نظرة في مقدمة قصيدة نهج البردة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
قد يكون من المفيد، أن نضع أمام القارئ، الابيات المعنية أوّلاً حتى يسهل الرجوع إليها، ثم نورد ماقاله عنها بعض الباحثين ومؤرخي الادب، قبل أن نقدم انطباعاتنا الشخصية:
1 - ريمٌ على القاعِ بين البانِ والعلمِ أحلَّ سفك دمي في الاشهر الحُرُمِ
2 رمى القضاءُ بعينيْ جؤذرٍ أسداً يا ساكنَ القاعِ أدركْ ساكنَ الأجَمِ
3 لمّا رنا حدثتني النفسُ قائلةً ياويح جنبك بالسهم المصيب رُمي
4 جحدتها وكتمتُ السهمَ في كبدي جرحُ الاحبة عندي غيرُ ذي ألم
5 رُزِقتَ أسمح ما في الناس من خُلُقٍ إذا رُزِقت التماس العذر في الشيمِ
6 يا لائمي في هواهُ والهوى قَدَرٌ لو شفّك الوجدُ لم تعذِل ولم تَلُمِ
7 لقد انلتك أُذناً غير واعيةٍ وربَّ منتصتٍ والقلبُ في صممِ
قسّم المؤلف الطبيعة المتحركة: عالم الحيوان الى أ - الحيوانات المفترسة. ب - الطيور. ج - ذوات الاربع ماعدا الحيوانات المفترسة. ومايعنينا هنا هو باب ج. يقول المؤلف: " نرى الظبية في هذا الباب اكثر الحيوانات تواتراً في صور الشاعر على الاطلاق، واكثر ما ترد الظبية صورة للمرأة الجميلة المعشوقة وهي صورة تقليدية كما في قوله:
قلب بوادي الحمى خلفته رمقاً ماذا صنعتِ به يا ظبية البان
ِ
وقلّما ترد لغيرها، على انها توصف دائماً وابداً مخلوقاً ضعيفاً لطيفاً، كما نتبين من الاستعارة التالية التي قابل فيها بين الظبي والرئبال وهو الاسد:
أخذت حكومتُك الامان لظبيةٍ في مقفرات البيد من رئبالهِ
وقد خرجت أغلب صور الظبية بهذا اللفظ، على ان الشاعر قد يقدِّمها بلفظ السرب في سياق يدلّ على أن المراد جماعة الظباء، او بلفظ الريم، كما في هذا الطالع:
ريمٌ على القاع بين البانِ والعلمِ أحلَّ سفك دمي في الاشهر الحُرُمِ"
لابدَّ أنَّ المؤلف بذل جهداً في تبويب معلوماته، ولكن ما فاته ان الحيوانات التي استشهد بها أعلاه، ليست حيوانات، وانما بشر لهم صفات مختارة ومستحسنة من الحيوان. بكلمات اخرى إنها رموز واستعارات وتشبيهات. مع ذلك، حتى لو كان ثمة وجوب الى اجراء احصائية لعدد المرات التي ورد بها اسم هذا الحيوان او ذاك، لا بدَّ من البحث في كيفية توظيف ذلك الحيوان من قبل الشاعر، بأي توقيت في الصورة جاء، هل أضاف جرساً جديداً؟ لوناً جديداً؟ هل اصبح الاسلوب اكثر حناناً مع " ظبية البان" او اكثر شراسة مع الرئبال، او أخطر ضعفاً مع الريم؟ بالاضافة الى ذلك، لماذا تصورّ الطرابلسي ان الشاعر يذكر الظبية بالمفرد، و " المراد جماعة الظباء"؟ ألا تكون الحكومة اكثر عدلاً إن هي وفّرت الامان لظبية وحيدة في البيد المقفرات من رئبالٍ بعيدٍ ـ كما يبدو ـ عن يد الحكومة؟
من ناحية اخرى فان الثقل النوعي في البيت يتمثل بالظبية وهي بصيغة المفرد، مقابل " مقفرات البيد" بصيغة الجمع أي ان هذه المخلوقة الضعيفة لها حرية أوسع في الحركة وبأمان. ( سنعود فيما بعد إلى: ريم على القاع" ) . أمّا حلمي على مرزوق في كتابه: " شوقي وقضايا العصر والحضارة" فيسمّي وفرة عناصر الصورة الشعرية ومهرجانياتها وهي احدى أهم خصال شوقي في التأليف، استطراداً، وهذا الاستطراد مفروض على الشاعر من قبل " المجتمع والناس وبما درجوا عليه من أخلاق وعادات، وما شبّوا عليه من تراث وحضارة في الرأي والتصرف والسلوك " ( ص 178). يؤمن الكاتب أن شوقي يستطرد " وفاءً بحق السامع في الاقناع، وحقّ الرؤية الادبية في التعبير عنها وتحرّي الصدق في أمرها، فيظن الظان به التفكك أو الخروج عن السياق" ( ص 178).
الكلام أعلاه مشوّش إلى حدّ ما، ومغلّف برشاش من الكلمات. بعد أن يورد الكاتب الابيات السبعة الاولى، يقول: " ومؤدى هذا القول إن شوقي يضاعف لك في جمال المحبوب ويغالي في المغالاة ليحملك على التسليم له في حبّه والتتيّم به وهو بهذه المغالاة يصيب أمراً آخر يُفهم من السياق وهو المغالاة ـ تبعاً ـ في مقدار جلده والصبر على أمره والترفق به". ( ص 179).
بكلمات اخرى يعتقد الكاتب ان " استطرادات" شوقي كما يسميها، لم تأتِ لأسباب فنيّة، وانما لأن الشاعر " يخاف العذل ويخشى اللوم والتثريب، وهل العذل إلاّ حكم المجتمع ورأي الناس في التصرف والسلوك" ( ص 179).
ولأن الكاتب آمن بما ظنّه تخرصاً، استطرد استطرادات أقرب إلى الهزل منها إلى الجدّ. قال الكاتب:" فإن كنتَ ماتزال متأبياً عليه، آخذاً بلحيته ورأسه، بالغ في إغرائك بالصفح وتملّق فيك خلق السماحة، ردّك إلى القضاء والقدر، واعتذر لك بحكمها في الناس:
يالائمي في هواه والهوى قدرٌ لو شفّك الوجد لم تعذل ولم تلمِ.
يمعن الكاتب في استطراده:" فإن أبيت عليه جميع هذه الحجة، ِوأقمت على إصرارك وعنتك، صرف عنك وجه القول ومضى لسبيله، فلا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها:
لقد أنلتك أُذناً غير واعية وربَّ منتصتٍ والقلب في صممِ
على نمطٍ كهذا من إلقاء الكلام على عواهنه، وبلا شعور بمسؤولية ما، يكتب كذلك إيليا الحاوي في كتابه:" احمد شوقي ـ امير الشعراء ـ " ( الجزء الثاني) معلقاً على الابيات الخمسة الاولى " نجد ان الشاعر استهلَّ استهلالاً تقليدياً، كما أنه عمد الى الاوصاف المنهوكة في سنّة القصيدة الغزلية. الحبيب مقيم بين البان والعلم. وهذه الصورة مغرقة في الجاهلية منذ ايام الصحراء الاولى". ص ( 35-36).
أولاً لم يكن الظبي مقيماً، ولو كان كذلك، لفقد المطلع عنصر الادهاش.
يقول ايليا الحاوي معلقاً على البيت الثاني:
رمى القضاء بعيني جؤذرٍ اسداً ياساكن القاع أدرك ساكن الاجمِ
" واذا كان البيت الثاني من تلك الابيات يجوز على الشاعر دون حرج، فان صفة الشعر تنتفي عنه اطلاقاً، إذ يتأكد لنا انه لم يفقه قطّ وظيفة الشعر ولاغايته، وانه كان يهذر ويهرف بما يعرف ولايعرف" ( ص 38).
يا استاذ ايليا، إذا كان احمد شوقي لايفقه قطّ وظيفة الشعر ولاغايته، وإذا كان يهذر ويهرف، فلماذا كتبت عنوان كتابك: " احمد شوقي ـ امير الشعراء؟".
يبدو ان لسان ايليا الحاوي انفلت بما لا يستساغ سمعه فقال: " وبدلاً من أن يستقي الشاعر من الينبوع، إذا هو يعبُّ من المستنقع الآسن، ويستطيب الشراب الذي لاغت به الدهماء والعامة عبر العصور" ( ص 38).
ما هذه اللغة؟ وما هذا المعجم؟ ما هذه القدرة على التطاول؟ هل كان شوقي يعبُّ من المستنقع الآسن؟
ان تعريف ايليا حاوي للشعر لم ينزل به كتاب من قبل. قال: " وإنما الشعر هو محاولة دائمة لهدم العالم وبنائه من جديد. قبض على سرابه الخاطف المتلمح، ملاحقة لذلك القبس النازح النفس، حسرة دائمة للقبض على ناصية المجهول..." ( ص 38-39).
هنا يضع الحاوي بين أيدينا جملاً مفخخة لا تؤتمن. لماذا هدْم العالم ولماذا بناؤه من جديد؟ على أية أسس؟ وماالغاية؟ ثم هل بحق السماء قبضت يوماً على سراب، فكيف إذا كان خاطفاً متلمحاً؟ من الافضل أن أترك ايليا الحاوي بـ " حسرة دائمة للقبض على ناصية المجهول، راجياً منه أن يُطلعنا ما الذي يعنيه بالمجهول. ثم أليست هناك كلمة اخرى غير هذه الكلمة البوليسية: القبض!
يبلغ الكاتب ذروة غموضه حين يقول:" شوقي كان ابن النعيم ركدت به انفعالاته ولم تعرف تلك الظلمة المدلهمة العمياء التي تصدرعنها التجارب الفنية". حينما أقرأ كلاماً كهذا أشعر وكأننا نتكلم لغتين مختلفتين!.
تصوّرت كقارئ أنَّ ايليا حاوي سيدلني على مواطن الضعف والقوة في الابيات الخمسة التي أشار اليها. إنه لم يذكر ما دلالة استخدام الالفاظ القديمة، ولا الموسيقى العالية النبرة، ولا الالوان التي تميّز بها المقطع.
ينقل شوقي ضيف عن محمد حسين هيكل قوله:" اما لغته ( لغة شوقي) فتعتمد على بعث القديم من الالفاظ التي نسيها الناس وصاروا لا يحبوّنها، لأنهم لا يعرفونها، ولعلَّ سّر ذلك عند شوقي ان البعث وسيلة من وسائل التجديد، بل قد يكون البعث آكد وسائل التجديد نتيجة ما يوجد من أرباب اللغة ممن يفيضون على الالفاظ القديمة روحاً تكفل حياتها والبعث"( ص 16).
يلتفت عبدالمنعم شميس في كتابه:" شخصيات في حياة شوقي"، إلى أهم خصلة يتحلّى بها شوقي:" أعظم شئ في شعر شوقي موسيقاه" ( ص 164).
يقول شميس في قصيدة رثاء شوقي لسعد زغلول، ومطلعها:
شيعوّا الشمس ومالوا بضحاها وانثنى الشرق عليها فبكاها
" انت ترى في رثاء سعد خشوعاً وخضوعاً في نغم الشعر، مع ارتفاع النغم الشعري إلى السماء باستخدام الالفات والهاءات في نهاية المقاطع" ( ص 165).
ويقول عن رثائه لحافظ:
قد كنتُ أوثر أن تقول رثائي
يا منصفَ الموتى من الاحياء
" وفي رثاء حافظ استسلام وانكسار حتى إنه يستخدم الهمزة المكسورة في نهاية المقاطع بسبب هذا الانكسار الذي كان يحسُّ به أمير الشعراء، ويترقبه في نفسه حتى النهاية.
وأنت تسمع:
"وُلِد الهدى فالكائنات ضياءُ"
فتحسُّ بأن نغمة الشعر تتآلف هي والنور عن طريق التركيب اللفظي بكل حروفه المتناسقة التي تصل بك إلى الشطر الآخر من البيت:"وفم الزمان تبسّم وثناء"
rdquo; الدراسة الصوتية لشعر شوقي من الامور الهامة. التفت الدكتورإبراهيم ناجي إلى خصائص هذا الشعر العبقريّ، ووصفه بالموسيقية(ص 165).
نحاول الآن أن نقدِّم نظرة في الابيات التي اقتبسناها في بداية هذه المقالة، وهذا معجم سريع لمعاني بعض الكلمات الواردة فيه:
ريم: الظبي الخالص البياض
القاع: أرض مستوية مطمئنة عما يحيط بها من الجبال والآكام
العلم: الجبل الطويل
البان: سبط القوام ليّن. ضرب من الشجر، واسم جبل
جؤذر: ولد البقر الوحشية
رنا: أدام النظر في سكون طرف
الجحود: الإنكار مع العلم
قبل كلّ شئ، أهمّ ما يميّز الأبيات أعلاه هو كثرة المفاجآت.
تفاجأ الشاعر أوّلاً ـ كما يبدو ـ برؤية ريم. تظهر هذه المفاجأة في ثلاث نواحٍ: 1- تنكيرالريم وكأن راويةالقصيدة لم يكنْ يتوقعها. راوية القصيدة فوجئ بما رأى. 2- ابتدأت القصيدة بالريم وكأن ظهورها قطع عليه سلسلة أفكاره. 3- وجود الريم بين البان: وهو الشجر السبط القوام وبين جبل العلم، أي بالكاد تُرى. بهذه الوسيلة بيّن الشاعر صغر حجم الظبية وبالتالي ضعفها.
الريم هو الظبي الخالص البياض. هل لهذا اللون دلالة في القصيدة؟ وما دلالته؟ هل لأنه لون العفة أم البراءة أم النقاء والطُهر؟
أكثر من ذلك اخبر الشاعر عن" ريم" بصيغة المفرد بدون رفاق. لماذا مفردة؟ هل جعلها الشاعر عرضة للخطر، وبهذه الوسيلة يستدرّ عطفنا عليها؟ أم لإثارة فضولنا؟
في الشطر الثاني " أحلَّ سفك دمي في الاشهر الحرم"، يكون اللون الاحمر مقابلاً للون الابيض.
كان اللون الابيض جامداً، بينما اللون الاحمر مسفوكاً مراقاً وكأنه منحور. كلُّ ذلك جرى في الاشهر الحرم، اي من حيث لم يكن يتوقعه راوية القصيدة مطلقاً. بهذه الوسيلة يكون الشاعر قد أدخل عنصر المفاجأة مرّة ثانية عن طريق سفح الدم المحرّم.
في البيت الثاني:
رمى القضاء بعينيْ جؤذرٍ أسداً ياساكنَ القاع أدركْ ساكنَ الأجمِ
إذن ما حدثَ في " الاشهر الحرم" كان شيئاً خارقاً يصعب معه الالتزام بالأعراف فهو قضاء، لا رادّ له. أكثر من ذلك، لايقلُّ خرقاً لطبيعة الامور أن جؤذراً وهو ضعيف يتغلب على أسد وهو ما هو.
حينما تكون المعادلة قد انقلبت على تلك الصورة، فان المنطق ينقلب هو الاخر، فيستغيث راوية القصيدة " بالمقتول للقاتل، لا منه".
لنعدْ ثانية إلى " يا ساكن القاع ادركْ ساكنَ الاجم".
المفروض أن ساكن القاع هو الهدف السهل بعكس ساكن الاجم اي الشجر الملتف، الذي يكون متخفياً إلى حدّ ما. بهذه الوسيلة، لا شكَّ قوّى الشاعر من لا منطقية الاشياء.
يعود الشاعر في البيت الثالث إلى حاله هو:
لمّا رنا حدثتني النفس قائلة ياويح جنبك بالسهم المصيب رُمي
بالبيتين الاولين، يكون راوية القصيدة قد سرد الحادثة. والآن إلى توقيتها بتعبير " لمّا رنا " ومعها أصبح راوية القصيدة شطرين منفصلين هما " حدثتني النفس " وكأنها تخاطب شخصاً آخر.
رنا لغةً: إدامة النظر في سكون طرف. أي ما من حركة ولا بدَّ لكل سفح دم من حركة. هذه هي المفارقة أي كيف يحدث فعل من لا فعل؟.
حين تقول النفس: " ياويح جنبك بالسهم المصيب رُمي" ندرك على الفور ان هذه الاصابة كانت من المفاجأة بحيث لم يشعر بها راوية القصيدة. ولزيادة غموض الرمي جعل الفعل رُمي فعلاً مبنياً للمجهول، وكأنما كان راوية القصيدة غافلاً كلّ الغفلة عمّا جرى إليه. كما ان صيغة رُمي ككمية موسيقية توحي بشئ ملموم صغير سريع.
يقول الشاعر في البيت الرابع:
جحدتها وكتمت السهم في كبدي جرح الأحبة عندي غير ذي ألمِ
جحد راوية القصيدة نفسه التي كانت تحدثه، والجحود كما في اللغة " انكره مع علمه به". وفي التنزيل العزيز " وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم "، واخفى السهم في كبده لأنه لا يؤلم.
ينتقل راوية القصيدة في البيت السادس:
رزقت أسمح ما في الناس من خلقٍ إذا رزقت التماس العذر في الشيمِ
إلى قارئه أو سامعه، وكأنه استنكر عليه إخفاء السهم وعدم الإتيان بأيِّ احتجاج فيأتي بالتماس العذر وكأنه سجية حميدة ترزق بها الطبيعة البشرية.
ومن القارئ أو السامع العام، يخصص راوية القصيدة، اللائم بالذات وكأنه لم يقتنع:
يالائمي في هواه والهوى قدر لو شفّك الوجدُ لم تعذلْ ولم تَلُمِ
ليس لراوية القصيدة من حجة لاقناع ذلك اللائم سوى " ان الهوى قدر " ولايؤمن بذلك إلاّ مَن شفّه الوجد.
يبدو ان اللائم الحّ في لومه، فلم يُصغِ إليه راوية القصيدة:
لقد انلتك اذناً غير واعيةٍ وربِّ منتصتٍ والقلب في صمم
مرَّة اخرى يصبح راوية القصيدة شطرين منفصلين: ظاهري وباطني، وأخطر مافي ذلك الباطن قلبٌ أصمّ.
في البيت الثامن:
يا ناعس الطرف لا ذقت الهوى أبداً أسهرت مضناك في حفظ الهوى فنمِ
يكون راوية القصيدة قد ختم حواره مع اللائم بالصمم وعاد إلى الحبيبة وهي وان كانت ناعسة الطرف إلاّ انه يدعو لها ان لا تذوق الهوى، مخافة أنْ يهرب منها النوم.
عامل احمد شوقي " حفظ الهوى " وكأنه كنز فريد أو وديعة ثمينة للغاية يخاف عليها حافظها من النوم، وفي نفس الوقت يطمئن مودعها بالنوم.
بعد ذلك نتبين أن الشاعر لم يكنْ إلاّ في حلم: "وربّ فضلٍ على العشاق للحلم".
حينما يصحو الشاعر يكون المفرد قد أصبح جوقةً أمامه. فالفتاة ـ الريم ـ التي أحلت سفك دمه في الحلم، أصبحت نساء:
من الموائس باناً بالربى وقناً اللاعبات بروحي السافحات دمي
السافرات كأمثال البدور ضحىً يُغرِْنَ شمس الضحى بالحلي والعصمِ
ما أن انتقل الشاعر من الحلم في البداية، إلى الصحو في البيتين الأخيريْن، حتى انكشف تباين فنّي مدهش. في البداية وضع الشاعر الريم، في مشهد لا يبين له نور . مشهد غبشي. الريم كذلك لم تتحرّك. الريم بصيغة المفرد وبصيغة المذكر. ولكن في الصحو استحال ذلك الريم إلى نساء موائس. قائمات ممشوقات. كذلك انتقلت الصورة من شجر في الحلم إلى سماء منيرة في الصحو.
أعطى الشاعر بكلمة الشمس للصورةالشعرية بعداً واسعاً عالياً، أمّا الضحى فيوحي بالنضارة والامتلاء.