بن الشيخ بعْد عامٍ على رحيله
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بعْد عامٍ على رحيله:
هلْ تلْتفتُ الثّقافةالعربيّة ، اليوم، إلى إرْث جمال الدّين بن الشيخ؟
أ.
يعْبر بنا، في تاريخ ثقافتِنا الحديثة، عددٌ من الكُتّاب والمُثقّفين أسْهم، إلى جانب عمله الأكاديمي وما تفرض عليه شروط الفكر والثّقافة من النّهوض بمشروع التّنوير في مجْتمعاتهم، في وصْل العلاقات المثْلومة والمتوتّرة، جيوسياسياً وثقافياً، بيْن الشّرق والغرب، الشّمال والجنُوب، أوْ، بتحديدٍ أدقّ، بيْن العرب والمسْلمين ومنْ يتماسّ معهُمْ، تاريخياً، في مُفْترق طرق التّجاذُب الإيديولوجي والفكْري والحضاريّ العامّ.
وإذا كان المستشرقون، منذ بدايات القرْن التّاسع عشر، قدْ بادروا ـ بدوافع مختلفة ـ إلى الإتّصال بالثّقافة العربيّة، والتّعرّف على مكوّناتها الدّينية والإثنيّة والإجْتماعيّة والجماليّة منْ أضابيرها ومظانّها وتنظّراتها في الواقع، إلّا أنّنا نشْكو اليوْم، مثْل نبّهنا إلى ذلك عمل إدوارد سعيد ومحاذيره، حجْم الأخْطاء والمزالق المعْرفيّة والمنْهجيّة الّتي وقع فيها عددٌ غيْر يسير منْهم منْ منطلق الخلْفيّات والأطُر المُوجِّهة لعملهم، وبدل أنْ يكون مسْعاهمْ تغْطية للْواقع ومُمْكناته كان تغْطية عليْه، طالما كان خطابهم الأنثروبولوجي يسْتهوي فيهم البحْث عن العجيب والغرائبي في صورة الآخر/المُتأخّر.ولوْلا عملُ مثقّفينا، والجهد الّذي بذلوه في النّهوض بثقافتنا، وإطْلاع الغيْر على مناحٍ مُهمّة منْها بلُغة الدّول المُضيفة لهُمْ في أوربّا وأمريكا، لاْستمرّ مجاز الصُّورة وتوريتها على ما خُطَّ له، وإنْ كانتْ تتذبذب حسب مراحل اشتداد التّجاذب وسوء الفهم الجارية حتّى السّاعة.
ب.
ضمْن آخرين، وفي مجالاتٍ وحقول معْرفيّة أخْرى، أمثال إدوار سعيد، حليم بركات، محمّد أرْكون، عبدالكبير الخطيبي، أدونيس، سلْمى الجيوسي، عبْداللّه العرْوي، كمال أبو ديب، فاطمة المرْنيسي، عبد الفتّاح كليطو، عبْداللّه حمّودي، عبد الوهاب المؤدّب، عبْدالباري عطوان، نصير شمّه، ضياء العزاوي، صلاح ستيتيه وغيْرهُمْ، يدْخل عمل جمال الدّين بن
في فرنْسا، أوْجد جمال الدّين بن الشيخ لنفْسه موطئ قدم في الوسط الثّقافي، وعلى أرْض ٍ ما تفتأ تهْتزّ تحْت الزّلازل والرّجّات الفكْرية والجماليّة منذ أواخر الستينيات؛وقد مثّل، بحقّ، ثقافة كانتْ مهجورة أوْمنْظوراً إليْها منْ خلال الكليشيهات التي كان يُشيعها خطابٌ كولونيالي متعسّف، واسْتِشْراقي مُغْرق في مركزيّته و مُغْرض في رؤيته؛ولعلّ أهمّ هذه الكليشيهات كانتْ تقْدم من نصوص الشعر القديم، والسّرد العجائبيّ، والتّأْويل الإسْلامي لموْضوعات مخْصوصة كالْجسد والْعشْق والرّؤْيا وغيْرها.
منْ فتنة الشّعر العربي القديم إلى القول الآسر في ألف ليلة وليْلة، مُروراً بالضّفاف الخصيبة الّتي تسْكنُها الشّعْرية العربيّة وروحانيّة الإسلام، قدّم جمال الدّين بن الشيخ عملاً مميَّزأً ولافتاً فتح فيه تراث العرب الأدبي والثّقافي على أسْئلة المنْهج الحديث، وواجب المعْرفة وموردها، بغاية تهويته وإدْماجِه في سيرورة التّأْويل الّتي تُخْرجه منْ شرْنقة المنْع والتّقْديس، وتُحرّره من الرّؤْية الإسْتشراقية المُغْرضة.
هكذا، سوْف ينْكبّ جمال الدّين بن الشّيخ، الجزائريّ المولود بمرس السلطان أحد أشْهر أحْياء الدّارالبيْضاء المغْربية، على الإخْلاص لدرْسٍ لنْ يتَوَانى في العمل على قضايا مركّبة ونُصوص إشْكاليّة، وتفْكيكها بعْد إعادتها إلى ضوْء المعْرفة، وتخْليصها من "اسْتراتيجيةالهيْمنة"في سياق العلاقة المُخْتلّة بين الذّات الغرْبية وموضوعاتها الوافدة من الشّرْق أساساً، بما فيه موْضوع الأدب الّذي تخصّص فيه اْبن الشّيخ، الّذي لمْ تنْفصلْ قراءتُه له عن انْشغاله بأسْئلة التّحْديث في الفكر والتّاريخ والْمُجتمع منْ خلال مواقف ومبادئ لمْ تتزحْزحْ، قيد أنْمُلة، عن الْحَقّ في الإخْتلاف الجماليّ و السوسيوثقافيّ، وهوالّذي صرّح بملْء فيه :"أنا، المُهاجر المغاربيّ العاشق لفرنْسا"، في وقْتٍ كانتْ موْجةُ العُنْصريّة ومعاداة الأصُول المغاربيّة للْمُهاجرين خاصّة والإسْلام عامّة تطْفو على سطْح ثقافةٍ تشبّع منْها بقيم الحُرّيّة والمُساواة والأخوّة، وأتاح لهُ فضاؤُها السّفَرَ، بحُرّيّة، في اخْتياراته ورهاناته.وقدْ سُئِلَ جمال الدّين بن الشّيخ :لماذا لا يعود إلى بلده الجزائر؟، أجاب بأنّهُ لا يُمْكنه ذلك لأنّ في الْجزائر ليْس بمقْدوره أنْ يُنْتِج مثْلما الحالُ في فرنْسا.الإغْتراب، لكن الْحُرِّيّة.
ج.
شكّل الشّعْر العربيّ، بالنّسبة إلى جمال الدّين بن الشّيخ، صلة الوصْل الأولى لخوْض البحْث في الثّقافة العربيّة، ومرجع ذلك إلى عدّة أسْباب مِنْها أنّ خطاب الشّعْر كانت له أسْبقيّة داخلها لاْعتباراتٍ فكْريّة، لغويّة وجماليّة.توجَّه، في بداية عمله النّقْديّ، إلى الإهْتمام بخمْريّات أبي نواس وأشْعار المتنبّي بحْثاً وترْجمة، مثْلما خصّ الأنْسكلوبيديا العالميّة بدراسة لمّاحة حول"الغنائيّة في الشّعْر العربيّ"1 تكْشف فجاجة التّصوُّر الذي يختزل تاريخ هذا الشّعْر في أنّه "شعْرٌ غِنائيٌّ" كما كرّستْ ذلك الدّراسات الإسْتشْراقيّة، رافضاً أنْ يخْضعه للتّمرْكُز حوْل الذّات الغرْبيّة، ولسلْطة التّسْميّة فيها، ضمْن الإهتمام الأوربّي بالتّعرُّف على آخرهم "الشّعْريّ"في الثّقافات الوافدة عليْه من الشّرق[العربيّة، الفارسيّة، الصينيّة واليابانيّة تحْديداً].كان العُبور إلى البناء النصّي في تأمُّل الغِنائيّة العربيّة حاسماً في تحْليل ابن الشّيخ، حيْثُ يتعاضدُ البحْثُ في شكْل القصيدةِ وتركيبها الأغْراضي مع البحْثفي لُغتِها ومراجِعِها بيْن الواقع والْكِتابة، اللِّسان والفَرْد، وما يترتّب على ذلك منْ إنْشاء الرُّؤْية الغِنائيّة في العالم بحسَب الذّوات الشّاعرة، في غيْر عصْرٍ مُعْطى.
لكنّ العملَ الّذي يُقدّم درْس جكال الدّين بن الشّيخ في الحِرْص على تقصّي المنْهج والمعْرِفة، وعدم المهادنة مع اسْتِرْسال الجهْل والحجْب والنِّسْيان في موْضوع الشّعْر العربيّ ومُهيْمناته النصّيّة والجَماليّة كان، بلا شكّ، كتابه ذائع الصّيت"الشّعْريّة العربيّة"2، الّذي عَمِلَ، بوصْفه مشْروع قراءةٍ نقْديّة على تفْكيك مقولات الإسْتِشْراق الغرْبيّ عامّة، والفرنْسيّ تحْديداً، حيْثُ ينْتَهج فيه قطيعةً مع التّصوُُّرات والأدوات الكلاسيكيّة في مُقاربة الموْروث الشّعْريّ العربيّ إبّانَ العصْر الوسيط، وذلك بهدف الوقوف على ما يؤسّسُ خاصّية هذا الشّعْر ونظامه عبْر رؤْية منْهجيّة نافذة لا تُهادن، في جِهازِها المفاهيمي ولغتها الواصِفة، سُلْطة الْحِجاب الّتي تغذّتْ على بعْض النّزعات المُعْتبرة عِلْماً.
في مقدّمة الكتاب يُذكّرُنا "بأنّ وضع الشّعْر قدْ تحدَّد في قلْب تفْكيرٍ منْ طبيعةٍ إبستيمولوجيّ "، وهو ما جعل منْه لحظاتٍ قويّةٍ يستقصي فيها بقدْرما يستكشف المتخيّل الرّفيع والتقْنيّة المستندة إلى عمل المعْرفة وواجِبها الّذي يسْتَدْعي مقوّمات العصْر الثّقافيّة برُمَّتها.
ومن الْمُؤْسف، حقّاً، أنْ تظلّ هذه القراءة المشْروع مهْجورة في تاريخ ثقافتِنا الشّعْريّة الحديثة منذ أنْ صدرت لأوّل مرّة عنْ منْشورات الأنثروبوس الفرنسيّة عام 1975، في وقْتٍ كانتْ للدّراسات الأدبيّة، المُحتمية بالإيديولوجيا ونظريّات الظُّروف الخارِجيّة المُسْتَرْسلة في عمى السّائد النّقْديّ، السُّلْطان الأقْوى على خطاب الشّعْر ونقْدِه وتداولِه، والّتي لمْ يكُنْ لكثيرٍ منْها واجبُ المعْرفة واسْتقصاء المنْهج الحديث؛ ولوْلا التّرجمة، الجيّدة في بابها، الّتي رعتْها دار توبقال المغْربيّة بإيعازٍ منْ الشّاعر محمّد بنّيس لاسْتمرّ منْفى ابن الشيخ عن اللُّغة العربيّة الّتي أحبَّها، وأحبّ فكْرَها وآدابَها، ونسْيانُه بيْن أُدبائها ردْحاً من الدّهْر.
د.
إلى ذلك، استحقّ مشروعُ التّرجمة في فكْر ابن الشّيخ وعمله الأكاديميّ منزلةً خاصّة، وهو الذي كان يعتبر الترجمة عاملاً مهمّاً في الحوار بين الشّرق والغَرْب، وقد ترجم في هذا الإطار خمريات أبي نواس، وأشعار المتنبي، ومقاطع مهمّة من مقدّمة ابن خلْدون، وقصّة الإسْراء والمعراج محقّقة ومُسْتقاة من عددٍ هامّ من المصادر تحت عنوانه الأصلي "الحلم الوهاج والحديث الهياج بمعجزة الإسراء والمعراج"3، وفيه نجِدُ عملاً متكاملاً عنْ هذه الرّحلة النبويّة ترجمةً، وتعْليقاً، ومُقارنةً بيْن الروايات المُختلفة بِخُصوصِها، مُبْرزاً قوّة السّرْد والمُتخيّل الخارق لكلّ حدّ، والرّؤية التي يعتمدها في التّعامل الخَشوع مع الإسْلام الّذي كان يُنادي بروحانيّته ضدّ نزْعة الإسْتبداد والتّسلُّط.
غيْر أنَّ مشروع عمره كان هو التّرجمة الكاملة لكتاب "ألف ليلة وليلة"4، التي حرص على إتمامها رفقة صديقه المستشرق أنْدري ميكيل قبل أن نفتقده، وتمّ لهُ ذلك فصارتْ، الْيوم, المرجع الحديث الأكثر اكتمالاً وصدقيّةً منذ الترجمة الأولى التي أنجزها الفرنسي أنطوان غالان في القرن الثامن عشر للميلاد؛ ولقدْ استغرق إنجاز هذا العمل الضّخْم سنوات من الصَّبْر والأناة تخلّلتْها عدة دراسات حول الحكايات نفسها مثل "ألف ليلة وليلة أو القول الأسير"، و"ألف حكاية وحكاية لليل" بالتعاون مع أندري ميكيل Andreacute; Miquel، بل إنّ ابن الشّيخ أنشأ في "كوليج دوفرانس"تجمُّعاً للبحث في حكايات ألف ليلة وليلة بوصفها تضم عيون السرد العربي العجائبي، وأحد أهم وأجمل الأعمال الرئيسية التي خلَّدتْها الثقافة الإنسانية وآدابها عبر تاريخها الطويل .لهذا كان عملُهُ على الكِتاب مُضاعفاً: يُترْجمُه، ويتحرّى أكْبر درَجات المِصْداقيّة والأمانة في نقْله إلى لُغةٍ منْ طبيعةٍ ثقافيّة مُغايرة، عدا أنّه ـ وهْو الأهمّ ـ يُزيح الرُّؤْية الإسْتِشْراقيّة بقدْرما يسْتثير السِّحْر الّذي يُنْتِج اللّيالي منْ أجْل الوصول إلى جوْهرها.
بهذا المعْنى، يعْتبر مشروع التّرجمة لدى ابن الشّيخ غيْر منفصلٍ عن رُوحٍ لافتةٍ في الإخلاص لعملها، وحبِّها لموضوعها بالقدر الذي يفيد تراث الثقافة العربية المضيء ويخلّصُ حاضِرها من الرُّؤْية الإسْتِشْراقيّة Orientaloniaise .
هـ
مِثْلما كان يُدافع، بدون مراء، عن الثّقافة العربيّة والتُّراث الإسْلاميّ في الوسَط الفرنْسيّ ومنْ ثمّة الأوربّي، بقدْرما كان قلْبه ووِجْدانه لا يكُفّان عن الخفْق بدرجةٍ تُفْصِح عن انتماءٍ صادقٍ وعميقٍ لجُذوره الحضاريّة والثّقافيّة كعربيّ مسلم.فلكمْ تأثّر ابن الشّيخ لكلّ ما كان يقعُ من حوادث ومآسٍ ومُتغيّرات تحصل في البلاد العربيّة، وعبّر عنْه في كثير منْ مقالاته التي لمْ يتأخّر فيها عن إبداء آرائه بوضوح يُظهره صاحب مواقف ومبادئ أخلاقيّة وسياسيّة حازمة منْ قضايا فلسْطين، والصراع العربيّ الإسْرائيليّ، ومُشْكلات التّحْديث والديمقراطية، والتّطرُّف الدّيني، والعُنْصريّة، والتّسلّط والإسْتبداد وغيْرها ممّا شغل فكْره في هذه المقالات التي جمعها في كتاب "كتابات سياسيّة"، الصّادر عام 2001.
و.
خلْف شخْصيّة المفكّر والنّاقد والأكاديميّ الّتي شغلتْها أسْئلة المعْرفة والمنْهج والرؤية، شقّ ابن الشّيخ طريقاً أُخْرى تضيء عبْر الكلمات العالم الموازيّ، السحريّ، الحرّ الّذي لا يزول لذاتٍ متصدّعة، قلقة وحالمة تتكلّم عصْرها المُضطرب بقدْرما تقْفو أثَرها في الكتابة والحياة، وهيْ تتكشّف لنا منْ خلال سجلّ أسْلوبيّ وتيماتيّ مخْصوص يُفْصح عن"القصيدة ـ الإنسان" الّي تمزج بيْن اللّسان الفرنسيّ بتركيبه ونظامه البلاغيّ والكتابيّ، وبيْن المُتخيّل الذي يرفد أطْيافه من مدوّنة الشعْر العربيّ القديم، الّتي أدْمنها عبْر مقْروئيّته العميقة له، ومنْ نُصوص الشّعْر الحديث المؤسّسة، الّتي لمْ يخلف عن الإصغاء لقضاياها المعْرفية والجماليّة وتأمُّلها .هكذا تتصادى في شعره صور اللّيالي، وشعر الحبّ والظّرف، وسخاء الطّبيعة، وغنائيّة الإنْتشاء، والقلق والموْت والحِكْمة مع روحيّة الإلْتِزام، والإصْغاء لصوْت الذّات واسْتبطان حالاتِها المُتهجّجة.ولمْ يكنْ ابن الشّيخ يُهادن أحداً منْ أجْل حرّيّته، وحرّيّة ذاته في القصيدة الّتي تحمّل منْ أجْلِها الغرْبة كيْ يرْعَاها في مياهٍ خَشوعة تسْقِي شاعرها المترحّل حياة الشّعْر والبحْث في الشّعْر، منذ ديوانه الأوّل"الصّمتُ صامتاً"[1981]، ومروراً ب"الإنْسان القصيدة][1983]، وحالات الفجر[1986]، و"ذاكرات الدّم"[1988]، و"شفافيّة في الصّميم"[1990]، و"ألخيمياءات"[1991]rsquo;و"الصّحارى حيثُ كُنْت"[1994]، و "أطمار"[1995]، و"كلام صاعد"[1997]، ووصولاً إلى"نشيد لبلاد الجزر"[1999]، الّتي أصْدرتها منشورات"tarabuste" في جزئين بين عامي 2002و2003.ولمْ يكن الشّعْر، بالنّسْبة إليْه، إلّا"حركةً لمُقاومة الوجود، لا تعْليقاً على اللّحظة، ولا صدىً لما هو عُرْضةٌ للتّلف.إنّه يُنْشئ الدّيْمومة الّي تتأبّى على التّجزيء، فلا يكون ضوضاء بالجُملة أوْ هُروباً نحْو التّجْريد.إنّه ينْخرط في الحقائق الأكْثر سرّيّة"، مثلما يُذكّرُنا في تصْدير كتابه "الشّروخ الخصيبة للْقصيدة"5، الّذي ضمّ عُيون آرائه وتصوّراته للشّعْر وغيْر الشّعر، في الكتابة والحياة.
***
من الذّاكرة الجماعيّة إلى الذّاكرة الحميمة للشّعر لمْ يتخلَّ ابن الشّيخ عن أيّ جنْس تعبيريّ يُوصِل صوْتَهُ صافياً، هُنا والآن. ومن الحريّ أنْ تلْتفت الثّقافة العربيّة المُعاصرة إليْه كواحدٍ منْ أهمّ سُفرائها، الّذي ظلّ يمثّل، حتّى رمقه الأخير، وجْهها المُشرق والمختلف، ويدافع عنْ وجودِها داخل أوْساط فرنْسا الثّقافيّة، زمن الهيْمنة. ولكمْ كان مُحبّاً للّغة العربيّة وفكرها وآدابها، وخَشوعاً في تعامله مع الإسلام، ومُخْلصاً لمواقفه ومبادئه الّتي وقفتْ إلى جانب الْحُقُوق العربيّة وسط ضجيج الْكُورال.ومن الحريّ، أيْضاً، أنْ يأْخذ المنْزلة الّتي يسْتحِقُّها بيْن أدبائها، وأنْ يُعرّف بفكْره النّقْديّ ومجْهوده التنْويريّ، حتّى تُعاد إليْه حرّيّته وهْو يرْقدُ، الآنَ، في حساب الأبديّة.
هوامش:
1.أنظر ترجمتنا لها المنشورةب"القدس العربيّ"،أدب وفن،ع.5052،23 أب[أغسطس]2005
2.poetique arabe,Ed.Anthropos,1975\Ed.gallimard,1989
الشّعرية العربيّة،ت.محمد الولي،مبارك حنون،محمد أوراغ،دار توبقال للنشر،1996.
3Le Voyage nocturne de Mahomet (suivi de) L'Aventure de la parole
(Essai) - Imprimerie nationale, Paris, 1988
4 Mille et nuits,Ed.Gallimard,2005
5Failles fertiles du poeme(Essais),Ed.tarabuste,2000.
كاتب المقال شاعر وناقد من المغرب.