاجأ بان الجهاز يطالبها بالقيام بنفس الدور تحت تهديدها بوجود شريط فاضح لها من نشاطها السابق، ونذكر هنا أن انحرافات جهاز المخابرات آنذاك وعلى رأسه "صلاح نصر" فاق كل التصورات فلم تظهر الحقيقة كاملة من تجنيد النساء في جهاز المخابرات..فهل استفاد الجهاز من هذا التجنيد؟ أم أنه كان لتسلية صلاح نصر شخصياً؟ وهل كان يتم التجنيد طوعا أو بالتهديد كما حدث مع الكثير من سيدات المجتمع والفنانات في ذلك الوقت!!

ومن أجرأ أفلام السينما المصرية التي انتقدت الحقبة الناصرية من خلال رصد الاحوال الاجتماعية فيلم "ثرثرة فوق النيل" إنتاج عام 1971، عن رواية الأديب نجيب محفوظ، وسيناريو ممدوح الليثي ومن إخراج حسين كمال، بطولة مجموعة من الممثلين منهم يوسف شعبان، ماجدة الخطيب، ميرفت أمين، سهير رمزي، عادل أدهم وعماد حمدي، تناول مجموعة من الانماط الاجتماعية المختلفة منهم الموظف، المحامي، الصحفي، وطلاب.. يجتمعون في عوامة لممثل غني ليهربوا من واقعهم ومن أنفسهم بالتسلية من خلال الرقص والحشيش والجنس، وأيضاً فيلم "المذنبون" الذي أنتج عام 1976 قصة الأديب نجيب محفوظ التي كتبها مباشرة للسينما، سيناريو وحوار ممدوح الليثي ومن إخراج عيد مرزوق، رصد الفيلم الفساد وإلانحراف في المجتمع المصري آنذاك من خلال بطلة الفيلم سهير رمزي "ثناء" الممثلة وعلاقاتها الجنسية المتعددة مع رئيس مجلس الادارة، المدرس، الطبيب وغيرهم لتستفيد من كل واحد حسب تخصصه وينتهي الفيلم بموتها على يد خطيبها ويجتمع المذنبون خلف أسوار السجن كل حسب تهمته، أما فيلم "الرصاصة لا تزال في جيبي" إنتاج عام 1974 عن رواية الكاتب إحسان عبد القدوس ومن إخراج حسام الدين مصطفى، تناول الروح المنهارة والمنكسرة بعد هزيمة 1967 لأحد المجندين الذين شاركوا في الحرب، وينتهي الفيلم بمشاركته بحرب الاستنزاف وحرب اكتوبر ولكن نذكر هنا أنه تم تناول حرب اكتوبر بشكل عابر وهذه سمة تغلب على بعض الافلام التي رصدت الاحوال الاجتماعية والنفسية للمجتمع المصري بعد النكسة ولكنها كانت تنتهي بنصر اكتوبر كدلالة على الأثر النفسي الايجابي للمجتمع المصري بعد العبور في عام 1973 ومن هذه الافلام أيضاً فيلم "أبناء الصمت" إنتاج عام 1974 قصة وسيناريو "مجيد طوبيا"، الذي تناول مجموعة من الشباب الذين عايشوا الهزيمة فتخلوا عن مبادئهم ومن ثم يتحقق النصر والعبور وينتهي الفيلم بنهاية سعيدة.

أفلام انتقدت الحكم الساداتي:
سادت فترة السبعينيات موجة من أفلام المقاولات والتي كانت انعكاساً لتراجع القيم في هذه الفترة واختلاف الموازين في الحياة الاجتماعية والاقتصادية المصرية، فغلبت المصالح الشخصية على سير الامور وعم نوع من الفساد في المجتمع، ومن بين المخرجين الذين حافظوا على تقديم مستوى من الافلام الرائعة في تلك الفترة المخرج عاطف الطيب، محمد خان، خيري بشارة، رأفت الميهي وغيرهم، فقدم عاطف الطيب العديد من الافلام التي رصدت التغير الاجتماعي والاقتصادي منها فيلم "سواق الاوتوبيس" الذي تم اختياره ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في السينما المصرية، فتناول من خلاله تحولات العلاقات الاجتماعية بسبب الانفتاح، وفيلمه أيضاً "البرئ" 1986 قصة وسيناريو وحيد حامد، الذي رصد من خلاله قضية حقوق الانسان المصري، وأبدع الفنان الراحل "أحمد زكي" في تقديم دور الجندي الطيب الساذج الذي يتم تجنيده في السجن الحربي، ويؤمن من خلال قائده أن المعتقلين هم أعداء الوطن، فيشارك في تعذيبهم، وليتوقف بعدها بعد أن يجد صديق طفولته في السجن ضمن المعذبين، فيتمرد ويحبس معه في زنزانة واحدة، أثار هذا الفيلم جدلاُ وانتقاداً واسعاً وظل ممنوعاً لفترة طويلة من العرض على شاشات التلفزيون المصري، والفيلم الثالث لعاطف الطيب هو الهروب إنتاج عام 1991 والقصة لمصطفى محرم، وأيضاً من بطولة الراحل أحمد زكي والذي رصد وانتقد من خلاله السلوك الانساني في المجتمع المصري، فتناول قضية المكاتب الوهمية التي تعمل على تسفير العمال المصريين الى الخارج بالدول العربية من خلال نزوير عقود العمل أو تأشيرات السفر، إضافة الى ذلك تناول الاعتداء على حرية المواطن التي قد تدفعه ليصبح هارباً من الحكومة.

ومن الافلام التي انتقدت أحداث يناير عام 1977 فيلم للمخرج محمد خان "زوجة رجل مهم" قصة وسيناريو رؤوف توفيق تناول الفيلم شخصية عميد بمباحث أمن الدولة الذي يلفق الكثير من الاتهامات للأبرياء وخصوصاً في أحداث 18 و 19 يناير بحجة الحفاظ على أمن الدولة، أنتج الفيلم عام 1988 وكان من بطولة الراحل أحمد زكي وميرفت أمين، وفيلم "الهجامة" للمخرج محمد النجار وسيناريو وحوار أسامة أنور عكاشة، تناول الفيلم أيضاً اندلاع مظاهرات 18 و 19 يناير كما تطرق الى التعذيب في عهد السادات، الفيلم ن بطولة ليلى علوي وهشام سليم وإنتاج عام 1992.

أفلام الرؤساء:
يمكن أن نعتبر أن من أفضل الافلام التي تناولت ثورة يوليو بغض النظر عن الاختلاف في وجهات النظر هما فيلم "ناصر 56" وفيلم "أيام السادات"، وقد أبدع الراحل أحمد زكي بتجسيد شخصية الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس أنور السادات، وقد حصل أحمد زكي على درع الاعلام من وزير الاعلام "صفوت الشريف" في عام 1996 العام الذي عرض فيه الفيلم، كما حصل على وسام العلوم والفنون من الدرجة الاولى من الرئيس حسني مبارك على فيلم "أيام السادات" عام 2001.

فيلم "ناصر 56" سيناريو وحوار محفوظ عبد الرحمن ومن إخراج محمد فاضل، وقد تناول رفض البنك الدولي تمويل بناء السد العالي ليعلن عبد الناصر قراره التاريخي تأميم قناة السويس ليبدأ العدوان الثلاثي الاسرائيلي والبريطاني والفرنسي على مصر، استمر تصوير الفيلم لمدة عام كامل، وواجه الكثير من الصعوبات والعراقيل منها احتراق الكثير من المشاهد المصورة في التحميض مرتين، وإصابة المخرج "محمد فاضل" بأزمة قلبية نتيجة الارهاق في العمل وانتهت بسفره الى الخارج وإجراء جراحة بالقلب، وكما توفت مديرة الانتاج أمينة المعداوي في دمياط إثر انقلاب سيارة التلفزيون وذلك قبل أن ترى جهدها في الفيلم، ومن الانتقادات التي واجهت الفيلم هو استنكار البعض لماذا ناصر 56 وليس فيلماً كاملاً عن عبد الناصر؟ بينما على الجانب الاخر استنكر البعض لماذا تمجيد الرئيس من خلال هذا القرار؟ لماذا لم يتم انتاج فيلم عن هزيمته في 67 ؟ كما اعترض البعض بقوله ألا يوجد صفحات مضيئة بتاريخ مصر سوى تأميم قناة السويس!! ومن بعض التعليقات التي كتبت حول لفيلم أن عبد الناصر ترك ثروة لمصر تدر عليه كل يوم 5 ملايين دولار من قناة السويس، بالرغم من الانتقادات التي نالت الفيلم الا أنه حقق ايرادات عالية جداً وحقق نجاحاً واسعاً في جميع البلاد العربية.

"فيلم أيام السادات" مقتبس عن كتاب "البحث عن الذات" لانور السادات وكتاب زوجته السيدة جيهان السادات وهو الأمر الذي دعا البعض لانتقاد الفيلم فهو تمجيد للرئيس أنور السادات ورؤية أحادية لشخصيته وانجازاته، سيناريو وحوار أحمد بهجت ومن إخراج محمد خان، استمر تصوير الفيلم 11 أسبوعاً.. وقد قدم الفيلم الرئيس الراحل كأنسان وشخصية لعبت دوراً في تاريخ مصر، وتتبع مشوار حياته منذ البداية الى اغتياله، نجح الفيلم نجاحاً كبيراً ونال استحسان النقاد رغم أن البعض اعتبره تحيزاً للسادات على حساب عبد الناصر.

salwalubani@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف