المطاردون رواية تسجيلية أنصارية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
المطاردون رواية تسجيلية تتحدث عن تجربة ومآثر الأنصار الشيوعيين العراقيين ( البيشمركة) في كوردستان العراق، والرواية هي من تأليف الكاتب كفاح حسن ( ملازم كريم، وهذه التجربة الروائية الأولى للكاتب وهي رواية تسجيلية استطاع عبرها الكاتب ان يطلع القاري على الأبعاد الثلاث لروايته التسجيلية من خلال تصوريه فضاء الرواية عبر الاحاطة والإلمام بكل ماهو رمزي متعلق بالموروث والثقافة والعادات والتقاليد في كوردستان العراق و خصوصا منطقة اربيل وأريافها وأرياف بتوين وناوى شوان، والربط بين فهم الأنصار لهذه التقاليد وتعاملهم معها وانسجامهم مع المحيط الذين يعملون فيه وتكيفهم مع هذه الفضاءات ، فأحد أبطال الرواية النصير هلكوت يضع القارىْء بجزء من هذا الفضاء( لقد تحطم السكون الذي لف كاني شه هيدان منذ سنين وعاد صوت الرصاص يلعلع فيها، ليذكرها بثلاثة عشرين عاما مضت ) ص11 بينما بطلها الأخر النصير قاله يبحث عن البعد التاريخي للأسماء من خلال البحث عن اصل كلمة ( حرب العصابات ) اللاتينية ( بارتيزان )، فيقول [ما كنت أسمع عنه ( البيشمركة ) والذي ارتبط بخيالي -منذ الصغر -إنسانا يعيش في الكهوف، ويرتدي وينتعل جلود الحيوانات البرية ] ص53 لقد كان الفضاء احد الأبعاد الثلاث لرواية الكاتب كفاح حسن، والبعدين الآخرين هما المكان والمجال، وفي بعد الفضاء استطاع الكاتب الولوج بعيدا لتوضيح البعد التاريخي للمكان الذي تدور حوله الإحداث الحربية والمعركة الغير متكافئة والهجوم الغادر على المفرزة الأنصارية من قبل المرتزقة والقوات الحكومية ، فكان ذلك الكوخين الذين بني من النايلون ليكون مقر لهم بعيدا عن عيون السلطة الفاشية الصدامية في الجبل الصامت الذي جردته الأنفال وفق سياسية الأرض المحروقة من أهله وناسه، جعل منه الكاتب مركز للإحداث روايته ولم يكن هو من ضمن (البشمركة) الذين تعرضوا لهذا الهجوم ولكنه ظهر في الرواية على لسان إبطالها الذين يحاورنه ويتذكرونه في العديد من المواقف والمشاهد والإحداث التي تناولتها هذه الرواية.
يواصل البطل قاله تصويره للإحداث وكأنه يحمل إلة تصوير [ لقد سبقنا (هلكوت) نازلا صوب الكوخين الذبحيين بعد إن بدأت الشمس تودع المنطقة ، مائلة بلون أحمر دموي، والذي الذي حدثنا عنه ( ملازم كريم) قائلا : أن الشيعة يعتقدون بأن هذا اللون يشير إلى دم (الحسين ) الذي ذبح وصحبه في معركة بطولية انتحارية يوم عاشوراء.....] ص56
من خلال أبطال روايته سعى الكاتب إلى الربط بين فضاء الحاضر والماضي، بين تاريخ المرتزقة( الجحوش) الخياني الذين يطاردونهم في جبل كوسرت بالقرب من( كاني شه يدان )، وكأنه تكرار لمأساة إنسانية سابقة تعرض لها الأكراد في وطنهم كوردستان، كما جاء على لسان أحد أ بطال الرواية هلكوت يقول [وفي يوم أسود كيومنا هذا، وبينما كان بضع عشرات من أل(بشمه ركة ) الشجعان يقضون استراحتهم في ضيافة عين الماء المتواضعة هذه، بعد معارك مرهقة طويلة مع مرتزقة السلطة، فاجأهم المرتزقة الذين لطخوا بالعار تاريخ أبناء (مديا) منذ ورطهم السلطان (عبد الحميد ) بال( فرسان الحميدية)، جاءهم رفاق الأمس الذين كانوا يحملون معهم السلاح، ليسقوهم الموت.] ص12
اما في البعد الثاني المكان فقد حاول الكاتب رسم العديد من اللوحات الفنية للمكان بريشة ليضفي مسحة جمالية لتحرك إبطاله في ابعاد المكان وتفاصيله، فشخوص الرواية تعاملوا مع تفاصيل المكان بدقة حتى مع التفاصيل الصغيرة ألمحيطه بالكوخين ، فالبطل هلكوت يقول [ بحذر شديد تسلقت القطع الصخري الذي يعتليه السن الحاد.وصلته وأنا أراقب المنطقة بحذر ] ص11، بينما عولا رشاش يحاول بحواراته إن يخبرنا عن محيط تحرك المفرزة الأنصارية [ لقد ضجت قرى (خاسه) و(باني شوان) و(قه لاتوكان ) و( شيخ بزيني) و(باني سالي) بأخبار مفرزتنا ] ص41
استطاع الكاتب كفاح حسن إن يتحرك مع بطله كور دو وهو يراقب انسحاب المرتزقة [ انتظرت انسحاب أل(الجأش) الذين اصطفوا في طابور طويل بطيء على الطريق الوعر الذي استدرجني إلى هذه الصخرة ] و يواصل كور دو توصيفه للمكان [ سارعت إلى ترك موقعي وسط أغصان شجرة (قه زوان ) قبل إن يحل الظلام..... لقد صمدنا أحد عشر يوما في قمم (بنه باوي ) الجرداء في معركة جبهوية تركت الذعر في قلب الأعداء والحب في قلوب المنطقة ] ص70،71،73.
صور الكاتب مشاهده ببراعة مما يجعل من القاري يرى الإحداث أمامه كأنه يشاهد فلم وثائقيا يتحدث عن أوضاع الأسرى وطرق التعامل معهم وأحوالهم النفسية في داخل طائرة الهليكوبتر، وبالرغم من اعتماده على الخيال في تصوير لهذه المشاهد إلا انه أستطاع إن يقنع القاري بالحدث وواقعيته بلغة بسيطة وسهلة.
أما البعد الثالث للرواية فكان مجالها الذي اتسم بتعدد الفصول والعبور من فضاء إلى فضاء اخر، متجولا عبر ابعاد ذاكرة أبطاله الذين يحاولون الربط بين أختلاف الفصول الطبيعية والتغيرات المناخية ، فالبطل هلكوت [قضينا ليلة كان مطرها هطالا، معلنا اقتراب الربيع الذي ننتظره بفارغ الصبر ]ص7، و [ رغم الصعوبات التي يخلقها لنا المطر، ونحن في وكرنا الذي تعبث به الطبيعة ] ص7، و [ بدأت خيوط الفجر تعلن بين الغيوم السوداء، عن بزوغه، فيما الظلام ينسحب رويدا رويدا، صاغرا أمام ضياء الشمس الخافت ] ص8.
الذي يقرا الرواية بإمعان يجد الكاتب لم يقحم إبطاله عنوة بالرمز بل حول من خلالهم إدخال الرمز على الرواية وربطه بالحاضر [ رحمك الله يا( كاوة الحداد) قتلت ( الضحاك ) وأشعل أنصارك النار مبشرين الفقراء بالنصر ، وأنصار ( ضحاك زماننا ) يشعلون النار معلنين بقاء (ضحاكهم )هكذا ردد مع نفسه دلشاد أحد أبطال الرواية وهو ينظر إلى الأفق البعيد الذي تلفه ظلمة الليل الموحشة .
كاتب الرواية بالرغم من تجربته الأولى لكنه أستطاع عبر هذا العمل أن ينجح في تقديم روايته متكاملة تحدثت عن جزء من تاريخ حركة الأنصار الشيوعيين العراقيين ونضالهم المسلح الذي خاضوه ضد دكتاتورية صدام حسين الفاشية، ليضعها بين يد القراء للتعرف على هذه التجربة الإنسانية.
Majid.sha61@hotmail.com