عالم الأدب

معرض صور عن بؤس الغربة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من باريس: تعرض الفنانة الفتوغرافية مود دولافلوت في قاعة "أوتر مير" ببلدية الدائرة الثانية عشرة بباريس منذ بداية سبتمبر (أيلول) بعض صورها التي التقطتها في مسكن كلود تيليي الذي يأوي عددا من العمال الأجانب خاصة من أفريقيا وشمالها. يقع هذا المسكن، الذي شيد منذ سبعينيات القرن الماضي، على مبعدة خمسمائة متر من ساحة ناسيون، وعلى تخوم حي فوبوغ سانت أونتوان. ويحتوي على 354 سريرا موزعة على 108 غرفة.
لسنا ندرك هل سعت الفنانة في التقاط صورها إلى التعبير عن هم سوسيولوجي مضن أم أن مهمتها جاءت من تمرين نزعت إليه رغبة في استيفاء شغف فانتازي بالبؤس وضيق العزلة ومضاضة الضيم الذي يحط على النفس في أزمنة الوحدة والشعور بالانقطاع والبعد عن كل ما يحيي موات الروح، البلد والأهل، الماء واللسان والهواء الذي ألفته مسالك الذات. ثمة صورة تثير هذه الوضعية الحرجة، حيث المهاجر معلق بحبل الغربة، ليست تلمس قدماه أية تربة صلبة يرتاح إليها وليست تبدو رأسه في الصورة، إيحاء إلى انطماسه وانتفائه وبعده عن وجود يليق أن نسميه كذلك. ما يظهر منه ليس سوى سقف الصدر ويده المعروقة المتدلية على هيكل تعب يتسربل بثوب بلدي طعنته الليالي وبدا مدعوكا أكثر من اللازم.
كل ما أعرف أن مود دولافلوت قد أمضت وقتا كثيرا في مسكن كلود تيليي ذاك وتمكنت بذلك من رصد الكثير من التفاصيل الدقيقة حول وقع الغربة والبعد على نزلاء ذلك المسكن. تلك العادات الصغيرة التي تقطع الجبال والبحار، حاملين إياها في فجوات صدورهم، كي تستمر في حياتها المتحدية رغم انعدام هواء موائم لها ثمة. ذلك الكيس البلاستيكي الذي لا يكاد يفارق جانب تلك الأسرة المتواضعة ويحوي ما قد لا يخطر على بال أحد أبدا. صورة سجادتين على حديد المدفأة والعلامة الموجهة أعلى "خروج" والسهم الذي يشير إلى اليمين، ما حرصت الفنانة على التقاطه ومنح كل تلك العناصر كاملة من أجل تخيل أشياء متداخلة ومانحة جميعها معنى ما.
الساعة الواجمة على ظهر الحائط والحقيبة التي تستند إلى نفس الحائط أسفلها تماما، هل هي ايذان بعودة إلى الوطن أم إياب غير سهل مرة أخرى إلى تعب الغربة؟ كلاهما حركة تنتظرها حركة مخالفة في الاتجاه المعاكس، في طرف خط لا ينفرط سبك استدارته إلا بفناء المادة التي تلسعها قساوة الغياب.
براد صغير يرسل بخار الصباح من لسانه كأنه تلك الصيحة التي لا بد منها كي يبدأ نهار الغرباء، والسرير الأبيض الذي ترك منبه الصباح للنسيان أن يرتب تجاعيده وإن لم يكن سوى من يخلف وعدا ويجعل إزار السرير غير قابل لاستواء ممكن مادامت حياة العزلة قاسية وقريبة هي إلى حياة المستشفى أو السجن حياة من هذا النوع.
صور دولافلوت قاتمة لا تشي بأمل وتعكس بؤس هؤلاء المنسيين إذا استعملنا كلمة بونيل. قفل في مكان ما وطلاء يتقشر بأسى بالغ عن جدار في هذه المعسكرات التي تحيل إلى واقع مُر في بلد الغربة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف