عالم الأدب

كفافيس شاعر يُرهق كل من يتناوله

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

سلوى اللوباني من القاهرة: يعتبر أ. وسام الدويك صاحب كتاب "كافافي..الشاعر والمدينة" - دار مصر المحروسة-أن الشاعر كفافيس يُرهق كل من يتناوله أو يتناول أي أمر يتعلق به بدءاً باسمه ومروراً باسمي والديه وحتى تاريخ نزوح والده الى الاسكندرية، فهناك اختلافات كثيرة في عدة مصادر تناولت كفافيس، ونظراً لتعدد المصادر وتضاربها أحياناً في ذكر المعلومة الواحدة آثر المؤلف باعداد جدول "شبه تاريخي" دون الالتزام التام بالتسلسل التاريخي للاحداث فذكر فيه المصدر أو المصادر بجوار الحدث والعام، وعلى سبيل المثال ذكر المؤلف عدة ملحوظات حول كتابة إسم الشاعر في أكثر من مصدر فهناك كتابات مختلفة لاسمه صدرت في كثير من المقالات أو الكتب التي تناولت أشعاره وحياته مثل (كافافي، كفافي، كافافيس، كفافيس) وخلص الى أن الاسم الذي يبدو أكثر شهرة نطقاً وكتابة هو "قسطنطين كفافيس"، وكذلك أشار الى اللوحات المعلقة على متحف الشاعر كفافيس (بيته) الكائن في 4 شارع شرم الشيخ بالاسكندرية فواحدة تحمل إسم كفافيس والاخرى كافافيس، أما ما هو مكتوب على شاهد قبره في المقابر اليونانية بالشاطبي والتي ترجمها المؤلف على النحو التالي هو "كونستانتين ب. كافافيس توفي في الاسكندرية في 29 ابريل 1933"، إضافة الى ذلك الاختلاف الواضح بين ترجمتي أحمد مرسي "كافافي شاعر الاسكندرية" ورفعت سلام "قسطنطين كفافيس الاعمال الشعرية الكاملة" فالاول لم يشر الى القاموس التاريخي الذي كان كفافيس قد بدأ في كتابته وهو الحدث الذي يؤكده د. نعيم عطية في كتابه "ديوان كفافافيس شاعر الاسكندرية"، كما أشار المؤلف الى أن التاريخين الوحيدين اللذين تمكن من الاعلان عنهما بكل ثقة في حياة كفافيس التي امتدت سبعين عاماً هما تاريخ ميلاده وهو 29 ابريل 1863 وتاريخ وفاته 29 ابريل 1933 على ما أجمعت عليه المصادر، حيث أنهما الوحيدان اللذان لم يشارك كفافيس بأي شكل في خلق غموضه المعهود حولهما ذلك الغموض الذي كان يتعمد صنعه حول حياته وأحداثها ومفارقاتها على حد تعبير المؤلف، وتجدر الاشارة هنا الى أن تاريخ ميلاد كفافيس كما ورد في كتاب آخر صدر حديثاً عن "الدار" بعنوان "في إنتظار البرابرة" من تأليف "ديزموند اوجريدى" وترجمة شوقي فهيم هو 17 ابريل وذلك يناقض أيضاً ما ذكره أ.وسام الدويك في كتابه، واقتصر كتاب "في انتظار البرابرة" على تقديم نبذة مختصرة جداً عن حياة كفافيس وعن إنجازه الشعري كشاعراً حداثياً أو شاعراً ينتمي الى التكعيبية، وكما ضم أشعاراً مأخوذة من نصوص نهائية منشورة لكفافيس ورتبت ترتيباً زمنياً على أساس التاريخ الذي كتبت فيه القصيدة لاول مرة.

الشاعر.. والمدينة
يرتكز كتاب "كافافي..الشاعر والمدينة" على خمس محاور رئيسية هي الشاعر، القصيدة، المدينة، المتحف، الناس، وقد قام المؤلف باعداد الكتاب بمساعدة المركز اليوناني الثقافي بالقاهرة ودعم الملحق الثقافي الباحث السينمائي والمترجم "يني ميلاخرينودي"، يمثل كل محور من هذه المحاور فصل من الكتاب حيث يتناول الفصل الاول "الاسرار القديمة" سيرة حياة شاعر الاسكندرية الكبير، شاعر العامية اليونانية المصري السكندري صاحب دبلوم التجارة، السمسار، الموظف الذي لم تخنقه الوظيفة والذي لم يتم تعينه طيلة ثلاثين عاماً من العمل الحكومي (المؤقت)، حفيد تاجر الالماس وإبن رجل الاعمال وسيدة الطبقة الارستقراطية، وخص المؤلف صفحات من هذا الفصل عن علاقة كفافيس بوالدته فهو الابن التاسع بعد إبنة واحدة "هيلليني" والتي لم تعش طويلا، فكان عزاءها عن ابنتها الوحيدة التي فقدتها، فكانت تلبسه ملابس البنات وتمشط شعره وتضفره وكانت تعامله معاملة البنات، ولا يفارق والدته وهذا ما اعتبره البعض سبباً في كون كفافيس ذو شخصية خجولة منطوية لا يعتمد على نفسه في شئ فكل رغباته مجابة من خلال والدته والخدم، وكان مفتوناً بامه ولم يكن في نظره ثمة إمرأة أو فتاة بلغت ما بلغته أمه من جمال، وظلت لديه رغبة ملحة في أن يتقمص شخصيتها عندما صار رجلاً له مطالبه العاطفية، كما رصد المؤلف ضمن هذا الفصل سلسلة من الوفيات خلال سنوات معدودة تبعت وفاة والدته عام 1899 فتوفي أكبر أشقائه "جورج" عام 1900، وشقيقه "اريستيديس" عام 1902، والكسندر -وهو أحب أشقائه الى نفسه- عام 1903، و"جون" عام 1923 وأخيراً "بول" عام عام 1920، أما كفافيس فقد أصيب بمرض سرطان الحنجرة عام 1932 وأجريت له عملية جراحية وأسفرت عن فقدانه الكامل لصوته، وقضى الاشهر الاخيرة من حياته في المستشفى اليوناني بالاسكندرية الى ان توفي في ابريل 1933، أما محور القصيدة وهي تعبر عن علاقته بالكتابة والنشر فجاءت بالفصل الثاني "أجمل نساء العالم" وتناول الفصل الثالث "المدينة المجاورة لمصر" تاريخاً موجزاً للاسكندرية وتقريب بعض ملامح الاسكندرية التي عاش فيها كفافيس من خلال الشعر والرحالة والعمارة وغيرها من الامور، وعنوان الفصل الرابع "معبد الروح" الذي رصد من خلاله كل محتويات بيت أو متحف كفافيس، الذي تم افتتاحه في 16 نوفمبر 1992 ويتكون من ثلاثة طوابق في كل منهما شقتان وتتكون شقة متحف كفافيس من ست غرف وثلاث حمامات ومطبخ، والفصل الاخير من الكتاب كان بعنوان "ثريا رائعة تسطع بالنور" يرصد فيه تاريخ "جائزة كافافي الدولية" ومقولات عنه وكذلك كافافي أون لاين، ويجدر الاشارة الى أن الكتاب كتب باسلوبين الاول علمي بحثي والثاني صحفي استطلاعي حتى يتناسب كل أسلوب مع الموضوع الذي يتناوله.

الكتابة والنشر
تناول الكتاب أيضاً حياة كفافيس الدراسية وإهتماماته الثقافية، وعقيدته التي نشأ عليها وهي العقيدة الارثودكسية اليونانية، وأفكاره الليبرالية ذات النزعة الانسانية التي عكستها قصيدته "إيثاكا" وهي أن روعة المصير الانساني ليست في الهدف بل في السبيل الى ذلك الهدف وغيرها من القصائد، وقدم تجربة كفافيس الشعرية ووضح المؤلف بأنه ليس بصدد دراسة نقدية لاشعار كفافيس أو ترجمة جديدة لقصائده، وأشار الى الامور التي شكلت حساسيته الشعرية وقراءاته الادبية الانجليزية، وكتاباته باللغات الاجنبية، ودراسته للتاريخ البيزنطي والاغريقي الذي أصبح مثار اهتمامه طوال حياته وموضوع الكثير من قصائده، فقد تميزت أشعاره بالجنسية والفلسفية والتاريخية، كما رصد أعماله المنشورة والغير منشورة حيث أنه بدأ يكتب الشعر وعمره 19 عاماً ولكن أول مجموعة مطبوعة من أشعاره تم نشرها عندما بلغ من العمر 41 عاماً، كما ُيقال بان كفافيس كان يكتب حوالي سبعين قصيدة كل عام، ومع ذلك لم يكن يحتفظ منها سوى بأربع أو خمس ويبدد الباقي، ومن وقت لاخر كان يرسل قصائده الى المجلات لكنه كان يفضل طريقة مباشرة لاختبار قيمه أعماله وتكمن في إرسال نسخ من قصائده الى أصدقائه وبعد اطراء الاصدقاء كان يبعث بها الى المجلات، وقد نشر مجموعته الاولى عام 1904 وتضم 14 قصيدة، وفي عام 1910 نشر مجموعته الثانية مضيفاً 12 قصيدة الى الاربع عشرة التي تضمنتها مجموعته الشعرية الاولى، ونشرت مجلة "الحياة الجديدة" قصائده بانتظام منذ عام 1908-1918 وبمرور الوقت بدأت قصائده تعرف الطريق الى النشر على نطاق متزايد في اليونان وطريق الترجمة الى الفرنسية والايطالية والالمانية والانجليزية، لكنه لم ينشر كتاباً آخر خلال البقية الباقية من حياته والطبعة الاولى الشاملة لقصائده التي لم تضم قصائده الاولى نشرت عام 1935 بعد عامين من وفاته، كما أشار الى تصنيف د. رفعت سلام في كتابه الاحدث عن كفافيس "قسطنطين كفافيس..الاعمال الشعرية الكاملة" وهو تصنيف لاعمال كفافيس الشعرية وتشتمل حالياً على أربع مجموعات متمايزة من القصائد وهي القصائد المنشورة: القصائد التي تضمنتها طبعة عام 1935 من قصائده باعتبارها الطبعة المرضي عن قصائدها من قبل كفافيس وتضم 154 قصيدة، وهي المجموعة التي يعكف عليها عادة كل من أراد تقديم مختارات من قصائد كفافيس الى هذه اللغة أو تلك،
والقصائد غير المنشورة: وتضم 66 قصيدة لم يضمنها كفافيس أياً من أعماله المنشورة خلال حياته كما لم تتضمنها طبعة عام 1935 من قصائده التي نشرت بعد عامين من وفاته، والقصائد الاولى: وتضم 33 قصيدة من قصائد البدايات الكفافية، التي استبعدها كفافيس من أي عملية نشر بل أوصى بالخلاص منها مادياً وعدم نشرها، والقصائد غير المكتملة: وتضم 34 قصيدة لم يمهل الزمن كفافيس لانهائها خلال السنوات الاخيرة من حياته وقامت بتحقيقها "ريناتا لا فانيني" استاذة الدراسات اليونانية البيزنطية بجامعة باليرمو وصدرت منذ بضع سنوات في أثينا باليونانية ولم تصدر ترجمتها لاية لغة من لغات العالم حتى الان.

أسباب عدم إدراك أهميته
وعن علاقاته الادبية ذكر المؤلف بأنه أقام علاقات أدبية مهمة خلال أعوامه الاخيرة منها علاقته ب إ.م. فورستر وبدأ اسهامه الفريد في شعر القرن العشرين يشهد بعض الاعتراف به،
ورغم كل شهرته المحلية الا أنه ظل غير معروف ومعترف به في في اليونان حتى نهاية حياته ووضح أنه يكمن الاستثناء الوحيد في مقالة الناقد الانجليزي "جريجوري إكسينوبوليس" عام 1919 الذي قال فيها "أن كفافيس بالغ القوة وبالغ العظمة وهو واحد من البارزين في الحركة الفكرية والثقافية لم يحدث أن عرض عملاً شعرياً له للبيع"، ورغم أنه التقى بالكثيرين من الادباء اليونانيين خلال زياراته المتكررة لاثينا وآخرها زيارته العلاجية لمدة 4 شهور قبل وفاته الا أنه لم يلق ما يستحقه من الاستقبال الادبي ويبدو أن أهميته لم يتم ادراكها قبل وفاته لنفس الاسباب تماماً التي جعلت منه الان الشاعر اليوناني الاكثر أصالة وتأثيراً في هذا القرن، ومن هذه الاسباب نفوره الصارم في سنوات نضجه من البلاغة التي كانت سائدة آنذاك وسط الشعراء المعاصرين في اليونان، والاقتصاد في استخدام الشخوص والاستعارات، والايحاء الدائم بالايقاعات الشفهية والعاميات، ومعالجته الصريحة والطليعية للمثلية الجنسية وإعادة تقديمه للانماط الدرامية التي ظلت في طور السبات منذ العصور الهيللينستية إضافة الى حساسيته التاريخية الحيوية والرفيعة والتزامه بالهيللينية مقترناً بنزعة رواقية ماكرة فيما يتعلق بالسياسة، ونزوعه الى الكمال الجمالي، وإبداعه عالماً أسطورياً غنياً خلال سنوات نضجه، هذه السمات التي لم تكن رائجة في أيامه ورفضه دخول السوق من أجل الوجاهة ربما منعته من تحقيق ما تستحقه عبقريته خلال حياته.

من أقوال كفافيس التي وردت في الكتاب "الكتاب والشعراء الكبار ينجزون أعمالهم في الغالب الاعم وهم في فترة شبابهم قبل أن تدهمهم الشيخوخة، أما أنا فاني شاعر الشيخوخة فالاحداث الآنية لا تلهمني.... يجب أولاً أن يمر عليها وقت ما.. وبعدها أسترجعها وأستشعر إلهاما".

salwalubani@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف