عالم الأدب

دراسة: 11 سبتمبر في عيون شعراء عرب

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


تونس من طارق عمارة(رويترز): لا تزال الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة في 11 سبتمبر أيلول تثير جدلا واسعا رغم مرور خمس سنوات عليها ولا تزال أيضا محل دراسات.. ماهر دربال وعبد الرزاق القلسي مؤلفان تونسيان اختارا الاهتمام بهذا الحدث من خلال رصد تفاعلات الشعراء العرب حوله.

عبدالقادر الجنابي:

إلى الخافت فينا

يتضح من عرض الكتاب ان مجمل القصائد التي تناولها الناقدان في كتابهما تعبر عن ضغينة عربية نكوصية الطابعضد امريكا حد التشفي بما حدث، وبالأخص قصيدة أدونيس... هنا قصيدة مختلفة ونقدية لهذه "الأنا"العربية المريضة..وهي، ربما، أول قصيدة كتبت فعلا إثر هجمات 11 سبتمبر ونشرت في جريدة "الحياة" اللبنانية يوم 16 سبتمبر 2001. بقيت ليومين شبه مصدوم بهذه الجريمة الكبرى... الصور تدفقتوكأن قطرات برد آت من ماض بعيد، تصطدم بقشرة الدماغ محدثة قُشعريرة في صلب اللسان.

حدِّدْ الضربة، في مكان ما
بين موجٍ مُلتطِم
وبَرقٍ يَمتحنُ باطنَكَ.

تاريخٌ ثمّة يموتُ تحت الصفصاف
تتعقبه الذكريات.
خط الأفق يباغتُ طفولتَه،
يجعلها تلمع في ذرى الأعوام.

لا شيء يأتي مع الشمس.
الكائنات كنبات الفِطر مرئية من أبعد نجمة،
من أبعد ضربة.
الإرهابيون براعم تتلاشى مع تفتُّح الزهرة!

اتركْ القصيدة نائمةً في بئر،
اسردْ لنا ما ينطوي عليه النسيان.
الكلمات بقايا حياة ولّت.

ما جدوى دفتركَ؟
أنتَ، الآنَ، بأجنحةٍ منثورة
تتمزَّقُ في الآصال، رملاً بلا وميض.

تذكّر هذا: إنك ميتٌ، مرَّ عليك قرنٌ،
وهذا آخرُ يمرٌّ. لكن
قد تصحو فيه طفولتك،
متألقةً في ضوء أول كوارثه،
بين طيّات الرياح؛ فوق أعشابه اللامعة.

النهضة ساعةٌ متأخرةٌ
من الليل!

اهربْ! الشبكة مفعمة بالمعلومات.
اخرجْ إلى دنيا الحصاد
حيث نظرتك خيال مكين.
وفّر عليك دموعك.
الوقت قصيرٌ في سالف الأيام.

انتشل الحربَ
من بُركِها المزوقة بالأزهار والنجوم.

اِمتلكْها! فلها أرداف جميلة،
شعرٌ أشقر
وعين زرقاء ترسل إشعاعات.

ضاجعها، ذرها تنتشي حد أن تبول دما
إذا أردت صداقة الجميع!
فالحياة حيوانٌ أليف!


وعنوانه "11 سبتمبر والشعر العربي" بالدراسة العديد من الشعراء العرب ومن بينهم يوسف رزوقة وادونيس وغسان مطر ومحمد الحسين هيثم ومحمود درويش الذين صدرت لهم نصوص شعرية تفاعلت مع هذا الحدث الكبير.
وينطوي الكتاب الذي يقع في 210 صفحات على بابين الاول فيه اشتغال على مدونة شعرية محددة جاء تحت عنوان (الشعر متفاعلا مع الحدث الكبير 11 سبتمبر) بينما خصص الباب الثاني لاستلهام استتباعات الحدث وما تولد عنه من علاقات متوترة بين الولايات المتحدة والمجتمع العربي. وتعرضت الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر ايلول 2001 الى هجمات بالطائرات استهدفت مركز التجارة العالمي وأدت الى مقتل الالاف في أكبر هجوم عرفته الولايات المتحدة في تاريخها. وتبنى تنظيم القاعدة بقيادة اسامة ابن لادن الهجوم الذي وصفه محللون بانه يوم اعاد صياغة التاريخ.
ويقول المؤلفان في مقدمة الكتاب الذي تصدرت غلافه صور لبرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك وهما يحترقان ودخان كثيف يتصاعد "ما يهمنا في هذا الكتاب هو رصد تفاعل نماذج من كبار الشعراء مع هذا الحدث الكوني وكيفيات التعبير سواء عن الوقائع الضخمة التي تابعها العالم او عن مواقفهم على صعيد النظر الفكري والاديولوجي."
ويرى الكاتبان ان هناك ثلاثة اساليب في سياسة الشعر العربي لهذا الحدث الكبير. وجسد الاسلوب الاول الذي ينهض على اعادة انتاج الحدث وجعله مركزا تتولد عنه مواقف الشاعر غسان مطر في قصيدته "الان اعلن موتي" ويوسف رزوقة في ديوانه "حالة طواريء".
فيوسف رزوقة مثلا استحضر الحدث من اجل نقد المد العولمي الذي اصبح مصيرا لا يبشر بالخير للانسانية ومن اجل ايضا نقد فكرة الامركة التي اصبحت تهدف الى فرض نموذجها الفكري والقيمي بالقوة والعنف. ويقول رزوقة "احمل هذا الظلام الى اخر العمر.. مستترا بجناح غراب.. القي بنفسي من الطابق الاربعين".
اما الشاعر غسان مطر فكان استحضار هجمات سبتمبر للتعبير عن فكرة قد تصدم القارىء الغربي وتجد هوى في نفس القارىء العربي وهي ان العنف الرهيب الذي شهدته يوم 11 سبتمبر ما هو الا صورة للعنف الذي لم تكف يوما عن ممارسته ضد شعوب امنة سواء كانت قبائل الهنود الحمر او شعوبا عربية في فلسطين والعراق.
ويربط مطر بين ممارسات امريكا ضد شعوب العالم وبين هجمات سبتمبر قائلا "كانا برجان يتكئان على وجع الفقراء.. وكانا عميقين مثل قبور الهند.. ومسترسلين كاهات اهل الثكالى..وكانا حكاية هذا الزمان واحلامه الكافرة". وقال المؤلمان ان مطر بدأ نموذجا للشعر المحتكم للايدويولوجيا وفيه هجاء للولايات المتحدة يصل الى حد التعبير عن النفور والعداء.
اما الشاعر الكبير ادونيس فانفرد باسلوب ثان في قصيدته المطولة "11 ايلول 2001 قبل الميلاد". فقد استلهم من الحدث قصيدته لكنه يجرد الحدث من حدثيته فلا يستحضر اي تفصيل او حركة مثل اصطدام الطائرتين بالبرجين او توصيف المهاجمين مثلا. ويشير المؤلفان في كتابهما الى ان ادونيس قد اثر الاشتغال على المفاهيم الانسانية التي تفجرت بقوة من الحدث مثل المنزلة الانسانية بعد 11 سبتمبر ومثل قضية الصراع بين الثقافات واستشراء قيم العنف والتدمير المنهجي للانسان. وركز ادونيس على مدينة نيويورك ورأى فيها صورة للمدينة القاسية التي تشييء الانسان وتشيع قيم الثأر في العالم حيث يقول في احد ابياته المعبرة.. "لا ثار بل عدالة هكذا تكلم اثخيلوس..الثأر اولا هكذا تتكلم نيويورك" ويضيف قائلا "ولك ان تشير.. يكاد الحجر حتى في بغداد ان يتفطر خجلا".
وشنت الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر حربا في افغانستان بهدف ملاحقة عناصر القاعدة وفي مقدمتها زعيمها ابن لادن اطاحت على اثرها بنظام حركة طالبان.
كما قادت ايضا حربا على العراق واطاحت بالرئيس السابق صدام حسين بزعم امتلاكه لاسلحة للدمار الشامل. وتتهم شريحة واسعة من العرب الولايات المتحدة بالانحياز الى اسرائيل ضد الشعب الفسطيني. ويشير الكاتبان الى اسلوب ثالث يلتقي فيه ثلة من الشعراء من بينهم فاروق جويدة ومحمد حسين الهيثم وسعدي يوسف.
هؤلاء الشعراء لم يتكلموا عن الحدث مباشرة ولكنهم استلهموا استتباعاته وما تولد عنها من علاقات متوترة بين طرفين هما الولايات المتحدة والمجتمع العربي. فيقول المؤلفان ان هناك اغراضا يمكن عدها اغراضا جديدة ظهرت في اشعار هؤلاء المبدعين من بينها احياء ذكرى هولاكو القديم في رمز هولاكو الجديد. ويقول الشاعر اليمني محمد الحسين هيثم "مر على دجلة هولاكو.. ورمى في النهر رؤؤسا لاعد لها.. كتبا لا تحصى.. وتورايخ بلاد....فلماذا بعد قرون عاد الى دجلة ثانية هولاكو.. هل نسي كتابا يغرقه.. هل ضيع خاتمه فاتى ليبعثر اشلاء ابي نواس ويمزق احشاء النهرين".
ان الشعر العربي رغم بعض التباينات لم ير في مدينة نيويورك الا بعدا واحدا هو بعد المدينة المتسلطة فطمست بقية الابعاد مثل الثقافة وحرية الابداع والحريات المدنية وغطتها شلالات الدماء عبر العالم. ولم تظهر هذه المدينة مثالا للمدينة الشهيدة رغم انها ابتليت بمقتل نحو ثلاثة الاف شخص في هجمات سبتمبر. ولعل النظرة الايجابية الوحيدة لمدينة نيويورك كانت على لسان الشاعر الفلسطيني محمود درويش وذلك لانه لم ينظر اليها مباشرة وانما عبر عيون تجربة المفكر الفلسطيني الاصل ادوارد سعيد.
ويخلص الكاتبان في النهاية الى ان عبر كل القصائد العربية المدروسة في الكتاب تتولد فكرة وهم الحلم الامريكي لدى الشاعر. ويضيفا ان ليس الشعر هو الذي يسوق وحده هذه الفكرة بل ان الرواية العربية أيضا منشغلة بالفكرة ذاتها. وعلى هذا النحو يتجه الادب العربي شعرا ورواية ليكونا فضاء للتعبير عن طبيعة العلاقة المريبة والمتوترة بين الانسان العربي والعالم الامريكي. وعبد الرزاق القلسي وماهر دربال مولفا الكتاب اصدرا في وقت سابق ايضا كتابين اخرين بعنوان "الشعر التونسي الحديث" و"التأصيل والتحديث في الشعر التونسي المعاصر".

ادونيسيري السفير السوري عماد مصطفى في واشنطنكيف انه اول من طالب بدمار نيويورك في قصيدة

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف