عندما يكون لكل حجر هوية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أسامة العيسة من بيت لحم: للوهلة الأولى يبدو، أن فلسطين لا تملك الوقت، في حومة الظروف السياسية القاهرة، للاحتفاء بنشاطات ثقافية، خارجها، أو حتى فيها، وهو صحيح نسبيا، ولكن الأمر لم يكن كذلك فيما يتعلق بمعرض للفنان الفوتوغرافي الإيطالي لاندريا ميرلي، عن أحجار الأردن. ولاندريا ميرلي مقيم في فلسطين منذ أيلول (سبتمبر) 2004،
اعد مشروعا تصويريا عن جدار الفصل الذي تبنيه إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، قدم فيه رؤيته لهذا الجدار، ولخص ذلك بالكلمات التالية:
الجدار غير كاف
ليقرر من على الحق ومن على الباطل
ليقيم حدودا عشوائية
ليقرر قانون الأقوى
الجدار غير كاف
ليحجب الأفق عن الأرض
ليحجب أمة في قفص
لتنسى ما خلف الجدار
الجدار غير كاف
ليلغي حق الشعوب في تقرير مصيرها
ليمنع العيون من التصالح
ليعرقل خطوات من يطلب المعرفة
بحار من رمل
وبدعم من مركز السلام في بيت لحم، أنجز ميرلي ما يسميه مشروعه التصويري الثاني، ولكن هذه المرة عن الأردن، وحجارتها، وتحديدا عن حجارة موقعين مهمين فيها هما
لبتراء ووادي رم. والتقط ميرلي خلال شهر نيسان (أبريل) 2006 اكثر من 200 صورة في هذين الموقعين، ومن بينها اختار 38 صورة، شكلت معرضه الذي اسماه (أحجار من الأردن) الذي افتتحه في مركز السلام برعاية السفير الأردني لدى السلطة الفلسطينية يحيى القرالة، الذي ناب عن وزير سياحة بلاده منير نصار في افتتاح المعرض.
ووجد القرالة في معرض عن أحجار الأردن، مناسبة للترويج السياحي للبتراء التي وصفها بالمدينة الوردية ووادي رم الذي قال عنه بأنه بحر من الرمال.
وقال القرالة بان أي زيارة لبلاده ستكون ناقصة دون زيارة هذين الموقعين، أما ميرلي فحاول من خلال صوره تسليط الأضواء على تشكيلات الصخور الوردية، المعروفة على نطاق واسع، ولكنه حاول التميز من خلال التركيز على تفاصيل الحجارة واظهار هوية متفردة لكل حجر وتكوين منها.
وربط ميرلي، بذكاء بين الحجر والبشر، من خلال قصة المواطن الأردني عازم الذي اصبح جزءا من الصحراء وحجارتها لا يستطيع أن يعيش بدونها.
ليل ونار وويسكي بدوي
يقدم ميرلي لرواد معرضه الأردني الصحراوي عازم، من خلال حكايات متداخلة، تكمل ما أراد أن يقوله من خلال صوره.
يحكي ميرلي "مد عازم يده لتناول الجرة. كان الماء في إبريق الشاي على وشك الغليان وحان الوقت لإضافة السكر. قام بوضع أربعة ملاعق سكر وتذويبها في الماء، ومن ثم فتح علبة صغيرة وأخرج منها كيس ورقي مليء بالشاي المجفف وأسقط أوراق الشاي المفتول في الإبريق. بضعة دقائق على النار إلى أن يجهز الشاي".
لكل حجر هوية
وجعل ميرلي من حكاية شاي صديقه الصحراوي مقدمة لما يريد أن يقوله عن البشر والحجر، ويشير إلى انه بعد أن اعد عازم الشاي، أو الويسكي البدوي سمع شخصا يسال: هل يوجد شاي لي؟، ولم يكن ذلك سوى صوت عدنان صديق عازم.
يقول ميرلي "سمع عازم صوت عدنان يقترب ويظهر من الظلام. برز وجه صديقه المبتسم في الجهة الثانية من نار السمر. تصافح الاثنان وجلس عدنان بجانب حزمة من الأغصان التي تم حفظها لاستدامة شعلة النار لبضعة ساعات إضافية. ومن كل اتجاه، كان صمت الصحراء المتواصل يغمر أذانهم، صمت غير مبال للرياح التي كانت تلعب بقماش الخيمة الثقيل".
ولكن من هو عدنان هذا، يعرفنا ميرلي بالقول "أتى عدنان من العقبة حيث انتقلت عائلته إلى هناك قبل بضعة أعوام سعيا لتحصيل بعض الدنانير. ولكن عدنان لم يتأقلم بجو الساحل، وبعد فترة من التنقل المستمر ما بين مطابخ وغرف الطعام التابعة لفنادق فظيعة قرر الرجوع إلى الصحراء. وبالنظر نحو الجنوب، تمكن من رؤية وميض أضواء المدينة التي بالكاد قادرة أن تتغلب على ظلمة الليل السوداء".
وبعد أن جلس عدنان بجانب عازم حول نار الصحراء الليلية "ملأ عازم كأسا آخر بالشاي وأعطاه لصديقه. شرب عدنان رشفة، وأخذ يحرك النار بعصا وجاء على باله سؤالا كان
قرب عازم إبريق الشاي من النار للحفاظ عل دفئه ورد على عدنان "في الواقع، لا من حجرين متشابهين. كل قطعة حجر تختلف في حجمها ووزنها ولونها، حتى إذا كان حجرين من نفس الأرض، لا يمكن أن يكونوا متشابهين أو ملائمين لشق واحد".
أخذ حجرا من خلف الزبدية وسأل عدنان " أنظر إلى هذا. ما المشكلة؟"، كان عدنان مندهشا ولكنه قرر أن يلعب اللعبة فقال "إنه حجر صغير داكن اللون ودائري".
رد عازم بتساؤل استنكاري: فقط؟
يكمل ميرلي القصة "حرك حازم الحجر ومسح رمل الصحراء عنه ووضعه في كفة يده. كان الحجر منبسطا، زواياه ملساء وشكله كالهلال. كان لونه كلون الصدأ مخططا بعروق واضحة وبارزة. ولأول مرة، لاحظ عدنان التفاصيل وكاد أن يفقد إهتمامه المتزايد بقطعة حجر من الصحراء".
عرض عازم الحجر إلى ضوء النار المباشر "فظهرت فيه شقوق دائرية بدت كمسالك لكواكب غير نظامية تدور حول شمس وهمية. وكان نمط العروق والشقوق فيه كاسترداد مقطع عرضي لزند خشبي، أو ربما تموجات متزايدة في محيطها ناتجة عن إلقاء حجر في الماء".
حاول عدنان أخذ الحجر من يد عازم ولكن سرعان ما سحبه عازم قائلا "انتظر.. هنالك المزيد".
أخذ عازم أنبوبة وقعت بجانب الزبدية وصب قليلا من الماء في الحجر. وفجأة "شع الحجر لونا أحمر وبدت عروقه كألياف في عضلة. أخذت قطرات صغيرة تتراقص حول العروق مترددة عند سقوطها على الرمل. وبينما قام عازم بقلب الحجر، عكس سطحه المبلول ضوء النار وأخذ بالبريق. أذهل عدنان بأوجه الحجر المتغيرة وأخذ يتساءل عن نوع المعدن الذي يحدث مثل هذه الإثارة للعواطف".
شعر عازم بتساؤل صديقه الصامت، فلف نفسه نحو صديقه وقال "لا من شيء لم تراه من قبل. حجر ونار وأنبوبة ماء. كل ما في الأمر هو الطريقة التي ننظر بها إلى هذه الأشياء. والأهم من ذلك الوقت المستحق للتفكير بها".
أتم عدنان كأس الشاي بينما ألقى عازم غصن آخر في النار التي أوشكت على الانطفاء. وهنا سأل عدنان صديقه عازم: هل بإمكاني الاحتفاظ به؟، ناول عازم الحجر لصديقه قائلا: ما في مشكلة، هنالك الملايين منها في كل مكان بانتظار العثور عليها.
وبالنسبة لميرلي لم يصور ملايين الحجارة، ولكن صور بعضها، الذي يمكن أن يراها المرء ولا يشعر بالدهشة من شكلها، ولكن ميرلي حاول أن يظهر هوية كل حجر وتفرده تاركا لرواد معرضه طريقة النظر إلى الأشياء، وتخصيص وقت مناسب لذلك.