عالم الأدب

شاهدت مقتل بن بركة بمهرجان الاسكندرية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الإسكندرية - من صلاح هاشم: لاشك أن المتأمل في مجموعة الأفلام الفرنسية، التي سوف تعرض في دورة مهرجان الإسكندرية السينمائي 22، وذلك في الفترة من 5 إلي 10 سبتمبر 2006، سوف يدرك علي الفور انها من أحسن الأفلام التي خرجت للعرض في فرنسا والعالم خلال العاميين الماضيين، واغلبها شارك ممثلا فرنسا في العديد من المهرجانات السينمائية الدولية، وحصد العديد من الجوائز، مثل فيلم "من فرط الدق توقف قلبي عن النبض" De Battre Mon Coeur لميشيل أوديار، الذي حصد علي 8 جوائز دفعة واحدة في حفل توزيع جوائز " السيزار " الفرنسية. كما سيدرك ايضا ان تلك المجموعة التي تضم فيلم " شاهدت مقتل بن بركة " J ai Vu Tuer Ben Barka لسيرج لو بيرون و فيلم " الشرطي الصغير " لاكزافيه بوفوا وفيلم " نظيف " Clean لاوليفييه السايس وفيلم " حالا " Tout De Suit لبونوا جاكو، بالإضافة الي الموضوعات التي تتطرق اليها،والرؤى التي تعبر عنها، والأساليب الفنية المتنوعة التي تنتهجها، تجسد السمة الأساسية في السينما الفرنسية الراهنة ألا وهي سمة " التنوع".. بالإضافة إلي انها تمثل أكبر مشاركة من دولة متوسطية في الدورة 22، وكما كان الحال دوما في دورات المهرجان، الذي نتابع أعماله منذ عام 1992. وقد دفع هذا الأمر إدارة المهرجان، الي تكريم السينما الفرنسية من خلال تكريم المخرج الفرنسي المتميز سيرج لو بيرون، وعرض فيلمه " شاهدت مقتل بن بركة " في حفل الافتتاح، ويشارك لوبيرون ايضا في الندوة التي تعقد علي هامش تظاهرة " سينما المقاومة " في المهرجان..

والواقع انه لولا الدعم المادي والمعنوي، الذي يلقاه المخرجون المصريون من امثال يوسف شاهين " وداعا بونابرت "، ويسري نصر الله " باب الشمس، "وعاطف حتاتة " الابواب المغلقة " وغيرهم من السينما الفرنسية، ما كانوا تمكنوا من صنع أفلامهم تلك الفنية المتميزة عكس السائد والتقليدي، التي انطلقت بالسينما المصرية الي العالمية، وفتحت لها ابواب التوزيع الخارجي في انحاء المعمورة علي مصراعيه. وكانت فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، من اوائل الدول الأوروبية التي تنبهت الي أهمية الدعاية لحضارة وثقافة فرنسا من خلال السينما، التي هي في الاصل كما نعرف اختراع فرنسي،.. وطورت من أدوات وآليات دعم وحماية صناعة السينما في فرنسا. وقد لايعرف البعض، ان هناك مكتبا للفيلم في وزارة الخارجية الفرنسية، يغذي المهرجانات السينمائية في العالم بالافلام الفرنسية روائية وتسجيلية، لكنه لايختار لها الافلام التي تعرضها، بل يترك لها حرية الاختيار، بالاضافة الي مؤسسة " يونيفرانس فيلم " التي تعد مسئولة بحق، عن الانتعاشة التي تشهدها السينما الفرنسية،وحضورها المتألق في أمريكا والعالم، ولا تكف فرنسا كل يوم كما خبرنا، عن ابتداع أساليب جديدة للدعاية للفيلم الفرنسي، كمرآة لحضارة ومجتمع وتاريخ وأسلوب حياة، وترويجه في العالم..
تري ماهي أبرز الملامح التي تميز أفلام المجموعة الفرنسية في المهرجان، وتعكس الهم السينمائي الفرنسي، وتشي بحق الاختلاف، والي حد تعبر هذه الافلام التي شاهدناها من قبل، وينتظر الجمهور السكندري عروضها بلهفة وشغف، تعبرعن تناقضات ومشاكل وهموم المجتمع،او بالاحري"المجتمعات الفرنسية" الجديدة وتطلعاتها ..

شاهدت مقتل بن بركة: السير في حقل ألغام
يقدم فيلم الافتتاح " شاهدت مقتل بن بركة " لسيرج لوبيرون تحقيقا في قضية مقتل المناضل المغربي المهدي بن بركة، لكنه يتحاشي اعادة تصوير الوقائع كما فعل المخرج الفرنسي ايف بواسيه عندما ناقش قضية اغتيال الزعيم المغربي الراحل فحولها الي فيلم بوليس بعنوان " الاغتيال " بل يحاول ان يصور في فيلمه من خلال التحقيق في جريمة قتل احد المجرمين الفرنسيين في فترة الخمسينيات، المناخ الادبي والاجتماعي والسياسي الفرنسي والعالمي، أي انه ينفذ الي القضية من خلال الاشياء التي عاشها وخبرها هو ذاته، ويتجنب اعادة تصوير ماوقع لبن بركة بالفعل بعد اعتقاله يوم 29 اكتوبر 1965 عن طريق البوليس السري الفرنسي وبالتواطؤ مع الشرطة المغربية وتعذيبه، حيث ان تلك الوقائع يختلف الجميع بشأنها ومازالت تفاصيلها غامضة، كما ان ملف القضية الذي افرجت عنه فرنسا اخيرا فتحوه فلم يجدوا فيه أي شييء، في حين كانت عملية اختطاف بن بركة، احدي النقاط السوداء في حكومة ديجول او الجمهورية الديجولية وجلبت عليها العار ولطخت سمعتها في الوحل، وكشفت عن ان حاكم فرنسا آنذاك - والله أعلم - كان طرطورا ,وآخر من يعلم، فقد كانت هناك حكومة فرنسية اخري في الظل، تحيك مؤامراتها في الخفاء وهو لايدري..
أراد سيرج لو بيرون، الذي يوظف السينما التسجيلية في بداية الفيلم ليحكي عن صعود حركة التحرر العالمي في الخمسينيات، وخطرها علي المصالح الامريكية ويشبكها في النسيج الروائي للفيلم، أراد ان يحكي عن اجواء ادبية واجتماعية وسينمائية واقتصادية في فترة الخمسينيات، ليقول ان السينما كانت متواطئة ايضا في خطف بن بركة، حيث وظفت الشرطة السرية أحد المجرمين (جورج فينجو) في عملية اصطياده واحضاره الي فرنسا، بحجة المشاركة مع الاديبة والروائية مارجريت دوراس في كتابة سيناريو فيلم يحكي عن حركة التحرر من الاستعمار في العالم آنذاك، وعلي أن يخرج الفيلم جورج فرانجو، واراد لوبيرون أن يحكي عن أجواء الخمسينيات، ليبين أن الفترة الحالية التي نعيشها، وبكل مافيها من أزمات وحروب، في العراق ولبنان وفلسطين، ما هي الا امتداد ونتيجة، أو محصلة طبيعية للخريطة الجديدة التي رسمتها المصالح الامريكية والغربية للعالم في تلك الفترة،بهدف ضرب حركات التحرر في العالم، والحفاظ علي الحكومات المتواطئة العميلة، تدور في فلك السياسة الامريكية المخابراتية في الشرق الاوسط وامريكا اللاتينية..
ولذلك يتجاوز الفيلم التحقيق البوليسي المثير، بكل متبلاته وتحابيشه المعروفة، ويتقدم بايقاع متمهل وهاديئ، كي يناقش بالكثير من الجدية والالتزام، قضية هي اكبر من قضية بن بركة: قضية او مؤامرة اغتيال واختطاف الزعماء الوطنيين السياسيين في العالم كله، كما اغتيال رفيق الحريري في لبنان،.. قضية حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحقها في الحرية والاستقلال، ليكون فيلمه ذاك التاريخي السياسي، شاهدا علي حقبة وعصر، تشكلت فيهما ملامح النظام العالمي الجديد، والواقع الحاضر الذي نعيشه، وبكل مافيه من أزمات وتناقضات وحروب، وقد قال لي سيرج لوبيرون في لقاء معه في ياريس، ان الاحتلال الامريكي للعراق، ليس الا نتيجة طبيعية ايضا لتلك الخريطة التي رسمت جغرافيتها في فترة الخمسينيات، للمحافظة علي مصالح أمريكا في المنطقة والعالم، أبد الدهر..
والواقع أن فيلم " شاهدت اغتيال بن بركة "، هو علي المستوي الشخصي الابداعي واهتمامات مخرجه، يعد نتيجة طبيعية للطريقة التي يفكر بها سيرج لو بيرون في السينما الفرنسية، كونها أداة، كما يقول المعلم الأكبر المخرج الفرنسي جان لوك جودار: أداة تفكير في قضايا ومتناقضات مجتمعاتنا، ومشاكل وأزمات عصرنا. هذه هي السينما كما يتمثلها سيرج، وكما يحاضر ويحكي عنها،ويدرسها حاليا لطلابه في جامعة باريس 8 " فانسان " الشهيرة ومنذ زمن, فقد كان ضمن مجموعة من نقاد وكتاب مجلة " لي كاييه دو سينما " كراسات السينما الفرنسية الشهيرة، انضمت الي الجامعة للتدريس في القسم المذكور، وأخرجت فيلم " شجرة الزيتون " عن القضية الفلسطينية، ووقفت الي جانب الحق الفلسطيني، وشرعية المقاومة، وجعلت من " شجرة الزيتون " فيلما كفاحيا نموذجيا ومثاليا وحصل الفيلم علي جائزة الجمهور في مهرجاني اورليانز-فرنسا و مهرجان قرطاج-تونس عام 1976 وقد عمل لوبيرون محررا وناقدا في مجلة " لي كاييه دو سينما " من 1967 الي 1984 واخرج 9 افلام تسجيلية و4 افلام روائية طويلة،عكست اهتماماته بالواقع الاجتماعي الفرنسي، ومشاكل المهاجرين العرب، كما في فيلمه " افتح ياسمسم " فيلم روائي تلفزيوني طويل، الذي اخرجه عام 1990، ويأتي فيلم " شاهدت مقتل بن بركة " فيلمه الروائي الطويل الرابع، ليؤكد علي هذا المنحي في الاهتمام من خلال السينما بالقضايا التاريخية والسياسية، وأظن ان الفيلم ربما يكون من أفضل وأهم وأنضج الافلام التي أخرجها ولحد الآن, ويفتح ضمن افلام فرنسية قليلة جدا، ملف علاقة فرنسا بماضيها الاستعماري في شمال افريقيا، وعلاقتها بالعرب، وهي منطقة جد ملغومة في الفضاء في السينما الفرنسية، ويخشي المخرجون الفرنسيون دوما الاقتراب منها..

من فرط الدق: خلاصنا لا يكون الا بالموسيقي الفن
ومن ضمن أفلام المجموعة الفرنسية يبرز أيضا فيلم "من فرط الدق توقف قلبي عن النبض" لميشيل أوديار الذي عرض له المهرجان في العام الماضي فيلمه البوليسي الاجتماعي البديع "علي شفتي"، فقد حصل " من فرط الدق " علي 8 جوائز سيزار دفعة واحدة. كأحسن فيلم وأحسن أخراج واحسن اقتباس (عن فيلم أمريكي بعنوان " اصابع " بطولة هارفي كيتل) وأحسن تصوير وأحسن موسيقي وأحسن مونتاج الخ. كما اختاره النقاد الفرنسيون كأحسن فيلم فرنسي من انتاج 2005، ويحكي الفيلم عن رغبة شاب في تغيير جلده وحياته بالكامل، فقد جعلته الظروف يشتغل في وكالة لبيع العقارات تتولي طرد السكان من الشقق التي يحتلونها بالقوة، ويشارك في حملات اقصائهم عنها بالعنف، ويتورط في تصفية حسابات لوالده مع المافيا، وعصابات الجريمة المنظمة، ويحاول هذا الشاب ان يخرج من هذا النفق المظلم، الذي دفعته اليه ظروفه التعسة، ويجرب وهو ينتقم لأبيه، ان يعود الي حبه القديم، الا وهو العزف علي البيانو، وبخاصة بعد ان ماتت امه ميتة مأسوية، وكانت عازفة بيانو مشهورة، فيبدأ يتلقي دروسا خصوصية في العزف، علي يد مدرسة موسيقي صينية مهاجرة الي باريس ولا تتكلم الفرنسية علي الاطلاق، ويرينا الفيلم محاولة هذا الشاب العصبي وهو مثل قنبلة علي وشك الانفجار، من همه ويأسه من الحياة في كل لحظة، محاولته في التواصل مع نفسه ووالده ومدرسته، والناس من حوله، في مجتمعات فردية أنانية انهارت فيها العلاقات الإنسانية، وصارت خواء، وعلي كل فرد أن يبحث بنفسه عن خلاصه في وحدته، وان يتقدم وهو يحمل صليبه علي طريق الآلام والأشواك، ويسير علي أرض من حديد ساخن ومحمي، فيتطهر من عذاباته بالألم، ومثل طائر العنقاء يولد في قلب النار من جديد..
وتلعب الموسيقي هنا دورا كبيرا في الفيلم، وتحضر كما لو كانت طوق النجاة الوحيد. بل ان الفيلم في شموليته الفنية، هو بمثابة تحية الي تلك الموسيقي التي تتآلف بها النفوس والأرواح،وتستطيع في أحلك الاوقات، ان تفتح لنا سكة للخلاص، نتصالح فيها مع أنفسنا، والعالم والناس من حولنا. ويعتبر جاك اوديار الذي منح الممثل الشاب رومان دوريس في هذا الفيلم أحد أبرز أدواره، من أبرز المخرجين المتميزين في السينما الفرنسية الجديدة و هو يكتب سيناريوهات أفلامه بنفسه..

الحنين الى "الموجة الجديدة"
وفي حين تقع إحداث " من فرط الدق " في باريس اليوم، يتجول بنا فيلم "حالا" لبونوا جاكو بين فرنسا واليونان والمغرب واسبانيا، وتقع أحداثه في فترة السبعينيات، حين تتلقي تلك الفتاة البرجوازية بطلة الفيلم مكالمة من صديقها (العربي)، يدعوها الي اللحاق به فورا، بعد ان ارتكب جريمة سطو راح ضحيتها إنسان، فتهجر حياتها البرجوازية الرتيبة المملة، وتتمرد علي اهلها وواقعها، وتهرب معه من بلد الي بلد، وتعيش حياة الحرية. وويروح بونوا جاكو يصور تلك المغامرة في الحال، بالكاميرا المحمولة علي الكتف، ليكون فيلمه بمثابة تحية الي سينما " الموجة الجديدة " في فترة الخمسينيات في فرنسا،التي هجرت الاستوديوهات، وانطلقت تصور من دون سيناريوهات علي الرصيف، لتمسك بتوهج الحياة ذاتها في افلامها العظيمة: "على آخر نفس" لجودار و"اربعمائة ضربة" لتروفو و"سيرج الجميل " لكلود شابرول وغيرهم، وتفتح من خلال السينما شباكا علي الحياة الحقيقية، بتلقائيتها وعفويتها المحببة، غير عابئة بالاخطاء التقنية..بل لقد كانت تنشد اصلا في بعض الاحيان تلك الاخطاء، لتشي بأن السينما ليست معصومة من الخطأ وتأنف بطبيعتها مثل الحياة، بأن تكون محكومة بكادر أو أطار يسجنها، ويعوقها عن الحركة (والحركة كما نعرف هي جوهر السينما)، تأنف من أن تكون سينما جميلة في برواز، ومحنطة.. ولذلك يعتبر هذا الفيلم، بمثابة دعوة الي إعادة اكتشاف تلك الأساليب " الثورية "، التي ابتدعتها حركة الموجة الجديدة، واستلهامها في السينما الفرنسية من جديد، حتي لا تتجمد في قوالب وهياكل محفوظة وذهنية عقيمة، وهي دعوة فيها الكثير من الحنين الي تلك الأيام الخوالي، التي صنعت مجد السينما الفرنسية عبر الموجة الجديدة، والأفلام التي افرزتها، من اجل ان تكون السينما الفرنسية متمردة ومتجددة دوما، بابتكارات واختراعات الفن المدهشة..

رحلة في قاع جهنم ودرس في الاداء
كما يعرض مهرجان الإسكندرية ايضا فيلمين فرنسيين جميلين، ويقدم من خلالهما درسين في السينما والاداء والتمثيل. يقدم درس الأداء الأول علي يد الممثلة الفرنسية القديرة اتالي باي، ومن خلال دورها في فيلم "الشرطي الصغير" لاكزافييه بوفوا، وتقوم فيه بدور مفتشة بوليس سكيرة في قسم شرطة، ويحكي عن حياتها ومشاكلها اليومية في العمل والبيت والشارع، وعلاقتها بشرطي شاب جديد انضم حديثا للخدمة، ويعمل معها في نفس القسم، وقد حصلت ناتالي باي عن جائزة " سيزار "- مثل جائزة " الاوسكار" - أحسن ممثلة في السينما الفرنسية لعام 2005 عن دورها في هذا الفيلم، الذي يقترب كثيرا في تصويره لرجال ونساء الشرطة الفرنسية، من روح الافلام التسجيلية التي تصدمنا بواقعيتها، ويتحاشي الوقوع في "النمطية " الرخيصة، التي تصور رجال الشرطة الفرنسيين كأبطال غير عاديين او كرجال فاسدين، وتضع حولهم دائما هالة، ولا تصورهم ابدا في جل افلام السينما الفرنسية كبشر آدميين من لحم ودم، وتتألق ناتالي باي في هذا الفيلم، حضورا وتمثيلا وتشمخ بدورها الأخاذ، ولذلك لم يكن غريبا ان تحصل به علي ارفع جائزة للتمثيل في فرنسا....كما تشمخ تلك الممثلة الصينية ماجي شونج، تشمخ بدورها في فيلم "نظيف" لاوليفييه السايس (تعتبر اجي حاليا من اشهر الممثلات الاسيويات) ويحكي الفيلم عن مأساة امراة تحاول ان تسترد ابنها الذي يعيش مع جده (يمثل دوره باقتدار في الفيلم الممثل الامريكي نيك نولت) وعليها بعد ان مات زوجها المؤلف الموسيقي، ان تكف كمدمنة عن تناول المخدرات والهيروين، لتصبح " نظيفة " منهما تماما اولا، وقبل ان يسلم لها ابنها، وتتعهد من جديد بتربيته. وهو فيلم من اجمل وانضج افلام السايس، ويكشف عن طموحاته، في الوصول بالفيلم الفرنسي الي تلك الجماهيرية او الشعبية المتحققة للفيلم الامريكي علي مستوي العالم، ومازالت مفتقدة وغير متحققة في الافلام الفرنسية بعد، كما يحكي عن اجواء عالم موسيقي "الروك" في فترة الثمانينيات، ويشير او يوحي من بعيد بقصة الحب، التي ربطت بين الفنانة اليابانية يوكو اونو، والملحن الموسيقار البريطاني الفذ جون لينون، واغنيتهما الشهيرة " تخيل " التي صارت شعارا لحركات السلام في العالم، وعززت من شهرة جون، الذي كان عضوا في فرقة البيتلز، وكاتب ومؤلف أحلي وأجمل اغانيها، قبل ان يغتاله للأسف في نيويورك احد المجانين المهووسين من عشاق أغانيه. ويكشف الفيلم الذي يتنقل بنا بين كندا وامريكا وفرنسا، يكشف عن رحلة عذاب مع الالم، فالتخلص من الادمان علي المخدرات كما يحلو للبعض ان يصور، ليس نزهة في بستان سعادة، بل رحلة هبوط في قاع جهنم، وتتطلب تضحيات جد جسيمة،ومن دونها لايصبح المرء "نظيفا "، ويعثر يقينا علي خلاصه. كما يكشف ايضا عن ايمان وثقة السايس، في قدرة الانسان علي ان يحب ويغفر، وقدرته علي ان يغير من حياته في النهاية اذا اراد، بقوة الايمان،وبأس العزيمة التي لاتقهر.وقد حصلت الممثلة الصينية ماجي شونج علي جائزة احسن ممثلة في مهرجان " كان " السينمائي الدولي لعام 2004 عن دورها في هذا الفيلم الجميل.ولاشك ان مجموعة الافلام الفرنسية المتميزة جدا، والتي تعرض في هذه الدورة 22، تطرح بالفعل " وليمة " فرنسية فنية دسمة، بمتعة وسحر وثقافة السينما الفن، وهي تستحق جميعها المشاهدة عن جدارة.وسوف نتوقف عند أهم أفلام وأحداث وفعاليات الدورة 22، في رسالة قادمة ل " إيلاف " من مهرجان الإسكندرية..

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف