كتاب لاشاعة الفوبيا ضد المسلمين في أسبانيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
"الجهاد في إسبانيا: الهوس من أجل فتح الأندلس من جديد" لغوستافو دي أريستيغي.
قراءة ملغومة لتاريخ التجربة العربية والإسلامية في الاندلس، تبث الفوبيا ضد المسلمين في إسبانيا الحالية.
LA Yihad en Espantilde;a : L obsesioacute;n por reconquistar ALrsquo; Andalus
Gustavo de Aristiguirsquo; 2005
محمد المودن من مدريد: "إن إعادة احتلال وأسلمة الأندلس ليس مجرد أسطورة، أو مشروعا أوتوبيا، بل إنه مشروع حقيقي يناضل من أجله و بكل ما أوتي من قوة الإرهاب الجهادي". هذه هي الأطروحة الحاسمة التي يتطلع مؤلف كتاب: "الجهاد في إسبانيا: الهوس من أجل فتح الاندلس من جديد"، وهو غوستافو دي أريستيغي، الذي يعمل حاليا ناطقا رسميا باسم الشؤون الخارجية للفريق البرلماني للحزب الشعبي اليميني الإسباني المعارض، وديبلوماسي سابق، عمل مسؤولا ثانيا عن السفارات الإسبانية في كل من ليبيا والأردن، إلى ترسيخها في أذهان قرائه.
ويعد هذا الكتاب نموذجا وفيا من التآليف السياسية للتيارالسياسي والثقافي اليميني الإسباني، التي جرى تأليفها في أعقاب اعتداءات الإحدى عشرين في نيويورك ومدريد، حيث
الكتاب يقع في حوالي 430 صفحة، ويحتوي غلافه على صورة دالة، تتناغم في مدلولها وجوهر أطروحة الكتاب. وتشمل صورة الغلاف خنجرا ممتدا في وسط مساحة خريطة إسبانيا الحالية، كتب في وسطها في بعض النسخ عبارة" لا إله إلا الله"، وفي أخرى كلمة " الأندلس". وكما هو معلوم عناوين الكتب ومحتويات الأغلفة تمثل نصوصا موازية، تمارس سلطتها التوجيهية على القارئ، وتترك لديه انطباعات مسبقة هي بمثابة قيود وموجهات توجه قراءة الكتاب، وتربه من مقاصد المؤلف. وبالانتقال إلى المستوى السيميائي لمدلول الغلاف، تتداعى لدى القارئ التيميات الجوهرية التي ستكون حاسمة في تشييد النسغ الموضوعي للكتاب، ويمكن اختزالها في العبارة التركيبية الآتية :"الأندلس شيدت حضاريا بحد السيف". وبالتسلل إلى تفاصيل الكتاب ينتهي بك المطاف إلى تبين أن العبارة السابقة المشار إليها هي نتيجة عرضت سلفا، وتحصلها فيما بعد في ثنايا الكتاب، المقدمات التي من المفترض أن تنتج عنها بطريق الاستنباط، وتلك المقدمات هي :" الجهاد إرهاب"، "والجهاد مبدأ في عقيدة المسلمين"، "إذن الإرهاب مبدأ ثابت في عقيدة المسلمين"، وهذه النتائج يتوصل إليها عن طريق الاستنباط لأنها توظف بشكل مضمر، ولا يصرح بها. غير أن التعانق المنطقي بين اجزاء أفكاره وتصوراته تقود إليها على سبيل التلازم المنطقي. وذروة ما يروم الكتاب بلوغه هو "أن تاريخ المسلمين في إسبانيا هو تاريخ جهاد مما يعني تاريخ إرهاب. ثم إن نشأة الأندلس كحضارة، هي نشأة مرتبطة بالجهاد". أي أصل حضارة الأندلس قامت على الإرهاب.
كتاب" الجهاد في إسبانيا: الهوس من أجل احتلال الأندلس من جديد " يتوزع عبر فصول عشرة، يعرض الفصل الأول الذي كان مسبوقا بمقدمتين تحوي الأطروحات العلنية للكتاب، إلى السياق التاريخي الذي نشأت في إطاره الأندلس، وهو سياق يصفه بكونه سياقا ارتبط بالتوسع العسكري، ووصف الحياة الأندلسية في تلك الحقبة بأنها حقبة موسومة بالاضطراب نتيجة اللامساوات الدينية التي عانها أبناء الديانات الأخرى، بل أشار إلى وجود اضطهاد مارسه المسلمون ضد المسحيين في المجتمع الأندلسي، عدنما كانت تحت إمرتهم. وانتقل الكاتب في الفصل ذاته لتناول حركتي المرابطين والموحدين، واعتبرهما "حركات ذات طابع إسلاموي". ولنوضح بشكل جلي ما قلناه عن القراءة التي يجري بسطها في هذا الكتاب عن تاريخ المسلمين في الأندلس وخاصة على عهد المرابطين والموحدين، وهي قراءة يمكن أن نصفها من دون حرج بأنها "قراءة إسقاطية"، تسقط واقعا معاصرا على وقائع تاريخية نتجت في شروط تاريخية مختلفة تماما. يقول أريستغي في الصفحة 42 من الكتاب حيث هو بصصد الحديث عن المرابطين:"إن ما فعله عبد الله (ابن ياسين) هو تجميع أتباعه من أجل تلقينهم العقيدة المتطرفة وبث التشدد بينهم، وهو أمر شبيه بما يقوم به المستقطبون الإسلاميون الراديكاليون في مدارسهم وفي معسكرات تدريب الإرهابيين". ولعل هذا المقطع ينطق بالصورة التي يجري فيها صياغة العلاقة بين تجارب تنتسب إلى حقب تاريخية متباينة، وهي علاقة إسقاطية واضحة، تنضح بتهافت الكاتب على تمطيط صورة المعتقد الإديولوجي للمجموعات المتطرفة التي مارست إرهابا مدانا ضد أبرياء، على تاريخ بأكمله. وهذا الإسقاط لم يكن على مستوى المضمون بل حتى على مستوى المعجم والمفاهيم. والملاحظ في هذا الفصل أن الكاتب وهو يتحدث عن تاريخ الأندلس، لم يذكر ولا مصدرا أو مرجعا تاريخيا واحد يعضد بها أطروحاته، فهو يسرد تاريخ حقبة من دون أن يدلل عليها أو يوثقها، ولم يكن سنده في ذلك إلا كاتب معاصر له وهو سيزار فيدال الكاتب الإسباني المعاصر المعروف بإسلاموفوبيته.
الفصل الثاني من الكتاب يخصصه أريستيغي الذي ألف كتابا سابقا وهو بعنوان:" الإسلاموية ضد الإسلام"، لموضوع الجهاد ويعنون ذلك الفصل ب"الجهاد ونظرية فتح الأندلس"، فيتوقف عند مفاهيم الجهاد وحدوده وفروعه من دون أن يشير كذلك إلى المصادر التي استقى منها التعريفات والحدود. ويتدرج في مقاربته لهذا المفهوم باقتفاء تصانيفه وفروعه كالجهاد الأكبر والجهادالأصغر، ويربط ما بين محورية هذا المفهوم في القرآن وما يسميها هو الحروب المقدسة التي قام بها المسلمون ضد الغرب، ويجعل بتحايل فاضح التجابه بين المسلمين والغرب تجابها مطلقا في عقيدة المسلمين، ويقول إن أساس هذه العلاقة المتجابهة توجد مترسخة في القرآن. يقول :" الحرب المقدسة ضد الغرب تأسس على هذا المفهوم، وكما قلت سابقا يعتبرون الغربي المسيحي قد تخلى عن أن يكون مؤمنا، وبذلك فهو ليس من أهل الكتاب"، ثم يضيف قائلا:" ويوجد هذا في سورة 9-29 من القرآن". ولايغيب على المطلع على الكتاب أسلوب اجتثاث المفاهيم والعبارات من سياقها التي يمارسها الكاتب، وبثها في سياقات مناقضة فتؤدي معان مخالفة وتفيد أحكاما معاكسة لأصلها.
ويفرد الكاتب فصله الثالث لتناول ما أسماها "أسطورة الأندلس"، ويحاول عبر هذا الفصل، هدم صور متداولة عن الأندلس، كرمز للتعايش الحضاري بين الديانات الثلاث عندما كانت تحت إمرة المسلمين، وإنشاء أخرى تتغذى من رؤيته اليمينة، تجعل الأندلس الحالية فضاءا مستهدفا من المسلمين الراديكاليين، وأعتقد أن عدم حصر هذا التصور على القاعدة - أي أن تنظيم القاعدة هو الذي يشير في خطاباته أثناء الحديث عن الخلافة الإسلامية إلى الأندلس كطرف أدنى من جهة الغرب- ويمتد إلى حدود باكستان في الشرق، من طرف الكاتب إنما هو تحايل منه على تمديد مصدر الخطر ليشمل المسلمين وخاصة الذين يقيمون بها كمهاجرين، وبذلك فإنه يبث خوفا لدى الرأي العام الإسباني- وخاصة العامي منه الذي لا يملك ثقافة تقاوم هذا التضليل ومن يتبنون طروحات اليمين المسيحي - من وجود المسلمين خاصة في منطقة الأندلس. فيقرأون جميعا في توافد المهاجرين المسلمين العرب على إسبانيا نية تندرج في حمأة استراتيجية تطمح لاستعادة الأندلس.
وينقلنا هذا الربط المقصود في الكتاب بين ظاهرة هجرة المسلمين إلى إسبانيا و"هوس استعادة الأندلس" الذي يجتهد الكاتب في تعويمه بين مفاصل الكتاب، إذ حولها إلى بؤر منثورة تؤجج الخوف من المسلمين والإسلام، ينقلنا إلى فصل آخر جاء تحت عنوان، "الاستراتيجية الجهادية في اختراق الهجرة وجعلها أداة". و تعد الأطروحة المتشكلة من هذا الفصل، حيث يتم فيها الربط بين الهجرة والإرهاب، أي أن الهجرة قد تكون مصدرا من مصادر الإرهاب، هي من بين أطاريح الكتاب الأكثر تهديدا للتعايش بين المهاجرين والمجتمع الأوربي الذي يحتضنهم، وكم استعمل اليمين السياسي الإسباني هذه الورقة في خطاباته السياسية لإعاقة أي تسوية لوضع ا لمهاجرين، وتأجيج آلة الرفض للتقارب مع الآخر. و يمكن أن نذكر في هذا الباب، على سبيل المثال لا الحصر، المظاهرات المتكررة من مواطنين إسبان بإشبيلية لمنع إقامة مسجد في إحدى ضواحيها بعدما رخصت لهم بلدية المدينة وسلطاتها بذلك، فقام أحد الغاضبين الرافضين لإقامة المسجد بذبح خنزير في البقعة المخصصة لذلك، ظنا منه أن دم الخنزير سوف يدنس المكان فيثني المسلمين عن إقامة المسجد على تلك البقعة.
وكان الربط بين الهجرة والإرهاب ذريعة تستعمل بشدة من اليمين ذاته في معالجة العلاقة بين أوروبا ودول عربية ومسلمة مثل المغرب وتركيا. فاليمين المسيحي كثيرا ما كان يشهر هذه الورقة في النقاشات السياسية حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي، أو أثناء الحديث عن إقامة علاقات مميزة من جانب الاتحاد الأوروبي مع المغرب العربي وخاصة مع المغرب، حيث كثيرا ما سعوا إلى تصوير هذه المنطقة مصدرا يهدد استقرار إسبانيا، على اعتبار وجود جماعات إسلامية بها.
وتتكلف فصول كتاب :"الجهاد في إسبانيا" المتبقية، باحتضان تصورات ومقترحات المؤلف للتعاطي مع ما يسميه "الإسلاموية" و"الجهادية"، بإسبانيا، وتتمحور الحلول التي يقترحها حول الالتزام بمقتضيات " المعالجة الأمنية الصرفة" بالدرجة الأولى. وإذا كان أريستيغي يشير في الكتاب إلى الأبعاد القيمية مثل الحوار الاجتماعي، وتشجيع الديموقراطية، فإنها تبدو إشارة مبتسرة وغير يقينية لأنه يضعها في المراتب الأخيرة في سلم الاقتراحات التي تنحو أغلبها نحو تثبيت الطرح الأمني في المعالجة، كما أن الواقع السياسي يؤكد أن تلك الاقتراحات هي مجرد حبر على ورق. فعقيدته السياسية من وقفت بشدة ضد مقترحات الحكومة الإسبانية الحالية في برمجة مقررات دراسية تلقن الإسلام في المؤسسات التعليمية الإسبانية لأبناء الجالية العربية والمسلمة. وهو نفسه من، أي مؤلف الكتاب أريستيغي وهو الناطق الرسمي باسم الفريق الشعبي اليميني في البرلمان الإسباني، من وقف فريقه السياسي ضد مشروع التحالف الحضاري، وضد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي. تياره السياسي هو من دعم حرب بوش علىالعراق، ودعا إلى تبني الضربات الاستباقية. هو من دافع عن دخول إسرائيل إلى الحلف الأطلسي، كما فعل مؤخرا زعيمهم أثنار، مما يعني إلزام دول الحلف الأطلسي بضرب لبنان في حالة المواجهة مع إسرائيل.
وعلى العموم فإن كتاب أغوستافو أريستيغي :" الجهاد في إسبانيا، هوس إعادة فتح الأندلس"، يفرخ عدة تصورات عن الإسلام والمسلمين، هي معين للخوف من الآخر المحسوب على هذه العقيدة أوهذه الهوية، ومصدر لإرباك التعايش في المجتمعات الغربية، حتى أن مستعربة أكاديمية إسبانية حذرتني من قراءته للسبب ذاته. يوهمك الكتاب بأنه يحصر حديثه عن الإرهاب والجماعات الإرهابية، والأفكار التي تحملها هذه الجماعات التي نفذت اعتداءات على مدريد ومن قبل على نيويورك، لكن سرعان ما تلفيه يسحب الأحكام ذاتها على تاريخ الإسلام، وعلى المسلمين ممن لا صلة لهم بأفكارتلك التنظيمات. تاريخ المسلمين في إسبانيا منذ الفتح الأول حتى اليوم، حسب أريستيغي، هو تاريخ جهاد، وبحده ومقصده هو تاريخ إرهاب. وهي الفكرة الجوهرية التي رددها زعيم حزبه ورئيس حكومته الذي اندحر في الرابع عشر في مارس أثنارعام 2004، الذي "اعتبر تاريخ الأندلس هو تاريخ القاعدة ".
لن تجد في كتاب أريتسغي أي إشارة إلى المنجز الحضاري والفكري والإنساني للأندلس، لن تجد أي إشارة للاضطهاد الذي لاقاه المسلمون واليهود على عهد مؤسسة إسبانيا إليزابيت الكاثوليكية، فانتماؤه اليميني المسيحي يحجب عنه رؤية الواقع متكاملا. قراءته استشراقية، لا تعتمد إلا على مصادر حديثة موسومة في الوسط الثقافي الإسباني بإسلاموفوبيتها، ككتب سيزار فيدال. لن تجد مصدرا تاريخيا متينا يستند إليه الكاتب. وآفة العديد من الكتاب الإسبان وحتى الغربيين وهم يتناولوا المشرق والعالم العربي يجهلون اللغة العربية باعتبارها اللغة التي تحمل أفكارالعرب وثقافتهم ومعتقداتهم حتى يطلعوا عليها، ودون وساطات مشوهة. وكان أكاديمي إسباني بارز من جامعة مدريد رد في برنامج تلفزيزني إسباني شهير، في سياق انتقاده عن ترويج الأفكار المعادية ضد الجاليات العربية والإسلامية في إسبانيا، "إن الفرق بينا وبين العرب الذين يقيمون بين ظهرانيا أننا لانفهم ثقافتهم ولا فكرهم جيدا، وهم يفهموننا جيدا، هم يعرفون لغتنا ونحن لا نعرف لغتهم". تاريخ الأندلس الذي كتب بالعربية، غير مقروء إلا من القليل من المستعربين، وفي ظل هذا الجهل يظل تاريخ الأندلس المروج بشكل رسمي هو الذي كتب بالقشتالية منذ فترة إليزابيت الكاثوليكية.
ومن بين المغالطات الأخرى، التي يتشوف الكتاب إلى تمريرها، أن ترى كتابه يجعل محور أهداف تشكل "الخلايا الجهادية التي مارست اعتداءات إرهبية بإسبانيا، أو تلك التي يفترض أنها تقدم دعما لوجيستيا لخلايا جهادية أخرى أخرى في مواقع عالمية أخرى انطلاقا من التراب الإسباني، إنما هو "الهوس في إعادة فتح الأندلس"، بمعنى ان تلك الخلايا الإرهابية التي نشطت في إسبانيا إنما كان نشاطها يندرج ضمن "هوس استعادة الأندلس". وهذه مغالطة كبرى. فأجندة تلك الجماعات الإرهابية كانت مرتبطة بأجندة عالمية، أقصد أجندة تنظيم القاعدة. وحسب تحليلات المراقبين في إسبانيا لم تتحول إسبانيا إلى هدف مباشر للاعتداءات الإرهابية من قبل تنظيم القاعدة والتنظيمات الموالية له أو المتعاطفة مع إديولوجيته، إلا بعد أن دعمت حكومة أثنار الحرب على العراق وأرسلت جنودا إلى بغداد. وربما كان دور الخلايا الإرهابية الموجودة بإسبانيا دورا لوجستيكا ومعبرا إلى بؤر أخرى. مثلا في إسبانيا قامت المجموعة التي نفذت تفجير برجي نييورك بالاجتماع في إسبانيا في سياق التحضير لتلك الاعتداءات. ثم إن التقرير القضائي للقاضي الإسباني، خوان دي ألمو الذي يقوم بالتحقيق في اعتداءات 11مارس، على الرغم من أن الاعتداءات الإرهابية لا تبرر، فقد خلص إلى أن " اعتداءات مدريد حصلت كرد فعل على دعم حكومة اليمين الإسباني بزعامة أثنار للحرب على العراق". وإمعانا في إظهار انتهازية هذا الجناح السياسي اليميني نفسه الذي ينتسب إليه غوستافو دي أريستيغي، الذي كان يقود إسبانيا أثناء فترة الحرب على العراق، وإرسال الجنود إلى بغداد لدعم الاحتلال الأمريكي، قد أطلقوا على القاعدة العسكرية الإسبانية هناك اسم "قاعدة الأندلس" لمحاولة استمالة تعاطف العراقيين. والأخطر كذلك، أن الكتاب يتحدث عن منزلة الأندلس لدى العرب والمسلمين، ويشير إلى مدى تعلقهم الثقافي والحضاري بها، فيحولها بتدبير مقصود إلى مصدر تهديد ونية مبيتة يضمرها العرب من أجل استعادة الأندلس. من منطق الكتاب، فليحذر العرب من التعبير عن حب حضاري للأندلس فإن ذلك قد يجلب عليهم شبهة "هوس إعادة فتح الأندلس".
وفي اتصال بتلك النقطة، يستثمر الكاتب الهجرة ليحولها إلى مصدر تهديد بالنسبة إلى المجتمع الإسباني، فيكون بموجب تصوره أن هجرة المسلمين إلى إسبانيا قد تكون ضمن"استراتيجية الهوس" إذا صح هذا التعبير، مع أن الهجرة إلى إسبانيا لم تكن إلا بعد انضمامها إلى الاتحاد الاوربي، أي عندما تحولت إلى سوق اقتصادية توفر العمل لليد العاملة، بمعنى أن المهاجرين العرب والمسلمين الذين هاجروا إلى إسبانيا كان دافعهم الأول هو البحث عن عمل ومخرج اقتصادري لاوضاعهم، ولم يقصدها تحت هوس ما آخر غير هوس تحسين ظروف عيشهم.
وفي مستوى آخر، وقد كنا أشارنا في فترة سابقة إلى المنحى الإسقاطي الذي مارسه الكاتب، حينما عمد إلى معالجة تاريخ الأندلس، انطلاقا من أحداث راهنة، أو بتعبير آخر، قراءة تاريخ الأندلس، انطلاقا من واقع الجماعات المنتسبة للإرهاب الدولي. نجد من مظاهر تلك القراءة كذلك أن يستعمل الكاتب مصطلحات نشأت في سياق سياسي وثقافي مختلف، فيسقطها على مجال سياسي واجتماعي وثقافي مغاير، من أجل تمرير أطروحة الكتاب، من ذلك مثلا استعمال مصطلح "الإسلاموية"، وهو ومفهوم حديث نشأ مع بروز الحركات الإسلامية في المجتمعات العربية والإسلامية، وبالضبط نشأ مصطلحا نقديا لدى منتقدي هذه التيارات الذين يتهمونها بتسخير الدين من أجل السياسية. وبالتالي فاستعمال هذا المفهوم في مجال تداولي مخالف إنما هو بمثابة خلل منهجي، كأن يتحدث متحدث فيصف طبقة ميسورة في المجتمع العربي قبل مجيء الإسلام مثلا، بأنها الطبقة البرجوازية. و كان من مقاصد الكاتب من هذا التمطيط لهذه المفاهيم إلى حقب أخرى وإسقاطها عليها، كما حدث أثناء حديثه عنه المرابطين والموحدين في فترة الأندلس، كان بغرض تمطيط الأحكام ذاتها لتشمل حقب أخرى، وفي هذا السياق حقبة الأندلس.
ومن أمثلة الإسقاط الأخرى استعمال الكاتب مصطلحات حديثة أثناء تناوله حقبة الأندلس الماضية، مثل مقولة "معاداة السامية" التي استعملها أثناء تناوله لحقبة الأندلس، مع أن هذا المصطلح وليد حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ثم كلمة إسبانيا التي كان يستعملها ليتحدث عن الأندلس، والحقيقة أن إسبانيا لم تكن موجودة على عهد تلك الفترة، فقد كانت فقط مجرد مماليك منفصلة، مثل مملكة أراغون، ومملكة كاستيون، ومملكة نفارا إلخ..
هذه إذن أبرز أطاريح هذا الكتاب،التي تعكس ما يحمله اليمين في إسبانيا للأخرالعربي والمسلم، وما يرسخه في أذهان المواطنين الإسبان الأصليين الذين يقيم بين ظهرانيهم حوالي مليون مسلم وعربي أو يزيد. لا شك أنه كتاب يستثمر الخوف لينسج صورة لمستقبل العلاقة بين ثقافتين وحضاريتين. ويعطل مشروع التحالف الحضاري الذي بادرت به الحكومة الإسبانية الحالية وتركيا، ويذكي مبدأ معارضة انضمام تركيا للإتحاد الأوربي، ويتشدد في منح حقوق الفئات الأخرى، وخاصة الملسمين المقيمين في المجتمع الإسباني، إمكانات اكتساب حقوقهم الثقافية والإنسانية.
الجماعات الإرهابية يدينها المسلمون قبل غيرهم، ويجتهدون في نبذها قبل غيرهم. هم كذلك ضحية لاعتداءاتها، ففي مدريد ونيويورك، كان عدد من العرب والمسلمين من بين الضحايا، بل كانوا هم وحدهم ضحياها في بلدان عربية تعرضت للاعتداءات ذاتها.
لا يختزل هذا الكتاب في المقابل، رؤية المثقفين والساسة الإسبان، للإسلام ولتاريخه وبالضبط لتاريخ الأندلس، بل هناك رؤى أكثر انفتاحا وتواصلا وإشادة بالتجربة الأندلسية، هناك كتاب وسياسيون ومثقفون وأكاديميون وحتى صحفيون إسبان من لا يصدرون عن رؤية اليمين ذاتها التي يصدر عنها الكتاب الذي عرضنا له في هذا المقام، بل هم من هبوا و تجندوا لترسيخ ثقافة التعايش، والدفاع عن الحوار والتقارب، وجعلوا من تجربة الأندلس مرجعا لديهم للتعايش السلمي والاجتماعي بين الديانات والثقافات، هم من شجعوا على نبذ الخوف من الآخر، وحثوا على التقارب معه والاقتراب منه، والتخلص من الأفكار الجاهزة، هم كثيرون ولا ريب.
وتوجد كتب إسبانية عديدة تبطل الكثير من أطاريح أريتسغي في كتابه "الجهاد في إسبانيا"، قد نعرض مستقبلا لبعضها في، مقدمتها على سبيل المثال لا الحصر، كتاب "الثورة الإسلامية في الغرب" للكاتب الإسباني إغناصيو أو لاغيو، وكتاب"ما يجب على أوربا اتجاه إسلام إسبانيا"، لمؤلفه الكاتب الإسباني خوان فيرنيت.