عالم الأدب

طفل عمره 10 أيام

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يرقد في ملجأ للنازحين..

لم يجرب أي شيء، لايعرف حتى من هي أمه ومن هو ابوه.

يبكي... ولا يعرف لماذا يبكي، ربما لأنه يعجز عن فهم وجوده، يضحك ولا يعرف لماذا يضحك ربما لأن القنبلة التي سقطت على بيته كانت أشبه بفرقعة تتصوره ذهنيته الصغيرة حدثا مثيرا للضحك، أو ربما لأن وجها غريبا مر أمام ناظريه كانت له ابتسامة جميلة... ومن يستطيع أن يؤكد أن طفلا في هذا العمر يمكنه فعلا أن يرى، أن يسمع، أن يدوّن حياة موت تتنظره... كلا.
عمره10 أيام لا غير، حاسة النظر تحتاج سنوات لكي تصبحعدسة ذهنيةيمكنهاالتقاط ما يحدث أمامها. مغلق رضيع لبناني عمره 10 أيام يرقد في ملجأ للنازحين بصيدا عينين لم ترياالنور، مغرورقتين بدموع يتحسسها قطرات حليب...

العالم يموت حوله، ولايدري. لا ذاكرة له،... لم يخطو مماشي الحياة، إنه يتقلب فقط كأي طفل ينتظر أن يكبر، أن يفهم... ذاكرته لا تساوي حرفا واحدا من ذاكرة العالم...لكن يتذكر ماذا؟ والأحداث التي عليه غدا أن يروي قصتها، كبني البشر، من منظوره..، هي نفسها أكبر من ذاكرته التيما آنتترضع من ذاكرة أمه قطرة قطرة في ايقونة لاوعيه الصغير... كم هي ساعات طويلة يُحرم فيها من متعة مص ثدي أمه، ثدي تاريخه الطويل!

نائم كملاك ينتظر أوامر الاله... يحلم أكيدا بحرير الشرشف الذي يحتضنه.
عمره10 أيام.. وحيدا على الأرض، ينتظر أن يكبر ليفهم مجيئه إلى هذا العالم. رضيع مرمي على سجادة لايعرف من هو حسن نصر الله، ولم يعش تاريخ إسرائيل... لايدري أن هناك مصالح الآخر، أن هناك بلدا اسمه سورية، وبلدا أسمه إيران، وبلدا أسمه إسرائيل، وبلدا اسمه أمريكا، أوروبا، مصر، فرنسا، الأردن، السعودية.. ولا يدري حتى أنه محكوم بمصير طائفي، إنه مسجل شيعيا في قانون الأحوال المدنية، وربما أمه مسيحية أو أبوه سني.

رضيع لا يتجاوز عمره الـ 240 ساعة، لاشيء إذا قارناها بسرعة قنبلة أو صاروخ يُطلق عشوائيا لقتل البشر لا غير.؟
طفل لم يعرف أسمه بعد... لايدري أن صراعا قائما حرمه من غرفة صغيرة وبالتالي من فرصة اللعب، تحت تشجيعات أبويه،في سرير صغير حيث كان يمكنه على الأقل أن يتلمس أحلامه الصغيرة بأصابعه التي يمصها لأنها الشيء الوحيد الذي تجعله يفهم أنه موجود، ومع هذا ففي هذا الملجأ للنازحين حيث تركته عائلته، لا دفتر هوية له سوى أصابعه؛ دفتره ما قبل التدوين.


آه كم أبكيك أيها الطفل الجميل الذي آمل أن تعيش إلى الأبدمحملا بذاكرة الآخرين، من أجل الليل والنهار، من أجل أمك التي وضعتك على جديد الأرض لكي تضحك ملء البشر!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف