الأقتراب من عالم المرأة سينمائيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
المهرجان الدولي الثاني لفيلم المرأة بسلا
سلا lمن قيس قاسم: أثارت الأفكار والمشاريع التي أرادت تخصيص صفة النسوية على بعض حقول الأبداع الأنساني، أثارت على الدوام جدلا كبيرا، وحساسية. وحتى في الغرب نجد صدا لفكرة التفريق بين أبداع المرأة والرجل من منطلق ان المنجز الأبداعي ليس حكرا على جنس ما، والمنجز الحقيقي هو الذي لا ينشغل مبدعه في تغليب
أرواح هائمة في سانتياغو
تحرك المخرجة أليسيا شيرسون، كريستينا، الفتاة ذات الملامح الهندية الحمراء (موبوتشية) مثلما تحرك صورة في شريط مسجل، ضغطت على زر play لتشغيله. حركتها تبدو لنا دون غاية، يغلفها الشرود، وخوف باطني من الأمكنة التي تمر بها. مثلها تفعل بتريستان، شاب ذو وضع أجتماعي جيد من عائلة غنية، مستسلم، يقبل بما يتعرض له بصبر وصمت، أستسلام دون مقاومة نابع من يأس وخيبة أمل وجودية. بين كريستينا وتريستان علاقة حب من طرف واحد، علاقة صامتة، تشبه علاقته بأيرين، الفتاة المتغطرسة الغنية التي يحبها وهي غير مبالية به. ثلاث كائنات تلاحق بعضها لغايات مبهمة ومرضية. كريستينا تعثر ذات مرة على حقيبة فيها كل مستمسكات تريستان الشخصية ومعها جهاز تسجيل الموسيقى. فقدها عندما تعرض للضرب والسرقة في أحد أزقة سانتياغو. تبدأ كريستينا بالبحث عن صاحبها،، بحث محموم وغير مفهوم، مع الوقت يتحول الى نوع من الحب السري. تسمع وهي تهيم في الشوارع الى الموسيقى من نفس الجهاز فتغرق في وحدانية كاملة يغمرها ضوء خارجي ساطع. تتصاعد أحداث الفيلم بحركة مطابقة لحركة البحث عن تريستان (أندريس أولوا) وعبرها سوف نكتشف مدينة سانتياغو، علاقات الناس فيها، العنف المستشري، واللاأبالية الصاعدة مع صعود رأسمالية البلد الذي كان يوما ذي نزعة أشتراكية. جمال المدينة الخفي الذي لايمكن معرفته إلا بالابتعاد والصعود الى جبل السيدة العذاراء، حين تبدو المدينة نائمة في أحضان وادي يحميه جبل شامخ. في واحد من المشاهد الغريبة نرى كريستينا ( فيفيان هيريرا) تلاحق في الخفاء تريسان وهو يلاحق أيرين، لن يلتقوا إلا في المستشفى، بحميمية مخفية يعلن الجميع عن مشاعرهم. يكاد يكون فيلم "لعب" فيلما صامتا، الحوار فيه مقتضب، والموسيقى سائدة. المشاعر جوانية وكشفها عصي. المصائر مجهولة ولاأحد يأبه لها. ويوم تقرر كريستينا مغادرة مكانها، لانهتم، نحن كثيرا لمصيرها، وحتى الرجل الذي كانت تعتني به قبل موته لانعرف من يكون صديقا لها أم والدها الحقيقي. تدخلاتها العنيفة في شؤن الأخرين لا ندركها ولا نعرف ان كانت متخلة أم حقيقية. وعلاقتها بالشاب العامل في الحدائق، هل تطورت أبعد ما وصلت اليه، لا أحد يكترث! اليس عالمنا اليوم بهذا القدر من اللاأكتراث للكائنات المحيطة بنا؟ أظن ان المخرجة أليسيا شيرسون أرادت لفيلمها ان يحكي عن أرواح مدينتها وأن تجد روحها عبر حيواتهم، فروح المدن تعكس روح الكائنات التي تهيم في شوارعها.
البحث عن الحرية!
شارك فيلم "تحت السقف" في مهرجانات عديدة، لم تنصفه لجان تحكيمها، إلا في سلا. لن أخفي فرحتي بفوزه بجائزة لجنة التحكيم، كان يروادني أحساس ان نضال الدبس قد
المرأة والتحولات العصية
أستحق محمود حميدة جائزة أفضل ممثل في سلا عن دوره الرئيس في فيلم "ملك وكتابة" لكاملة أبو ذكرى. عنوان الفيلم يوحي ان أحداثا من الحظ أو سوئه سنصادفها مع مجريات الفيلم، فالملك والكتابة هما وجها العملة المعدنية. لكن مع المتابعة نجد أنفسنا أمام تحولات دراماتيكية في حياة محمود، مدرس معهد الفنون الجميلة، تجري وفق تطور زمني يبدأ من لحظة تعرفه على الممثلة الهاوية هند (هند صبري). تعارف سيغير مجرى حياته وينتقل عالمه النظري الكئيب الى عالم من الحب والسعادة ما عرفه سابقا. من
يحمل الفيلم طاقة من الرومانسية الزائدة ساعدت على قبوله وأبقت حيوية المتابعة عند مشاهده، حتى النهاية، التي حملت طابعا تسامحيا خاليا من المنطق عندما "تنازل" محمود عن حب هند لحبيبها الأول طارق (خالد أبو النجا) التي أفترقت عنه لأختلاف سلوكهما ونظرتهما للعالم غدت مقبولة بقوة التحميل الرومانسي. من الناحية الفنية يحتفظ الفيلم بمستوى متوسط لكنه على المستوى الفكري يضع فكرة قبول وتأثير المرأة في الحياة والمجتمع في أولوياته فيبدو دوره في الواقع العربي مهما وشجاعا. الفيلم يتناسب مع أساس الفكرة التي بني عليها المهرجان والذي أراد تبريز دور المرأة، كموضوع سينمائي، وككفاءة فنية، تدخل عالم الأخراج العصي، الذي ظل حكرا على الرجال عقودا طويلة.
أفروديات شرقية
بعد قراءتي كتاب ايزابيل الليندي "أفروديت" أنتهيت الى شبه قناعة بأن هذا النوع من الكتابة سيبقى اليوم حكرا على العالم الغربي واللاتين أمريكي، لما فيه من حرية واسعة من التعبير عن الأفكار والأحاسيس وبوح بالرغبات الجنسية والحسية. لكن هذة القناعة زعزها الفيلم الايراني "حين يقع السمك في الحب" لعلي رفيعي. فيلم أعادني للتفكير في شجاعة السينما وتخطيها لكل حدود. من الصعب تصور مخرجا ايرانيا يقدم على أخراج قصة حب بهذا الشكل السينمائي، البعيد عن العقلية الشرقية التي تميل وخاصة في السينما لنوع شائع من العلاقات الرومانسية المباشرة بين الرجل والمرأة دون أضفاء عناصر حسية أخرى تدخل في مناخ القصة الغرامية. بنى رفيعي فيلمه على سيناريو غاية في البساطة وعلى فكرة مكررة، فكرة عودة الحبيب الأول الى منزله القديم بعد فراق طويل ومحاولة أعادة نسج أواصر العلاقة القديمة بالحاضر، ولكن علي ميزه عن غيره في المناخ الذي ستجري فيه الحتوتة الرومانسية. أختار المطبخ وحسيات لذة الطعام وسطا لنقل المشاعر. في المنزل القديم الذي تحول الى مطعم على يد نساء ماهرات يعتمدن عيشهن عليه، ستجري أحداث الفيلم وستسج العلاقة العاطفة من جديد بين الرجل وأحدى النساء الجميلات. بين إيقاع تجهيز الطعام اليومي ومراقبته لهن سنمضي نحن بأحساسنا المغرق بحسيات داخلية ينسجها رفيعي فينا دون ان نشعر. أنه ساحر الصورة الرتيبة المحصورة القادرة على أدهاشنا ببساطتها. من أين له هذة الشجاعة لأنجاز فيلم يبدو بعيدا عن الذهنية الشرقية ورومانسيتها! أظن ثقته بقوة الحسيات وأغوائها، في ميل البشر للبحث عن اللذات، في الأبتكار اللامنتهي في اشباع الحاجات الجسمانية والروحية هو الذي شجعه. يجمع علي بين الأثنين بين قوة الحب الروحية وحسية لذة أعداد الطعام. بين الروائح والنظرات الجريئة، بين همس البوح وحركة الكدح اليومي، مزيج يصنع قصيدة بصرية رائعة. كم بدا لي رفيعي قريبا من عالم الليندي، هي التشيلية كتبته لعالمها، وعلي الايراني، الشرقي، صوره بعوالم متخيلة لكنها تنتمي لحسيات تعرف مكانها.
حفز الأقبال المتزايد للجمهور على العروض وخاصة في الصالة المكشوفة، على فكرة تحويله الى مهرجان سنوي وليس كل عامين كما هو الحال الأن. وبسبب من شحة قاعات العرض السينمائي قدم مسؤلون مغربيون في سلا وعودا بأنشاء دور عرض جديدة فيها. وللمصارحة نقول: ان الصالة المكشوفة تحتاج الى أنضباط واع من الجمهور. وتحتاج الى أحترام لحق الأخر في المشاهدة والتركيز. فليس معقولا أن تتحول الى مكانا مفتوحا لحركة الأطفال ولأستقبال المكالمات الهاتفية في الوقت الذي يأتي جمهور هدفة أن يشاهد فيلما، يركز ويستمتع به. أخراج حفل الختام كان ناجحا مما أسعد أهالي سلا وأشعرهم أنهم ومدينتهم قادرون على تنظيم مهرجان سينمائي جاد ومهم.