مجموعتا رعدعبدالقادر في كتاب واحد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بيروت من جورج جحا (رويترز): يتسم معظم قصائد الشاعر الراحل رعد عبد القادر في مجموعتيه اللتين صدرتا بعد وفاته.. بقماشة شعرية مميزة ذات ملامح خاصة بصاحبها وبأجواء تجعل عاديات الحياة تنبض بحيوية وتتحول الى عناصر ايحائية دافئة. بشكل عام.. المجموعتان اللتان جاءتا في كتاب واحد وبصورة خاصة مجموعة "صقر فوق رأسه
وقد جاء في مقدمة الكتاب التي لم تحمل اسم كاتبها. ومنذ مجموعته الشعرية الاولى (مرايا الاسئلة - 1979) بدا رعد عبد القادر يسعى الى الاشتغال على قصيدته بهدوء ميزه عن بقية اقرانه من بعض شعراء ما سمي جيل السبعينات الذين اتسمت تجاربهم بصخب واضح..." وهذا الهدوء في تجربته "يتمثل في المستوى الجمالي والدلالي للقصيدة التي اشتغل على كتابتها وفي طبيعة افصاحه عن تجربته وفي وسط صخب بسجالات غطت في غالب الاحيان على صوت القصيدة وهي سمة اصبحت غير خافية في اية اعادة تقويم لتجربة شعراء السبعينات في العراق."
في قصائد النثر التي كتبها عبد القادر أجواء غرابة.. ضبابية حينا ونفاذة حينا آخر تنسج بما قد يصح وصفه مجازا بانه "خيوط سحرية" او بانها تشبه احلاما بغلالات شفافة. وهو دائما يلتقط بعض يوميات الحياة وعادياتها ويحولها الى تلك الاجواء والى حالات يسبح فيها الرمزي والمجازي في بحر من الدفء والايحاء.
في قصيدة "اجواء ذائبة" من مجموعة "صقر فوق رأسه شمس" يقول رعد عبد القادر وكأنه يروي قصة "عامل الهواتف/ حط ذات شتاء قرب كابينة غارقة بالماء/ بعد دقائق اختلطت الاصوات بالماء وذابت/ قطرات من الشمس تلألأت على سطح اوراق/ لشجرة عجوز/ عصفور حرك ذيله محاولا التخلص/ من كرة الاسلاك/ قطرات من دمه على الارض اختلطت بذهب الغروب/ اسند رأسه الى باب الكابينة وغفا/ سقطت من يده الاشياء../ سماعة الهاتف/ مقص صغير/ واوراق/ نثرتها الريح .../ كانت الاصوات تصله في النوم/ انتصبت قرب رأسه شجرة وارفة الظلال/ ومرت به امراة وضعت على ضريحه وردة/ ومضت/ الان الكابينة الغارقة بالدم/ غارقة بالدم/ الكابينة الغارقة بالدم."
ونقرأ في قصيدة "تحولات" ما يشبه سريالية ذات طابع خاص. يقول "هذه الخرقة المرمية بماذا تفكر../ باشباحها المنتقاة بدقة/ بحاجتها الى الظهور/ باعلان براءتها من القتل المتعمد..../ كيف وهي مرمية تأخذ تفكيرها الريح/ حيث لا اقدام تنقل الكرات/ الى هدفها المصمم/ ولا رؤوس.."
وفي اجواء مماثلة نوعا ما يمتزج فيها الواقع بالغرابة يخلق من بعض يوميات القتل والموت في بعض عالمنا حالة إنسانية ينتقل فيها الواقعي الى ما هو فوق الواقعي وتضيع الاحلام الكبيرة بين حطام او ركام احيانا... وتستمر الحياة.
ففي "سيارة تاريخية" يقول "هيكل سيارة في العراء كسقيفة في صحراء/ ضوء القمر يسقط على لوحة المفاتيح/ السيارة تنطلق/ الرجال الملثمون الثلاثة اختفوا في الموعد/ لم يستطيعوا تغيير العالم/ الرجل الجالس في الخلف لم تخترقه الرصاصات/ الريح في الخارج مازالت ريحا في الخارج/ هيكل السقيفة ما زال شاخصا/ ضوء القمر ما زال يسقط/ مرآة السيارة ما زالت تظهر العراء المملوء/ بالاصوات."
في قصيدة "جريمة قتل" يضفي ما يبدو سرياليا جوا لا من الغرابة فحسب بل من الشك والاتهام اللذين لا حدود لهما. وياتي ذلك كما في سائر القصائد في تصويرية مؤثرة. يقول "الايدي تتلامس قرب النافذة في المنزل المقابل/ بألفة/ انهم يسحبون الجثة/ ويوارونها في الحديقة/ في الصباح خرج الرجل الاعمى/ مادا يده الى امام/ انه يتجه الى النهر/ كانت الابتسامة تخفي/ جريمته."
وفي مجالات اخرى تتحول هذه الغرابة فلا تعود تثير الشك والاتهام.. بل تصبح اقرب الى عالم احلام طفولية ناعمة. من ذلك قصيدة "سرير الاحلام" حيث يقول "الاحلام الوردية في سرير الرجل النائم/ لم تظهر في مرآة الغرفة المغلفة/ بورق الجدران/ كانت النجوم في الورق ترسل بضوئها في المرآة/ قنينة الغاز كانت ترسل بضوئها في المرآة/ قنينة الغاز كانت ترسل بضبابها/ الرجل لم يعد يتنفس/ والاحلام نزلت من السرير الى الارض/ وفتحت النوافذ ونظفت الغرفة/ ووضعت وردة في فوهة قنينة الغاز/ وانسلت بعيدا يدا بيد مع الرجل/ النائم في السرير/ والنجوم ما زالت تسطع في ورق الجدران."