قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من عمّان: افتتح معهد ثربانتس في عمان موسمه الثقافي الجديد باستضافة الشاعرة والروائية الإسبانية كلارا خانيس، للتحدث عن تجريتها الشعرية والروائية وعلاقتها بالثقافة العربية، ومشاريعها في ترجمة ونشر مختارات من الشعر العربي والفارسي ضمن منشورات الدار التي ورثتها عن أبيها، إضافة إلى إلقاء بعض قصائدها من ديوانها (حجر النار)، وهي قصائد ذات أجواء عربية تحتوي على مفردات البخور والرقص والناي والدف وورود الياسمين مجتمعة في حديقة الأسرار إشارةً عالم الشرق الغامض، وربطت هذه المفردات بالمفردات التي تضمنتها روايتها (رجل عدن والسيدة ذات العيون الزرقاء)، التي ترجمها إلى العربية الدكتور طلعت شاهين، وصدرت عن دار سنابل بالقاهرة، وكتبتها خانيس من وحي رحلتها إلى صنعاء لحضور اللقاء الشعري العربي الإسباني، وتعكس خلالها الحياة في العاصمة اليمنية التي يعيش فيها الإنسان مستخدماً أحدث أدوات التكنولوجيا، مع احتفاظه بعاداته وتقاليده التي تعود إلى قرون مضت، مما يجعل اللقاء بين الكاتبة وزملائها من المبدعين العرب لقاءً بين الحضارتين الغربية والشرقية، لقاء له مذاق خاص، يدفع ببطلة الرواية، المرأة الأوروبية ذات العيون الزرقاء والحاسرة الرأس إلى الغور في أعماق المدن اليمنية التي زارتها، وبشكل خاص صنعاء وعدن، لأنهما مدينتان تدعوان إلى المغامرة، وتجد أول خيط سري يجذبها إلى تلك الحياة في "صبية الخبز" التي تحمل طبقها متجولة في شوارع صنعاء، وتحاول البطلة أن تتبعها لعلها تستطيع أن تقيم معها تفاهماً، يسمح لها بدخول "الحريم" المتخيل في عقلها الغربي، والذي لا تعرف عنه سوى ما طالعته في "ألف ليلة وليلة"، والأفلام السينمائية الغربية، التي كان اليمن مسرحاً لتصوير بعضها، وما تقرأه من كتابات انتشرت في الغرب مؤخراً حول وضع المرأة العربية، وما سمعته من حكايات لأشخاص يدعون أنهم زاروا بلادنا واطلعوا على أسرارها. لكن افتقاد لغة الحوار مع صبية الخبز لم يُمَكِّن البطلة من اختراق الحاجز اللامرئي، فظلت على حدود المعرفة بالمجتمع الأنثوي المغلق على نفسه في اليمن، عندها قررت أن تلجأ إلى المثقفين العرب الذين تختلط بهم في الفندق، رغم أن حب استطلاعها لم يجد تشجيعاً من جانب زملائها من الجانب الإسباني، وكأن حالة من التوجس تلبستهم جميعاً، ودفعت بهم باتجاه الإبقاء على الحاجز بين الثقافتين، بدلاً من التوصل إلى تخطي هذا الحاجز الوهمي، فكانوا (أي الإسبان) يتجنبون الاختلاط بزملائهم من المثقفين العرب الذين يشاركونهم اللقاءات الثقافية، وحتى في الفنادق وطاولات الطعام، فتقرر المغامرة وحدها. ويُعَرِّضها هذا البحث عن "المعرفة" للمجتمع العربي، إلى أن تصبح محط أنظار عيون الرجال العرب، من الشعراء والنقاد المشاركين في اللقاء الشعري، دون أن تنتبه إلى أن "المثقف" العربي أكثر تردداً من "صبية الخبز"، بل أن مرض هذا المثقف العربي المتمثل في "ازدواجيته" أو "فصامه" قد يُعَرِّض محاولاتها تلك لخطر حقيقي! تقول خانيس في مقطع من الرواية: "أرى شاباً يتقدّم بكأس ويرشنا بالعطر، وبعدها ينقل كأساً زجاجية مزخرفة من يد إلى يدٍ بين الحاضرين تحتوي الكأس على دخان وهو البخور وعليها ألوان من الزهور، وشكل الكأس مثلث على قاعدة عريضة". وتشبه خانيس هذه الكأس بالكلمات التي تنتقل بين الثقافات. وقد استرجعت لحظة وصول كأس البخور إليها من الشرق الأوسط عبر الأمواج الإذاعية، حينما كانت طفلة مريضة لم تبلغ السادسة من عمرها، حيث التقطت بالصدفة موجة راديو مغربية لتسمع موسيقى بدت غريبة للوهلة الأولى، ولكنها هزتها من الاعماق، ثم عادت إليها مرة أخرى حتى شفيت من مرضها، لتجد بعدها اسطوانة لموسيقى أندلسية في مكتبة والدها. وأشارت خانيس إلى مرحلة ثانية حين ذهبت برفقة أبيها، not;بعد مرور سنوات على تلك الحادثة، not;لحضور مؤتمر لأحد أصدقاء أبيها المهتم بالموسيقى المغاربية، وعرفت عندها الكتب التي تتناول الأغاني الاندلسية، ومنها المختارات الشعرية لابن سعيد المغربي، فدرست صورها الشعرية المدهشة، لتصل إلى يدها كأس البخور ثانيةً. وفي محطة ثالثة قرأت خانيس في بداية الثمانينات كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي، لتتعرف على الأساطير العربية التي ترسم صورة العمارة العربية والطبيعة الجميلة ممزوجة بالمظاهر الملحمية التي تدل على البطولة، مشكلةً بانوراما قريبة جداً وبعيدة في الوقت نفسه، وهو ما أوصلها إلى كتب أخرى منها كتابات ابن عربي، وأشعار صوفية أخرى بالتركية والفارسية. وتحدثت خانيس عن رحلتها المميزة إلى صنعاء لحضور مؤتمر للشعراء العرب والإسبان عقد فيها ، ولقاءاتها مع أدونيس، وعبد الوهاب البياتي، وشعراء عرب آخرين، وكانت لا تزال تعيش قصة حب مجنون ليلى لتجد نفسها محاطة بذات الوجوه والأسطورة وأسلوب الحياة الذي كان سائداً، حيث النظرة هي وسيلة الاتصال التي تثير الرجل أو المرأة على حد سواءن وتعبر عن كل ما هو غامض. وختمت خانيس حديثها بأن الرغبة كانت موضوع روايتها (رجل عدن)، الرغبة بكل أبعادها ومظاهرها حيث اللون والرائحة والصوت والذوق، كما أعطت اسم قيس لبطل الرواية في تلك الأجواء الجميلة المستحيلة. واشارت إلى أن هذه الرواية هي محاولة للاقتراب من الحياة السرية التي تعيشها المرأة، والعلاقة مع الحركة المتمثلة بالرقص.
ورغم إعجاب بعض النقاد العرب برواية خانيس هذه، فقد رأى بعضهم الآخر أنها تعكس مرة أخرى الصورة النمطية للرجل العربي في المخيال السردي الأوروبي - والغربي عموماً - والمتكونة أصلاً من القراءة الشعبوية للمتون السردية العربية - ألف ليلة وليلة بخاصة - فهذه المتون ولا سيما الليالي ركزت عبر القراءة الاختزالية غير المدعمة بالمعرفة الاجتماعية القريبة صورة الرجل العربي - الوحش وزير النساء الذي لا يتردد في اغتصاب ضحيته المشتهاة لا سيما اذا كانت شقراء بعينين زرقاوين... ولم يعرف على وجه التحديد ان كان عمل الكاتبة (روايةً)، كما حدّد المترجم، أم أنها مذكراتها وذكرياتها عن رحلتها اليمنية، وما صادفها خلالها، أو صادفته وحاولت استرجاعه هنا بتفاصيله ودقائقه، فالساردة تتطابق تماماً مع الكاتبة: جنسها وجنسيتها، وكذلك ضمير السرد الأول حيث تروي بضمير المتكلمة، والى جانب ذلك ثمة المكان والمناسبة والسياق الحدثي كله.
تعد كلارا خانيس من أبرز الكاتبات المعاصرات في اسبانيا، تكتب الشعر والرواية والنقد، ولها ديوان (ملاك الظل) و(الطيور النارّية) و(حجر النار)، وتمارس الترجمة إلى الأسبانية، التي نقلت إليها أعمالاً عدة للمتصوفة الكبار الحلاج، وجلال الدين الرومي، وحافظ الشيرازي وغيرهم، إضافة إلى أعمال إبداعية لمارجريت دورا، وناتالي ساروت، ووليام جولدنج. وتعمل الآن على إصدار مختارات شعرية للمتنبي تضم 101 قصيدة، إضافة إلى أشعار صوفية مترجمة عن الفارسية. ولدت في برشلونة عام 1940، وحصلت على الليسانس في الفلسفة والآداب في بامبلونا، ودرست الأدب المقارن في جامعة السوربون في باريس، ونشرت عملها الأول (النجوم المنتصرة) في عام 1964، وفازت بجائزة مدينة برشلونة في المقال في عام 1972عن مقالها (الحياة الصامتة لفدريكو مونبو). وفي العام نفسه حصلت على جائزة ) كافيه خيخون)، كما حصلت على جائزة مدينة برشلونة في الشعر في عام 1983 عن ديوان (يعيش). وكان المترجم الدكتور طلعت شاهين؛ الذي يقيم في إسبانيا، قد أسهم في تعريف القارئ العربي بأعمال خانيس بترجمته وتقديمه ديوانها (حجر النار)، الذي تستلهم فيه حكاية مجنون ليلى، وصدر عن المجمع الثقافي في أبو ظبي عام 1998.