فنان في الغريبة: فهمي بالايي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حملت سنوات القمع العديد من فناني العراق و مبدعيه على مغادرة البلاد بحثا عن الحرية، في حين آثر آخرون، مختارين أو مكرهين البقاء في الوطن، و قد أدت هذه الظاهرة غير المسبوقة الى نشوء حالة لم تكن معروفة سابقا في الحياة الثقافية و الفنية العراقية و الكردية مقارنة بما هي عليه الحالة، مثلا، منذ وقت طويل بالنسبة لمبدعي بلد مثل لبنان. فظاهرة الاغتراب المكاني للمبدع، أي مغادرة الوطن لم تظهر في الحياة الثقافية الكردية والعراقية هذه كانت هي الأساس في ظهور مصطلحات جديدة أثير و يثار حولها الجدل على أشد ما يكون من السخونة في الأيام الأخيرة وهي ظاهرة ما سمي : مبدعي الداخل و الخارج.
وفي المداخلة التي قدمتها في مهرجان الايام الثقافية العراقية الذي نظمه نادي الرافدين الثقافي العراقي في برلين في الصيف الماضي، وكان الفنان بالايي احد المساهمين فيه و التي كانت بعنوان : " فن الداخل و فن الخارج " أشرت فيه الى ما يلي :
" كثيرا ما تساءلت لماذا يولع العديد من الناس بما يفرقهم وليس بما يجمعهم حتى في تلك الحالات التي يكون فيها المشترك بينهم أكثر بمرات من عناصر الاختلاف ؟ وضمن هذا السياق تعجبت كثيرا من الشيوع الملفت للنظر لمصطلح أدب الداخل وأدب الخارج، فن الداخل وفن الخارج "
" دعونا إذاً من هذا، ولنتعاون من اجل تقسيم أكثر عدالة وموضوعية للفن والأدب و الإبداع عموما، ساعين بدورنا كفنانين وكتاب ومشاهدين وناقدين ومتذوقين الى تقسم آخر هو... تقسيم الأدب والفن والإبداع العراقي الى الجيد و الردئ، الصادق والزائف، الأصيل والتقليدي، الجديد والقديم، الجميل والقبيح، المخطئ والصائب. سنجد عندئذ ان كل هذه التقسيمات موجودة حقا في الإبداع العراقي كما في الخلق و السلوك العراقي بغض النظر عن مكان التواجد : الداخل أم الخارج ".
واستنادا الى قناعتي في أن سوء الفهم يكون في الغالب مرتبطا بعدم المعرفة الجيدة للطرف الآخر رأيت أن من المناسب أن يصار الى تعريف مبدعينا في الداخل و الخارج الى بعضهم البعض، ولقد صب في هذا المنحى ايضا قيام المؤسسات الاوربية في السنوات الثلاثة الأخيرة بتكثيف الدعوات لفناني و مبدعي "الداخل" لزيارة دول الاتحاد الأوربي و بتمويل منه و إطلاع مواطنيهم على النشاطات الإبداعية للفنانين و المبدعين العراقيين في كافة المجالات، وقد قامت المؤسسات الثقافية العراقية في المهجر بالاستفادة من هذه الفرصة باستضافتهم و الإطلاع على تجاربهم مما عزز الصلة و التفاهم المشترك بين الطرفين.
هذا الموضوع هو مسعى في هذا الاتجاه يتحدث عن فنان في الغربة بتناوله الفنان التشكيلي فهمي بالايي، أي إنه تعريف بفنان مقيم في المهجر. نأمل أن يكتب لهذا المسعى
الاستمرار في تناول تجارب إبداعية للفنانين الكرد و العراقيين في المهجر من أجل مزيد من الفهم المتبادل وحد أدنى من المواجهة المفتعلة. ينشط الفنان فهمي بالايي في العاصمة الالمانية برلين منذ إقامته فيها في العام 1995، و المتابع لنشاط فهمي بالايي المولود في دهوك ـ كردستان العراق في عام 1963 لن يصعب عليه اكتشاف مثابرته و تنوع نشاطاته في الحقل الثقافي و التشكيلي. فهو يرأس حاليا المعهد الكردي للدراسات و البحوث في برلين و يعمل في الوقت نفسه على إنجاز التحضيرات لنصب فني عن ضحايا الأنفال في كردستان العراق وهو عضو في العديد من الجمعيات الثقافية في ألمانيا و أوربا منها: جمعية الفنانين التشكيليين في برلين، جمعية الفنانين التشكيليين الكرد في أوربا و جمعية الثقافة الروسية " كولتور روسي ". إضافة الى ذلك قدم فهمي بالايي للعديد من الندوات و أدار العديد من النقاشات في المؤسسات الكردية و الالمانية و الاوربية و الندوات الحوارية عن الفن التشكيلي في كردستان التي تعرضها القنوات الفضائية الكردية، كما أن لديه كتابين تحت الطبع هما : تاريخ الفن التشكيلي الكردي و كتاب آخر عن الألوان و رموزها و هما كتابان باللغة الكردية. كل هذا و الفنان بالايي مستمر في دراسته للحصول على درجة الماجستير عن فن بلاد ما بين النهرين، كما أنه إضافة الى ذلك، و ربما قبل أي شيء، آخر فنان تشكيلي أقام العديد من المعارض الشخصية في الوطن و العديد من الدول الاوربية، اضافة الى اشتراكه في العشرات من المعارض المشتركة.
إن المفتاح السحري الذي يحمله فهمي بالايي هو نشاطه التشكيلي و نتاجه الإبداعي أي لوحاته و معارضه. ففنه هو الذي فتح له الباب السحرية على عالم الثقافة المتنوع و الرحب و هو الذي كان بمثابة الكلمة السحرية : " افتح ياسمسم " التي تفتح له الباب إلى كنوز المعرفة الإبداعية و النتاجات الجمالية و الإبداعية الخلاقة المرتبطة بنشاطه المثابر و المتنوع
فهمي بالايي رساما
يستعمل بالايي اللون بكثافة ومهارة، وخصوصا بلجوئه الى سكين الرسم مما يعطي سطح لوحته بروزا يقرب من الرليف، هذه التجربة عرضها علينا بالايي في معرضه الذي اقيم على قاعة ( شبتل كولونادن ) وكان لها صدى طيبا وقد أشاد بتجربته في حينها د. مللر مدير القاعة.
ت
وّظف فهمي بالايي الفضاء بمهارة، ففي لوحته ( الصمت ) مثلا يشغل الفضاء أكثر من ثلاثة أرباع اللوحة، وهو اذ يعطي شخوصه استقراراً تكوينياً , يرينا، في الوقت نفسه , كم يتصاغر الإنسان في محيط ضاغط. وبالنظر لتشابك المهمات التي يضطلع بها الفنان بالايي و تنوع نشاطاته الفنية و الثقافية بل وحتى السياسية قمنا بإجراء هذا الحوار مع الفنان التشكيلي و المثقف الكردي فهمي بالايي
1ـ من الواضح أن نشاطاتك متنوعة و كثيرة، كما أن لديك عائلة. كيف يمكنك التوفيق بين كل هذا النشاطات ؟
ج ـ تتوزع الفنان التشكيلي في الغربة، بشكل خاص، مهمات إضافية كثيرة و من الصعب أن يركز جل جهوده على العمل الفني فقط. إضافة إلى المهمات العائلية، يرى الفنان التشكيلي مهمته الرئيسية في ضرورة العمل في مجال العمل الفني بالدرجة الأولى من أجل إيصال رسالته إلى الإنسانية و العالم لينقل للناس بأسلوبه الفني أحاسيسه بالجمال و التوازن. هنا في الغربة توجد أعباء إضافية أيضا مثل تعلم لغة البلد المضيف و متابعة العديد من الإجراءات البيروقراطية الغريبة عن حياة الفنان و المناقضة لطبيعته و حبه للحرية. إضافة الى عملي الفني أي الرسم و عرض اللوحات أقوم بكتابة المقالات عن الفن التشكيلي و أنشرها في المجلات الكردية و مواقع الانترنت، علي أن اكتب أحيانا بلغتي الكردية بالحروف العربية و اللاتينية، كما أقوم بإلقاء محاضرات عن الفن التشكيلي في العديد من المؤسسات الثقافية الكردية، كما ينبغي علي أن أتابع ما ينشر عن الفن التشكيلي الكردي و العالمي.
2ـ ماهي مدى استفادتك من الفن الشعبي الكردي في فنك ؟ هل أثرت ألوان وطنك كردستان على مجموعة الوانك؟
ج ـ كما لدى العديد من الشعوب في مراحل تطورها المختلفة، فإن هناك العديد من الفنون الشعبية و الفولكلورية الكردية. و مصادر هذه الفنون و وحداتها الأساسية التي تتمثل بالنقوش و الرسوم الموجودة على البسط و السجاد أو تلك على الموجودة على الأبواب و الشبابيك و العديد من النقوش التي تعلق على الجدران أو الصناديق الخشبية المزركشة و التي تسمى صندوق العروس كما أن هناك فن شعبي كردي يسمى بإسم " صندوق البراق " , وفي كل هذه الفنون تستخدم النقوش المأخوذة من الطبيعة كصور الطيور و
بالنسبة لي و لفني فإن الألوان التي استخدمها هي ذات علاقة بكل تأكيد بالموروث الجمالي للشعب الكردي و عناصره المختلفة و لكنني ألجأ ألى المزيد من التنسيق بين الألوان لكي يشعر المشاهد بجمالية اللوحة.
و بالنظر الى أن الكرد قد عاشوا منذ أجيال في المناطق الجبلية التي تمتاز بجمال طبيعتها، لذا فمن السهولة أن نلاحظ تأثير هذه البيئة على أعمال الفنان الكردي سواء في الفنون البدائية و الفولكلورية أو في الأدوات ذات الاستعمال اليومي كما ذكرنا، كما أن تأثيرها واضح في الفن الكردي المعاصر. و علينا أن لا نهمل علاقات التأثير و التأثر المتبادل لجميع الشعوب التي عاشت في بلاد ما بين النهرين و تلاقح الثقافات، و في هذا السياق نذكر بما نصح به الفنان العراقي البارز جواد سليم من ضرورة المزاوجة الإبداعية و الخلاقة بين الموروث من الفنون الشعبية و تيارات الفن العالمي المعاصر على أساس علمي و مدروس.
3ـ كناشط ثقافي و رئيس معهد هل تعتقد أن المؤسسات و النوادي الثقافية الكردية و العراقية قد قامت بواجبها على الوجه الأكمل في الدعم و التعريف بالفن التشكيلي في ألمانيا و أو ربا ؟ هل لديك مقترحات أو مشاريع مستقبلية في هذا المجال ؟
ج ـ هناك صعوبات ذاتية و موضوعية تحد من الاستفادة الكاملة من هذه المؤسسات الثقافية، كما أن أداء هذه المؤسسات الثقافية ليست على الوجه المطلوب، و هذه المؤسسات لا تحظى بدعم يذكر من قبل الحكومة العراقية أو الاحزاب السياسية العاملة على الساحة العراقية أو الاوربية أو المؤسسات التمثيلية الأوربية، و محدودية نشاط هذه المؤسسات مرتبط الى حد كبير بمحدودية أو انعدام الدعم المقدم لها. و رغم هذه الصعوبات قامت المؤسسات الثقافية الكردية و العراقية بتنظيم العديد من النشاطات. فقد قام المعهد الكردي في برلين، مثلا، بتنظيم أكثر من اثني عشر مهرجانا ثقافيا وفنيا و بمشاركة من العديد من المتخصصين من كافة أنحاء العالم، من أمريكا و روسيا و بريطانيا و من داخل العراق.. كما تم تنظيم ثلاثة مهرجانات للمسرح الكردي في المنفى من قبل المركز الثقافي الكردي في برلين، كما شاركنا في العديد من المهرجانات العالمية و الكرنفالات ومهرجان كارل ماي ( Karl May )في ألمانيا .
و ( كارل ماي ) كاتب و روائي و احد مشاهير ألمانيا عاش في منطقة سكوسونيا الالمانية و سجن فيها، و في سجنه كتب من الخيال زيارات قام بها، و أقواما إلتقاها، ومن ضمن من كتب عنهم الكرد، ويقام سنويا مهرجان سنوي يدوم ثلاثة أيام في ألمانيا تكريما لذكراه، و تدعى أوساط كردية عديدة و منها معهدنا للمشاركة في هذه المناسبة.
ومع ذلك، و بالرغم من الصعوبات، نجح المعهد الثقافي الكردي و بمساعدة محدودة من الحكومة الألمانية بتحقيق بعض المنجزات مثلا مهرجان عن الشاعر الكردي الكلاسيكي أحمد خاني و لقاء موسع ( كونفرنس ) عن المؤرخ الكردي شرف خان البدليسي و آخر عن الكتاب الزرادشتي المعروف آمنستا ويصدر المعهد مجلة بإسم لي كولن (Lekolin ) كما أصدرنا كراريس تعليمية مصورة للأطفال.
عدا ذلك توجد لدينا العديد من المشاريع المقترحة نطمح أن نحصل على دعم الحكومة الألمانية لتنفيذها مثل دراسات تنصب على العلاقة الاجتماعية بين الشابات و الشبان الأكراد مع أقرانهم من الألمان و علاقتهم بمؤسسات الدولة و المؤسسات التعليمية ومشروع مهرجان للموسيقى الكردية، و آخر للفن التشكيلي الكردي من المخطط أن يشترك فيه حوالي 50 فنانا تشكيليا كرديا، أما مشروعنا المهم لتدريس اللغة الكردية في المدارس الألمانية التي يدرس فيها أطفال من أصول كردية فتواجه صعوبات فنية و خصوصا اختلاف اللهجات الكردية و اختلاف حروف الكتابة المستعملة للغة الكردية في مناطق كردستان المختلفة.
4ـ هل تعتقد أن هناك تسييسا للفن الكردي أو العراقي من قبل الساسة، وان هناك محاولات لجعل الفن جزءا من دعاية الأحزاب.
ج ـ ينبغي، في المقام الأول، أن يكون الفنان مخلصا لمشاعره و أحاسيسه و أن ينقلها بصدق عن طريق إنجازاته الإبداعية ( لوحة، مسرحية، قصيدة...الخ ) و كرسام أطالب نفسي بأن تكون لوحتي متوازنة في العلاقة بين الشكل و المضمون و انسجاما الخطوط و الكتل و الفضاءات. و ينبغي على الفنان أن يتجنب الشعارات و الرموز المباشرة.
رغم ذلك فانني لا أستطيع أن أتجاهل أن الفنان هو ابن زمن معين و بيئة معينة و ليس بوسعه الا أن يكون رقيبا على الأحداث التي تحصل في عصره، وفي هذا الصدد أذكر مقولة للشاعر بابلو نيرودا و التي يقول فيها : كيف يمكنني أن اصف الفتيات الجميلات و عيونهن الساحرة في الوقت الذي يعاني وطني من القتل اليومي و تجري فيه أنهار من الدم.
بعد انتفاضة آذار 1991 مالت الكثير من اللوحات الى السقوط في المباشرة في ما تعكس من المعاناة التي واجهها الشعب الكردي أو العراقي عموما ما جعل اللوحات اقرب الى البوستر السياسي، وفي هذه العملية يحاول بعض الفنانين ارضاء بعض القادة السياسيين أو أوساطا من الجماهير. وقد حاولنا عن طريق الندوات و الاتصال المباشر بالمسؤولين السياسيين التحذير من خطورة هذا الاتجاه و ضرورة عدم دعم القيادات السياسية لمثل هذه التوجهات التي تضر بمستوى الفن التشكيلي، كما رأينا ضرورة تشكيل لجان لتقييم العمل الفني من وجهة نظر إبداعية وليس استنادا إلى التعبير السياسي أو التعبوي الذي تعكسه اللوحة.
5ـ أمس حضرت مع صديق افتتاح معرض في مقر الـ ( أس. بي. دي) أي الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يشارك في الحكم يمثل مقتنيات هذا الحزب من الأعمال الفنية خلال السنوات العشر الأخيرة، وفي الكلمة التي ألقتها سيدة من الحزب معنية بالشأن الثقافي فإنها كانت تتحدث بفخر عن مجموعة الأعمال الفنية التي اقتناها الحزب من الفنانين التشكيليين الألمان.
هل ترى أن هناك ما يمكن أن تتعلمه أحزابنا من هذه الأمثولة و خصوصا في كردستان التي تنعم باستقرار نسبي منذ فترة ليست بالقصيرة ؟
ج ـ توجد فوارق كثيرة تعتمد على الثقافة و الاستقرار، في أوربا هناك رسوخ و عراقة في التجربة الديمقراطية حيث الفن تقوم به مؤسسات مستقلة، احيانا تكون مدعومة من قبل الدولة، ولكن في أغلب الاحيان تكون ممولة من مؤسسات خاصة. ويشعر الساسة الاوربيون و الالمان أن تطور الفن في بلادهم هو منجز لكل البلد، ولا يهتمون للميول السياسية للفنان التشكيلي حتى لو لم يكن من أنصار الحزب أو حتى من معارضيه، إنما ينظر الى مستوى أدائه الفني و رسالته الجمالية و الانسانية و ليس ميوله السياسية.
في العراق يصار الى مراعاة اعتبارات اخرى كثيرة في الموقف من الفنان و العمل الفني، و تتأثر هذه المواقف بالانتماءات القومية و العرقية و الدينية والطائفية، و الانتماءات الحزبية. فعلى سبيل المثال حين يصار الى تنظيم مهرجان فني يزور احدى الدول الاوربية تقوم المنظمات الحزبية بترشيح الفنانين الموالين لها بغض النظر عن مستوى إدائهم الفني و الابداعي و هناك تدخلات كثير تحرم، مثلا، الفنان المستقل من الفرصة حتى لو كان جيدا كما توجد للأسف في كردستان معارض للأحزاب ينظمها أعضاء و مناصرو حزب ما في المناسبات السياسية.
نحن بحاجة الى ثورة ثقافية اجتماعية تؤسس لمؤسسات مدنية فنية مستقلة عن سلطة الاحزاب و تأثيرها.
6ـ بإعتبارك صاحب خبرة، هل تعتقد ان الفنانين التشكيليين الكرد أو العراقيين يحتاجون الى اتحاد أو نقابة تنسق نشاطاتهم و تساعد على تنظيم بعض فعالياتهم. أم انك تعتقد ان على الفنان أن يندمج مع الوسط الفني الاوربي على اعتبار ان الفن التشكيلي خطاب بصري يتجاوز الحدود و مشاكل اللغة ؟
ج ـ لقد فشلت العديد من المحاولات لتأسيس تجمعات أو جمعيات ثقافية أو تشكيلية بسبب التدخلات السياسية و المحاولات لجعل مثل هذا المؤسسات مكرسة لأغراض الدعاية الحزبية، وخصوصا ما حدث لـ " اتحاد فناني كردستان " و " جمعية فناني كردستان " في أعقاب انتفاضة الشعب العراقي و الكردي و كان السبب في الغالب التدخلات السياسية و الحزبية، و لم يكن الحال بالنسبة للمؤسسات الثقافية في عموم العراق أفضل حالا بل وربما أسوأ من عدة وجوه. وفي الخارج، في ألمانيا على وجه التحديد قمنا نحن الفنانين التشكيليين : منير العبيدي و منصور البكري و أنا فهمي بالايي و فنانون آخرون و قبل سقوط النظام بمحاولة لتأسيس جمعية تشكيلية و قد فشلت هذه المحاولات ربما بسبب ميل الفنان التشكيلي الى الحرية والعمل الفردي.
7ـ باعتبارك كاتبا و محاضرا في الفن التشكيلي الكردي، هل تواجهك مشاكل لغوية في مجال المصطلحات، وهل استطعت أن تجد الكلمة الكردية البديلة لكافة المصطلحات التشكيلية و النقدية ؟
ج ـ هناك بدون شك مصطلحات جديدة بالنسبة الينا في مجال الفن التشكيلي و خصوصا و أن الكتابات التي تخص الفن التشكيلي باللغة الكردية هي عموما كما هي عليه في منطقتنا عموما حديثة العهد و مع ذلك فاننا من خلال الكتابات و الترجمات نلجأ احيانا مضطرين الى استعمال المصطلحات التشكيلية و النقدية باللغات الاوربية كما هي عليه الاعمال النقدية و التي تخص تاريخ الفن في اللغة العربية مثلا، حيث لا يمكن دائما ايجاد بديل عن كل كلمة في اللغة المترجم اليها.
الصعوبة الحقيقية في هذا المجال هو تعدد اللهجات الكردية و اختلاف حروف الكتابة، فلدينا مثلا في منطقة كوردستان توجد ضرورة لتوحيد اللغة الكردية بلهجاتها الكرمانجية و السورانية و الزازكية و الكورانية وهناك اضافة الى ذلك لهجات محلية، ويعود السبب في ذلك الى غياب وجود كيان سياسي كردي موحد لكافة الاكراد يقوم بهذه المبادرة من أجل توحيد اللهجات المتعددة للغة الكردية، حيث كما يعلم القارئ فان كردستان قد قسمت الى العديد من الاقسام بين تركيا و ايران والعراق و سوريا بموجب مؤتمر لوزان.
8ـ في السفارات العراقية في الخارج لا توجد ملحقيات ثقافية، و يبدو أن ذلك ليس من الاولويات بالنسبة لوزارة الخارجية وحتى بالنسبة لبرامج الحكومة الجديدة هل تجد أن الامر طبيعي أو أن التحجج بعدم وجود الامكانيات هو أمر مقبول ؟ هل تتفق مع المسؤولين أن الضحية يجب ان تكون الثقافة دائما حين يتعلق الامر بالامكانيات ؟
ج ـ ان الاولويات الحالية بالنسبة للوضع العراقي هو الامن و تطوير المستوى المعيشي، مع ذلك أعتقد أن الثقافة سواء في الخارج أو في الداخل هي الضحية دائما حيث ينشغل القادة السياسيون بتقاسم المراكز كما أن التعيينات خاضعة للأوامر و الانتماءات الحزبية و ليست حسب الكفاءة بأي حال من الأحوال. مع كل تفهمنا للظروف لا أعتقد أن الامر مبرر و أعتقد أن هناك تقصيرا و قلة إهتمام بالشأن الثقافي و اعتباره غير ملح بالرغم أن وجهة النظر هذه غير صحيحة.
أعتقد أن هناك تقصرا من قبل ممثلي السلطة في العراق دائما في ما يخص الشأن الثقافي وذلك منذ تأسيس الدولة العراقية، أعتقد إن التاريخ يعيد نفسه بوجه آخر. إن ما نطلبه من سفارات و ممثلياتنا في الخارج ليس مجرد الحضور التشريفي بل الدعم الحقيقي للنشاطات الثقافية العراقية في المهجر.
9ـ هل تعتقد أن الفنان و المبدع هو سفير الدولة التي يمثلها ؟ الا نحتاج الى صورتنا الفنية و الابداعية لمواجهة الصور الاكثر انتشارا صور الدمار و القتل و الذبح و التفجيرات ؟
ج ـ أن اتفق مع هذا التصور لقد كان بابلو بيكاسو اعظم سفير لبلاده اسبانيا لدى العالم كله وقدمت اسبانيا من خلال بيكاسو واحدة من أعظم الاعمال الفنية وهي لوحة الغورنيكا الشهيرة، كما قدم سلفه كويا لوحة اعدام الثوار، و قدم ديلاكروا الفرنسي لوحة مثلت بلاده خير تمثيل وهي لوحته الخالدة والشهيرة " الحرية تقود الشعب ". و الفنان العراقي هو سفير العراق حيثما حل بفنه الذي حقق سمعة طيبة ويحتاج تبعا لذلك من السلطات المزيد من الاهتمام و الرعاية.
يواجه الفنان التشكيلي بشكل خاص تحديات حقيقية و مخاوف من لجوء البعض ربما الى تحريم الرسم كما قام البعض بتحريم لعب كرة القدم مثلا في الوقت الذي يحتاج الشعب الى مثل هذه النشاطات الابداعية لتقديم صورة مشرقة للعراق.
نعم بمستطاع الفنان العراقي أن يكون خير سفير لبلاده اذا ما قدم له الدعم المطلوب حتى ضمن أدنى الحدود.
برلين 7 ـ 6 ـ 2006
Munir_alubaidi@web.de