مؤيد العتّيلي.. سرد بشعرية واسترجاع لحرب مصيرية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بيروت من جورج جحا (رويترز): قبيل البدء بقراءة رواية مؤيد العتيلي "دوائر الجمر" يستوقفك كلام عن الرواية على غلافها للصحافي والشاعر الاردني عمر شبانة سرعان ما تجد مبرراته بعد قراءة صفحات منها. جاء في ما كتبه شبانة عن العتيلي الأردني الفلسطيني الاصل قوله "رواية العتّيلي هذه ذكرتني ان حرب حزيران (يونيو) 1967 وهزيمتها
من ناحية اخرى بعيدا عن العناصر الفنية والفكرية فلا بد لقارىء لبناني مثلا من غير جيل الشباب.. وان كان قد سمع الكثير عن التشابه بين فلسطين ولبنان في انماط الحياة الريفية بعاداتها وتقاليدها الاجتماعية وحتى علاقة الانسان فيها بالارض وكل النواحي الاخرى التي قد توصف بانها فولكلورية.. من ان يدهش اذ يجد نفسه عبر الرواية في عالم عرفه قبل ان يتغير وبقي يجد بعض قسماته في اعمال الاخوين رحباني وفيروز.
وللعتّيلي في معظم الاحيان قدرة سردية مميزة. انه يستطيع ان "يسرق" القارىء ويستحوذ على انتباهه وهو في الوقت نفسه يكتب بشعرية تنصهر بالسرد فيصبحان واحدا ليس فيه شبهة افتعال او زخرفة.
صدرت الرواية عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر " في 182 صفحة متوسطة القطع. والعتيلي روائي وشاعر صدر له قبلا ستة كتب هي ثلاث روايات وثلاث مجموعات شعرية.
استهل العتيلي روايته التي يموت فيها الاب والاخ الاكبر في المعارك مع الاسرائيليين بقصيدة مؤثرة اهداها "الى روح اخي احمد " قال فيها "... صديقي ../ وانت الذي تتفرد بالحزن ( والطيبة المشرعة ) لم تقل لي وداعا ( لم تقل لي نلتقي ) في الزقاق الذي ينتهي ( لبلاد نحب ) وما قلت حتى سلاما.. ( عليك السلام ) عليك السلام ( عليك السلام."
الرواية من حيث أحداثها الاساسية وخطوطها العريضة تدور حول حياة عائلة بل اكثر من عائلة من بلدة عتّيل الفلسطينية قبل حرب 1967 وبعدها. الحياة الهادئة في القرية.. ذلك العالم الجميل.. تتغير الى حد بعيد بكل ما فيها من افراح والام وعلاقات وصداقات وقصص حب طفولية. الهجرة الى مكان اخر.. الى مدينة هي عمان. تعتمد الرواية تداخلا في الازمنة اذ تبدأ في مرحلة متأخرة اي في عمان وتترجح بين فترة واخرى وفقا لحاجات القص.
للعتيلي قدرة على ان يتحدث ببساطة عن أمور تبدو فكرية فيحولها الى مادة سردية تبعد عنها برودة التحليل الفكري فتأتي مغلفة بغلالة شعرية حلوة.
يقول مثلا "اواخر الربيع.. اوائل الصيف عام 1984 كان شهر حزيران في الاول منه ..كان يوم الاثنين.. لا ادري لماذا الاثنين بالذات.. هو اليوم الذي عادة ما تحدث لي فيه احداث بارزة.. وبعضها يشكل منعطفات هامة في مسيرتي.. رغم انني ادركت فيما بعد ان الاحداث الهامة في حياة الافراد او الشعوب لا تتم بشكل مفاجىء.. ولا تكون ابنة لحظتها.. فللحدث مقدمات وحالما تكتمل هذه المقدمات يتم الحدث.
"وهذا يعني ان الانسان الفرد او الجماعة يمكن لهم ان يتوقعوا الحدث...وبما يعني ايضا امكانية التدخل اما في اتجاه تغيير مساره اوحتى ايقافه."
بطل الرواية عاطفي حساس طيب ومتردد وكأنه يشعر بغرابة عالم يعيش فيه. وعلى رغم ان في اجواء الرواية كثيرا من واقع دوائر العديد من بلدان عالمنا العربي فالبطل يبدو لنا احيانا خاصة وهو في دائرة حكومية هي قسم الشرطة وكأن فيه شيئا من عالم جوزف ك. عند فرانس كافكا. بل ولعل عالم كافكا نفسه يمثل كثيرا من سمات عالمنا.
يقول "تناولت اوراق سيارتي من الجيب الامامي ونزلت.. اشار الي ان اتبعه ..فتبعته. كان يتجه الى حيث دورية الشرطة ولما وصلت خلفه وجدت سائق الشاحنة مع رجال الشرطة وحالما راني أشار بيده نحوي قائلا.. هذا هو. نظرت اليه ثم نظرت الى الضابط المسؤول .كان احساسي بالخيبة شديدا. سألت.. ما الامر .. اجابني الضابط بهدؤ وهو يتأملني الا تعرف ما الامر.."
أضاف "نزل الشرطي فنزلت. توجه نحو المدخل وكنت اتبعه. دخلنا .وصعدنا الدرج الى الطابق العلوي. مشينا عبر ممر طويل يؤدي الى غرفة مستطيلة واسعة. عدد من المكاتب تصطف الى جانب بعضها...كانت جميعها خالية الا من شرطي وحيد يجلس خلف احدها وحالما دخلنا أشار الشرطي الذي رافقني الى مقعد خشبي قبالة المكاتب ملاصقا للحائط وطلب مني الجلوس هناك..والانتظار."