رحيل عوبديا شاعر عراق أيام زمان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
(بغداد 1924- حيفا 2007.1.1)
توفي في الأول من يناير 2007 في مستشفى الكرمل في حيفا آخر الشعراء اليهود من العراق من الذين تمسكوا بعمود الشعر العربي وتياره الرومانسي، الشاعر الأديب إبراهيم عوبديا عن عمر يناهز الثانية والثمانين بعد أن نشر 15 كتابا منها 12 ديوانا شعريا. لمع نجم شاعرنا في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي في العراق ثم أصبح من أغزر الشعراء اليهود إنتاجاً، وأكثرهم غنائية وأجمحهم عاطفة. كان شابا وسيما ألهبت مشاعره غراميات شوقي وإبراهيم ناجي وإلياس أبو شبكة وغيرهم من كبار شعراء العربية المحدثين.
ويعد الشاعر عوبديا من كبار الشعراء اليهود النازحين من العراق إلى إسرائيل، نظم الشعر الموزون المقفى بسليقة أذعنت لها القوافي والبحور الشعرية وملأها بالحنين إلى بغداد الأربعينات، إلى داره في بريهة قرب عشار البصرة حيث قضى شطرا من حياته، وجاشت أبياته بعواطفه الوجدانية التي تعكس سيرة حياته وغرامياته والأحداث السياسية
اقرأ أيضا:
د. نسيم قزاز: اضافات لسيرة ابراهيم عوبديا
والاجتماعية التي عاصرها في العراق وإسرائيل. رحل إلى رحمته تعالى بعد أن أقعده المرض مدة سنتين ولكنه لم يستطع النيل من صفاء ذهنه وعاطفته الجياشة وحنينه إلى العراق الملكي وتحسره لما جرى ويجري في العراق منذ مغادرته له هربًا من ملاحقة السلطات العراقية للوطنيين العراقيين ممن انتقدوا سياسة الحكومة لاضطهادها لأحرار العراق. واصل نشر دواوينه الشعرية باللغة العربية الفصحى التي أحبها وجرت في عروقه كإكسير الحياة بعد هجرته إلى إسرائيل ولم يفكر يوما في الكتابة باللغة العبرية. حافظ على استقلاله الفكري وحبه وإخلاصه للعراق كوطني عراقي ولم يشأ التعاون مع الشيوعيين العرب واليهود في مجلتهم "الجديد" وجريدتهم "الإتحاد" الصادرة في حيفا، ولم يشأ التقرب إلى أوساط الأحزاب الصهيونية فبقي أمينا لآرائه ومبادئه التي ترى في الوطنية العراقية والإخلاص لها طريق الخلاص للعراق. كان يشعر بالعزلة الروحية، فالشعراء المبتدئين من القادمين من العراق اهتموا بالتيارات الحديثة للشعر الحر واليسار السياسي، ولم يشعر بصلة روحية وفكرية وثيقة بالشعراء الشباب من عرب إسرائيل لاتجاهاتهم الأدبية والسياسة والفكرية المغايرة له. كان الشاعر مراد ميخائيل (1906-1986) الذي قدم من العراق عام 1949 والشاعر الصحفي ميشيل حداد (1919-1997) أقرب الأدباء والشعراء من يهود العراق وعرب إسرائيل إلى قلبه فكانا يواسيانه بنشر قصائده في جريدة "اليوم" التي كانت تصدر في يافا والتي كان مراد ميخائيل من محرريها وفي مجلة "المجتمع" التي كان يصدرها ميشيل حداد في الناصرة (1954-1959، 1979- 1997). فلما قدم إلى إسرائيل في عام 1971 الشعراء والأدباء أنور شاؤل ونعيم طويق وسليم البصون ومراد العماري وغيرهم من ذوي الأعمار المتقاربة ومن هواة الشعر العمودي دبّ فيه النشاط الأدبي مرة أخرى وشارك معهم في أمسيات شعرية وفي نشر المقالات في الصحف العربية الإسرائيلية وفي كتابة الأغنيات العراقية باللهجة الإسلامية التي كانت تذاع وما تزال من صوت إسرائيل باللغة العربية بتلحين صديقه الوفي المطرب صالح الشبلي ورعاية السيد شفيق كباي المشرف على الأغاني العراقية والخليجية في الإذاعة.ولد هذا الشاعر الموهوب في بغداد سنة 1924 لأسرة ميسورة تتعاطى تجارة الأخشاب المستوردة واهتمت بالفن والشعر والموسيقى والغناء. كان أخوه جورج عوبديا من كبار مخرجي الأفلام الشرقية العاطفية في إيران وإسرائيل والتي أصابت فيهما رواجا منقطع النظير بالرغم من النقد اللاذع الذي قابله نقاد السينما لعاطفيتها. وقد كشفت هذه الأفلام الهوة الثقافية والاجتماعية بين يهود الشرق ويهود أوربا، إذ اعتمد في أفلامه على ميوعة العواطف والحب العنيف والصدفة والقدر الأعمى والموسيقى والغناء والرقص الشرقي.
انتقلت أسرته إلى مدينة البصرة وهو في الرابعة من عمره. وفي عام 1940 انتقل إلى بغداد لإتمام دراسته في المدرسة الثانوية للبنين. عمل في التجارة ونشر دواوينه الشعرية في بغداد والقاهرة إلى شهر نوفمبر عام 1948 وكان إذ ذاك قد نبغ في العراق منذ العشرينيات من القرن الماضي جيل من الشعراء اليهود الذين تلقوا ثقافة علمانية حديثة، وقد
لمع اسم إبراهيم عوبديا في عالم الأدب والشعر فجأة، وما زلت أذكر كيف كنت- وأنا أسير في شارع الرشيد، في طريقي إلى مدرسة فرنك عيني- أشاهد دواوين شعره في المكتبات العامة، وصورته وهو يدخن سيجارته بنظراته الساهمة في واجهة المصور "أرشاك" أشهر المصورين في بغداد في الأربعينات.
كانت قصائده العصماء في الملك فيصل الثاني والوصي على عرش العراق الأمير عبد الإله والعائلة المالكة والجيش العراقي التي عبر فيها عن ولائه للعراق الناهض، تذاع من محطة إذاعة بغداد في مناسبات شتى حتى في الأيام العصيبة التي مرت على يهود العراق بعد قيام دولة إسرائيل، فتنصل من الصهيونية وأعلن عن وطنيته ووطنية يهود العراق وإخلاصهم لمسقط رأسهم. وهكذا عرف الشباب العراقي المثقف إبراهيم عوبديا من خلال الإذاعة والصحف اليومية والمجلات العراقية بين السنوات 1945-1951. أما القراء في البلاد العربية فقد عرفوا شاعرنا من خلال ما نشر له في مجلة "الأديب" البيروتية لألبير أديب وغيرها من المجلات المصرية "كالثقافة" لأحمد أمين و"الكاتب المصري" لطه حسين و"الكتاب" لعادل غضبان وغيرها وكـ"الأمانة" و"العرفان" السوريتين و"الثريا" التونسية.
وفي أواخر عام 1949 عاد إبراهيم عوبديا من إيران إلى بغداد بعد مغامرة عاطفية استمرت عاماً كاملاً، وفي عودته إلى العراق رأى بغداد أخرى، بغداد تلفظ مواطنيها اليهود الذين آوتهم ألفين وخمسمائة سنة أو أكثر، أصدقاء وأقرباء يختفون إما هربا إلى إيران أو هجرة إلى إسرائيل أو يودعون في غياهب السجون العراقية بتهمة الشيوعية أو الصهيونية أو بكلتيهما معاً، وقد صور شاعرنا بالكلمات كل ذلك في قصائد ديوانه "صيحة من عراق العهد البائد" وحين غدا العراق جحيماً لا يطاق بالنسبة لمواطنيه اليهود هجره شاعرنا مرة أخرى وحلَّ في إيران "لاجئاً" وترك وراءه ماضيه بعد أن نشر خمسة من الدواوين الشعرية.
في شعر إبراهيم عوبديا غنائية ورقة عاطفية وأسلوب سلس متين وقافيته متممة لمعنى البيت. وبالرغم من عدم تمرده على قيود الوزن أي عروض الشعر وبالرغم من التزامه القافية الموحدة في جلّ قصائده، فقد أجاد شاعرنا في شعره الوجداني والعاطفي أيما أجادة مع تمسكه بعمود الشعر الذي لا يبيح الحرية الكافية للشاعر في التجديد. ففي قصائده الوجدانية وخاصة في قصائد ديوانه "زهرة في خريف" (1950) بلغ ذروة شاعريته واقترب فيها من منزلة كبار الشعراء العرب الرومانسيين في ملاحمهم الغرامية أمثال الشاعر المصري إبراهيم ناجي في رائعته "الأطلال" وإلياس أبو شبكة في "غلواء" (1945) وديوانه "أفاعي الفردوس" (1938)، ففي قصائد إبراهيم عوبديا في ديوانه "زهرة في خريف" يصور حب الشاعر البائس لإحدى بائعات الهوى في طهران وحبه الطاهر لها وغدرها به وعودته إلى العراق مثقلا بجراح الهوى وهو في تجربته هذه يشبه الشاعر إبراهيم ناجي في "الأطلال" وتجارب إلياس أبو شبكة في "أفاعي الفردوس" في ندمه من الخطيئة والشهوة وتمزقه بينها وبين الحب الطاهر وعذريته.
وفي إسرائيل بعد أن التحق شاعرنا بأسرته عام 1951 المكونة من زوجته وبناته الثلاث عمل ضابطا في شرطة المكوس في ميناء حيفا والضفة الغربية ونال استحسان المشرفين عليه ومنح جوائز تقديرية عديدة. كانت داره مفتوحة للشعراء والأدباء والملحنين والمطربين العراقيين يتحفهم بأغنياته وقصائده وموائده العراقية التي كانت تعدها جوليت زوجته الصبورة المخلصة للزوار كل يوم.
نشر الكثير من القصائد والمقالات في العديد من الصحف الصادرة في إسرائيل كصحيفة "اليوم" و"الأنباء"، وفي بعض المجلات كـ"المجتمع" و"حقيقة الأمر" و"الشرق" التي مازال يشرف عليها د. محمود عباسي من شفا عمرو، وقد كرّس معظم قصائد ديوانه "أخي ستشرق الشمس" (مطبعة الحكيم، الناصرة، 1977) للدعوة للسلام في هذه المنطقة من العالم وشجب الحروب ودعا إلى التفاهم والحوار وإخاء الأديان، وقد أُهدي الديوان "إلى كل إنسان يؤمن بالسلام ويعمل من اجله". وذلك قبل زيارة الرئيس المصري المغفور له أنور السادات لإسرائيل.
وفي العام 1980 صدر للشاعر إبراهيم عوبديا ديوان شعر جديد بعنوان "امرأة في شعري" (الناصرة مطبعة الحكيم) ضمّ بين دفتيه 48 قصيدة ومقطوعة من الشعر في المرأة والحب، والماضي والذكريات، والمسامرة والطرب، والأمل وخيبة الأمل، واليأس والألم والضمير الإنساني العجوز المتعب.
ويعد ديوانه "صيحة من عراق العهد البائد" من روائع الشعر الوطني العراقي وفيه يتحدث الشاعر بصدق عن موقف السلطات العراقية الحاكمة من مواطنيها يهود العراق واضطهادهم وتشريدهم ومحاولة طمس آثارهم في تأريخها الحديث وما لاقاه الشاعر من إجحاف كما نرى في قصيدته (في ظل كابوس) التي كتبها في إيران سنة 1951:
ببغـداد آثار لنـا ضاع بعضهاوشُـوّه مـنها بعـضها بـعـد تدليـس
وجُرِّد بعضُ من عـريق سماتهوأُسقط بعـضٌ من بطـون الكـراريـسِ
ونُحِّـيَ مغـضوباً عـليه كأنمابـتـكريـم ذكـراه امتـثـال لإبليـسِ
قد اضطهِدَت آثارنا مثـل أهلهافعـاشت مع الكـابوس فـي ظل كابوس
وقد نظم إبراهيم عوبديا الشعر في عراق الأربعينات وواصل النظم بعد هجرته إلى إسرائيل في مطلع الخمسينيات وواصل مسيرته الشعرية إلى يوم وفاته حين حاول إعادة نظم قصيدتي "الرحيل" حسب عمود الشعر التقليدي من تقسيم البيت إلى صدر وعجز وقافية موحدة ليظهر تفوق الشعر العمودي على الشعر الحر.
كان إبراهيم يحب الحديث مع أصدقائه حتى في إسرائيل باللهجة العراقية الإسلامية لأنه كان يرى فيها فحولة البادية على نقيض اللهجة اليهودية التي كان يرى فيها ميوعة المدينة والتي حفظت في الأحياء اليهودية في بغداد وبين المسلمين في تكريت وفي الموصل وهي المناطق التي لم تغزها اللهجة البدوية الجنوبية. وقد تمسك إبراهيم بلغة الضاد التي أحبها والتي أغنى بها مكتبة الأدباء اليهود الذين ينشرون إنتاجهم الفكري والروحي والعاطفي في إسرائيل باللغة العربية. ثابر الشاعر إبراهيم عوبديا على الكتابة باللغة العربية بالرغم من انصراف معظم اليهود النازحين من البلاد العربية عن قراءة الكتب باللغة العربية واهتمام القراء العرب بالكتب المستوردة من البلاد العربية والتي تعالج قضاياهم لا قضايا الأدباء اليهود العراقيين الذين ظل بعضهم مثل إسحق بار- موشيه وسمير نقاش يلعقون جراح الهجرة ويحنون إلى أيام العراق التي ذهبت إلى غير رجعة. فتراهم بعد حوالي نصف قرن في إسرائيل ما زالوا متمسكين بها كلغة التخاطب بين الأهل والأصدقاء ومتمسكين بعادتهم وتقاليدهم في الأعياد والمناسبات العائلية بالرغم من انقراض جيل الآباء وانصراف الأبناء إلى اللغة العبرية وثقافتها وانتقال الصحافة وإذاعة صوت إسرائيل التي كان يديرها المثقفون اليهود النازحون من العراق بعد بلوغهم سن التقاعد إلى أيدي الشباب العرب ممن تلقى تعليمه في جامعات إسرائيل ومعاهدها التعليمية العالية، ولم يبق من كتاب العربية اليهود سوى القليل الذين وقفوا أمام الزمن كالعمالقة يكافحون التيار الاندماج الثقافي ويصرون على التعبير بها.
أما صديقنا الشاعر والأديب المرحوم إبراهيم عوبديا فقد أضاف إلى جانب إنتاجه باللغة العربية الفصحى أغانيه العاطفية باللهجة العربية الإسلامية وهي اللهجة الرسمية في الأغاني العراقية عامة ونشرها في كتابه "أغنيات عراقية" وهو مجموعة من الأغنيات من لون الغناء الشعبي العراقي الحديث (1994)، ما زالت هذه الأغاني تغنى في صوت إسرائيل بصوت المغنين اليهود العراقيين بمصاحبة صديقه الوفي صالح الشبلي ومن بقي من جوق موسيقى الجالغي البغدادي الأصل والذي يشرف عليه الفنان شفيق كباي. وما تزال أغاني عوبديا وأغاني المغنين العراقيين تحافظ على البقية الباقية من مهج الكهول في إسرائيل تسلى شيخوختهم في أمسيات يعقدونها بقيادة اسحق ابو العز ويئير دلال وغناء من بقي من المطربات والمطربين مثل إيمان (سوزان شهرباني) وراحيل يحزقيل وصبري عاشور (أبو يعقوب) وصالح الشبلي وعزيز جلال ودلال سلم ويعقوب نشاوي وميلو حمامة ويوسف بغدادي ونسيم مجبورة وغيرهم من الغيورين على التراث الفني العراقي من الذين نقلوا عراقهم إلى بيوتهم ونواديهم وعاشوا في عالمهم المغلق مع ذكرياتهم ولغتهم وتقاليدهم وعاداتهم وانطووا محافظين عليه بغيرة لا يرضون عنه بديلا، وما زالت تغنى كذلك في مركز تراث يهود العراق الذي شيد في أور- يهودا مع المتحف اليهودي العراقي، وقد نشأ جيل من العلماء اليهود العراقيين يؤرخ للغناء العراقي وعلى رأس هؤلاء يقف البروفسور اسحق أبيشور من جامعة حيفا وهو من مواليد عانة ويعاضده البروفسور أمنون شيلواح من الجامعة العبرية وهو من أصل حلبي، وقد قاما مشكورين بنشر كتب عديدة واسطوانات وكاسيتات وأفلام فيديو باللغة العبرية عن تاريخ الغناء والأغاني اليهودية الدينية والعلمانية وقدما بذلك خدمة جليلة لتاريخ العراق الفني. ويعقد عازفون ومغنون عراقيون أمسيات غنائية عراقية في النوادي والجمعيات العراقية في رمات- كان (ومعناها باللغة: هضبة الحدائق، وتعرف أيضا بـ"رمات بغداد" (هضبة بغداد) لأن أغلبية سكانها من يهود العراق) وفي تل أبيب ويافا وحيفا وبئر السبع وغيرها من المدن التي يقطنها عدد كبير من العراقيين اليهود في إسرائيل.
ولم يأبه إبراهيم عوبديا بانتقاد أصدقائه اهتمامه ونظمه باللهجة العراقية وبدعوى إن كتابة الأغنيات باللهجة العامية تحط من قدره كشاعر معروف باللغة العربية الفصحى. فهو يفخر بأنه قام برفع مستوى الأغنية الشعبية باللهجة العامية العراقية وأغناها بالأفكار والعواطف والألحان، فكان بعمله هذا أول شاعر يهودي يقوم بهذه الخطوة الجريئة وخاصة عندما نشر ديوانه "أغنيات عراقية" باللهجة العامية عام 1994. وشاعرنا يحب اللهجة الإسلامية العراقية ويتكلم بها مع أصدقائه وكان يفضلها على اللهجة اليهودية القريبة من لهجة المسلمين من أهالي مدينة تكريت مسقط رأس الرئيس العراقي صدام حسين، وتكتسب هاتان اللهجتان بصوت إبراهيم عوبديا الرخيم جمالا وروعة حتى انه يضفى على اللهجة اليهودية التي تعد أرق من اللهجة الإسلامية فحولة وجمالا.
اهتم العراقيون منذ عصور مديدة بالغناء الشعبي وكتبوا عنه المؤلفات المختلفة اشهرها كتاب صفي الدين الحلي (1277-1339)، "العاطل الحالي والمُرْخَص الغالي" الذي يتناول فنون المواليا والكانَ وكانَ والزجل والدوبيت وغيرها من أوزان الشعر العامي في القرون الوسطى، ثم أتحف العراقيين بكتابه الجديد "في دنيا المقامات والغناء الشعبي العراقي الفولكلوري"، خدمة لفنون الأدب الشعبي العراقي وليساهم في بحثه هذا في تعريفه للقراء.
وكتاب إبراهيم عوبديا هذا هو مجموعة مختارة من أحاديثه عن المقامات الغنائية العراقية أذاعها في أواخر السبعينات من دار إذاعة صوت إسرائيل باللغة العربية . وقد اعتمد في أحاديثه هذه على الكثير من المراجع والمصادر التي استطاع الحصول عليها في إسرائيل بالإضافة إلى ملاحظات أعانه عليها الموسيقار المرحوم صالح الكويتي.
أما آخر كتاب نشرتها له رابطة الجامعيين من العراق فكان "مع الغناء العراقي - مطربون ومطربات- وأغان من التراث (أورشليم - القدس، 2005). ضم العديد من مطربي العراق وأغانيهم ونبذ من حياتهم أهداه الى ذكرى صديقه "الصحفي العراقي الراحل الأستاذ الكبير أبي إبراهيم منشي زعرور"، جمع فيه 68 أغنية لخمسة عشر مطرب ومطربة مع نبذة من سيرة حياة كل واحد منهم.
كان إخلاصه وحبه لأصدقائه مضرب المثل، فكان يهديهم القصائد الإخوانية ومؤلفاته. وفي الشهر الأخير من حياته هاتفني كعادته كل أسبوع تقريبا وكان منزعجا، وهو يقول: "الآن تلقيت مكالمة تلفونية من بروكسل اخبرتي إحدى معارفي بانعقاد مؤتمر عن الأدب العراقي، سألت إحدى المستمعات المحاضر: لماذا لم تذكر الشاعر إبراهيم عوبديا؟ فكان جوابه: "هذا شاعر مدّاح، مدح العائلة الهاشمية المالكة ومدح نوري السعيد!" وسالني: "هل أنا شارع مداح يا أخي سامي؟ أنا لم أمدح نوري السعيد، لقد نظمت القصائد عن الملك فيصل والأمير عبد الإله عن حب وإعظام لأنهما كانا رمز العراق ومجده، أما عندما زاغ الوصي وغدر بصديقه البصري المرحوم شفيق عدس فقد هجوته. أنا كتبت قصائد إخوانية ولم أذكر إلا الحقائق فيمن نظمت فيهم قصائدي". إن ما نظمه من قصائد الإخوانيات لم يكن مديحا، بل كان وصف دقيق لأخلاقهم وانجازاتهم في الحياة، ولم يكن عن تكسب بالشعر بل بدافع الحب والإخلاص لأصدقائه ومن توسم فيهم الخير.
زرت عائلته للتعزية فناولتني زوجته آخر قصيدة كتبها قبل مغادرته الى مستشفى الكرمل، يرثي فيها نفسه ويصلي إلى الله متضرعا ليخفف من عذابه في أيامه الأخيرة:
صلاة
نَجّـني يا ربّ ممّا أنـا فِـيهواشفِني يا ربّ مما اشـتـكـيه
حيرتـني حالـتي مما أعـانيوكـأني ضعـتُ يا ربّ بتـيـه
سـيدي أنت ومـولاي إلـهيليـسَ لي إلا كَ ربٌ أرتجـيـه
سـيدي مولاي سـبحانك ربيليس لي غيرك عـون أبتغـيـه
سـيّـدي أنتَ إلهـي وملاذيلك أشـكو كـلّ خَطْب أشتكيـه
ربي وأرشدني لأنجوَ من عذابٍصرعتـني شـدةُ الآلام فـيـه
وهكذا رحل شهيد الحسرتين، حسرته على شبابه الضائع في عراق العهد الملكي وحسرته على ما جرى وما يجري في العراق اليوم. رحم الله إبراهيم عوبديا لقد كان شاعرا وإنسانا عراقيا أصيلا ببيته المفتوح للجميع وحبه وإخلاصه لأصدقائه غيرته على العراق وتراث العراق والوطنية العراقية. وهكذا بقي إبراهيم عراقيا إلى آخر لحظة من حياته، يبكي حنينا إلى عراق شبابه، فالتحق بمن هاجر من العراق وبمن مات مثلهم بحسرة زيارة العراق مرة أخرى ولو لساعة واحدة من الزمن، ولكن الله لن يستجيب لهم ما دام العراق لم يرعوِ عن غيّه ويواصل شقاقه وصراعه الطائفي والمذهبي في مذابح يومية، ترثي لها شعوب العالم ولا تفهم سببها.
كتبه ودواوينه:
1.خفقات قلب - الطبعة الأولى- مطبعة الرشيد ببغداد، سنة 1945.
2.وابل وطل - الطبعة الأولى- مطبعة الرشيد ببغداد، سنة 1946.
3.في سكون الليل -الطبعة الأولى- مطبعة الاعتماد بمصر القاهرة، سنة 1947.
4.وابل وطل وخفقات قلب - الطبعة الثانية - مطبعة العالم العربي - دار التوزيع والطباعة والنشر- القاهرة، سنة 1949.
5.زهرة في خريف -الطبعة الأولى- مطبعة الرشيد ببغداد في 15/2/1950
6.أخي! ستشرق الشمس، ديوان شعر - مطبعة الحكيم، الناصرة، 1977.
7.امرأة في شعري، ديوان شعر - مطبعة الحكيم، الناصرة، 1980.
8. صيحة من عراق العهد البائد، مع دار المشرق، (أورشليم- القدس، رابطة الجامعيين اليهود، 1990).
9.الظمأ الحائر، ديوان شعر، مع دار المشرق، (أورشليم- القدس، رابطة الجامعيين اليهود، 1990).
10.أغنيات عراقية - من الغناء الشعبي العراقي الحديث، مع دار المشرق، (أورشليم- القدس، رابطة الجامعيين اليهود، 1994).
11.ورود شائكة، مع دار المشرق، (أورشليم- القدس، رابطة الجامعيين اليهود، 1998).
12.في ميدان الأدب العربي، أدباء وشعراء، مع دار المشرق، (أورشليم- القدس، رابطة الجامعيين اليهود، 1999).
13.في دنيا المقامات والغناء العراقي، مع دار المشرق (أورشليم- القدس، رابطة الجامعيين اليهود، 1999).
14.أنا والشعر 60 عاما، مع دار المشرق، (أورشليم- القدس، رابطة الجامعيين اليهود، 2003).
15.مع الغناء العراقي - مطربون ومطربات- وأغان من التراث، (أورشليم- القدس، رابطة الجامعيين اليهود، 2005).
Professor Shmuel Moreh, Chairman, Association of Jewish Academics from Iraq.
كاتب المقال شاعر وناقد ورئيس رابطة الجامعيين اليهود النازحين من العراق