شاهدت مقتل بن بركة بمهرجان الاسكندرية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الإسكندرية - من صلاح هاشم: لاشك أن المتأمل في مجموعة الأفلام الفرنسية، التي سوف تعرض في دورة مهرجان الإسكندرية السينمائي 22، وذلك في الفترة من 5 إلي 10 سبتمبر 2006، سوف يدرك علي الفور انها من أحسن الأفلام التي خرجت للعرض في فرنسا والعالم خلال العاميين الماضيين، واغلبها شارك ممثلا فرنسا في العديد من
والواقع انه لولا الدعم المادي والمعنوي، الذي يلقاه المخرجون المصريون من امثال يوسف شاهين " وداعا بونابرت "، ويسري نصر الله " باب الشمس، "وعاطف حتاتة " الابواب المغلقة " وغيرهم من السينما الفرنسية، ما كانوا تمكنوا من صنع أفلامهم تلك الفنية المتميزة عكس السائد والتقليدي، التي انطلقت بالسينما المصرية الي العالمية، وفتحت لها ابواب التوزيع الخارجي في انحاء المعمورة علي مصراعيه. وكانت فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، من اوائل الدول الأوروبية التي تنبهت الي أهمية الدعاية لحضارة وثقافة فرنسا من خلال السينما، التي هي في الاصل كما نعرف اختراع فرنسي،.. وطورت من أدوات وآليات دعم وحماية صناعة السينما في فرنسا. وقد لايعرف البعض، ان هناك مكتبا للفيلم في وزارة الخارجية الفرنسية، يغذي المهرجانات السينمائية في العالم بالافلام الفرنسية روائية وتسجيلية، لكنه لايختار لها الافلام التي تعرضها، بل يترك لها حرية الاختيار، بالاضافة الي مؤسسة " يونيفرانس فيلم " التي تعد مسئولة بحق، عن الانتعاشة التي تشهدها السينما الفرنسية،وحضورها المتألق في أمريكا والعالم، ولا تكف فرنسا كل يوم كما خبرنا، عن ابتداع أساليب جديدة للدعاية للفيلم الفرنسي، كمرآة لحضارة ومجتمع وتاريخ وأسلوب حياة، وترويجه في العالم..
تري ماهي أبرز الملامح التي تميز أفلام المجموعة الفرنسية في المهرجان، وتعكس الهم السينمائي الفرنسي، وتشي بحق الاختلاف، والي حد تعبر هذه الافلام التي شاهدناها من قبل، وينتظر الجمهور السكندري عروضها بلهفة وشغف، تعبرعن تناقضات ومشاكل وهموم المجتمع،او بالاحري"المجتمعات الفرنسية" الجديدة وتطلعاتها ..
شاهدت مقتل بن بركة: السير في حقل ألغام
يقدم فيلم الافتتاح " شاهدت مقتل بن بركة " لسيرج لوبيرون تحقيقا في قضية مقتل المناضل المغربي المهدي بن بركة، لكنه يتحاشي اعادة تصوير الوقائع كما فعل المخرج
أراد سيرج لو بيرون، الذي يوظف السينما التسجيلية في بداية الفيلم ليحكي عن صعود حركة التحرر العالمي في الخمسينيات، وخطرها علي المصالح الامريكية ويشبكها في النسيج الروائي للفيلم، أراد ان يحكي عن اجواء ادبية واجتماعية وسينمائية واقتصادية في فترة الخمسينيات، ليقول ان السينما كانت متواطئة ايضا في خطف بن بركة، حيث وظفت الشرطة السرية أحد المجرمين (جورج فينجو) في عملية اصطياده واحضاره الي فرنسا، بحجة المشاركة مع الاديبة والروائية مارجريت دوراس في كتابة سيناريو فيلم يحكي عن حركة التحرر من الاستعمار في العالم آنذاك، وعلي أن يخرج الفيلم جورج فرانجو، واراد لوبيرون أن يحكي عن أجواء الخمسينيات، ليبين أن الفترة الحالية التي نعيشها، وبكل مافيها من أزمات وحروب، في العراق ولبنان وفلسطين، ما هي الا امتداد ونتيجة، أو محصلة طبيعية للخريطة الجديدة التي رسمتها المصالح الامريكية والغربية للعالم في تلك الفترة،بهدف ضرب حركات التحرر في العالم، والحفاظ علي الحكومات المتواطئة العميلة، تدور في فلك السياسة الامريكية المخابراتية في الشرق الاوسط وامريكا اللاتينية..
ولذلك يتجاوز الفيلم التحقيق البوليسي المثير، بكل متبلاته وتحابيشه المعروفة، ويتقدم بايقاع متمهل وهاديئ، كي يناقش بالكثير من الجدية والالتزام، قضية هي اكبر من قضية بن بركة: قضية او مؤامرة اغتيال واختطاف الزعماء الوطنيين السياسيين في العالم كله، كما اغتيال رفيق الحريري في لبنان،.. قضية حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحقها في الحرية والاستقلال، ليكون فيلمه ذاك التاريخي السياسي، شاهدا علي حقبة وعصر، تشكلت فيهما ملامح النظام العالمي الجديد، والواقع الحاضر الذي نعيشه، وبكل مافيه من أزمات وتناقضات وحروب، وقد قال لي سيرج لوبيرون في لقاء معه في ياريس، ان الاحتلال الامريكي للعراق، ليس الا نتيجة طبيعية ايضا لتلك الخريطة التي رسمت جغرافيتها في فترة الخمسينيات، للمحافظة علي مصالح أمريكا في المنطقة والعالم، أبد الدهر..
والواقع أن فيلم " شاهدت اغتيال بن بركة "، هو علي المستوي الشخصي الابداعي واهتمامات مخرجه، يعد نتيجة طبيعية للطريقة التي يفكر بها سيرج لو بيرون في السينما الفرنسية، كونها أداة، كما يقول المعلم الأكبر المخرج الفرنسي جان لوك جودار: أداة تفكير في قضايا ومتناقضات مجتمعاتنا، ومشاكل وأزمات عصرنا. هذه هي السينما كما يتمثلها سيرج، وكما يحاضر ويحكي عنها،ويدرسها حاليا لطلابه في جامعة باريس 8 " فانسان " الشهيرة ومنذ زمن, فقد كان ضمن مجموعة من نقاد وكتاب مجلة " لي كاييه دو سينما " كراسات السينما الفرنسية الشهيرة، انضمت الي الجامعة للتدريس في القسم المذكور، وأخرجت فيلم " شجرة الزيتون " عن القضية الفلسطينية، ووقفت الي جانب الحق الفلسطيني، وشرعية المقاومة، وجعلت من " شجرة الزيتون " فيلما كفاحيا نموذجيا ومثاليا وحصل الفيلم علي جائزة الجمهور في مهرجاني اورليانز-فرنسا و مهرجان قرطاج-تونس عام 1976 وقد عمل لوبيرون محررا وناقدا في مجلة " لي كاييه دو سينما " من 1967 الي 1984 واخرج 9 افلام تسجيلية و4 افلام روائية طويلة،عكست اهتماماته بالواقع الاجتماعي الفرنسي، ومشاكل المهاجرين العرب، كما في فيلمه " افتح ياسمسم " فيلم روائي تلفزيوني طويل، الذي اخرجه عام 1990، ويأتي فيلم " شاهدت مقتل بن بركة " فيلمه الروائي الطويل الرابع، ليؤكد علي هذا المنحي في الاهتمام من خلال السينما بالقضايا التاريخية والسياسية، وأظن ان الفيلم ربما يكون من أفضل وأهم وأنضج الافلام التي أخرجها ولحد الآن, ويفتح ضمن افلام فرنسية قليلة جدا، ملف علاقة فرنسا بماضيها الاستعماري في شمال افريقيا، وعلاقتها بالعرب، وهي منطقة جد ملغومة في الفضاء في السينما الفرنسية، ويخشي المخرجون الفرنسيون دوما الاقتراب منها..
من فرط الدق: خلاصنا لا يكون الا بالموسيقي الفن
وتلعب الموسيقي هنا دورا كبيرا في الفيلم، وتحضر كما لو كانت طوق النجاة الوحيد. بل ان الفيلم في شموليته الفنية، هو بمثابة تحية الي تلك الموسيقي التي تتآلف بها النفوس والأرواح،وتستطيع في أحلك الاوقات، ان تفتح لنا سكة للخلاص، نتصالح فيها مع أنفسنا، والعالم والناس من حولنا. ويعتبر جاك اوديار الذي منح الممثل الشاب رومان دوريس في هذا الفيلم أحد أبرز أدواره، من أبرز المخرجين المتميزين في السينما الفرنسية الجديدة و هو يكتب سيناريوهات أفلامه بنفسه..
الحنين الى "الموجة الجديدة"
وفي حين تقع إحداث " من فرط الدق " في باريس اليوم، يتجول بنا فيلم "حالا" لبونوا جاكو بين فرنسا واليونان والمغرب واسبانيا، وتقع أحداثه في فترة السبعينيات، حين تتلقي تلك الفتاة البرجوازية بطلة الفيلم مكالمة من صديقها (العربي)، يدعوها الي اللحاق به فورا، بعد ان ارتكب جريمة سطو راح ضحيتها إنسان، فتهجر حياتها البرجوازية الرتيبة المملة، وتتمرد علي اهلها وواقعها، وتهرب معه من بلد الي بلد، وتعيش حياة الحرية. وويروح بونوا جاكو يصور تلك المغامرة في الحال، بالكاميرا المحمولة علي الكتف، ليكون فيلمه بمثابة تحية الي سينما " الموجة الجديدة " في فترة الخمسينيات في فرنسا،التي هجرت الاستوديوهات، وانطلقت تصور من دون سيناريوهات علي الرصيف، لتمسك بتوهج الحياة ذاتها في افلامها العظيمة: "على آخر نفس" لجودار و"اربعمائة ضربة" لتروفو و"سيرج الجميل " لكلود شابرول وغيرهم، وتفتح من خلال السينما شباكا علي الحياة الحقيقية، بتلقائيتها وعفويتها المحببة، غير عابئة بالاخطاء التقنية..بل لقد كانت تنشد اصلا في بعض الاحيان تلك الاخطاء، لتشي بأن السينما ليست معصومة من الخطأ وتأنف بطبيعتها مثل الحياة، بأن تكون محكومة بكادر أو أطار يسجنها، ويعوقها عن الحركة (والحركة كما نعرف هي جوهر السينما)، تأنف من أن تكون سينما جميلة في برواز، ومحنطة.. ولذلك يعتبر هذا الفيلم، بمثابة دعوة الي إعادة اكتشاف تلك الأساليب " الثورية "، التي ابتدعتها حركة الموجة الجديدة، واستلهامها في السينما الفرنسية من جديد، حتي لا تتجمد في قوالب وهياكل محفوظة وذهنية عقيمة، وهي دعوة فيها الكثير من الحنين الي تلك الأيام الخوالي، التي صنعت مجد السينما الفرنسية عبر الموجة الجديدة، والأفلام التي افرزتها، من اجل ان تكون السينما الفرنسية متمردة ومتجددة دوما، بابتكارات واختراعات الفن المدهشة..
رحلة في قاع جهنم ودرس في الاداء
كما يعرض مهرجان الإسكندرية ايضا فيلمين فرنسيين جميلين، ويقدم من خلالهما درسين في السينما والاداء والتمثيل. يقدم درس الأداء الأول علي يد الممثلة الفرنسية القديرة